دولياتعالم

الازمة الاوكرانية تتفاقم: عقوبات اميركية، ووعيد روسي بـ «رد مؤلم»

الى اي مدى يمكن ان تصل الازمة الخاصة بالملف الاوكراني؟ وهل يمكن ان تصل الى مستوى المواجهة المباشرة؟ وتحديداً الى حرب كونية جديدة؟

سؤال يطرح بقوة على خلفية التطورات التي حدثت مؤخراً، وخصوصاً تلك المتعلقة بالعقوبات التي فرضت على روسيا بحكم موقفها من تطورات الملف. غير ان تلك التساؤلات تتوقف عند حدود القناعة بانها لن تتجاوز حدود العقوبات، وان اي تطور لها لا يمكن ان يتجاوز التفكير بما يمكن ان يوصف بـ «العقوبات المشددة». اما السبب في ذلك فهو المزاج الدولي العام الذي لم يعد قادراً على خوض حرب دولية جديدة. لكنه مستعد لاعادة ملف الحرب الباردة.
كيف؟
يعتقد متابعون لتطورات الملف الاوكراني ان الازمة دخلت مجال التعقيدات التي يصعب حلها. وان عمليات التصعيد بدت واضحة للعيان. بينما بدأت الدول الكبرى اكثر ادراكاً لصعوبة الموقف، واكثر خشية من تداعياته.
فالازمة التي تعتبر الاولى – بهذا المستوى – منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، دخلت مرحلة المزاوجة ما بين الحرب الباردة والمواجهة المباشرة، مع اختلافات طفيفة في بعض التفاصيل تبعدها عن صفة الحرب العالمية، وتقربها من اطار الحرب الباردة.

عنوان الازمة
اما عنوان الازمة فينحصر بين نقطتين: الاولى، اصرار غربي عموماً واميركي خصوصاً على عدم تمرير الموقف الروسي، والتعاطي مع الازمة بردود افعال محورها عقوبات اقتصادية وسياسية وغيرها. والثاني، اصرار روسي على عدم التراجع عن الموقف وتغليفه بفرضية «رغبة الشعب الاوكراني». وهي الفرضية التي يشكك بها الغربيون ويعتبرونها مشروعاً استعمارياً اولاً. ومحاولة لاستعادة نفوذ روسيا كوريثة للاتحاد السوفياتي، وند للولايات المتحدة في شتى المجالات.
يساعد في تشكيل تلك الصورة الموقف الروسي من الملف السوري، حيث استخدمت موسكو الفيتو ضد مشاريع قرارات اممية تنال من النظام السوري. ورفضت استخدام القوة ضد دمشق، لكنها في الوقت نفسه ادارت صفقة الكيميائي بين سوريا والدول الغربية الامر الذي ساعد في نزع فتيل ازمة كان من الممكن ان تعصف بالمنطقة ككل وان تغير مجرى الازمة الى مسارات مختلفة.
الجديد في مجال تعقيدات الموقف، العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي على روسيا. يقابلها تلويح بـ «رد مؤلم» من قبل روسيا.
ففي مجال العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا، شددت واشنطن التراخيص المطلوبة لبعض الصادرات عالية التقنية إلى موسكو، والتي يمكن أن تستخدم عسكرياً، وفق ما جاء في بيان للادارة الأميركية من مانيلا، حيث يتواجد الرئيس الاميركي باراك اوباما، في اطار جولته الاسيوية.
وجاء في بيان اعلنه جاي كارني المتحدث باسم البيت الابيض ان «الولايات المتحدة اتخذت اجراءً اضافياً للرد على مواصلة روسيا تدخلها غير الشرعي في اوكرانيا، وعلى انشطتها الاستفزازية التي تقوض الديموقراطية الاوكرانية، كما تهدد السلام والامن والاستقرار والسيادة وسلامة الاراضي الاوكرانية».
واضاف ان «روسيا لم تفعل شيئاً لتنفيذ اتفاق جنيف بينها وبين اوكرانيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، والذي من المفترض أن يكبح نشاط الانفصاليين الموالين لموسكو في شرق اوكرانيا، والتدخل الروسي في اعمال العنف الاخيرة في شرق اوكرانيا لا يقبل الجدل».

العقوبات
ولا تمس العقوبات الأميركية الجديدة بقطاعات محددة في الاقتصاد الروسي مثل المناجم والنفط. حيث يقول البيت الابيض إن عقوبات من هذا النوع لن تفرض من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، إلا في حال اجتاحت روسيا جارتها أوكرانيا.
ومن بين الشركات التي تستهدفها العقوبات «افيا غروب»، و«بنك سيفيرني مورسوي»، و«بنك انفيست كابيتال»، و«ترانزسويل»، و«مجموعة فولغا للموارد»، و«بنك سي ام بي»، و«بنك سوبين» و«زيست ليسينغ».
ومن الشخصيات المستهدفة بحظر السفر وتجميد الممتلكات اوليغ بيلافانتسيف، مبعوث الرئاسة الروسية إلى شبه جزيرة القرم، وسيرغي شيمزوف، مدير عام شركة روستيك المملوكة للدولة والمعنية بالصادرات عالية التقنية، وهو من المقربين إلى بوتين.
كما تستهدف العقوبات نائب الدوما اليكسي بوشكوف، وايغور سيشين رئيس مجلس ادارة شركة «روزنيفت»، شركة البترول الاولى في روسيا. واشارت وزارة الخزانة الاميركية إلى أن سيشين اظهر ولاءً واضحاً لبوتين.
بدوره، قرر الاتحاد الاوروبي الاثنين فرض عقوبات على 15 شخصية اضافية من روسيا واوكرانيا على خلفية دورهم في الازمة في اوكرانيا، وفق ما نقلت مصادر دبلوماسية. وستتعرض الشخصيات الـ 15 الى العقوبات ذاتها المفروضة على اكثر من 50 آخرين من حظر سفر وتجميد ممتلكات، رداً على رفض موسكو العودة عن سياستها في اوكرانيا. واتخذ القرار خلال اجتماع لسفراء الاتحاد الاوروبي الـ 28، الذين اجتمعوا لبحث تشديد العقوبات على موسكو. وتضاف الاجراءات الجديدة الى العقوبات التي اعلنت عنها واشنطن على سبعة مسؤولين روس و17 شركة على علاقة بالدائرة المحيطة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

تهديد روسي
في المقابل، توعّدت روسيا بـ «رد مؤلم» على العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على سبعة مسؤولين روس كبار و17 شركة ترتبط بالكرملين، بسبب موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أوكرانيا. وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف «سنرد بالطبع، ونحن متأكدون من ان هذا الرد سيكون له تأثير مؤلم على واشنطن». من دون أن يكشف المزيد من التفاصيل، مؤكداً أن امام روسيا مجموعة واسعة من الخيارات. في غضون ذلك، بدأ انصار روسيا في بعض المدن والمناطق الاوكرانية بتوسيع مناطق نفوذهم. وفي هذا السياق، قال متحدث باسم إدارة منطقة دونيتسك (شرقي أوكرانيا) إن انفصاليين مسلحين موالين لروسيا سيطروا على مبنى مجلس بلدية كوستيانتينفكا بشرق البلاد، بعدما فرضوا سيطرتهم على مقر الشرطة في البلدة. وأضاف المتحدث أن مطالب الانفصاليين هي المطالب عينها في بلدات أخرى، وهي استفتاء ونظام اتحادي للحكم. وذكرت تقارير صحفية أن نحو عشرين مسلحاً بمدينة كوستيانتينفكا يسيطرون على مجلس البلدية، وأن المسلحين مدججون بأسلحة ثقيلة وقد عمدوا لوضع متاريس بالمدينة، ورفعوا راية ما تسمى «جمهورية دونيتسك الشعبية».
وسيطر مسلحون على مكاتب التلفزيون والإذاعة بمدينة دونيتسك، وأمروا القائمين على المؤسسة الإعلامية بإذاعة بث قناة حكومية روسية. وسيطر مسلحون مؤيدون لروسيا على مبانٍ في بلدات ومدن بأنحاء شرق أوكرانيا الأسابيع القليلة الماضية، وتقول كييف وحلفاؤها الغربيون إن مؤيدين لروسيا هم الذين يؤججون الاضطرابات، بينما تنفي موسكو أي تدخل لها بالأمر قائلة إن ما حصل رد فعل تلقائي على قمع سلطات أوكرانيا للناطقين بالروسية. من جهته اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الغرب باستخدام اوكرانيا كـ «اداة في اللعبة الجيو-سياسية». وكان لافروف قال ان روسيا مستعدة للتدخل اذا تعرّضت مصالحها في شرق اوكرانيا للخطر كما حصل في اوسيتيا الجنوبية.

انتخابات مبكرة
واعتبر لافروف ان تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة في 25 ايار (مايو) في اوكرانيا التي تشهد حركة تمرد موالية للروس في الشرق، سيكون «مدمراً». وقال لافروف في تصريحات صحفية، ان تنظيم انتخابات دون التوصل الى ارضية تفاهم مع شرق وجنوب اوكرانيا – الناطقين بالروسية – سيكون مدمراً جداً للبلد». واضاف «عليهم ان يتأكدوا اولاً ان جميع المناطق الاوكرانية في وضع جيد، وانه يتم الاصغاء اليها ومشاركتها في هذه الالية على قدم المساواة». ومن المقرر اجراء انتخابات رئاسية مبكرة في الخامس والعشرين من ايار (مايو) في اوكرانيا لقيام سلطة شرعية بعد اقالة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش في شباط (فبراير) الماضي اثر ثلاثة اشهر من الاحتجاجات ادت الى سقوط الكثير من الضحايا وضم شبه جزيرة القرم الى روسيا. الا ان المتمردين في شرق اوكرانيا يطالبون باجراء استفتاء لاقامة فدرالية في مناطقهم. وتدعم موسكو هذه المطالب وتلتزم بحماية «المصالح المشروعة» لسكان مناطق الناطقين باللغة الروسية في شرق وجنوب البلاد.
في تلك الاثناء، قال وزير الخارجية الالماني فرانك-فالتر شتاينماير ان حل الازمة الاوكرانية «يزداد صعوبة» مع عدم وجود مؤشرات على انخفاض التوتر بين موسكو والغرب الذي يعد الاخطر منذ انتهاء الحرب الباردة. وقال الوزير اثناء زيارة الى مولدوفا انه «مع كل يوم يمر يصبح التوصل الى حل اصعب فاصعب»، داعياً موسكو وكييف الى الاستفادة من الاتفاق الذي جرى توقيعه في جنيف الاسبوع الماضي لنزع فتيل الازمة. ويقوم شتاينماير ونظيره الفرنسي لوران فابيوس بزيارة قصيرة الى شيسيناو للاعراب عن دعمهما لخطط مولدوفا التوقيع رسمياً على اتفاق سياسي وتجاري مع الاتحاد الاوروبي. وهذا الاتفاق هو الاتفاق عينه الذي رفضه الرئيس الاوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي ما ادى الى احتجاجات شعبية واسعة ضد النظام قادت الى اطاحته والى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الاوكرانية.

هجوم واسع
ميدانياً، وعلى صعيد المواجهات على الارض، شنت السلطات الاوكرانية هجوماً واسعاً ضد الانفصاليين الموالين لروسيا في معقلهم في مدينة سلافيانسك في شرق البلاد، فيما ردت موسكو باطلاقها مناورات عسكرية جديدة على الحدود مع الجمهورية السوفياتية السابقة، بينما دعا الامين العام للامم المتحدة الجميع الى الهدوء.
واسفرت المواجهات بين القوات الاوكرانية والانفصاليين في سلافيانسك عن مقتل حوالي خمسة في صفوف المتمردين واصابة جندي اوكراني واحد، وفق ما اعلنت وزارة الداخلية الاوكرانية، التي اشارت الى انه تم «تدمير» ثلاثة حواجز على مدخل المدينة. وفي المقابل تحدث الانفصاليون عن قتيلين في صفوفهم.
وفي موسكو، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «اذا بدأ النظام الحالي في كييف فعلاً باستخدام الجيش ضد السكان فهذه جريمة خطرة جدا ضد الشعب». وحذر من انه سيكون للعملية «عواقب على الذين يتخذون هذه القرارات».
ورداً على العملية العسكرية الاوكرانية في شرق البلاد، اعلنت موسكو في وقت لاحق اطلاق مناورات جديدة على الحدود مع الجارة السوفياتية السابقة. وقال وزير الدفاع سيرغي شويغو «نحن مجبرون على الرد على مثل هذا التطور».
وكان زعيم المتمردين في سلافيانسك طلب من بوتين ارسال قوات لحفظ السلام، ما عزز الخشية من حصول اجتياح وسيطرة روسيا على المنطقة الشرقية، كما حصل في شبه جزيرة القرم في آذار (مارس) الماضي. وبدت السلطات الاوكرانية مصرة على مواصلة هجومها، بعدما كانت اطلقت عملية لمكافحة الارهاب في المنطقة الشرقية الناطقة بالروسية، ووعدت بـ «القضاء» على الانفصاليين.
وقال الرئيس الاوكراني المؤقت الكسندر تورتشينوف في كلمة متلفزة «لن نتراجع امام التهديد الارهابي»، مضيفاً «نطلب من روسيا التوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لاوكرانيا، ووقف الاستفزاز والتهديدات، وسحب قواتها من الحدود الشرقية لاوكرانيا». وكانت كييف اعلنت تحرير بلدية ماريوبول الساحلية في جنوب شرق البلاد بعد اشتباكات اسفرت عن اصابة خمسة اشخاص. وفي ارتيمفينسك جرح جندي في هجوم شنه انفصاليون على قاعدة عسكرية.

عواصم – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق