الاقتصادمفكرة الأسبوع

الاتحاد المصرفي الاوروبي انقذ البناء النقدي

سنتان من المفاوضات الشاقة والعسيرة توصل الاتحاد الاوروبي بعدها الى انشاء الاتحاد المصرفي (الاوروبي) الذي كان يخيل للبعض انه لن يبصر النور حتى قبل ساعات من المصادقة التي اذهلت المشككين بدليل تأييد 570 عضواً من اعضاء البرلمان الاوروبي واعتراض 88 وامتناع 13. فما هو مضمون الاتحاد؟ آلياته؟ واهدافه؟

لم تر المفوضية الاوروبية التي كانت مسرحاً يغلي بالافكار والخلافات، بداً من وصف الاتفاق الذي صوّت عليه البرلمان الاوروبي بـ «التاريخي»، فيما وصفته صحيفة لوموند الفرنسية بـ «الحيوي والضروري»، حتى المعترضون عليه يعتبرونه «بديلاً غير رخيص للمالية العامة». وحتى الغلاة من هؤلاء المعترضين يعتبرون «الانفاق المصرفي السيء افضل من عدم وجود اتحاد».

محتوى الاتفاق
يتضمن الاتحاد المصرفي الاوروبي الجديد ثلاثة نصوص رئيسية تتمثل بآلية قرار موحدة، ادارة وهيكلة البنوك، وانظمة ضمان الودائع. ويعتبر ميشيل بارنييه، المفوض الاوروبي المكلف بشؤون الخدمات والاسواق الداخلية «ان فكرة الاتحاد ترجمت الى الواقع في اقل من سنتين، بدافع من سعي الاتحاد الاوروبي الى اكمال الوحدة النقدية والاقتصادية، والى ضمان حماية دافعي الضرائب من تحمل اعباء اي ازمات تواجهها البنوك. ولن يقتصر الامر على مجرد ضمان مساعدة القطاع المصرفي على استعادة الثقة، ولكن ايضاً ضمان آلية للقرار واشراف على البنوك».
وينطوي المشروع على اعتماد ثلاثة تدابير لضمان تحمل البنوك لمخاطر الفشل وعدم تحميلها لدافعي الضرائب. وتتعلق النصوص الثلاثة باعادة هيكلة البنوك، وتقليص المتعثر منها، وضمان الودائع. وفي اواخر اذار (مارس) الماضي كان البرلمان الاوروبي في بروكسل قد اصدر بياناً اشار فيه الى انه عقب مفاوضات مع المجلس الاوروبي، الذي يمثل الدول الاعضاء، جرى التوصل الى اتفاق يتضمن بنوداً لضمان عدم خضوع الامر لأي تدخلات سياسية، وضمان اتحاد قرارات سريعة ذات مصداقية ايضاً.
ورأت اليسا فيريرا من كتلة الاحزاب الديمقراطية الاشتراكية، والتي قادت فريق التفاوض البرلماني ان الاتفاق الذي تم التوصل اليه «يضمن اصلاح العيوب الخطيرة التي كانت في المقترحات السابقة حول هذا الصدد، وبالتالي اصبحت الآلية المتفق عليها لاتخاذ القرار قادرة على الاهداف الرئيسية. وفي الوقت نفسه يجب ان نظل دائماً يقظين لضمان تنفيذ القواعد المنصوص عليها والتي تتعلق بالاقتراض من صندوق انقاذ البنوك المتعثرة وبشكل فعال وسريع».
ويتضمن الاتفاق التأكيد على اشراف البنك المركزي الاوروبي على تحريك العملية برمتها، وهو الجهة الوحيدة المسؤولة عن تحديد ما اذا كان البنك على حافة الافلاس. واذا امتنع او تردد في اتخاذ القرار يحق لادارة آلية صندوق الانقاذ ان تتخذ القرار، وستقوم المفوضية الاوروبية باعداد مشروع وخطط العمل لمعالجة حالة معينة من حالات البنوك المتعثرة، ولن يشارك المجلس الوزاري الاوروبي الا بناء على طلب صريح من المفوضية.

اشواك الطريق
يعترف البرلمان الاوروبي في كانون الثاني (يناير) الماضي بان المفاوضات التي انطلقت حول فكرة الاتحاد المصرفي كانت «صعبة وطريقاً محفوفة بالاشواك». فالفكرة تقوم على تقليص البنوك الفاشلة في اوروبا من خلال وضع آلية قرار موحدة وصندوق واحد لدعم البنوك. ورأى البرلمان ايضاً ان المفاوضات انطلقت في ظل تباين كبير وواضح في المواقف بين البرلمان الاوروبي من جهة والرئاسة الدورية للاتحاد التي تمثل حكومات الدول الاعضاء من جهة اخرى، خصوصاً في ظل اصرار البرلمان على ابعاد اي نظام لتوحيد المصرف عن المصالح السياسية، وتجنيبه اي اتفاقات مرهقة داخل الغرف المقفلة، وهذا ما شدد عليه رئيس البرلمان مارتن شولتز بقوله ان اي آلية قرار او صندوق اوروبي لدعم البنوك لا بد من ان تكون آلية اوروبية حقاً، وان يكون هناك صندوق قادر على تحقيق الهدف الاساسي للاتحاد المصرفي، وهو قطع الصلة بين البنوك ودافعي الضرائب.
وفي نهاية كانون الثاني (يناير) كشف المجلس الاوروبي في بروكسل ان الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي اقرت من خلال مجلس السفراء الدائمين نيابة عن مجلس الاتحاد «تسوية» مع البرلمان الاوروبي حول توحيد القرارات الوطنية بشأن اعادة هيكلة البنوك. وتحدد التسوية مجموعة من الادوات لمعالجة الازمات المصرفية المحتملة في ثلاث مراحل هي: الاعداد، الوقاية، والتدخل المبكر.
وفي قناعة بارنييه ان الاتفاق يدخل تعديلات ثورية في النظام المالي الاوروبي، وبالتالي لن يتحمل دافعو الضرائب ثمن اخطاء البنوك او مواجهتها لازمات مالية. «آنها نهاية ععهد حزم المساعدات الضخمة». وتجدر الاشارة الى ان آلية القرار الموحدة سيبدأ اعتمادها من العام 2016.

المحفز للاتحاد المصرفي
يجمع الخبراء على ان ازمة الديون السيادية في الاتحاد الاوروبي احدثت قلقاً عميقاً في دول الاتحاد وخوفاً على مصير الاتحاد النقدي. علماً ان الازمة اندلعت شراراتها الاولى في اليونان، في بداية العام الماضي، والتي كشفت ان دول الاتحاد ودول منطقة اليورو تواجه ازمة جديدة تتمثل في عدم قدرة بعض الدول على الوفاء بالديون والالتزامات المستحقة عليها الى جانب وصول عجز الموازنة الى مستويات غير مقبولة، الامر الذي ادى الى خفض التصنيف الائتماني لتلك الدول ما سبب حالة من عدم الثقة في المنطقة الاوروبية بشأن الديون السيادية. ويتمخض عن تلك الازمة اعلان دولة بعد الاخرى عن امكانية عدم سدادها للديون الخاصة بها الى حد كثر الحديث حول امكانية تفكك احد التكتلات الاقتصادية الكبرى على مستوى العالم بعد عشرة اعوام على تأسيس عملته الموحدة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق