أبرز الأخبارتحقيق

فخامة الرئيس لا توقع على قانون الإيجارات الجديد!

فجأة استفاقت الدولة على حقوق المالكين وأقرت قانون الإيجارات الجديد بعدما ركد في ادراجها مدة 30 عاماً.  قد يكون القانون اليتيم الذي وقعه مجلس النواب بعيداً من ضغط الشارع، والأول الذي لم نسمع المعنيين فيه يهتفون «بالروح بالدم نفديك يا…» على الطريقة اللبنانية. لكن القانون خرج من ادراج مجلس النواب وبقي توقيع رئيس الجمهورية. فماذا لو وقع ميشال سليمان على قانون الإيجارات الجديد؟ ماذا سيكون مصير 180 ألف عائلة مستاجرة؟ أي مصير ينتظر العائلات التي لا معيل لديها؟ وإذا كان لا يزال على قيد الحياة فهو حتما خرج إلى التقاعد أو عاطل من العمل.الكرة باتت في مرمى الرئيس ميشال سليمان، فهل يتلقفها قبل أن يسلم مفتاح بعبدا إلى الرئيس العتيد أو ربما إلى الفراغ؟!
 


نعم فعلها الرئيس نبيه بري وحرر مجلس النواب من عبء قانون كان يثقل أدراجه منذ 30 عاماً. لكن لماذا اليوم؟ ولماذا وقع نواب البرلمان على قانون مثير للجدل من الاساس، فكيف في زمن يرزح فيه ثلث الشعب اللبناني تحت خط الفقر؟
الكلام كثير… لكن ما هو ثابت أن النواب الذين وقعوا على قانون الإيجارات الجديد هم انفسهم الذين اشتروا مباني قديمة في بيروت ومحيطها على مدى الأعوام الأربعة الأخيرة. نعم اشتروها «بتراب المصاري» كما يقال باللبناني، وقرروا بالتوافق التوقيع على قانون الإيجارات الجديد بغض النظر عن التداعيات الإجتماعية التي سيخلفها ومن دون حتى النظر في صناديق التمويل بهدف إخراج المستأجرين تحت ستار القانون وتشييد مراكز تجارية مكان المباني القديمة او ناطحات سحاب .المهم تأمين مصلحتهم الشخصية على حساب اللبناني المستأجر الذي بات مصيره معلقاً بمالك وقانون إيجارات جديد غامض ومعقد.
إذا سلمنا بأن المستأجر كما المالك لم تنصفه الدولة منذ 30 عاماً لا سيما مالكي العقارات والمباني القديمة، لكن الضرر الأكبر سيقع حتماً على المستأجر. فهل قرأ الرئيس ميشال سليمان في عيون المستأجرين الخوف والريبة من المصير المجهول فيما لو وقَع على القانون؟ وهل تسلك الكتب التي ارسلتها لجنة الدفاع عن المستأجرين حيث ضمنوها كل هواجسهم المتعلقة بالتشرد وتفريغ بيروت من اصحاب ذوي الدخل المحدود طريقها نحو القصر الجمهوري متجاوزة السواتر البشرية التي رسمتها لجنة المالكين عند مداخله؟ أم أن القانون الذي تم التوقيع عليه بين ليلة وضحاها في مجلس النواب سيصل بسرعة إلى القصر الجمهوري ليوقع عليه رئيس الجمهورية مع نهاية ولايته؟
عملياً لا المستأجر مسؤول عن ازمة السكن ولا عن التضخم ولا عن الازمة الاقتصادية . فهو نظم عقد الايجار القديم وفق القانون والتزم بكل ما يترتب عليه من موجبات. وعليه فانه  ليس من العدل او الانصاف في شيء ان تحل الازمة على حساب المستأجر عبر تهجير او تشريد عائلته من أجل تأمين مصالح كبار الملاكين وتجار البناء واصحاب المصارف والشركات العقارية. مع ذلك فإن مشروع قانون الإيجارات الجديد الذي اعدته لجنة الإدارة والعدل منذ نحو العام ورفضته لجنة المستأجرين كونه ينصف المالك وحده ولا يعبر الا عن عدالة اصحاب المصارف والشركات العقارية وتجار البناء وكبار الملاكين، سُلم إلى رئاسة مجلس النواب.

توقيع الرئيس… جريمة
علي محيي الدين رئيس تجمع المستأجرين أكد أنه في حال وقع رئيس الجمهورية ميشال سليمان على قانون الإيجارات الجديد يكون في ذلك قد وقع على جريمة العمر. ولتوصيفه هذا مبرراته.  ويقول: «عدد االمستأجرين القدامى يتجاوز 180 ألف عائلة اي ما يقارب 800 الى 900 الف مواطن والغالبية تقيم في بيروت وضواحيها، اضافة الى المدن الكبرى (طرابلس وصيدا وجبل لبنان..)، اما غالبية المستأجرين فهي من فئة المتقاعدين وكبار السن، والمنتجون منهم هم اصحاب مداخيل محدودة ومتوسطة. ولفت محيي الدين الى أن اقل عقد ايجار مضى عليه اكثر من عشرين عاماً وبعض العقود تجاوز الاربعين عاما  وما فوق. أما القانون 159/92، الذي نظم التعاقد الحر، فلم يعالج ازمة السكن بل انه وضع عائلات المستأجرين الجدد في حالة قلق دائم نظرا  إلى قصر مدة العقد وعدم وجود اي ضوابط للزيادات التي يفرضها  المالك عشوائياً».


صمت الاحزاب؟!
في حسابات المستأجرين القانون كارثي وتهجيري ومن يقرأ في سطوره يفهم ذلك. لكن ما هو رأي اهل القانون في بنوده؟

المحامي جاد صوان المكلف من قبل المستأجرين وأحد اعضاء لجنة قدامى المستأجرين استغرب بداية صمت الأحزاب كافة التي كان يفترض بها ان تقف إلى جانب اللبناني المستأجر، ويقول: «لم نسمع صوت رئيس حزب أو نشاهد احدهم نزل الى الشارع تضامناً مع المستأجرين دون استثناء. فعساه يكون درساً لكل المحازبين ليدركوا ان لا احد يتكلم بإسمهم عندما يتعلق الأمر بجيوبهم ومصالحهم الشخصية». وأضاف صوان، حتى على مستوى النواب المفترض ان يكونوا صوت الفقير والمظلوم لم نر نائباً لم يوقع على القانون باستثناء النائبين وليد سكرية كونه المستأجر الوحيد في صفوف النواب ونديم الجميل الذي وقع بتحفظ على القانون الجديد».
 


على ماذا ينص القانون الجديد؟
جاد صوان يشرح: «من يقرأ في بنود القانون هامشياً يتكلم بلغة كبار الملاكين ويفترض أنه أنصف المستأجر كما المالك لكن في القراءة التفصيلية يتأكد أكثر أنه سيدفع البلاد نحو كارثة انسانية وحالة من الفوضى الاقتصادية والاجتماعية لا سابق لها، كونه سيؤدي الى تشريد وتهجير اكثرية عائلات المستأجرين ويفرض عليهم بحجة القانون تغيير كل الاوضاع الاجتماعية والمعيشية لأسباب عدة ابرزها أنه يفرض زيادات باهظة وبشكل تراكمي ورفع بدلات الايجار الى ما يوازي نسبة 5 في المئة من قيمة المأجور، مما لا قدرة للمستأجر على تحمله». ويضيف «يلزم القانون المستأجر على ان يدفع في السنة الاولى وحتى الخامسة نسبة 15 في المئة من سعر التخمين وبعد ست سنوات يعود الى الايجار الطبيعي وقد تم تثبيت الايجار على تسع سنوات. ومن ابرز النقاط الواردة والتي يتباهى بها المالكون وجوب تخمين المنزل بين المالك والمستأجر بالاتفاق بينهما. واذا لم يتفقا، على المالك ان يكلف مهندساً وخبيراً في الشؤون العقارية. واذا لم يوافق المستأجر على النتيجة يكلف بدوره خبيرين. فاذا اختلف التخمينان ترفع النتيجة الى لجنة لديها الصفة القضائية وتكون قراراتها نافذة وتبت بالتخمينات».

 

تفريغ بيروت
ويعدد صوان مفاعيل البنود الكارثية الـ 18 وابرزها:
– تفريغ بيروت على وجه التحديد من اصحاب المداخيل المحدودة والمتوسطة، وجعل اقامتهم فيها امراً مستحيلاً، على ان تقتصر الاقامة فيهاعلى اصحاب المداخيل العالية والاغنياء.
– تمكين الشركات العقارية والمصارف من وضع يدها على ما تبقى من عقارات الابنية القديمة بعد تفريغها من المستأجرين، وتحويل العاصمة الى سوق للمضاربات العقارية.
– تسهيل هدم ما تبقى من ابنية تراثية في بيروت والمدن الكبرى والمساعدة على  تدمير الذاكرة التاريخية والعمرانية والاجتماعية للوطن.
– وضع غالبية المستاجرين امام مصير مجهول وخيارات صعبة وربما مستحيلة، خصوصاً بعدما جردهم مشروع القانون الاسود من حق تعويض الاخلاء، الذي نصت عليه كل القوانين الاستثنائية.
– بدعة الصندوق  المسمى صندوق المساعدات  ليس الا التزاماً من اصحاب النهج الاقتصادي المعتمد واعضاء لجنة العدل النيابية بحقوق الملاكين.
– اما الخطة السكنية الموعودة والتي كانت ترد في مقدمات كل قوانين الايجار الاستثنائية ، فقد تبخرت مع لجنة الادارة والعدل ولم يرد في مشروعها اي ذكر لها.
يبقى ان الصيغة التي تناقش للايجار التملكي لا صلة لها بقضية الايجارات القديمة، وهي تقتصر على حوافز لتجار البناء بما يتلاءم ومصالحهم ومصالح المصارف التي ترغب في توسيع سوق استثماراتها في قطاع البناء، علماً ان البناء للايجار التملكي غير قابل للتنفيذ الا خارج بيروت، اما من يستفيد منه فهم فئة الشباب والموظفين الجدد الذين يبحثون عن سكن.
ويذكر انه في حال قرر رئيس الجمهورية رد القانون عليه ان يذيله بكلمة معلل وإلا يعتبر نافذاً بعد 30 يوماً كونه قانوناً مكرراً معجلاً ومصدقاً عليه من مجلس النواب. كلام واضح وقانوني من المحامي صوان، فهل لا يزال السؤال «ماذا لو وقع الرئيس ميشال سليمان على قانون الإيجارات» جائزاً؟ وهل نطمئن من كلام رئيس تجمع المالكين جورج رباحية الذي قال بأن المالك تحت سقف القانون وبأنهم مظلومون كما المستأجر؟
في المبدأ الكل تحت سقف القانون والمستأجر قبل المالك. لكن هل مشروع تهجير الناس ورميهم في الشارع محلل بإسم القانون؟ ومن يضمن أن لا يكون هذا القانون تحديدا مقدمة لمشروع تهجيري جديد لجيل كامل من الشباب اللبناني، وهذه المرة من احياء بيروت؟

جومانا نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق