آدب

سلوى الخليل الأمين: مشيتها خطى كُتبت…

باستطاعتي القول، ان الدكتورة سلوى الخليل الأمين لا تمارس الثقافة على الورق فقط، بل في الميدان أيضاً. فهي ليست الأديبة والشاعرة والباحثة فحسب،ولها مؤلفات عدة في هذه المجالات… بل هي أيضاً، دينامو الحركة الثقافية في لبنان وأبعد من لبنان. فمن خلال تأسيسها لـ «ديوان أهل القلم»، ومن ثم، ندوة «الإبداع للثقافة والإعلام»، حققت سلوى الخليل الأمين ما لم يستطع غيرها ان يحققه. كرّمت العديد من أعلام الثقافة، وأضاءت على تجاربهم في مختلف فروع المعرفة، من خلال المؤتمرات والندوات التي نظّمتها. كما انها قامت بخطوة جبّارة عندما التفتت صوب عالم الانتشار اللبناني الذي يزخر بالقامات الكبيرة في كل حقل من الحقول، حيث سلطت الاضواء عليهم وعلى انجازاتهم المختلفة، وتكريمهم في وطنهم الاول لبنان، من خلال مهرجانات حاشدة، محاولة وصل ما انقطع بين الشطر المقيم والشطر المغترب. لذلك، استحقت سلوى الخليل الامين التكريم، في اكثر من مرة… اما التكريم الجديد فقذ نظّمه «نادي الشرق لحوار الحضارات» في «المركز الثقافي البلدي» في بيروت. من جميع المناطق اللبنانية أتوا الى هذا اللقاء الحاشد، ومن جميع فئات الشعب أتوا زرافات ووحداناً أتوا، حتى ضاق بهم المكان بالرغم من اتساعه.

قدمت الاحتفال وادارته الاعلامية والشاعر ايناس مخايل، عبر كلمة معبّرة تحمل في طياتها الكثير من الابعاد الادبية والوطنية… انطلاقاً من اختيارها لبيت: «صانه ربّه، لمدى الأزمان» من النشيد الوطني اللبناني، بغية ان نجدّد ايماننا والتزامنا بلبنان الرسالة. وليست المشاركة بتكريم الدكتورة سلوى الخليل الأمين، من كل الاتجاهات الوطنية، سوى الدليل الساطع على ترسخنا بقيمنا».
ولفتت ايناس مخايل الى ان «هذه الوجوه المشعة الحاضرة بيننا، تعكس صورة لبنان الجميل، ولبنان الواحد، لبنان الذي نريد والذي أراده اجدادنا منذ فجر الاستقلال، وطناً نهائياً لجميع ابنائه».

عَلَم من أعلام العِلم والثقافة
المحامي انطوان شختوره (رئيس مجلس الامناء في نادي الشرق لحوار الحضارات) اعتبر ان الدكتورة سلوى الخليل الأمين، عَلَم من أعلام العِلم والثقافة والمعرفة. أعطت لبنان والعالم من فكرها وروحها وقلمها، ورفعت من مستوى الفكر وأغنت الانسانية. انها انسانة شقت دربها نحو النجاح بارادة صلبة وعزم لا يثنى. انها ابنة هذا الشاطىء منبع الفكر البشري الذي منه أطلّ الرقيّ من بين غيوم الجهل والخمول.
وهنا، استحضر انطوان شختوره ما قاله جبران خليل جبران: «لا تجالس انصاف العشاق، ولا تصادق انصاف الاصدقاء، ولا تقرأ لانصاف الموهوبين، لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، ولا تختر نصف حلّ، ولا تقف في منتصف الحقيقة، ولا تحلم نصل حلم، ولا تتعلق بنصف أمل…»
الى ان يقول: «النصف هو لحظة عجزك وانت لست بعاجز لأنك لست نصف انسان، وُجِدت كي تعيش الحياة وليس كي تعيش نصف حياة…».
وخلص الى القول، لقد وثقت سلوى الأمين بقدرتها، آمنت، كافحت ووصلت، لأنها اكبر من ان تكون عاجزة.

تناغم بين الألوان والأصوات
المونسنيور كميل مبارك (رئيس جامعة الحكمة) توجّه الى المحتفى بها قائلاً: «حين أرأكِ أصغي الى موسيقى خفية تجعلني أرى تناغماً بين الألوان والأصوات والعطور، ويخيّل إليّ أن جميعها امتزجت بالأحلام والصور وكأنها ابتدعت من شعاع ضوئي متألق فريد التردادات، أتى بها لتنسكب كلمات في كتاب او حلاوة في ديوان. لم تكتفِ سيدتي بنقل الواقع المعاش او المنظور، بل ألبستِ هذا الواقع ما يجعله معاصراً لكل زمان وموافقاً لكل مكان. في الشعر لامستِ الواقع حياة وتصوّفت لتصغي الى نداءات عالم روحاني مليء بالوحي فأبدعت. وفي النثر امتزجتِ بكيان أبطالكِ فنطقت بألسنتهم وعبر أجسادهم فأروَعت.

غنّت الحب والحرية والسلام
وأشار كميل مبارك، الى ان هذه المبدعة غلّبت الصورة على الفكرة حيناَ، والفكرة على الصورة حيناً آخر، وذلك حسب مقتضى التطور النفسي لها ولأبطالها ولقارئيها، فأذهلت.
معتبراً، ان سلوى الأمين حملت وتحمل في حنايا ريشتها هموم الانسان سعياً الى أنسنته في كل يوم أكثر، وكأنها تزين العلاقات بميزان الجواهر قائلة: حقّك على الناس قدر احتمالهم وحقُهم عليك قدر احتياجهم. سعت عبر القلم والكَلِم الى إضاءة مشاعل وقّادةٍ في عتمة الجهل والانحراف خلف الباطل من الافكار، والمتعب المضني من اثقال الارض التي تلهي العقل عن الابتكار.
وخلص كميل مبارك الى القول، ان سلوى الخليل الأمين غنّت للحرية والسلام والحب والاخاء، ونبذت الاحقاد والخصام والعداوة والانتقام،
فتألّقت منارة امام أعين النخبة من اهل الفكر، وملأت محابر اهل الاعلام، حتى كدنا لا نرى وسيلة ولا نسمع او نقرأ إلا واسمها بين ألمع الاسماء. وهي في كل هذا كبنفسجة كلما انحنت فاح عطرها وسما اسمها وبان قدرها.

رؤيا بعيدة المدى
اما البروفسور جورج طربيه فرأى، ان كل العالم العربي حاضر أمامها، مفتوح في شاشة رؤياها الاصلاحية، من لبنان الى تونس والعراق ومصر وفلسطين وسوريا والخليج وسواها. فضلاً عن اهتماماتها ودراساتها حولالحضارة العربية في حوض المتوسط. وانماء القطاع السياحي في لبنان وطرائق تطويره، والحداثة بين النظرية والتطبيق، والى ما هنالك…

عيّنات من نتاجها
محافظ بيروت والشمال ناصيف قالوش اعتبر ان سلوى الخليل الأمين طرقت بجرأة وعقلانية وثورة كل العناوين، بأدب وفلسفة رفيعين، وصوّبت سهامها على الواقع الأليم الذي نعيشه رفضاً له، بفيض ثقافي عابر للبحار…
واختار ناصيف قالوش عيّنات مما قالته، وذكر بتصرف بعضه:
– تغُريني مدارات الكون المسحوبة على بساط الريح تعدو ذهاباً واياباً تفتش عن مكانٍ آمنٍ تحت ضوء الحرية.
– لذا تجدني اتعايش مع كثرة الاسئلة المسكونة في داخلي خوفاً من التعثر وغبار الايام… فما اصعب الكلام حين يُؤلمك الجرح؟
– لا تزال اوطاننا تعج باصحاب المكرمات الذين لا تعنيهم زخارف الزجاج ولا لمعانها، لا يهزأون بعرق المساكين والضعفاء، وقبل ان ألزم الصمت أقول: ما دامت المروءات في وطني باقية فلا خوف من الزوال وعثرات الدروب.
– اما في زمن العودة الى الحب، فلن اصمت مطلقاً، سيكون الحب
طريقي الى العشيات الملونة بألوان المدى، سأمسك النجوم ازفها الى الضوء العابر كل المحطات المتعطشة للضيلء وملح العافية.

كتابات لكل الناس
لفت المحافظ قالوش، الى ان هذه رذاذات من نتاجٍ راقٍ من الافكار والقناعات…
اسلوب ثائر بثورة هادئة، لقد تفردت سلوى الأمين في مطارح عديدة، ففرضت نهجاً جديداً وجريئاً في كتابة المقال، كما في كل مؤلفاتها، قلما استهواها التبجيل او التبخير، فما كانت يوماً شاعرة بلاط او كاتبة مستعطية كانت حرة في ما تقول، سهلة في التعبير، لم تكتب للخاصة، بل لكل الناس على مختلف ثقافاتهم، أنشدت الحروف ومخارجها أنغاماً رقيقة مليئة بالافكار المميزة، والعبر الغنية بالمحسّنات اللفظية، تخطت المألوف الخجول الى الحقيقة المعروفة، وكأنها في ثورة العقل والفكر في زمن القتل والجهل.

قصيدة جنوبية براقة
رأى ناصيف قالوش، ان سلوى الأمين، رفضت اقلام المنابر المتزلفة، فهؤلاء شوهوا الكلمة الحقة وقزّموا المعرفة، قلبوا المفاهيم، أثاروا النعرات، وداسو
ا الكرامات، فكانت هذه السيدة الفاضلة وأترابها من اهل القلم، لهؤلاء بالمرصاد. فردوا عليهم بقوة الكلمة وحكمة العقلاء. استنهضت مدار الفكر تسلحت بالأدب النظيف والانيق، تجلت قصيدة جنوبية براقة مطرزة بعباءة عربية مبدعة، فما أخافها شتاء ولا طمأنها صيف، لا توارب في مقالة او تتهاون في قناعة، تقول كلمتها بصدق، تأخذك الى جبال الأدب تنهل منها فلسفة وصوراً وترانيم وتراجيح. تصلح لتكون ثقافة حياة.

مشتها خطى كتبت عليها…
المحامي والشاعر صالح الدسوقي ألقى قصيدة بعنوان «حورّية لبنان» جاء في مطلعها:
من مطلع الفجر من أرض سمّت شرفاً
حورية. هام في أوصافها البشر

الى ان قال:
ومجد لبنان فوق الشمس ترفعه
وحب أمتها في روحها قدر

اما الكلمة الاخيرة فكانت للمحتفى بها، ومما جاء فيها: لقد مشيتها خطى كتبت… غمرات خلجات… ما انجذبت يوماً، سوى لأهل الفكر والقلم، الذين هم أسس الحياة، ومداميكها المرفوعة طيب هوى، يبلسم جراحات النفوس المنكوبة من صراعات البشر… وحب البقاء.

اسكندر داغر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق