أبرز الأخبارتحقيق

لبنان بلد المياه يستورد المياه؟!

موسم شح وجفاف؟ فهمنا. شتاء لبنان تحول صيفاً. المشهد كان واضحاً.
لكن أن نسمع ونقرأ بأن بلد المياه سيستورد المياه لري الأراضي وإشباع ظمأ اللبنانيين من تركيا. طبعاً في الأمر أكثر من ريبة وعلامات استفهام، لأن الثابت أن لبنان تجاوز مرحلة الكارثة. وما نعيشه هو أزمة مياه. إلا إذا غاب عن المسؤولين أن لبنان المصنف كثالث بلد عربي في غزارة المياه قادر على ان يسترد جزءاً من ثروته المائية من خلال سياسة الترشيد وتخزين المياه في الآبار. تسألون عن مكان هذه الآبار؟ الخطة وضعت، ينقص التنفيذ.

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لن نجرؤ حتماً على ترداد المثل الشعبي القائل «إشتدي أزمة تنفرج». فما سمعناه عن دخول لبنان مرحلة الشح والجفاف ليس كذبة طالما أن معدل الأمطارالعام لم يتخط ثلث كمية متساقطات العام الماضي التي كانت في الأساس اقل من المعدل العام المطلوب. مما يعني أن التداعيات ستنعكس على الزراعة والري وكذلك على كميات استهلاك المياه عند المواطنين.
إذاً الأزمة باتت واقعاً شبه محسوم. وما إعلان مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان وكل المناطق عن برنامج تقنين بدأ يتظهر مع هدير صهاريج المياه المتنقلة بين البيوت في عز الشتاء إلا بداية لما يمكن ان يشهد عليه اللبنانيون في زمن الشح.

 ازمة وليس كارثة
وفق الأرقام المسجلة في تقارير مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي فإن كمية المتساقطات من الأمطار في لبنان لم تتجاوز 318 ملليمتراً حتى نهاية شهر ش
باط (فبراير) 2014 في مقابل 693 ملم في الفترة نفسها من العام 2013. لكن أمطار شهر آذار (مارس) أنقذت الوضع على مستوى كمية المتساقطات دون الزرع إذ وصلت الكمية الى 395 ملم مقابل المعدل العام البالغ 863 ملم. لكن النقص بقي حاضراً بنسبة 55 في المئة. وإذا سلمنا أن معدل الطلب الحالي على المياه سنوياً هو 900 مليون متر مكعب منها 630 مليون متر مكعب للزراعة، فإن وجود ما يزيد عن المليون نازح سوري في لبنان بحسب آخر إحصاء للأمم المتحدة سيزيد من معدل الطلب بنسبة 25 في المئة وربما أكثر إذا ما احتسبنا غير المسجلين.
إذاً كل المؤشرات تدل على أن لبنان دخل أزمة مياه. قلنا أزمة وليس كارثة. لكن الأسباب لا تتوقف على ندرة المتساقطات، لأن مواسم مماثلة اجتاحت لبنان سابقاً. تقولون إن الظروف تبدلت وعدد السكان ارتفع والحاجة إلى المياه باتت تفوق المعدلات التي كانت معتمدة سابقاً؟ أيضاً في المسألة وجهة نظر منطقية. لكن ليس إلى درجة استيراد المياه.
وما يثبت أننا لا نزال في مرحلة الأزمة هو مرور لبنان سابقاً بسنوات عجاف. فمنذ العام 1951 وحتى العام 2002 بلغ معدل المتساقطات أقل من المعدل العام الحالي أي 875 ملليمتراً، لمرات عدة، بحسب دراسة أشرف عليها د. نديم فرج الله الأستاذ المشارك لمادة الهيدرولوجيا البيئية في كلية العلوم الزراعية والغذائية في الجامعة الأميركية في بيروت. وهذا يعني أن ما يشهده لبنان هذه السنة هو من ضمن التقلبات المناخية المعتادة. لكن هذا لا يعني الإستخفاف بهذه الظاهرة وضرورة أخذ الحيطة القصوى في إدارة الموارد المائية، خصوصاً في ظل غياب أية خطة وقائية لمواجهة الجفاف.
كيف يمكن مواجهة الشح الآتي؟
فتحي شاتيلا الأستاذ الجيولوجي المتخصص في المياه الجوفية يتكلم بحرقة عن تخاذل الدولة ومسؤوليها. في فمه الكثير من الماء التي تكفي لري حقل بكامله. وإذا بدأ في الكلام تكون الإنطلاقة من زمن كان فيه الكلام من ذهب. يقول: «في خمسينيات القرن الماضي كان الوزير الراحل موريس الجميل يقول لدول الخليج «خذوا مياهنا واعطونا ذهباً». وفي العام 1984 وضع المهندس محمد عطالله الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس الإنماء والإعمار دراسة بناء لطلب رئيس مصلحة المياه في وزارة المياه والطاقة آنذاك المهندس جوزف أماسيان، وتبين أن هناك كمية محددة من مياه بيروت قابلة للتصدير. وفي العام 1992 وفي
ما كان شاتيلا يشارك في احد مؤتمرات دبي قدم دراسة تظهر أنه في امكان لبنان بيع كمية من المياه لكل من دول الخليج والسعودية.
وآخر التقارير التي تضرب نظرية استيراد بلد المياه للمياه ما ورد على لسان وزير الطاقة السابق جبران باسيل عن وجود مفاوضات بين لبنان وقبرص لبيعها كميات من المياه بسبب وجود نقص في كميات المياه عندها. فتصوروا بلداً يقدم عرضاً في تصدير مياهه قبل 4 أشهر فقط، إذا به  يرفع العشرة ويعلن أنه سيستورد كميات من الماء من تركيا لأننا دخلنا موسم الجفاف!

مياهنا تهدر
ويؤكد شاتيلا أن ما يفوق الـ 750 مليون متر مكعب من المياه اللبنانية تذهب هدراً إلى البحر في فترات الغزارة في وقت يمكن الإفادة منها عن طريق تلزيم شركات متخصصة تتولى عملية نقلها إلى محطة ضبية بحيث تتم معالجتها لتصبح صالحة للإستعمال. ولفت إلى أن مواسم الجفاف ليست ظاهرة إذ سبق ومر لبنان بمواسم مماثلة في الأعوام 1958و1959و1960.
إذاً القصة ليست جديدة لكن اللافت هو تجاهل المسؤولين لكيفية تخزين هذه المياه في مواسم الجفاف. ويذكر شاتيلا بالدراسة التي قدمها في العام 1999 عن تخزين مياه نهر الدامور لتخزين 90 مليون متر مكعب من المياه مما يسد حاجة مدينة بيروت التي تحتاج يومياً إلى 250 الف متر مكعب يومياً.
بيئياً تصنف هذه السنة بالقاحلة لأن كمية المتساقطات لم تتجاوز الـ40 في المئة من المعدل العام. أهالي مدينة بيروت يشكون من التقنين الذي فرض عليهم شراء مياه الشفة وتعبئة الخزانات من مياه الصهاريج التي تجول في شوارع المدينة وأحيائها. أما الأسعار فتراوح بحسب العرض والطلب لكنها حتماً لا تقل عن 20 دولاراً لكل الف متر مكعب وقد تصل إلى  30 او 40 في المناطق النائية. هذا بالنسبة إلى مياه الإستعمال لكن ماذا عن وضع المزارعين وكيف سيتمكن المزارع من ري ارضه وأية زراعات سيحرم منها اللبناني بسبب شح المياه؟
تؤكد الدراسات أن كمية الاستهلاك الأكبر للمياه في لبنان هي في القطاع الزراعي وتراوح بين 60 و70 في المئة من حجم المياه العذبة في لبنان و9 في المئة للاستخدام المنزلي و21 في المئة في قطاع الصناعة، فيما تغيب الأرقام عن الاستخدامات في القطاع السياحي. ومن الاستراتيجيات المقترحة ضرورة تغيير طرق الري واستخدام طرق التنقيط الحديثة (بدل الجر) مما يوفر أكثر من 50 في المئة من المياه. وينصح الخبراء هذا العام في تجنب زراعة الخضار التي تحتاج الى الكثير من المياه والتركيز على الزراعات شبه البعلية، واتباع الإرشادات التي يفترض أن تقدمها وزارة الزراعة.

  شتوة آذار
أنطوان الحويك نقيب المزارعين اكد أن الشتوة التي غمرت الأراضي في شهر آذار (مارس) ساهمت في تدفق المياه في الينابيع مما أعاد الوضع إلى مستوى الأزمة بعدما كان كارثياً. ولفت إلى ان الخطط البديلة المطروحة على مستوى حفر 7 أو 8 آبار لا تفي بالمطلوب لأن الأزمة مستعرة وعمليات الحفر تتطلب الوقت في حال الموافقة عليها وصرف الأموال المطلوبة. أما الحل الأكثر فعالية فيعتمد على العودة إلى الآبار الأرتوازية وترشيد استعمال المياه واعتماد أسلوب الري بالتنقيط بدلاً من الجر، وري ربع مساحة الأراضي المزروعة لتوفير الكميات الموجود
ة في الآبار حتى نهاية الموسم.
وزارة الزراعة بدأت في وضع الخطط والحلول بحسب الحويك ومن ابرزها وضع برنامج لتوزيع «النباريج» على المزارعين لكن من دون تحديد الكمية والمناطق التي سيتم توزيع النباريج عليها. لكن بالنسبة إلى المزارعين المشكلة لا تقتصر على المياه «هناك البرد الذي فاجأ المزارعين في شهر آذار (مارس) وقضى على عدد كبير من المواسم لا سيما الفاكهة الصيفية ومنها الدراق والجوز والخوخ».
ثمة من يقول إن كلام وزير الزراعة أكرم شهيّب الذي اعلن فيه أن الوزارة في صدد تأمين الأموال اللازمة، لتزويد المزارعين بتقنيات تساعدهم في تخفيض استهلاك المياه، وتساعدهم في تنظيم الري، وفق الحاجة الحقيقية للمزروعات، كي لا يستمر الري في استهلاك مياه لا لزوم لها كما الآن، كان مطمئناً إلى حد ما.
لكن الزرع لا ينبت على الكلام. المطلوب كميات من الماء خصوصاً أن الكلام المتداول يؤكد على حصول تغيير مناخي. من هنا تعمل الوزارة على وضع خطط مستقبلية منها العمل على إقامة البرك الترابية وتأمين مستلزماتها عبر المشروع الأخضر والبلديات والمشاريع الدولية والهبات وتسريع إنجاز مشاريع ARDP لحصاد المياه وهي 8 برك متوسطة وسدود ترابية ومتابعة المشاريع مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الفاو في مجال إدارة الري.
بالنسبة إلى المزارع كل هذا يبقى كلاماً، والمطلوب إعلان حال طوارىء مائية. وإلا ظمأ في بلد كان مصنفاً الثالث بعد السودان والعراق في غزارة المياه وخطط لاستيراد المياه في بلد الأنهار المائية. تصوروا ذلك!

جومانا نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق