افتتاحية

عجائب في بلد العجائب

النواب في حركة دائمة تثير الاستغراب، فهم منذ دخولهم الندوة البرلمانية قبل خمس سنوات وخمسة اشهر كانوا غائبين عن الساحة ولم يقدموا شيئاً يذكر للمواطنين. لقد تربعوا سعيداً على عروشهم في المجلس النيابي فغاب عن بالهم انهم اتوا للدفاع عن حقوق الذين انتخبوهم، فتواروا عن عيون الناخبين. فلماذا هذه العودة اليوم؟ ولماذا يعودون الى غير مهمتهم الاساسية وهي انتخاب رئيس للبلاد؟ وقبلها الى اقرار قانون عادل للانتخابات؟
عندما يدرك السبب يبطل العجب. فالنواب الذين اعتادوا على قلة العمل، يضيرهم اليوم ان يقودوا حملات انتخابية تكلفهم الكثير من المال سواء للانفاق على المعركة الانتخابية، او لدفع مبالغ طائلة لقادة اللوائح حتى يكونوا على هذه اللائحة او تلك. فرأوا ان افضل وسيلة لتجنب هذا كله هو التمديد لانفسهم. سنتان وسبعة اشهر مدة التمديد تريحهم، وبعدها يخلق الله ما لا تعلمون. ولذلك ما كان مرفوضاً في الامس اصبح مقبولاً وبقوة اليوم.
لقد قالوا بعدم حضور اي جلسة تشريعية قبل انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا على كل حال ما ينص عليه الدستور. ولكن عن اي دستور واية قوانين نتحدث؟ ففي لبنان ينتهك الدستور والقوانين يومياً ولا من يبالي، حتى اصبحت حبراً على ورق لا يؤخذ منها الا ما يلائم هذا السياسي او ذاك وهذا الحزب او ذاك.
اذاً الكلام عن عدم حضور جلسة تشريعية سقط، واصبح النواب يتسابقون على حضور الجلسة التي دعا اليها رئيس المجلس، وكان حري به قبل ان يدعو الى جلسة تشريعية، ان يؤمن النصاب بما له من طول باع، لينتخب المجلس رئيساً للبلاد التي اصبحت منذ اربعة اشهر ونيف مقطوعة الرأس.
وهكذا يستمر النواب في مقاعدهم يغرفون من جيوب الناس كل ما تبقى فيها لقبض رواتبهم والحصول على بدل الامتيازات التي يتمتعون بها، دون غيرهم من الناس. ولو كانوا ممثلين حقيقيين للشعب لرفضوا ان يتقاضوا قرشاً واحداً طالما انهم لا يعملون.
نعود الى الحركة النيابية هذه الايام، فما هي اسبابها وما هو سرها؟
لقد ادرك النواب ان التمديد لانفسهم بعيداً عن ارادة الشعب، لا يمكن ان يتم اذا لم يقروا بعض القوانين ومنها سلسلة الرتب والرواتب (وهنا لدينا الكثير من الكلام لنقوله عن هذه السلسلة والتي استفاق النواب في اللحظة الاخيرة ولم يصوتوا عليها وجنبوا لبنان الانهيار الاقتصادي)، لذلك اصبح حضور جلسات التشريع، خلافاً لما ينص عليه الدستور، مباحاً. فعند تلبية المصالح تسقط كل المحاذير التي تعترض ذلك. والسلسلة قال فيها الخبراء الاقتصاديون انها ستخرب الاقتصاد اللبناني وتدفعه الى الانهيار، والتي كان النواب او معظمهم يعارضونها بشدة، وكادوا يقرونها لولا العناية الالهية. كيف لا وهي ثمن التمديد. انها عجيبة في بلد العجائب.
قبل النواب بحضور الجلسات التشريعية لاقرار السلسلة واقرار دفع الرواتب والاجور، وهذا القانون يتعلق بهم شخصياً فهم يريدون ان يقبضوا رواتبهم في اخر كل شهر. اذاً لقد اصبح التشريع المخالف للقانون، قانونياًً وشرعياً بامتياز. وارادوا ان يكافئوا، المعلمين الذين حرموا مئة وخمسين الف طالب من حقهم في الشهادة الرسميةوضربوا مستقبلهم وعرضوهم للذل خصوصاً في جامعات الخارج. انهم حقاً يستحقون المكافأة. مع ذلك رفض المعلمون السلسلة ودعوا الى الاضراب مطالبين بالمزيد وهذا ما نبهنا اليه في عدد سابق وفي هذه الزاوية بالذات. فهم اعتادوا على الاضرابات واصبح الدخول الى الصفوف امراً صعباً عليهم. على كل حال سقطت السلسلة ونأمل ان يجري تصحيحها. وما كان مرفوضاً في تمويل السلسلة اصبح مقبولاً ومرحباً به، وقام بعض النواب بالدفاع عنه. مثلاً يقول احد النواب ان الضرائب التي فرضت لتمويل السلسلة لا تطاول الفقراء وذوي الدخل المحدود ولما قيل له ان رفع ضريبة الـ TVA يطاول كل الناس وسيؤدي الى ارتفاع اسعار كل السلع الحياتية، قام باجراء عملية حسابية مقللاً من خطر هذه الزيادة. وقد سها عن باله ان الواحد بالمئة ستصبح عشرة بالمئة عند التجار متحججين بزيادة اجور النقل و.. و… وغيرها. وقبل اقرار هذه الزيادة بدأت الاسعار ترتفع. فعلى من نتكل لمراقبة الحركة الشرائية وضبط الاسعار؟ هل على سعادة النائب ام على الحكومة المستقيلة من كل ادوارها؟ ثم اننا من عشرات السنين نسمع عن تسوية وضع الاملاك البحرية ولكن الكلام بقي كلاماً فهل يصح هذه المرة؟ نشك بذلك.
كذلك فان قرارات زيادة الضرائب تتضمن دائماً بنوداً مخفية وستظهر تباعاً بعد ان يكون المواطن قد بلع الموسى.
وماذا عن زيادة الاقساط المدرسية التي ترتفع بشكل جنوني بحجة دفع الزيادات للمعلمين؟ الامثلة كثيرة ولن نتطرق اليها في هذه العجالة.
ولكن كلمة واحدة نقولها لاصحاب السعادة وللمسؤولين كافة: ارحموا هذا الشعب الصامت المدجن وارحموا لبنان.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق