افتتاحية

من المسؤول عن قطع رأس الدولة؟

ذكرت انباء صحفية في مطلع الاسبوع، نقلاً عن مصادر ديبلوماسية، ان وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري، سلم مطران بيروت للموارنة بولس مطر، خلال لقائهما في باريس، رسالة من الرئيس الاميركي باراك اوباما الى البطريرك الماروني بشاره الراعي، يطمئنه فيها الى انه سيكون للبنان رئيس للجمهورية خلال شهرين، بعد التوصل الى اتفاق نووي مع ايران.
اذا صحت هذه الانباء، فانها تثبت بما لا يقبل الشك، ان ايران رهنت الانتخابات الرئاسية اللبنانية لصالحها، فاستخدمتها ورقة في المفاوضات مع الاميركيين والدول الاخرى (5+1). ويثبت كذلك ان عدداً من النواب اللبنانيين ساعدوا ايران على امتلاك هذه الورقة، فحالوا دون انتخاب رئيس للجمهورية، وقد مضى حتى الساعة عشرة اشهر والبلاد بل رأس.
على كل حال، فان ايران لا تنفي امتلاكها ورقة الانتخابات الرئاسية. فقد اعلنت مراراً انها تسيطر على اربع عواصم في المنطقة هي دمشق وبغداد وصنعاء وبيروت.
هذه السيطرة ما كان لها ان تتحقق، لولا تعاون عدد من اللبنانيين في تسهيل مصالح ايران، فاين هي مصالح لبنان التي يجب ان تكون لها الاولوية؟
هل ان النواب الذين قاطعوا انتخاب رئيس للجمهورية كانوا يعرفون انهم يخدمون مصلحة ايران، على حساب مصلحة لبنان؟ ان كانوا يعلمون فتلك مصيبة وان كانوا لا يعلمون فالمصيبة اعظم.
لقد بدا واضحاً في بداية الازمة ان العالم منشغل بقضايا كبيرة ليس بينها لبنان، الذي انحصر اهتمامهم به بتأمين الحد الادنى من الاستقرار وتجميد قضاياه، الى ان يتم اقفال ملفات لها الاولوية في حساباتهم، ومن بينها الملف النووي الايراني. وكانت الفرصة يومها سانحة لمجلس النواب اللبناني، الممدد لنفسه مرتين دون ارادة الشعب، ان يمحو هذا العار، فيعمد الى لبننة الانتخابات الرئاسية، ويمسك بزمام الامور بعيداً عن اي تدخل خارجي، ولكنه لم يفعل. فترك البلاد بلا رأس طوال هذه المدة مما ساهم في تمدد الفراغ الى مؤسسات اخرى، لا يمكن معالجتها في غياب رئيس للبلاد. فما هو رد هؤلاء بعدما بدأت تتكشف الغايات، وهي اصلاً معروفة من الجميع، التي من اجلها تم تعطيل انتخاب رئيس؟
هنا يتوجب على اللبنانيين، جميع اللبنانيين، اجراء مراجعة متأنية لكل ما يجري، ويقررون ولو مرة واحدة محاسبة من اخطأ. ومن دون ذلك لا امل للبنان بالنهوض. ذلك ان التغيير لا يمكن ان يتم في ظل هذه الحفنة من السياسيين اللاعبين على الساحة اللبنانية، وعلى الشعب ابعادهم والا عبثاً نفتش عن الاصلاح.
انهم عندما تتعلق الامور بمصالحهم لا يتوانون لحظة عن التحرك، تماماً كما فعلوا عندما مددوا لانفسهم مرتين، مخالفين بذلك كل القوانين، باعتبار انه لم يكن هناك اسباب موجبة للتمديد. لماذا سارعوا الى المشاركة في جلسة التمديد الاولى والثانية واستنكفوا عن تأمين النصاب لانتخاب رئيس للجمهورية؟
طبعاً عندما تغيب المحاسبة تفلت الامور وتعم الفوضى. والنواب الكرام مطمئنون الى ان الشعب اللبناني لا يحاسب، وبالتالي يمكنهم ان يفعلوا كل ما يخدم مصالحهم، حتى اذا جاء يوم الحساب في صندوق الاقتراع، فان شيئاً لا يتبدل.
لا نلوم ايران لانها امسكت بورقة لبنان، ولا نلوم النواب الذين لبوا مصالحها، وان على حساب المصلحة اللبنانية، بقدر ما نلوم الشعب مصدر كل السلطات، الذي اذا اراد تتكسر كل التدخلات الخارجية عند حدوده، ولكنه مع الاسف يغط في نوم عميق، فعسى ان يستفيق يوماً.

«الاسبوع العربي»
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق