انحناءة سورية مبرمجة امام القرار الانساني، واستنفار سياسي لمواجهة «الغوطة – 2»

في مرحلة ما بعد «جنيف – 2»، بدا واضحاً ان الاوراق اختلطت، وان المعالجات السياسية والامنية وغيرها بدأت تأخذ طريقها الى الملف، من زوايا متعددة، وضمن اطار اختيار ما هو اصلح من جهة، وما هو اقل ضرراً من جهة اخرى.
بالتزامن مع القرار الاممي الذي اصدره مجلس الامن بالاجماع والذي ينص على ضرورة وصول المساعدات الانسانية الى اهدافها داخل سوريا، ودون اية عوائق، ثمة جدل تجاوز بعده السياسي نحو ما يمكن ان تسمى «حرباً استخباراتية» عنوانها «الغوطة – 2»، وموضوعها سيناريو – يبدو انه مزعوم – لمخطط يستهدف غزو العاصمة السورية دمشق، ويرفع شعار اسقاط النظام.
المشروع الذي تحدثت عنه سوريا يتهم الاردن والولايات المتحدة بارسال بضعة آلاف من المعارضين السوريين، المدربين والمؤهلين على فنون القتال واستخدام السلاح من اجل غزو العاصمة دمشق. واتهام المملكة العربية السعودية بتمويل تلك المعركة وتزويد المقاتلين بالسلاح والمال اللازمين.
في هذا السياق، تشير المعلومات المتسربة من كواليس «جنيف – 2»، وما بعدها، الى اتفاق بين الولايات المتحدة وحلفائها، بوقف التحركات الاحادية الخاصة بدعم المعارضة السورية ، وأن يلتزم الجميع بتفاهم واحد في تسليح المعارضين الموثوق بهم.
وبحسب المعلومات، اتفقت الولايات المتحدة وحلفاؤها في اوروبا والمنطقة العربية على صيغة موحدة لدعم المعارضة السورية المسلحة بتقسيم فصائلها إلى ثلاث فئات: فئة يجب مدها بالسلاح وغيره من اشكال الدعم الأخرى، وفئة غير مؤهلة لارتباطاتها بجماعات متطرفة، وفئة ثالثة من الفصائل يتطلب تأهلها لهذا الدعم مزيداً من النقاش.
مبادرات جديدة
وإلى جانب ذلك هناك كم من المبادرات الجديدة اتخذتها الولايات المتحدة ودول أخرى لتسليح المعارضة وتدريب مقاتليها ودعمها في المجال الاستخباراتي، وغير ذلك من اشكال الدعم التي اتفق عليها قادة أجهزة استخباراتية خلال اجتماع في واشنطن الاسبوع الماضي، بينما يهدف الاتفاق الجديد إلى معالجة الاختلافات بين الحكومات ذات العلاقة التي كانت منقسمة في ما بينها حول أي الفصائل تساعد وبماذا تساعدها. وبحيث يتحول الاتفاق الجديد الى وثيقة حية يجري تحديثها مع تغير الاصطفافات والتحالفات بين فصائل المعارضة.
وتشير القراءات الخاصة بهذا الملف الى ان ادارة الرئيس الأميركي باراك اوباما تسعى لاستثمار انقسامات المعارضة، وخصوصاً المواجهات بين داعش وفصائل اخرى، والى لقاءات وحوارات وتفاهمات بين الادارة الاميركية ودول عدة من بينها دول خليجية.
وبحسب المعلومات المتسربة، فإن الخطط الجديدة التي في طريقها إلى التنفيذ على الأرض تشمل تكثيف عمليات تدريب المقاتلين السوريين، بعد التوثق من سيرتهم، وزيادة شحنات السلاح إلى جبهة المعارضة في جنوب سوريا وبحيث يبقى المشروع تابعاً الى وكالة المخابرات المركزية. وبالتوازي، هناك خطط ما زالت قيد التطوير بموجب الاتفاقات الجديدة لفتح المزيد من خطوط الامداد في شمال سوريا عبر الأراضي التركية، حيث تقاتل فصائل معتدلة على جبهتين: ضد داعش وقوات الأسد.
وفي السياق ذاته، اقترحت فرنسا أن تستخدم ادارة اوباما مماطلة الأسد بشأن تدمير اسلحته الكيميائية مبرراً لتجديد تهديدها بتوجيه ضربات صاروخية إلى منشآت النظام، الا ان دولاً خليجية رأت أن الضربات الجوية لا تحتاج إلى مبرر أكثر من بقاء الأسد في السلطة. وجاء الرد الاميركي بأن الولايات المتحدة ليست بصدد توجيه مثل هذه الضربات، حيث استبعد مسؤول اميركي كان مشاركاً في احد اللقاءات الحوارية، خيار الضربات الجوية الاميركية، قائلاً انها لن تغير الموقف على الأرض تغييراً كافياً، وبالتالي لا مبرر للاقدام على هذه الخطوة التي وصفها بـ «المخاطرة الاستثنائية».
وبحسب المعلومات، رفضت الولايات المتحدة المقترح الداعي إلى تسليح المعارضة بصواريخ ارض – جو تُطلق من الكتف.
الى ذلك، تجاهل النظام السوري هذا الدفق من المعلومات، وركز على ما اعتبره «البعد التآمري» لبعض دول الجوار. وقدمت دمشق ردة فعلها من زاوية توجيه التهديد الى الاردن بانها لن تسكت على مثل تلك المشاريع. وانها تملك وسائل الرد المناسب على ما تعتقد انه مؤامرة تستهدف امن الدولة السورية رداً على نتائج مؤتمر «جنيف – 2». بينما رد الاردن بنفي تلك المعلومات جملة وتفصيلاً، حيث اكد وزير الداخلية الاردني انه لا صحة لتلك التقارير التي سربتها الاجهزة السورية المختصة، والتي تركت اثراً على مستوى الشارع الاردني الذي يصر على مبدأ الحياد في ما يتعلق بالمشروع السوري، حتى وان تعاطف مع الملف من زوايا انسانية.
الانحناء امام القرار
بالتزامن، وكما هي عادة النظام، فقد اجادت دمشق فن الانحناء امام القرار الاممي الذي اصدره مجلس الامن والخاص بالمساعدات الانسانية. حيث ابدت مباركتها للقرار، واستعدادها المشروط لتنفيذه. ما يعني «انحناءة مبرمجة» امام عاصفة نجحت روسيا في التخفيف من حدتها، وتوجيهها نحو مسالك المرور الآمن، من خلال ابعادها عن الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة لتطبيقها، ويحدد موعداً زمنياً للتنفيذ تحت طائلة المسؤولية.
ميدانياً، بدا واضحاً ان بعض الاطراف اختارت اللعب باوراق تعتقد بأنها كانت ناجحة في توجيه الانظار عن اخفاقات «جنيف – 2» ومحاولة استيعاب ما حدث بقدر من حفظ ماء الوجه، او التهرب من بعض الاستحقاقات وتحويلها الى عناصر دعم لموقفها.
وفي هذا السياق هناك من يرى ان الولايات المتحدة التي تفكر بطريقة ترفع عنها الحرج ازاء نتائج «جنيف – 2»، توجهت الى مجلس الامن بهدف اصدار قرار يشكل رسالة الى العالم مضمونها ان واشنطن قادرة على الامساك بخيوط اللعبة في الوقت المناسب. وعمدت الى تسريب معلومات مضمونها استعدادات لدعم المعارضة وتمكينها من تنفيذ ضربة موجعة للنظام.
وفي المقابل هناك من يرى ان النظام قد نجح في توظيف تلك المعلومات ضمن اطار سياسي وامني يخدم بعضاً من الجوانب المصلحية الخاصة بالمواجهة. والضغط على الحلفاء لتوجيه الجدل في مسارات تنتهي الى خدمته.
ودعا القرار الذي يحمل الرقم 2139 «جميع الاطراف الى الرفع الفوري للحصار عن المناطق المأهولة»، معتبراً ان «تجويع المدنيين تكتيك حربي تحظره القوانين الانسانية الدولية». وطلب «من كل الاطراف التوقف على الفور عن شن اي هجوم على المدنيين» لا سيما القصف الجوي و«استخدام البراميل المتفجرة» التي تلقيها طائرات النظام من المروحيات على مناطق مختلفة ابرزها حلب.
وطلب القرار «من كل الاطراف، وخصوصاً السلطات السورية ان تسمح من دون تأخير بالدخول السريع لوكالات الامم المتحدة وشركائها وحتى عبر خطوط الجبهة وعبر الحدود».
وكان مشروع القرار الاساسي يهدد بفرض عقوبات اذا لم يتم التجاوب مع القرار، الا ان موسكو رفضت تلك الصيغة، ووزعت مشروع قرار آخر لا يأتي على ذكر العقوبات، ويركز على وجوب «مكافحة الارهاب» في سوريا.
شجب الارهاب
بعد مفاوضات مكثفة بين اعضاء مجلس الامن، تم التوصل الى صيغة اخيرة تشجب بشدة الاعمال الارهابية، ولا تنص على عقوبات، الا انها تشير الى نية المجلس «اتخاذ خطوات اضافية» في حال عدم التجاوب. وهو اجماع يحصل للمرة الثانية على قرار متعلق بالوضع السوري في مجلس الامن بعد قرار نص على تدمير الترسانة الكيميائية السورية.
من جهتها، وضمن انحناءة ذكية، اعلنت دمشق استعدادها للتعاون مع القرار، لكنها اشترطت ان يكون ذلك ضمن «احترام السيادة» و«دور الدولة»، بحسب ما جاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية يوم الاحد الفائت. واكدت الوزارة في اول رد سوري حكومي على القرار، ان معالجة الازمة الانسانية تستوجب «معالجة جذورها» وابرزها «مواجهة الارهاب» ورفع العقوبات المفروضة على سوريا.
وجاء في البيان الذي نشرته وكالة الانباء السورية الرسمية «سانا»، تأكيد دمشق «استعدادها للتعاون مع المنسق المقيم للامم المتحدة ومع المنظمات الدولية العاملة في الشأن الانساني في سوريا للاتفاق على الآليات الكفيلة بتنفيذ القرار 2139 الذي اعتمده مجلس الامن، على اساس احترام مبادىء ميثاق الامم المتحدة وقواعد القانون الدولي والمبادىء الاساسية الناظمة للعمل الانساني وفي مقدمتها احترام السيادة الوطنية ودور الدولة ومبادىء الحياد والنزاهة وعدم تسييس المساعدات».
وشدد البيان على ان «معالجة الازمة الانسانية في سوريا تستوجب معالجة جذورها والعوامل التي تؤدي الى مفاقمتها وفي مقدمتها مواجهة الارهاب المدعوم خارجياً ورفع العقوبات الاحادية المفروضة على سوريا من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وغيرهما من الدول». واعتبرت الوزارة ان اقرار مجلس الامن بتصاعد الارهاب التكفيري المرتبط بالقاعدة ودعوة المجلس لمكافحة هذا الارهاب وهزيمته هما خطوة بالاتجاه الصحيح تتطلع سوريا الى استكمالها بخطوات اضافية من خلال الزام الدول المتورطة بتوفير الدعم المالي والعسكري والتدريب والايواء والتسليح للمجموعات الارهابية في سوريا بالامتناع عن دعمها للارهاب والامتثال لقرارات مجلس الامن ذات الصلة. واشارت الى ان العقوبات المفروضة على سوريا «تضر بالاوضاع المعيشية للمواطنين السوريين».
«الغوطة – 2»
امام هذا الكم من المعلومات، تصر دمشق على تمرير معلومات مضادة عن مشروع اميركي – سعودي يطلق عليه اسم «الغوطة – 2». وتقول ان معلومات استخبارية حصلت عليها تشير الى ان وزارة الخارجية الأميركية ابلغت معارضين سوريين، في باريس، بأن قراراً سعودياً – أميركياً مشتركاً قد اتخذ بفتح الجبهة الجنوبية مجدداً، بعد أربعة أشهر على الهجوم الأخير لرتل من ألفي مقاتل قدموا من الأردن عبر البادية، ولم يتمكنوا من اختراق الغوطة الشرقية نحو دمشق.
وتقول دمشق ان مشروع المواجهة تم التنسيق له ما بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والاردن، في اعقاب زيارة الملك عبدالله الثاني إلى واشنطن وتسلم وزير الداخلية السعودي الامير محمد بن نايف الملف السوري، وقبيل توجه الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الرياض في 22 آذار (مارس) المقبل.
احمد الحسبان