مفكرة الأسبوع

الإقتصاد والثقة ميزان النظام الجديد في مصر

في الإستفتاء على الدستور – الذي ستليه إنتخابات رئاسية وبرلمانية – فضّل المصريون من جديد، الإستقرار على الديموقراطية. من الطراز الغربي، التي لم تكن على أجندة محمد مرسي، ولا أكثرية المصريين. ولكنه يكرّس كذلك، سلطان العسكر، حيث ان الدستور الجديد، يقرّ بأن وزير الدفاع العسكري بالضرورة، يبقى من صلاحيات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، من دون المرور بأية معارضة برلمانية.

لم يشر الدستور الى تخفيض تواجد القوات المسلحة، كلاعب إقتصادي أساسي في مصلحة العسكر، ولا الى المسؤولية التي سيتحملها في إطار قمع حقوق المواطنية خلال التظاهرات.
أكثرية المصريين يعتبرون بأن الدستور الجديد، جيد وليس ما حصل سيئاً… فالشعور لدى المراقبين، هو ان فريقاً ثالثاً ينمو في مصر الجديدة: لا مع العسكر ولا مع الإخوان المسلمين، وإنما مع ديموقراطية ينتظرون مجيئها.
وفي إنتظار ان نرى، ماذا سيفعل الإخوان، رأى محمد البرادعي، الذي إختار المنفى بعد إنفصاله عن العسكر، حول قمع التظاهرات، في روما: «ان الوضع صعب، ولكن لا عودة الى الوراء».

الإقتصاد
ولكن التحدي الكبير، الذي سيواجهه الرئيس الجديد بعد الإنتخابات الرئاسية، هو الإقتصاد. فالسنة التي أمضاها محمد مرسي، كانت مدمرة للسياحة ولتدفق الإستثمارات الأجنبية. وعندما أعلن الكثير من المصريين عن رغبتهم في ان يترشح الجنرال عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية، الذي وعد بأن يحدد موقفه قبل 25 كانون الثاني (يناير)، فإنهم إنما فعلوا، أملاً بأن يفرض النظام  والأمن وينشط النمو الإقتصادي.
وتبقى التمنيات والتوقعات في مصلحته، فكلما تحدث الجنرال الى الشعب، ترتفع مؤشرات البورصة، وإستعادت السياحة بعض حيوتها. منذ ان تسلم العسكر السلطة. ومن أجل تهدئة الشارع، عمدت الحكومة المؤقتة الى رفع الحد الأدنى من الأجور، قبل الإستفتاء.
الإستفتاء الذي ربما كان على شرعية النظام الذي أطاح حكم الإخوان، وعلى الرجل الذي قاد الحركة، وفرص نجاح ترشحه لرئاسة مصر.
شاب مصري، يحمل إجازة جامعية، في التاسعة عشرة إسمه فؤاد مجدي، التقيته في بيروت، يؤكد أن آمالاً كبيرة معلقة على الجنرال، «فإننا في حاجة الى رجل قوي» يعيد الثقة فنستعيد الأمل، الذي فقدناه مع إخوان محمد مرسي».
ان البطالة في مصر، تزيد على 13 في المئة، بعد ان كانت 8،9 في المئة، في الأشهر الأخيرة، من حكم حسني مبارك.
وبدأت مجموعات ولو قليلة، تظهر في الأماكن السياحية، الأكثر شهرة في القاهرة، مثل اهرامات الجيزة، وسوق الخليلي وقلعة صلاح الدين، بعد ان هجروها، قبل إسقاط محمد مرسي والإخوان. وتفجرت الأسعار، وغطى الغبار واجهات المحلات والأسواق، ولا تضاء أضواؤها إلا لدى مجيء الزبائن.

إزداد الفقر مع الإخوان
ويصل المصريون الى حد البكاء على عهد حسني مبارك، حين كان الأجانب يأتون الى أماكن مصر السياحية – لأنها كانت آمنة، مع بعض الإستثناءات الظرفية – أما في عهد الإخوان، وما تلاه فلا أمن ولا سياحة، ولا مداخيل.
هذا من دون الأخذ في الإعتبار، الفقر الذي يزداد تفشياً. فإن 40 في المئة من الناس، يعيشون بأقل من دولارين في اليوم الواحد، وتخصص الدولة 10 في المئة من الناتج القومي الخام، لدعم أسعار المواد الغذائية ويقف معدل الأجور عند 640 جنيهاً في الشهر. وعشية الإستفتاء، عمدت الحكومة المؤقتة الى إقرار 1200 جنيه في الشهر كحد أدنى لأجور الموظفين وهذا يشكل في أي حال تحسناً.
ويلاحظ ناخب: «ان الحكومة الحالية، حسنت أوضاع الأمن والأجور، فإذا كان هذا ما تستطيع الحكومة المؤقتة ان تفعله، فتصوروا ما يستطيعه الجنرال السيسي كرئيس».
ولكن المؤكد هو ان ما يستطيع ان يفعله السيسي أو من يصل الى الرئاسة، يتوقف على الأموال التي ستصل الى مصر من الخارج، التي إنخفضت في السنة الماضية وحدها 14،5 في المئة. وكانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، دعمت النظام الجديد، بما مجموعه 8800 مليون دولار مساعدات، على شكل قروض بفوائد مخفضة وإمدادات نفطية، مما ساعد على زيادة ثقة المستثمرين الأجانب.
وسجلت البورصة المصرية أعلى مستوياتها منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وتؤكد ليلى ريقابي التي تتولى إدارة سلطة الإستثمارات المصرية: «ان الإستقرار  هو الشرط الأساسي للإستثمارات، وان الإستقرار هو الذي يؤمنه النظام الحالي، بعد ان كان الإخوان حطموا هذه الثقة، مما آثار الذعر لدى المستثمرين التقليديين، في مصر. ولكن جرى تصحيح هذا المسار وأضحى المستثمرون في الولايات المتحدة ودول الخليج، على إستعداد للعودة».
ولكن مهمة الحكومة الجديدة تبقى من آفاق الجبابرة، في إصلاح المسار أمام التباطؤ الدراماتيكي الذي ضرب نمو الدخل الوطني الخام، الذي كان إزداد في سنة 2010، أي قبل سقوط حسني مبارك، في معدل 5،1 في المئة، أما اليوم فإنه لا يتخطى 2 في المئة، في حسابات البنك الدولي.
ان إسقاط إخوان محمد مرسي، بأية طريقة اطلق إشارات تفاؤل وثقة في الأوساط الدولية. ففي الأيام الأخيرة من حكم الإخوان، لم يكن أي شيء يتحقق في مصر، التي كانت تنقصها الوفود ويزداد إنقطاع الكهرباء فيها.
والحكم الجديد، مدعو الى جعل كل ما سبق من ذكريات الماضي.

جوزيف صفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق