أبرز الأخبار

الدستور المصري: إستفتاء محسوم النتائج، يتخطى محطات الصراع السلبي

منذ اللحظات الأولى لبدء الإستفتاء على الدستور المصري، بدا واضحاً ان النتائج محسومة. وان الدستور يحظى بتأييد الغالبية من المشاركين في أول إستحقاق شعبي تسعى الحكومة المؤقتة من خلاله الى إكتساب شرعيتها الديمقراطية، كمرحلة ثانية تعقب مرحلة «الشرعية الشعبية» المستندة ـ بحسب اجتهادات سياسية ـ الى شرعية ثورية.

بعد ان أنجزت لجنة الخمسين دستوراً جديداً لم تكن فكرته موضع ترحيب من أركان الحكومة المؤقتة الذين ألمحوا الى اتهام اللجنة بتجاوز صلاحياتها، المحددة أصلاً بـ «تعديل الدستور» فقط، وليس وضع دستور جديد. لكنها اضطرت الى مجاراة الموقف، وعدم مخاصمة أركان لجنة الدستور التي يرأسها الأمين العام للجامعة العربية سابقاً والمرشح الرئاسي عمرو موسى، والتي يعتقد متابعون انه يحظى بدعم سياسي مقبول. وقد نجحت جهات معارضة في تسريب شريط مسجل يحمل نقداً واضحاً من وزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسي الى الجنة.
ومهما تكن التحفظات حول اللجنة وعملها، بدا واضحاً ان مشروع الدستور تجاوز عنق الزجاجة، وأخذ طريقه الى الإستفتاء. وان عملية الإقتراع على الدستور بـ «نعم او لا» كانت محكومة بجملة من العوامل التي تصب ضمن إطار فوزه بأغلبية المقترعين. ومن أبرز تلك العوامل، إنقسام الشارع بين مؤيد ومعارض. فهناك من يؤيد الحركة الشعبية المدعومة عسكرياً التي أطاحت الرئيس الإخواني محمد مرسي وهي تشكل معظم الشعب المصري بإستثناء قلة. وهناك من يعارضها. ووفقاً لهذا التصنيف، هناك قرار بالمقاطعة من المرجعيات الإخوانية، انتهى الى عدم مشاركة المعارضين، في حين كان الإقبال كثيفاً من مؤيدي الحكومة المؤقتة، ما يعني قراءة قاطعة بأن أغلبية المشاركين في الإستفتاء يوافقون على الدستور، ويصوتون عليه بـ «نعم».
الفلسفة الإخوانية من وراء هذا القرار الذي يعتبره محللون خطأً سياسياً فادحاً، تتمثل بعدم التسليم بشرعية ما يسمونه بـ «الإنقلاب» على الشرعية، وعدم التسليم بأي من القرارات والإجراءات التي اتخذت في الحقبة التي اعقبت «الإنقلاب» او نتجت عنه. وتنطلق هذه الفلسفة من قناعة بأن أية إجراءات او حشد إخواني لن ترتقي الى مرتبة إسقاط الدستور شعبياً ومن خلال الإستفتاء.
بينما وجهة النظر الاخرى تقول بأنه لو تم الحشد من أجل مشاركة المعارضة والتصويت بكثافة برفض الدستور الجديد لكانت النتيجة مختلفة بشكل واضح. ولتمثلت بفوز الدستور بفارق بسيط جداً، ولأظهرت المعارضة ثقلها الحقيقي في الشارع المصري.

ميدانياً، سجلت التقارير الإخبارية وعدسات التلفزة اقبالاً شديداً على مراكز الإقتراع المتعلق بالدستور الجديد. وفي المقابل، تم تسجيل حركات احتجاجية ومحاولات يائسة لدفع المصريين نحو المقاطعة. كما سجل بعض المراقبين محاولات لمنع المقترعين من المشاركة في الإستفتاء، وذلك من خلال السيطرة على البطاقات الإنتخابية لآلاف المقترعين، وبالتالي منعهم من المشاركة في الانتخابات.
وبين هذه وتلك، سجلت مواجهات بين الشرطة والجيش من جهة، ومتظاهرين من أنصار الرئيس المخلوع محمد مرسي من جهة أخرى، اسفرت عن مقتل أكثر من عشرة أشخاص في اليوم الأول من ايام الإقتراع الذي جرى وسط اجراءات أمنية مشددة، حيث تنتشر قوات من الجيش إلى جانب  قوات الشرطة بكثافة في الشوارع والميادين الرئيسية، وبالقرب من مراكز الإقتراع، وكثفت قوات الجيش تواجدها في ميدان التحرير وميدان رابعة العدوية وميدان الجيزة، إضافةً إلى ميدان نهضة مصر، واستعانت قوات الشرطة بالكلاب البوليسية المدربة على الكشف عن المتفجرات، وظهرت قوات مكافحة المفرقعات بزي وأجهزة جديدة في الشوارع وبعض الميادين الرئيسية، إنتظاراً لعمل شاق قد يحصل  بالتزامن مع الإستفتاء. ويشارك الجيش بتأمين عملية الإستفتاء بـ160 ألف جندي وضابط، إضافةً إلى قوات ضخمة من الشرطة.
وبينما اشارت تقارير محايدة الى ان مستوى الإقبال كان كبيراً، شككت أوساط إخوانية بتلك المعلومة، واتهمت الحكومة المؤقتة وادارة العملية الإنتخابية بإختيار مراكز محددة تم الحشد لها بهدف اظهار مستوى متميز من الإقبال.
غير ان أياً من الفريقين المتخاصمين لم يكشف عن أية أرقام او معلومات تعزز أياً من الفرضيتين. ويصل عدد الذين يحق لهم الإقتراع، والذين دعوا الى المشاركة في ذلك الإستحقاق الى نحو 53 مليون مصري، ويشرف على عملية الإستفتاء 15 ألف قاضٍ، بمساعدة أكثر من خمسين ألف موظف، بينما تجري عمليات التصويت في ثلاثين ألف مكتب.
وتشارك في مراقبة عملية الإستفتاء 67 منظمة محلية وست منظمات دولية، في حين إمتنعت عن مراقبة الإقتراع منظمات دولية معروفة مثل مركز كارتر. وأشار مسؤولون بينهم أعضاء في الهيئة القضائية المشرفة على الإقتراع إلى تسجيل بعض التجاوزات، لكنهم قللوا من شأنها.

أ . ح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق