سوريا ابرز نقاط الخلاف بين بوتين وبندر

يعتقد محللون بأن العلاقات السعودية – الاميركية لم تعد تسير بالزخم عينه الذي كانت عليه سابقاً، وعلى مدى عقود طويلة. وان ما يعتقد انه تراجع في وتيرة تلك العلاقات اتخذ مساراً آخر عنوانه محاولات سعودية لتعميق مسار آخر باتجاه روسيا.
الدافع الى تلك القراءة ما يلاحظ من مشاريع تنسيق سعودية – روسية، يعتقد انها تمتد نحو مصر، أملاً بتوسيع دائرة التنسيق والتفاهم واخراجها من دائرة «الثنائية» الى نطاقات اكثر اتساعاً. وبحيث تتنوع الخيارات وتتعدد بدلاً من بقائها ضمن «سلة واحدة». وبما يضمن خيارات اقتصادية وتسليحية وتنسيقاً سياسياً وغيره، حيث اثبتت التجربة – بحسب السعودية – ان ما كان سائداً من قبل قد لا يصلح في كل المراحل.
بدون مقدمات، ثمة تجربة تعتقد المملكة العربية السعودية انها كافية للدفع نحو تعدد مجالات التنسيق، وتنوع العلاقات وصولاً الى خيارات اكثر. فالتجربة السعودية – الاميركية بنسختها الاخيرة كانت غير مريحة، وتحديداً في ما يخص الملفين السوري و«النووي الايراني». ورغم محاولات الادارة الاميركية طمأنة السعودية بخصوص موقفها من هذين الملفين، والاحساس العام بأن واشنطن لا يمكن ان تذهب بعيداً في ترتيباتها واجراءاتها عن الخط السعودي، الا ان الرياض بدأت باتخاذ خطوات اجرائية في مجال التوجه نحو موسكو.
من ذلك الاتصال الهاتفي الذي اجراه الرئيس بوتين مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز قبل ما يزيد عن شهرين، والذي اعرب فيه بوتين عن ترحيبه بالتنسيق مع المملكة في شتى المجالات. وبعد ذلك الزيارة التي قام بها رئيس الاستخبارات السعودية الامير بندر بن سلطان الى موسكو الاسبوع الفائت، وهي الزيارة الثانية خلال ثلاثة اشهر، والتي اعتبرها محللون على قدر كبير من الاهمية.
مباحثات بندر
فقد اجرى الامير بندر خلال تلك الزيارة محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير الخارجية سيرغي لافروف ومسؤولين امنيين رفيعي المستوى. المباحثات التي تناولت العلاقات الثنائية بين الجانبين في شتى المجالات، تجاوزتها نحو التطورات الدولية والاقليمية، وتحديداً الى الملفين السوري، و«النووي الايراني».
واللافت هنا ان هذين الملفين يصنفان ضمن اطار الملفات الخلافية بين روسيا والسعودية. وان عملية الرصد للمواقف المختلفة بينت وجود نوع من التقارب بين الموقفين الروسي والاميركي في العديد من مفاصل هذين الملفين، الامر الذي يطرح كماً من التساؤلات حول ماهية المواقف التي تنتظرها السعودية من روسيا.
وسط ذلك الكم من التساؤلات يتوقف المحللون عند نقطة على قدر كبير من الاهمية، وتتمثل باختلاف الرؤية بين موسكو وواشنطن في الكثير من المفاصل، اضافة الى اختلاف في الاهداف التي تسعى كل دولة الى تحقيقها، حيث يبدو العامل المصلحي واضحاً في كل خطوة من خطوات التقارب.
وهنا يمكن الدخول في تفاصيل الرؤية السعودية التي تتعاطى مع كل الثغرات، ومن خلال الامير بندر الذي يصنف بأنه خبير في مثل تلك المجالات. والذي زار موسكو وهو يعرف كل النقاط التي يمكن التركيز عليها، والثغرات التي يمكن الدخول منها لدفع الجانب الروسي لتعديل مواقفه للالتقاء مع الموقف السعودي الذي يدعم المعارضة السورية بشكل واضح، والذي يركز على عقد مؤتمر «جنيف – 2» للسلام في سوريا ضمن مواصفات واشتراطات معينة. اضافة الى موقفه الخاص بشأن الملف النووي الايراني وتحفظاته على الاتفاق النووي الذي ابرمته الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة مع ايران.
المتابعون لتلك الزيارة يتوقفون عند ما يعتقدون انه تطور لافت في ما يخص مؤتمر «جنيف – 2». وتفاهمات في ما يتعلق بـ «النووي الايراني» والاتفاق الخاص بهذا الموضوع.
وفي الوقت الذي لم يتسرب الكثير من المعلومات بهذا الخصوص، تشير مصادر متابعة الى ان قنوات الحوار بين موسكو والرياض فتحت على مصراعيها، وسط توقعات بارتفاع وتيرة التنسيق بين الطرفين في شتى المجالات، وعلى قاعدة التركيز على نقاط التوافق لهدف تعظيمها، ومحاولة تقريب وجهات النظر في ما يخص القضايا الخلافية املاً بالتخفيف من حدة الخلافات بشأنها. فقد اعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استقبل رئيس الاستخبارات العامة السعودية الامير بندر بن سلطان، وان الرجلين شددا في لقائهما على «الدينامية الايجابية للجهود الدولية من اجل حل الملف النووي الايراني». واضاف المتحدث ان بوتين وبندر تبادلا وجهات النظر حول الوضع في سوريا ولا سيما من منظار الاستعدادات لمؤتمر «جنيف – 2» الذي من المفترض ان يعقد في 22 كانون الثاني (يناير)، ومواقف الطرفين من هذا المؤتمر، حيث تدعم السعودية بلا تحفظات المعارضة المسلحة لنظام الرئيس السوري بشار الاسد، فيما تبقى روسيا من اخر حلفائه. وأعلن بيسكوف، أن لقاء الرئيس بوتين والأمير بندر شهد تبادلاً تفصيلياً للآراء بشأن الوضع حول سوريا في ضوء التحضير لمؤتمر «جنيف – 2». الذي تقول روسيا أن 30 وزير خارجية سيرعون انعقاده، وأن هناك خلافات روسية – أميركية في شأن المشاركة السعودية والإيرانية في المؤتمر. وأضاف بيسكوف أن اللقاء تناول قضايا إقليمية حساسة وخصوصاً لجهة الوضع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
مواصلة الحوار
في السياق عينه، قالت الخارجية الروسية، في بيان أصدرته في اعقاب الزيارة، إن الأمير بندر بن سلطان، المبعوث الشخصي للعاهل السعودي ورئيس مجلس الأمن الوطني ورئيس الاستخبارات العامة السعودية تحادث مع لافروف حول العلاقات الروسية – السعودية القائمة ومستقبلها. وخلال المحادثات أكد الجانبان أهمية مواصلة الحوار السياسي الثنائي على مختلف المستويات، وأكد كل من الجانبين حرصه على تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية المتبادلة النفع، وبالأخص في قطاع التكنولوجيا المتطورة وفي مجال المشاريع الاستثمارية. وأضافت الخارجية الروسية أن اللقاء تناول مناقشة المسائل المحورية الخاصة بتطور الوضع في الشرقين الأدنى والأوسط بما فيها البرنامج النووي الإيراني وتسوية النزاع السوري قبيل انعقاد مؤتمر «جنيف – 2» الدولي الخاص بسوريا، مع التركيز على ضرورة حل القضايا الإقليمية الحادة وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
يشار هنا إلى أن مواقف موسكو والرياض تتوافق حيال العديد من قضايا المنطقة باستثناء الملف السوري، إذ تتخذ روسيا والسعودية موقفين متناقضين من حل الأزمة السورية. وبينما تعتبر موسكو أن حل النزاع في سوريا ينبغي أن يتم عبر متابعة الحوار من خلال «جنيف – 2»، فإن السعودية ترى أن سوريا أرض محتلة وتدعو إلى قرار دولي بوقف تسليح النظام السوري.
موسكو – «الاسبوع العربي»