احياء الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وموسكو
ليس جديداً القول بأن العلاقات المصرية – الاميركية تمر بأزمة، على خلفية التطورات التي شهدتها الساحة المصرية. وفي ضوء الموقف الاميركي الذي يصفه المصريون بـ «الميوعة» لجهة تأييدها الضمني للحراك الشعبي الذي أطاح مرسي، ومحاولتها الظهور بمظهر الرافض لما حدث من زاوية اخرى لا يتم الافصاح عنها، ويشخصها الجانب المصري من زاوية احباط مشروع توافقي لاسكان فلسطينيين في صحراء سيناء. وهو المشروع الذي تتسرب معلومات حول محادثات معمقة انطلقت بخصوصه قبل ان ينهي الحراك الشعبي ذلك المشروع.
المهم في تلك التفاصيل ان واشنطن قررت تقليص مساعداتها لمصر محاولة الضغط عليها من اجل الحصول على تنازلات، رفضها الجانب المصري بشدة، وقرر التوجه نحو موسكو التي تلقفت الرسالة واكدت ترحيبها بتلك الخطوة، ووصفتها بأنها مشروع لاعادة الشراكة الاستراتيجية التي كانت قائمة بين الجانبين.
وبالتزامن، شهدت العلاقات السعودية – الاميركية نوعاً من التوتر على خلفية الملف السوري، والموقف الاميركي من تطورات ذلك الملف، الامر الذي دفع بالموقفين السعودي والمصري الى الالتقاء عند نقطة واحدة، تتمثل بالسعي نحو تعدد الخيارات وعدم حصرها في خيار واحد. خصوصاً في مجالات التعاون العسكري والتسليحي.
الاتصالات الثنائية بين مصر وروسيا من جهة، والسعودية وروسيا من جهة ثانية انطلقت منذ اشهر عدة، وتبلورت في رغبات بتعزيز التعاون، والى تفاهمات متعددة الجوانب. لكنها في المسار المصري قطعت شوطاً مهماً تمثل بقيام وزيري الخارجية والدفاع الروسيين بزيارة الى العاصمة المصرية القاهرة خلال الاسبوع الفائت، وبتنظيم زيارة لاحد الطرادات العسكرية الروسية الى ميناء الاسكندرية المصري.
الزيارة الروسية
فقد وصل وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الى القاهرة على رأس وفد رفيع المستوى في زيارة لمصر استغرقت يومين، وانضم اليه لاحقاً وزير الخارجية سيرغي لافروف حيث اجرى الوفدان محادثات مع المسؤولين المصريين، تناولت مختلف مجالات التعاون السياسي والاقتصادي والامني والعسكري بما في ذلك مجالات التعاون التسليحي.
وبحسب مصادر مصرية رسمية التقي شويغو وزير الدفاع والإنتاج الحربي المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وأجرى محادثات ثنائية مع القادة العسكريين، تناولت مسائل دولية وإقليمية، وسعت إلى توطيد التعاون الروسي – المصري في كل المجالات وخصوصاً المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية.
وتلا زيارة وزير الدفاع الروسي وصول الطراد الصاروخي الروسي «فارياغ» إلى ميناء الإسكندرية فى اول زيارة لسفينة حربية روسية لهذا الميناء منذ عام 1992.
وصرح لافروف في تصريحات صحافية بأن زيارته وشويغو لمصر ستتركز على مسائل التعاون في المجالات الحربية والتقنية العسكرية، مبدياً استعداد موسكو للتنسيق المتبادل مع الشركاء المصريين في مجال مكافحة الإرهاب الدولي.
وابلغ الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية بدر عبد العاطي الصحافيين ان زيارة لافروف وشويغو تحمل رسالة سياسية مهمة جداً إلى العالم الخارجي. وقال إن بلاده تتطلع إلى تعميق التعاون بين البلدين في كل المجالات، السياسية والعسكرية والاقتصادية.
في تلك الاثناء، اعلنت الدولتان استئناف العلاقات الاستراتيجية التاريخية بينهما في اعقاب تلك الزيارة التي اشارت مصادر متابعة الى انها تمهد لزيارة اخرى يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى القاهرة اواخر الشهر الجاري.
من جهته، أشاد الفريق أول عبد الفتاح السيسي النائب الاول لرئيس الوزراء المصري ووزير الدفاع بعهد جديد للتعاون مع روسيا، في اشارة الى الجهود المصرية لاحياء العلاقات مع حليف قديم، وتوجيه رسالة ذات مغاز عميقة الى الولايات المتحدة الاميركية التي جمدت المساعدات العسكرية.
وفي الوقت الذي نفى مسؤولون مصريون ان يكون عنوان الزيارة احلال موسكو محل واشنطن في ما يخص العلاقات المشتركة، اشارت مصادر متابعة الى انه جرى البحث خلال الزيارة في صفقة سلاح روسي الى الجيش المصري. وبحسب المصادر، جرى البحث على هامش زيارة الوفد الروسي التوقيع على صفقة تسليح ضخمة مع روسيا، وتحدثت مصادر دبلوماسية باحتمال تمويل المملكة العربية السعودية هذه الصفقة البالغة 4 مليارات دولار. وفي هذا السياق، كشفت صحيفة «واشنطن فري بيكون» الأميركية أن مصر ستتعاقد على شراء أسلحة متطورة من روسيا تتضمن صفقة طائرات حديثة، ومنظومات صواريخ دفاع جوي، بالإضافة إلى تحديث الدبابات الروسية القديمة التي ما زال يستخدمها الجيش المصري، وتزويدها بأسلحة وأجهزة متقدمة. وأكدت الصحيفة أن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقاهرة الشهر الحالي، ستشهد الإعلان عن صفقة أسلحة ضخمة لتحديث الجيش المصري بأسلحة روسية، رداً على قرار الولايات المتحدة تجميد جزء من المساعدات العسكرية لمصر ووقف تسليم أسلحة وطائرات للجيش المصري مؤخراً.
وكان وزير الخارجية المصري اكد قبل يومين من زيارة الوزيرين الروسيين، اهتمام القاهرة بتصعيد العلاقات مع روسيا. وأكد فهمي عزام أن مصر تطور علاقاتها مع كل الأطراف بما يمكنها من تنويع خياراتها، مبرزاً أن تطوير العلاقات مع روسيا يأتي إنعكاساً وتقديراً لأهمية روسيا. لكنه اكد في الوقت نفسه حرص بلاده على تطوير علاقاتها مع الدول الكبرى الأخرى.
واشنطن تلتزم الصمت
وبالتزامن، كشف مسؤولون أميركيون عن أن زيارة بوتين والاتفاق على الأسلحة يتم الإعداد لهما منذ أسابيع، وكان آخر تلك الإجراءات الزيارة التي قام بها مسؤولون عسكريون روس للقاهرة مؤخراً. وتجنبت الناطقة باسم الخارجية الأميركية، جين بساكي، الرد على سؤال حول ما يتردد عن عزم مصر توقيع اتفاقيات عسكرية مع روسيا خلال زيارة الوفد الروسي إلى القاهرة، ولكنها شددت على أن الولايات المتحدة تواصل جهودها من أجل دعم الاقتصاد المصري. وقالت بساكي، رداً على سؤال حول زيارة وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، ووزير الخارجية، سيرغي لافروف: إن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الذي زار مصر قبل ايام لم يمضِ الكثير من الوقت في القاهرة، لكنه ناقش قضايا عدة، مؤكدة عدم معرفتها بما إذا كانت الزيارة الروسية من بينها. ولدى سؤالها حول التقارب العسكري بين مصر وروسيا رفضت بساكي الرد، واكتفت بالتأكيد على انها ستتحدث عن علاقات بلادها مع مص.
القاهرة – «الاسبوع العربي»