سياسة عربية

مسلسل اغتيال العلماء النوويين في ايران

مسلسل عمليات القتل الايرانية، التي تكتنفها الأسرار يزداد عدداً وغموضاً، وغرابة وسيلان دماء وكذلك يطول مسلسل جلسات جنيف حول النووي الايراني. فقبل ايام قتل ثلاثة موسيقيين ايرانيين، اعضاء فرقة واحدة في حي ايست ويليامسبورغ في بروكلين الاميركية، برصاص رفيقهم محمد رافيه (29 سنة) الذي عاد فانتحر برصاصة من بندقيته. ونسبت الشرطة الجريمة الى كون رافيه كان غاضباً على رفاقه لانهم اخرجوه من فرقتهم: «فري وايز».

 التفصيل التالي لا يدخل اي جديد على رواية جريمة القتل الجماعية، وهو ان الضحايا كانوا اعضاء في فرقة «يللو دوغز»، احدى اشهر فرق الروك آند رول في طهران الذين عمدوا في سنة 2010 الى حمل ادواتهم الموسيقية والانتقال معها الى الولايات المتحدة. والسبب كان غضب حكومة طهران على فيلم «خطط فارسية» الوثائقي، الذي اخرجه بهمان غوبادي، رحلة الى عالم الموسيقى غير المعلن في ايران، الذي كانت فرقة «يللو دوغز» احد ابطالها مع فرقة فري وايز. وكان غوبادي اول من هاجر، ولحق به الاعضاء الآخرون على التوالي خلال اشهر قليلة. وحصل اعضاء فرقة «يللو دوغز» على رضى مجلة «سبين»، التي تعتني بموضوع موسيقى الروك، فرفعت ترتيبهم في سلم المجموعات الموسيقية الصاعدة، مما فتح امام الفرقة الايرانية الابواب لتقديم مجموعة حفلات موسيقية في بعض اشهر صالات بروكلين لموسيقى الروك مثل «بروكلين بول» و«ينتينغ فاكتوري».

زوال الفرقة
وهكذا قضت هذه الجريمة الجماعية على احدى صفحات تاريخ الموسيقى المعاصرة. تلك الصفحة التي تشهد على حيوية متمردة صارخة الى درجة التدمير الذاتي، التي انطلقت من شباب طهران ولكن الفرقة زالت من الوجود (كانت مكونة من 5 اعضاء ) مع موت مؤسسيها الاخوين سوروش وآراش فارازماند.
بينما الفرقة الثانية «فري وايز» اضحت مهددة بالزوال بدورها وبسرعة وقال مدير الفرقة علي صالح زاده الى بي. بي. سي، ان اعضاء الفريق «لم يكونوا من العنيفين، اضافة الى ان الناس في ايران، لا يحملون السلاح. بينما كان شبان «يللو دوغز» يروون الى الصحف النيويوركية ان حفلاتهم الموسيقية السرية كانت تجري في حضور مختصر انما مجنون، وكانت السلطة تراقبهم ولكن دون صرامة فتترك لهم حرية تعبير اكثر من سواهم. ويصف لفين مارك الحياة الموسيقية مع ايران في كتابه «روك ذو كاسبا»، انه في طهران وحدها ما بعد الشاه حوالي 50 فرقة روك، في بداية القرن الواحد والعشرين هي ثمرة تفجر الروك في السبعينيات ثم مع انتهاء الحرب مع العراق . وكانت ولاية الرئيس خاتمي، تراقبها بتسامح وتفسح في المجال امام اقامة حفلات موسيقية «شبه سرية”» في المنازل. ولما جاء احمدي نجاد في العام 2007 فرض يداً  حديدية فقضى على كل محاولة تجديد وخلق. ثم كان عصر التهرب من المراقبة. فكان صراع على البقاء تتجدد وسائله في كل يوم ثم الهرب الى نيويورك، لمواصلة الحياة من دون نضال. وكان سبق ذلك بايام مقتل نائب وزير الصناعة في طهران صفدار رجمات عبادي، في يوم وصول مدير الوكالة النووية الدولية يوكيا امانو، الذي يسعى الى وضع خطوط اتفاق حول دور الوكالة التابعة للامم المتحدة، لمراقبة البرنامج النووي الايراني. وتوافقت هذه الجريمة مع تأجيل مفاوضات جنيف، بسبب خلافات فرنسية – اميركية وعربية – اميركية، واسرائيلية – اميركية.

جريمة قتل عبادي
جريمة قتل عبادي برصاصات في رأسه وصدره بينما كان في سيارته، لم يعلن احد مسؤوليته عنها. ولكنها تعيدنا الى مسلسل قتل قادة وعلماء ايرانيين، كانت آخر فصولها البارزة في 11 كانون الثاني (يناير) 2012 مع قتل مصطفى احمدي روشان البحاثة الجامعي الذي عمل في موقع ناطنز لتخصيب اليورانيوم ونشط كذلك في موقع قم النووي. وكانت يد غير منظورة وربما غير مجهولة قتلت منذ 13 كانون الثاني (يناير) 2010، اربعة علماء نوويين ايرانيين خبراء في الصواريخ وتقنيين. ففي تموز (يوليو) 2011، قتل امام منزله في طهران برصاص راكب دراجة بخارية داريوس رضائي الاستاذ الجامعي الخبير في المؤسسة النووية الايرانية.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، سقط قتيلاً في طهران دائماً العالم النووي ماجد شهرياري بانفجار قنبلة «لاصقة» وضعت على سيارته. وفي كانون الثاني (يناير) 2010 قتل مسعود على محمدي احد المسؤولين في برنامج ايران النووي في العاصمة طهران بانفجار قنبلة. صفدار عبادي اخر حجارة المسلسل. يبدو ظاهراً شخصية من المستوى الثاني في حكومة حسن روحاني. ولكنه كان شغل المسؤوليات ذاتها في عهد احمدي نجاد، الامر الذي قد يثير اكثر من علامة استفهام. وتذكر طريقة قتل عبادي بحادثة اخرى ذات الظروف غير الواضحة وقعت في تشرين الاول (اكتوبر) في كردج . عندما فقد حياته في ظروف غريبة مقتدى احمدي الضابط في الحرس الوطني الباسدران المسؤول عن الحرب الفضائية. وفي خضم الاسرار الايرانية تندمج وتتشعب الطرقات الداخلية والدولية وفمئير داغان رئيس الموساد السابق، رد ذات يوم بابتسامة صفراء على من سأله اذا علامات كانت «يد لله» هي التي تنفذ عمليات القتل في ايران. ولكن في العشرات من التحقيقات الصحافية وفي كتابين على الاقل، اشارت الى عمليات نفذتها مخابرات الموساد الاسرائيلية.
في اطار حربها على ايران النووية من تخريب محطات نووية وقتل علماء وتقنيين وتسليم معدات غير ملائمة  وفاسدة، عن طريق شركات وهمية او افساد برامج معلوماتية ايرانية بواسطة فايروسات من الجيل الاخير. وكان كتاب اصدره دان رافيف و يوسف حلمان في سنة 2012 بعنوان «جواسيس ضد ارماغيدون» وهما من المشهورين في دنيا صحافة التحقيقات، روى كيف يدخل عملاء اسرائيليون الى ايران ويخرجون منها  بسلام. واثار الكتاب الى وجود «ملاجىء آمنة» يأوي اليها الجواسيس الاسرائيليون تعود الى ايام كان لاسرائيل علاقات وثيقة مع ايران الشاه.

 وحدة الحرية
وجاء في كتاب دان رفيف  ويوسف ميلمان «ان الطرق ووسائل الاتصالات ووسائط النقل وحتى القنابل المعتمدة تتميز بدقة وتقنية لا تسمحان بتقاسمها مع مرتزقة». لذلك يبقى التنفيذ النهائي للموساد، لقتل العلماء من شأن ما يسمى بـ «وحدة الحرية»، التي تعرف بالعبرية بـ «كيدون» وهي الوحدة الخاصة التي تتولى تنفيذ عمليات قتل اشخاص ونسف مواقع معادية. ويشدد كتاب آخر عنوانه «موساد» وضعه ميخائيل بارزوها ونسيم مشعل على التعاون القائم بين الاسرائيليين ومجموعة من المعارضة التي كشفت في شهر آب (اغسطس) 2002  عن وجود موقعي اراك وناطنز النوويين وللموساد ماض «عريق» ذو سوابق عديدة في قتل علماء معادين كما عملية «سيف دارموكليس» التي قضت بقتل علماء ألمان عملوا في قاعدة بينموند الهتلرية ثم انتقلوا بعد الحرب الى خدمة مصر عبد الناصر. وهناك العلماء الذين اعتمدهم صدام حسين مثل المصري يحيى مشهد الذي وجد مقتولاً في سنة 1980 في غرفته في احد فنادق باريس في السنة التي قامت فيها اسرائيل بالاغارة على موقع تموز النووي في العراق، او العالم الكندي جيرالد بول الذي كان صدام عهد اليه. صنع مدفعه الجبار الشهير وقتله الموساد في بروكسل بأمر من اسحق شامير. اما بالنسبة الى نائب وزير الصناعة فان السلطات الايرانية تحدثت عن عملية «تصفية حسابات». لان الرصاصات القاتلة اطلقت عليه من شخص كان داخل سيارته في ساحة سابالان شرقي بغداد مع العلم ان الصحف الاسرائيلية تحدثت في الاسابيع الاخيرة، عن عمليات وقعت ضد عسكريين وموظفين حكوميين في منطقة سيستان بالوشستان كان اخرهم قاضي المحكمة الاقليمية. وربطت هذه العمليات بتمرد البيلوشستان.

ج. ص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق