مهرجان

معركة رئاسة الجمهورية في لبنان انطلقت… لم تنطلق!

ثمة من يراهن على أن كل ما يحصل في لبنان مرتبط بمعركة رئاسة الجمهورية. حتى الاستحقاق الحكومي دخل هذه الشبكة العنكبوتية لأن التفكير يدور حول هوية ولون الحكومة الجديدة التي ستتولى صلاحيات رئيس الجمهورية في حال لم تحصل الانتخابات الرئاسية. من هنا يمكن الجزم بأن لبنان دخل زمن الاستحقاق الرئاسي، لكن على أي نغمة؟ حتى الساعة لا مرشحين ولا أجواء معركة. والكلام من الآخر يدور حول الفراغ وليس التمديد، فهل ثمة من يريد فعلاً ادخال لبنان في دوامة الفراغ الذي بدأ التداول به قبل الاعلان عن أسماء المرشحين؟

يذهب محللون إلى اعتبار الإستحقاق الرئاسي من أكثر المحطات المفصلية في تاريخ الوطن. فهو معطى على 6 سنوات. وقد اظهرت تجربة الرئيس ميشال سليمان خصوصاً في العامين الأخيرين أنها أزعجت فريق 8 آذار  إذ استطاع أن يوازن بين الموقف الديبلوماسي وثوابت الدولة على رغم سيطرة حزب الله على الحكومة. والأهم أنه استطاع أن يبقي لبنان ضمن دائرة المجهر العربي والدولي. ومن هذه الثوابت يمكن استشفاف الأسباب والدوافع التي تحول دون التمديد للرئيس سليمان بغض النظر عن موقفه الطبيعي الرافض للتمديد.

الفراغ؟
لا معركة رئاسة؟ فهمنا. وإذا أردنا أن نكون واقعيين هناك صعوبة في أن يأتي رئيس من فريق 8 او 14 آذار في ظل التوازن القائم بين السعودية وإيران على مستوى المنطقة من جهة، وبين الفريقين على مستوى لبنان من جهة ثانية. من هنا تبقى الأرجحية لشخصية الفراغ، أو الإتفاق على شخصية تماماً كما حصل في العام 2008. أما أن تنسحب مسألة التمديد لقائد الجيش أو مجلس النواب على رئاسة الجمهورية فهذا الأمر مستبعد كلياً، لأن فريق 8 آذار لا يريد ذلك، علماً بأن الرئيس سليمان يحمل صفة الوسطية، إلا أنه عمل على تطبيق الدستور مما أزعج اللاعب الرئيسي في الفريق وكذلك حلفاءه الإقليميين.
بالنسبة إلى فريق 14 آذار التمديد غير وارد وإن كان لا يسوق له في الشكل المطلوب لكن ماذا لو وقف هذا الفريق أمام المعادلة الآتية: إما الفراغ أو التمديد؟ يجيب المحللون، «عندها قد تذهب الأمور نحو التمديد لكن الأرجحية تبقى للفراغ». لكن هناك إمكانية في كسر هذه المعادلة عن طريق الحريصين على موقع رئاسة الجمهورية. ومنهم بكركي والفاتيكان إضافة إلى اللاعبين الأساسيين وهم السعودية والولايات المتحدة وباريس. من هنا يحكى عن إمكانية تغيير المعادلة فيما لو تحركت الإتصالات بين باريس وطهران والرياض فيحصل توافق خارجي ينعكس على اختيار شخص ما للموقع.
أمين عام حزب الوطنيين الأحرار الياس أبو عاصي يقرأ الإستحقاق من منظار المحلل والأستاذ الجامعي: «إذا انطلقنا من التوقيت الباقي لموعد الإنتخابات نرى أنه من الطبيعي أن تكون معركة رئاسة الجمهورية قد فتحت. أما المعايير الأخرى فتساهم في تعثر الخطوة وهي ثلاثة: التطورات الإقليمية الحاصلة والمرتقبة وانعكاسها على لبنان، عدم التمكن من تشكيل حكومة مما يوحي وكأن هناك إرادة لإحداث فراغ في المؤسسات، واخيراً ملف النازحين».

مرشح واحد
باستثناء العماد ميشال عون لا يوجد اسماء مرشحين. بهذه العبارة يجيب أبو عاصي عند سؤاله عن أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية. كلام يعززه الحراك الذي يقوم به النائب ميشال عون واعتماده اسلوب الدفاع عن مسيحيي لبنان والمشرق. فهل يقطفها هذه المرة؟ أم تبقى بعيدة عنه إنطلاقاً من استحالة وصول مرشح من أي من فريقي 8 أو 14 آذار؟ الأيام المقبلة قد تكشف المستور لكن الواضح يضيف أبو عاصي أن هناك تلاقياً هذه المرة بين شخصية الرئيس وبرنامجه الرئاسي: فـ «شخصية الرئيس العتيد يجب أن توحي بالثقة والأهم ان يكون أميناً على حفظ الثوابت التي نصت عليها خطوط برنامجه الرئاسي». أما الناخب الأساسي فسيكون خلاصة التجاذبات والظروف الإقليمية والدولية الراهنة «لكن نأمل ان يكون للبنانيين هامش حتى ينتخبوا رئيسهم بأنفسهم. الواضح ان المسألة لا تزال بعيدة ومن هنا نرى تعثر تشكيل الحكومة».
قد يكون التعثر سبباً في استسهال الكلام عن فراغ سيطاول موقع الرئاسة. لكن اللافت أن الكلام اليوم يتركز على الفراغ من دون المجيء على ذكر التمديد؟ هذا صحيح، يقول ابو عاصي لافتاً الى ان حماسة التمديد غير موجودة أساساً وموازين القوى كما التوازنات لخوض معركة الرئاسة أيضاً غير موجودة، «من هنا يبقى الفراغ سيد المعركة أما نتائجه فكارثية خصوصاً إذا ما انطلقنا من تجارب استحقاقات الأعوام  1988 و2008 و2009 بحيث أدى التعثر في إجراء الإنتخابات إلى حصول تدخل خارجي فكانت النتيجة في اتفاقي الطائف والدوحة». وما يخشاه ابو عاصي اليوم أن يكون التعثر مبرمجاً من قبل فريق 8 آذار بهدف إيصال البلد إلى فراغ ووضعنا أمام واقع مؤتمر تأسيسي تكلم عنه كل من أمين عام حزب الله حسن نصرالله والنائب ميشال عون. وكذلك في كلام الإيرانيين في مؤتمر سان كلو عن المثالثة وليس المناصفة وهذا أخطر ما في الأمر. من هنا لا بد من العودة وبأسرع وقت إلى بنود اتفاق الطائف وإلا…».

 

المعركة فتحت
من دون أن نسأل عن المؤشر يبادر المعنيون في التأكيد على ان معركة رئاسة الجمهورية انطلقت وإن كانت أبعد ما يكون حتى اليوم في حسابات وهواجس اللبنانيين. عضو الأمانة العامة في فريق 14 آذار نوفل ضو أعتبر أن التصريحات والمواقف التي تحدد رأي كل من الفرقاء المعنيين بمواصفات الرئيس المقبل تؤكد أن معركة رئاسة الجمهورية فتحت، إضافة الى السجالات الدستورية المتعلقة بنصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية وجواز انتخاب قائد الجيش او غيره
من الموظفين ما لم يكونوا قد استقالوا قبل سنتين من وظيفتهم بحسب ما ينص عليه الدستور اللبناني، والظروف السياسية المرافقة لعملية الإنتخاب. «فهناك من يقول بضرورة التوافق المسبق على هوية الرئيس المقبل، ومن يدعو الى ترك الآلية الإنتخابية وبالتالي فإن المنافسة الديمقراطية تأخذ مجراها من جهة مقابلة»، ويضيف، أن «السجالات في شأن طبيعة تركيبة الحكومة المقبلة تأخذ في الاعتبار إمكان ان تكون حكومة تحضير للإنتخابات من دون إسقاط احتمال أن تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية في حال عدم حصول الإنتخابات في موعدها».
نسأل عن اسماء المرشحين من فريقي 8 و14 آذار ويجيب: «هناك مرشحون تقليديون تطرح أسماؤهم عشية كل انتخابات رئاسية وعلى سبيل المثال لا الحصر، النائبان بطرس حرب وروبير غانم، وهناك من يصطلح بوصفهم المرشحين الأقوياء في 14 آذار كالرئيس أمين الجميل والدكتور سمير جعجع والمنسق العام لقوى 14 آذار الدكتور فارس سعيد. في المقابل هناك مرشحون في قوى 8 آذار كالنائبين ميشال عون وسليمان فرنجيه. وطبيعي أن يكون قائد الجيش جان قهوجي من بين الأسماء المتداولة في ظل سابقتي العماد اميل لحود والعماد ميشال سليمان. ويطرح البعض اسم حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامه.  لكن هوية الرئيس تبقى رهن الظروف السياسية وموازين القوى الإقليمية التي ترخي في ظلالها على الوضع اللبناني، من دون استبعاد فرضية الفراغ الرئاسي وهي الأقوى في حال بقيت الأمور على ما هي عليه اليوم.

هدف حزب الله
الكلام عن فراغ رئاسي لا يأتي من العدم بحسب ضو، فـ «حزب الله يدفع الأمور في اتجاه الفراغ الشامل ليقول بأن المشكلة في لبنان هي مشكلة نظام ولم يعد قادراً على تنظيم انتخابات نيابية، ولا على تشكيل حكومة ولا على انتخاب رئيس. في حين ان المشكلة الحقيقية تكمن في سلاح حزب الله الذي يعطل عمل النظام السياسي اللبناني وآلياته الدستورية». ولفت إلى أن مقدمة أجواء الفراغ الرئاسي بدأت مع الفراغ الحكومي. والظاهر انها القاعدة في السياسة التي يتبعها حزب الله وحلفاؤه في قوى 8 آذار بأداء إيراني – سوري بهدف الوصول الى تسوية تطاول جوهر النظام السياسي في لبنان. وما ينطبق على الحكومة ينطبق على رئاسة الجمهورية خصوصاً أن حزب الله سبق أن جاهر مراراً برغبته في تسوية سياسية شاملة على قاعدة إعادة النظر في النظام السياسي اللبناني من خلال مؤتمر تأسيسي ينتج عنه بديل عن نظام الطائف.
نسأل عن النتائج ويجيب ضو: «أعتقد بأن الفراغ الرئاسي سيعيد لبنان الى أجواء الأعوام 1988 و1989 و1990. ويخطىء حزب الله إذا اعتقد بأن الفراغ سيمهد للإمساك بالسلطة والمؤسسات والبلد. الفراغ سينتهي به الى ما انتهى اليه العماد ميشال عون في العام 1990 عندما سعى الى الإمساك بالسلطة.  والأفضل لحزب الله أن يكون شريكاً سياسياً في السلطة بدلاً من أن يلعبها «صولد» على كل شيء. فمعادلة «إما كل شيء او لا شيء» ستنتهي بلا شيء لحزب الله. والقوة العسكرية والسلاح اللذان لم يسمحا للعماد عون في الوصول الى رئاسة الجمهورية في الأعوام 1988 و1989 و1990، لن يسمحا لحزب الله في إيصال من يريد الى رئاسة الجمهورية. فقوة حزب الله العسكرية اليوم ليست أقوى من القوة العسكرية المتمثلة في ألوية الجيش اللبناني التي كانت في يد العماد عون يومها. والشعب اللبناني الراغب في الخروج من منطق الحرب اليوم ليس أقل رغبة في الخروج من حالة الحرب عما كان عليه في العام 1990.

 

معركة رئاسية أو لا معركة؟
واضح ان السؤال غير مطروح اساساً. فالمساعي التي يقوم بها حزب الله تقوم على معادلة الفراغ ويسعى إلى ذلك من خلال تعطيل تشكيل حكومة جديدة والإبقاء على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إلى ما بعد 25 أيار (مايو) حتى تنتقل إليها صلاحيات رئيس الجمهورية مما يؤدي إلى تعويمها على مستوى ممارستها الحكومية لأن صلاحيات رئيس الجمهورية تذهب حكماً إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، وبما ان الحكومة مستقيلة فإن كل مرسوم يتطلب اجتماع مجلس الوزراء مما يعني تعويم الحكومة الميقاتية والإبقاء على صفة الشرعية الوحيدة في مجلس النواب وبذلك يصبح البلد ممسوكاً من قبل حكومة ميقاتي مما
يعني إعادة الوضع الى ما قبل العام 2005 واي مؤتمر دولي يعقد يكون لبنان ممثلاً فيه من قبل رئيس الحكومة أو وزير خارجيتها، وعلى هذا عشتم وعاش الفراغ في لبنان.

جومانا نصر


 
حسن الرفاعي: يا موارنة لبنان حذار!
أكد النائب السابق والمرجع الدستوري حسن الرفاعي انه لا يمكن لمجلس النواب التشريع في ظل حكومة مستقيلة وفي حال حصول فراغ في موقع الرئاسة إضافة إلى الفراغ على مستوى الحكومة فهذا يعني تعطيل الدستور. وفي حالات مماثلة يتولى العسكر تسيير امور البلاد. لكن إذا كان هناك من ضمير حي لدى مجلس النواب عليه أن يبادر فوراً إلى انتخاب رئيس للجمهورية. فإما اننا نعيش في وطن او على قارعة الطريق.
الدستور هو مرجع الرفاعي ومنه ينطلق: «نصت المادة 73 من الدستور على أن يلتئم مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية». وهذا يعني أنه ملزم في الإلتئام. لكن غصته الكبرى مصدرها زعماء الموارنة: «فهم من يعطلون الإنتخابات من خلال عدم اتفاقهم على إسم رئيس للجمهورية». وينفي استناداً إلى الدستور الكلام القائل بأن حكومة ميقاتي تتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية في حال وقوع الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، فـ «حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لا تحل مكان رئيس الجمهورية ولا يعود لها حتى صفة حكومة تصريف اعمال». وابدى خشيته من المرحلة المقبلة «طالما ان الموارنة المصنفين أم الصبي فقدوا هذه الصفة ومزقوه(الصبي) إرباً».
كبيرة هي غصة المشرع الدستوري حسن الرفاعي وكلامه عن الموارنة ينبع من خوفه على لبنان وتحسسه للمسؤولية التي يفرطون بها. «حتى مجد بكركي ما عاد معطى للبطريركية» لأن سيدها عاجز عن لم شمل الموارنة وضمهم تحت عباءته. هم يلعبون بالنار. نعم الموارنة يضيعون فرصتهم التاريخية. قد يختلفون على أمور عدة وهذا حقهم الطبيعي، وانا اقول لهم «اختلفوا قد ما بدكن» لكن عندما يصل الأمر إلى موقع رئاسة الجمهورية عليكم أن تتوحدوا. عودوا إلى الوراء قليلاً واقرأوا في كتب التاريخ كيف كانت تجري انتخابات رئيس الجمهورية في لبنان في موعدها كما الساعة. لم يحصل ان سقط موقع رئاسة الجمهورية معقل الموارنة في الفراغ فلماذا يسمحون في حصوله اليوم؟ فليضعوا خلافاتهم جانباً ويتفقوا على مستقبل لبنان وكيانه وإلا فإنهم يوقعون على نهاية البلد بأيديهم».
ويختم الرفاعي نداءه بالقول: «حذار من أن يضيع الموارنة والبطريركية لبنان. ومجرد ان يتلقف الآخرون بهذه النهاية سيعملون على طردهم، حتى المجتمع الغربي لن يأبه لأمر الموارنة لأنه سيقول لهم أنه سلمهم الامانة منذ العام 1920 فماذا فعلوا بها؟ فليتفقوا قبل فوات الأوان عندها لا يعود احد قادراً على «قلعهم» من أرضهم ولا يعود لكل المؤتمرات التي تعقد على شرف مسيحيي المشرق أهمية. لأنه مجرد ان يتفق موارنة لبنان ويكون على  رأس الدولة رئيس جمهورية مسيحي ماروني قوي وصاحب مواقف وطنية وشخصية فذة غير قابلة للأخذ والرد يكون مسيحيو الشرق بأمان ولا أحد يمكن ان يلغيهم يوماً».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق