الأسبوع الثقافي

ايلي لحود: المسرح لا يرتبط بالآني والعابر بل بالقضايا الانسانية الكبرى

يواصل الدكتور ايلي لحود مسيرته المسرحية الابداعية، بحب وشغف  ومسؤولية. هذا الرجل لا يرتوي من ممارسة فعل المسرح، فهو على مدى سنوات طويلة يخوض في هذا الميدان، تارة ينظر الى الداخل وطوراً الى الخارج، ودائماً ينظر الى بلاد الاغريق ، وقد أنجز حتى اليوم، مجموعة كبيرة من الاعمال المسرحية الابداعية: تمثيلاً وتأليفاً واقتباساً واخراجاً، منها تسع مسرحيات اغريقية في المهرجان العالمي للدراما الاغريقية في بافوس (قبرص)، بالاضافة الى نشاطه الميداني في معهد الفنون (الجامعة اللبنانية)، وجامعة الروح القدس (الكسليك)، ومحترف عمشيت المسرحي. ومشاركته في مهرجانات محلية وعربية وعالمية، وفي المؤتمرات والندوات العلمية… وهذه المرة، ينظر ايلي لحود صوب روسيا، صاحبة التراث العريق  في الادب والشعر والمسرح والموسيقى… واشتاق الى «عمّه تشيكوف» الذي كان في زمانه حديث الاوساط الثقافية في روسيا، وأبعد من روسيا، وكان يعتبر «أبو القصة القصيرة» المستوفية كل الشروط الادبية والفنية والانسانية، ومن رواد الحركة المسرحية في بلاده. والسؤال الكبير الآن: لماذا العودة اليوم الى انطون تشيكوف، او بالأحرى، «عمو تشيكوف»، هذا المسرحي الكوميدي – التراجيدي الكبير؟ عند صاحب العمل الدكتور ايلي لحود، كل الحكاية.

لماذا تشيكوف… وما معنى العنوان؟
تشيكوف هو كاتب روسي عالمي ينتمي ادبه الى الواقعية الحديثة. وقد كان رجل مسرح بكل ما في الكلمة من معنى: كتب التراجيديا والكوميديا والقصة القصيرة، وكان يهتم مع ستانسلافسكي في مسرح الفن في موسكو بكل تفاصيل المسرح، ويحمل هَمّ خشبته، لذلك كان خيارنا له.
اما العنوان فيعني: لقد اشتقنا لك يا تشيكوف، اين أنت، فكم نحن بحاجة اليك، والى امثالك اليوم، بعد ان تبدلت الكوميديا وسفّت، ورخص المسرح، وطغى عليه الاستسهال.

تبادل الأدوار
من هم الممثلون؟
الممثلون جميعهم من محترف عمشيت للمسرح (1982 – 2013): شربل أبو زهره – رولا غوش – فادي جبرايل – جيسكا صقر. وقد عملوا معاً منذ مدة طويلة على هذا العمل، استغرقت خمسة اشهر. وكانت التقنيات المستعملة مستمدة من فن الفودفيل الذي تأثر به الكاتب، ومن كوميديا الفنون الايطالية او الكوميديا «دل آرتي» حيث  يتبادل الممثلون الادوار، وان اختلف الموضوع، ويطرّزون هم انفسهم في كل مرة تنميقات حول موضوع جديد، مستلهمين تمارين الارتجال، ومعتمدين على امكانيات الوجه، والجسد، والصوت، الهائلة.

لكل زمن قصة
ما هو موضوع العرض؟
العرض مؤلف من زمنين، الزمن الاول من مسرحية «الخطبة» التي تحكي قصة جار لملاّك يرغب في الزواج بعد تقدمه في العمر من ابنته، لكنه لا يجرؤ على مواجهتها بالموضوع وطلب يدها بسبب حيائه الشديد الذي يبلغ حدّ الاعاقة الجسدية، يصارح الأب بعد جهد لكنه لا يتمكن من الادلاء بعاطفته للبنت، وفي كل مرة، ينحرف موضوع اللقاء، ويذهب الحوار الى اماكن اخرى لا يريدها الرجل ولا ترغب بها الفتاة. لكن الأب بوساطته يجد حلاً في النهاية…
اما الزمن الثاني من العرض فهو مسرحية «اليوبيل» يستعد فيها مدير شركة في عيدها للاحتفال. فيعدّ العِدّة لاستقبال اعضاء مجلس الادارة هو ومحاسب الشركة طالباً منه إعداد التقرير المالي كما يرغب، وكاتباً هو بنفسه الخطاب لاعضاء مجلس الادارة بغية دعم موقفه والاطراء عليه وعلى ادارته الحكيمة. وسط هذا الضغط الزمني، وهذه العجالة، تأتي من السفر زوجة مدير الشركة، حاملة معها امورها التافهة، وقصصها السخيفة، وتدخل عليهم إمرأة متطفلة، سُرّح زوجها من عمله، لتُعلن فقرها وعوزها، وحالتها المزرية، فيفقد مدير الشركة والمحاسب اعصابهما، وتتعقّد الأمور، فتستوطن العجوز في المكان، ويفشل مشروع الاحتفال باليوبيل.

 خيط رفيع… وتوازن
كيف تم العمل المسرحي وما هي الرؤية؟
هناك خيط رفيع عند الكاتب تشيكوف يفصل ما بين التراجيديا والكوميديا بحيث  تستطيع ان تلعب البعض من آثاره الابداعية، تارة بشكل تراجيدي وطوراً بشكل كوميدي، وهناك توازن في مسرحه ما بين الشخصية والموقف، ولا تعتمد الكوميديا عنده الكلمة فقط، كل ذلك ضمن ايقاع يتغذّى عنده من مخزون ثقافي ثريّ، وعقل نيّر، ومن حسّ موسيقي قل نظيره. لذا فقد اعتمدنا في المسرحية الاولى تقنيات الفودفيل: الموسيقى (يلعب الأب البيانو)، والغناء (الممثلة ا
لرئيسية)، والرقص (الاثنان معاً الخطيب والخطيبة)، والنهاية المفرحة.
 اما في الزمن الثاني فقد شددت على تقنيات القناع والدمى، وقد لعب الممثلون انفسهم الزمنين، ولكن اختلفت الشخصيات وتغيّرت القصة. فالاخراج واحد والاسلوب واحد. والاطار السينوغرافي واحد. والمؤلف واحد. لكن ردة الفعل بالنسبة للجمهور ليست واحدة، ولا الانفعال مع الاحداث، ولا الرأي،  ولا التعليق، ولا التجاوب…

حضور تشيكوف!
كيف كان استعمال عناصر الخشبة؟
لقد صمّمت أنا بنفسي السينوغرافيا، لتأتي متآلفة مع الرؤية الاخراجية، وقد كانت تعتمد الوظائفية والجمالية، بعيدة كل البُعد عن كل نزعة تزيينيّة لا طائل من ورائها. وكانت فلورانس بوّنا لحود قد صمّمت الملابس. ورسمت الماكياج، ونفذت الدمى العملاقة، ووضع  فادي جبرايل الفاصل الموسيقي بين الزمنين، اما الاضاءة والصوت والفيديو والريجي فقد اهتم بها طوني باسيل، وسيمون كيفوركيان، والصوت الخارجي: ارنست سليمان، ومدير المسرح: جان عيسى، ومساعدة المخرج: رينيه بيروتي.
وقد
اعتمدنا  الالوان غير الفاقعة لتنسجم مع الاضاءة، وعن طريق «البيانو» العمودية، جعلنا حضوراً على الخشبة للكاتب تشيكوف، طوال زمن العرض، كأنه ساهر على كل شيء، مُلمّ من عليائه بكل التفاصيل، مُبعثر في كل انحاء الخشبة، ماثل في كل لحظة وفي كل ثانية.
كذلك اعتمدنا الاقتصاد في استعمال الاشياء والاثاث، والاكسسوارات، وكان هدفنا الايحاء لا تقليد الواقع كما هو، تاركين بشكل متعمّد ثغرات او فجوات ليملأها المشاهد بمخيلته في اثناء العرض.

 مضمون إنساني شامل
ما هي المدة الزمنية المكرّسة لهذا العرض؟ وما هي الرسالة التي يحملها؟
هذا العرض الذي هو مُبرمج على مدى ساعة ونصف الساعة مع الاستراحة بين الزمنين، لعبته على خشبة مسرح «دوّار الشمس»، ومن ثم، على خشبة مسرح «المركز الثقافي الروسي»
في بيروت، وسيتجوّل في اماكن عدة وفي المناطق، وهو عرض كوميدي ساخر، باللهجة اللبنانية، يتوجّه لكل الاعمار، ولكل المستويات، ولكل البيئات، ولا فئة عمرية له، ولا يتوجّه لمجتمع واحد، او لطبقة معينة، فهو يحمل رسالة، ومضموناً انسانياً شاملاً وعالمياً. ومهمّ بالدرجة الاولى مساءلة إعداد الممثل، وكيف  يعمل، والى اي مستوى بامكانه – بعد كدّ وجهد – ان يصل.

مستقبل الفن المسرحي
هل انت متفائل بمستقبل الفن المسرحي في بلدنا؟
هذه المسرحية، وان كانت كوميدية، أخرجتها دون أن احمل الكثير من التفاؤل بالنسبة للمسرح في بلدنا، خصوصاً اذا استمر البعض، في نهج تجاري، رخيص، لا يهدف الى شيء، الا الكسب المادي، فالمسرح هو فن هادف، لا يرتبط بالآني والعابر، بل بالقضايا الانسانية الكبرى. فهو ساعة الحائط التي تؤقّت الفعل الحضاري. ونهج الاستسهال هو عدو المسرح. لقد عملنا وما زلنا نعمل منذ سنين، بصدق، وجهد، وفرح. وقد نلمس في كل مرة العناء الذي يتطلبه الفعل المسرحي ليشعّ ويُبهر ويُقنع ويُمتع. وان الطريق الوحيد والصحيح يمرّ عبر الممثل وعبر استثمار طاقاته. وبشكل واع وسليم، عن طريق الاعداد الاحترافي الصحيح، الذي نحصل عليه في حرم الجامعات والمحترفات الرصينة والمثابرة على عملها، المنتصرة لأهدافها.
ومن روّجَ لنهاية المسرح، هو مخطىء، وان كثرت الاختصاصات الالكترونية، والرقمية، والبصرية… فالمسرح له ميزته الخاصة، ودوره الخاص، ونكهته الفريدة، ويجب ان لا يشبه فناً آخر، وان اعتمد على الكثير من الفنون، واقام وشائج صداقة معها. فادا جلس الممثل على كرسي، وطلب من شخص آخر ان يتحرك، وهو يُراقب حركاته ودبيبه، وانفعالاته… يكون المسرح موجوداً. فان كانت افعاله واحداثه زائلة، فهو خالد وغير زائل. فهل نسمي هذا الشعور تفاؤلاً أم تشاؤماً؟؟!.

اسكندر داغر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق