رئيسي

الولايات المتحدة تتجسس على مخابرات كل الناس وفلاديمير بوتين يهدي زعماء العالم مفاتيح يو. اس. بي ملغومة

قصص التجسس الالكتروني التي ضربت، حتى الآن الولايات المتحدة، تبدو وكأنها تمددت الى روسيا، وتوحي، بانها ستتحول الى حرب جواسيس، – تتضاعف ام تهدأ - مع تطور احوال لا نعرفها. وكانت هذه الحرب انطلقت مع لجوء ادوارد سنودن، المحلل الالكتروني السابق  في وكالة الامن القومي الاميركية، الى جزيرة هونغ كونغ الصينية، بعد هربه من هاواي، حاملاً معه، ادق اسرار ترسانة البنتاغون الرقمية. اما اليوم، فان الرجل موجود في موسكو، في حماية اولاد واحفاد جهاز الـ « ك. ج. ب»، السابق.

كان الفصل الثاني، من المسلسل الجديد، انطلق بعد انعقاد قمة العشرين، في سان بترسبورغ، الروسية، في ايلول (سبتمبر) الماضي، مع ناقوس الخطر الذي دقه رئيس المجلس الاوروبي، هرمان فان ردمبوي، عندما سلم بعض البنى الالكترونية، التي استعملها في سان بترسبورغ، الى دوائر الامن في الاتحاد الاوروبي التي طلبت مساعدة الامن الالماني.
وكان جواب الدوائر الالمانية، المباشر، في انتظار التعمق في التحليل، تحذير دوائر الامن والديبلوماسية في نصف العالم، من انه كان في استطاعة مفاتيح يو. اس. بي. وخطوطها التي اهداها الروس الى المشاركين في مؤتمر القمة، تسجيل المعلومات التي في انظمة الكومبيوتر واجهزة التلفون الخلوية، التي تركز فيها.
في معنى ان عملية تجسس جديدة، وكبيرة، وقد تكون حصلت على حساب دول شاركت في قمة العشرين، عربية واوروبية، وآسيوية، واميركية جنوبية، تزيد حدة الاجواء القائمة بين دوائر المخابرات والديبلوماسية في العالم.
وكانت قمة العشرين، انعقدت في 5 ايلول (سبتمبر) في سترلنا، التي تبعد 15 كلم عن سان بترسبورغ، في اجواء ثقيلة التوتر، كما العلاقات بين موسكو وواشنطن.

داتا غايت
فان فضيحة التجسس الالكتروني الاميركي، التي تعرف باسم «داتا غايت». كانت تفجرت في بدايات شهر حزيران (يونيو)، وفي الاول من شهر آب (اغسطس) منحت موسكو، تأشيرة اقامة «مؤق
تة» لبطل العملية الاميركي. ووصل غضب السلطة الاميركية، الى حد جعل البيت الابيض، يلغي امكانية انعقاد قمة ثنائية بين باراك اوباما وفلاديمير بوتين، على هامش مؤتمر سان بترسبورغ، ولم تساعد المأساة السورية على تخفيف  حدة التوتر.
فسيطرت القضيتان على اعمال لقاء، كان من المفروض فيه ان يناقش خصوصاً، مكافحة الفراديس المالية، واللااستقرار المالي، والبطالة في العالم، ولكن المؤتمر بدأ اعماله في اطار اخبار، عن ان المخابرات الاميركية، تجسست كذلك على تلفونات، حتى الرئيسين البرازيلي، ديلما روسف ، والمكسيكي انريكه بينا، مما زاد في انزعاج الولايات المتحدة.
وعلى خطى هذه الاجواء، رفع الستار عن ان الروس «لغموا» انظمة الكترونية استعملت في المؤتمر، فسجلت هذه الحادثة العودة الرسمية، الى صراع بين اجهزة مخابرات، نصف العالم.
ولا بد من الاشارة الى ان التحقيق  التقني
الذي يتولاه الالمان، لا يزال في بداياته، ولا نعرف اذا كان كل الذين اشتركوا في قمة سان بترسبورغ، خصصوا للمعاملة ذاتها، والخوف  هو ان يكون احد الذين اشتركوا في القمة، استعمل هذه المفاتيح في مناسبة سابقة. والجدير بالتوقف عنده، ان اكتشاف العملية الروسية، حصل في خضم ضجة التجسس الالكتروني الاميركي، التي لا يبدو انها ستتوقف عند حدودها الحالية، وانها ستنتهي من دون صرعات جديدة. والذي يقلق سلطات دول الاتحاد الاوروبي، هو الخوف الذي احدثه التجسس الاميركي في الرأي العام، في بلادها.

استنكار اوروبي
وانضمت اسبانيا وايطاليا الى فرنسا والمانيا، في استنكار قيام الاجهزة الاميركية التي ترد بانها كانت تتلقى معلوماتها من اجهزة مخابرات هذه الدول ايضاً، لتسجيل 124،8 مليار مخابرة في كل العالم. خلال شهر واحد، من 12،76 ملياراً في باكستان، الى 40 مليوناً في ايطاليا، مما ترك اكثر من نقطة استفهام لدى خبراء الذكاء الالكتروني، لان ذلك يعني ملايين مليارات المعطيات، المطلوب تمريرها في انظمة البحث، التي ترشح المعلومات الحساسة، عبر كلمات مفاتيح.
وهناك سؤال: هل جرى حقيقة التجسس على مكالمات المستشارة الالمانية، انجيلا ميركل، لانه يبدو، ان الجهاز الذي تستعمله الآن، هو الخامس من نوعه ومسجل باسم حزبها، بينما تطمئن دوائر الدول الاخرى، الى سلامة مخابرات قياداتها التي تتولاها اجهزة مخابراتها الذاتية، وتعتمد كلمات مفتاح وتخضع لعمليات مراقبة دائمة.
وحذر مدير الوكالة الاميركية المتهمة، الجنرال الكساندرو من ان اجهزته لا تتجسس على الناس ولكنها تلاحق الارهاب وتساعد، حلفاءها في التالي، وتضمن سلامة تواصل الاميركية الانترنيتية، ولاحظ ان وكالته وقعت هي الاخرى ضحية قراصنة الشبكة العنبكوتية.

تهدئة العاصفة
وفي حملة ديبلوماسية مضافة وضعت ادارة باراك اوباما، حداً لأسبوع من الصمت والتردد، فاعتمدت خطوتين في محاولة تهدئة العاصفة. الديبلوماسية التي احدثتها المعلومات التي كشف عنها ادوارد سنودن، المحلل السابق في المخابرات الاميركية، الذي لجأ الى موسكو.
 وكانت الخطوة الاولى، انها عمدت الى ابعاد شبح المشاركة في التجسس على قادة الحلفاء عن الرئيس اوباما، فنسبت وول ستريت جورنال، الى مصادر حكومية: «انه لم يكن يعرف شيئاً، عن كل ذلك، وعندما اكتشف  الامر، في هذا الصيف، امر بتوقيفه حالاً. وتولى جون كيري، شرح كل ذلك وغيره، الى الدول الاكثر تأثراً بما حصل، وهي المانيا وفرنسا والبرازيل واسبانيا والمكسيك. والهدف هو ابعاد اوباما من وكالة الامن القومي، التي لا يعرف  كل خططها». وهي طريقة، لرمي كل المسؤولية على الجنرال كيث الكساندر، رئيس الوكالة، الذي قدم استقالته مع مساعده الاول جون اينغليس.
وفي هذا الاطار، قام البيت الابيض، بخطوته الثانية، بتسريع عملية اصلاح وكالة الامن القومي، التي كان تحدث عنها اوباما، منذ شهر آب (اغسطس)، واعلن انها ستحصل في اذار (مارس) المقبل. واما الآن، فانها ستحصل قبل 15 كانون الاول (ديسمبر). ولكنه مسار تشريعي مزروع بالعقبات، لانه يعني اعادة النظر في عمل اضخم جهاز مراقبة الكترونية، على سطح الارض. ويرى المراقبون في تعيين جيمس كومي، مديراً جديداً لـ «اف . بي. ايه»، اشارة. فان الرجل كان اعترض عهد كان نائباً لوزير العدل، في ادارة جورج بوش، بشدة على مراقبة اتصالات الناس، من دون موافقة قضائية.

 


 كبح التجسس
وفي المقابل، بذلت جهود في الامم المتحدة، لكبح التجسس على مخابرات الناس. فأطلقت المانيا والبرازيل بدعم من 19 دولة اخرى، مبادرة طرح مشروع قرار، الجمعية العامة، يعطي مزيداً من الدعم لاحترام خصوصيات التخابر عبر الانترنت.
ونظمت اكثر من مئة جمعية «ليبرالية» مسيرة في نيويورك، دعماً للحريات المدنية، تحت شعار: «توقفوا عن مراقبتنا» تمهيداً لارسال عريضة، وقعها حتى الآن، اكثر من نصف مليون اميركي، تطالب باعادة النظر بقانون مكافحة الارهاب الذي اعتمدته ادارة جورج دبليو بوش، واثار الكثير من اللغط، لانه يسمح لـ «اف . بي. ايه»، بالتجسس على كل الناس وكل شيء.
وحده دايفيد كاميرون، رئيس حكومة بريطانيا، تميز عن غضب سائر قادة اوروبا والعالم، فدعم التجسس المخابراتي «لانه ينقذ العالم من الارهاب».
واذا كان الاميركيون يعترفون بانهم يتجسسون، فان الروس يكذّبون اللجوء الى هكذا تدبير، فلا يرى الكرملين، في اعادة قادة في قمة العشرين، انهم كانوا ضحية مفاتيح يو. اس. بي، ملغومة، للتجسس على محتويات حواسيبهم، الا مجرد «محاولة مكشوفة، لتحويل الانتباه عن مشكلة اخرى حقيقية، هي نشاطات المخابرات الاميركية». واردف  ديمتري بسكوف، الناطق باسم فلاديمير بوتين، انه يكذّب «افتراضاً لا وجود له» وانه لا يعرف  «مصدر هذه الاخبار».
ولمعرفة
المصدر، يكفي التوقف  عند مواقع الاخبار الانترنيتية الروسية، التي وقعت هي الاخرى، ضحية المخابرات الروسية، ذات يوم، بينما ظهرت احاديث مع خبراء تؤكد تهكماً ان الاجهزة الاميركية «عجزت عن التجسس على فلاديمير بوتين، فان اختراق انظمة ترقيمنا مستحيلة».

 الروس اكثر براعة!
هل هذا للقول ان الروس اكثر براعة في التجسس، بل «اكثر ديموقراطية»، كما قيل، عهد تفجّر قضية ادوارد سنودن، الذي منحته روسيا اللجوء، وكانت اثارت تهكماً على اجهزة المخابرات الغربية، بعد عشرات السنين من الاتهامات الغربية، بانعدام الديموقراطية في روسيا، وبتسلط المخابرات في روسيا، حتى لا نتحدث عن الاتحاد السوفياتي. وجسّد كل هذا الفيلم الالماني، «حيال الاخرين»، بينما طريقة المفاتيح، الانترنيتية، كان اخترعها الصينيون الذين كانوا يقدمونها هدايا الى رجال الاعمال الغربيين الذين يزورون الصين، احياناً بمساعدة حسناوات، يتعرفون اليهن في بار الفندق، سعياً خصوصاً وراء اسرار تكنولوجية تجارية.
بينما يهتم الروس، بالسياسة، بمفاهيمها العالية، واذا كان من الصعب الاقتناع، بان نظاماً، مثل الروسي، يعتقد انه يسهل الايقاع بقادة كبار مثل الذين التقوا في سان بترسبورغ، بمثل هذه الطريقة، فان هناك من يخشى ان تتمدد عاصفة التجسس وتقوى حرب جواسيس، بدأت مع هروب الاميركي سنودن، الى هونغ كونغ الصينية، ثم الى روسيا، التي منحته حق اللجوء. ويتذكر المراقبون، في هذا الاطار، قول الرئيس الاميركي اوباما لدى زيارته برلين، في حزيران (يونيو) الماضي، في صراحة: «لسنا الوحيدين الذين يتجسسون الكترونياً، ولكننا الوحيدون المطلوب منا تقديم حسابات علنية». واستعاد الموضوع لاحقاً، عاكساً غضباً على السكوت على نشاطات مماثلة، يقوم بها منافسون استراتيجيون، خصوصاً الصين وروسيا.
اما الصين، فانها اكتفت برد وزير خارجيتها، هووا شونينغ، على سؤال، في مؤتمر صحافي: «اننا سنعمل على تحصين امننا». ولكنه رفض التعليق على من سأله ماذا عن التجسس الصيني، مشدداً على ان بلاده ضحية.
وقال هووا: «اننا نراقب عن كثب، «شأن العديد من الدول الاخرى، الذي يقال عن التجسس الالكتروني الاميركي، ومن اجل ذلك سنتخذ التدابير اللازمة، لضمان سلامة معلوماتنا».
ولكنه لم يوضح كيف ستعمل الصين للحد من طاقة الولايات المتحدة، على الحصول على معلومات سرية، متجاهلاً التهم المماثلة الموجهة الى بلاده.
ويعتقد مراقبون ان الصين، لم تكن راضية، عن انتقاء ادوارد سنودن، هونغ كونغ، محطة اولى لهربه، وانها لم تشجعه على البقاء على اراضيها، واكتفت بتسهيل خروجه، من المستعمرة البريطانية السابقة، وبعدم تسليمه الى الولايات المتحدة.
ويتساءل المراقبون، عما اذا كانت حلقة ما. انقطعت في حبل التوازنات الدقيقة، التي تضبط التعايش بين اجهزة المخابرات، قادت الى انتشار سلسلة من المعلومات تؤدي الى مزيد من الاضطراب الدولي، في صرف النظر، عما اذا كانت صحيحة ام لا.

تحطيم قاعدة ذهبية
ولكن الجديد في ما يحصل، هو تحطيم قاعدة ذهبية، وعتيقة جداً، في العلاقات بين الدول، «نتجسس على بعضنا البعض، من دون الاعلان عن ذلك، وتدور حروب المخابرات بعيداً عن الاضواء».
واذا كان سقوط حائط برلين، قاد الى قيام عالم متعدد الاقطاب، فان الاسرار التي كشف عنها ادوارد سنودن، حطمت التوازن الضمني، الذي كان موجوداً بين اكبر اجهزة التجسس في العالم، مما ادى الى قيام نوع من الغرب الاميركي في ايام الكاو بوي، بين جواسيس العالم، على الصفحات الاولى في صحف مواقع الانترنت، والصحف اليومية والاسبوعية الورقية.
والذي يلفت اكثر، هو ان الرؤساء – الدول والحكومات – هم الضحايا الكبرى في هذه الحرب.
فاذا كان رئيس لجنة «الامن الداخلي» في مجلس النواب الاميركي، بيت كينغ، يدافع عن التجسس على الزعماء الاجانب، فان هوائيات التنصت، التي نصبها الصينيون امام الفندق الذي كان ينزل فيه جورج دابليو بوش، في بكين، في سنة 2008، تؤكد ان نزلاء البيت الابيض، يقعون احياناً ضحية مثل هذه اللفتات.
والسبب هو ان كلام القادة، يشكل نافذة، ليس على المعلومات التي في حوزتهم، فحسب بل كذلك، حول نواياهم المباشرة. فان معرفتها تسمح باعتماد موقع متفوق في المعارك السياسية والاقتصادية، التي يمكن ان تقوم، على المسرح الدولي الشاسع والمتنوع. من الصراعات التجارية. داخل منظمة التجارة العالمية والاتحاد المصرفي في بروكسل حتى الصراع على سوريا في مجلس الامن.
فاصبح سلاحاً لمبارزات، يتضخم طابعها الشخصي، بين زعماء دول العالم، المصرين على استباق معرفة ماذا يفكر الآخر، لاستباق  تحركاته ومبادراته.
وليس من الصعب ان نتوقع ان قوانين الغاب التي تسود عالم الجواسيس، ستستمر، على الاقل، حتى يجري حل مشكلة سنودن، مما يساعد على قيام توازنات جديدة، بين اكبر اجهزة المخابرات في العالم.

جوزف صفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق