شلل الاطفال يضرب سوريا ويضع الشرق الاوسط كله في خطر
انه شبح شلل الاطفال يعود وظننا لسنوات خلت انه ذهب الى غير رجعة، انه انقرض، لكنه زمن الحروب وما فجره من فقر وعوز وتهجير، تفتح له الباب واسعاً ليعود منتصراً مرفرفاً بأجنحته السوداء فوق اطفال سوريا، ومنظمة الصحة العالمية تصرخ عالياً وتحذر وتقولها بصراحة تامة: «انه يضع الشرق الاوسط كله في خطر» وطبعاً لبنان اولاً.
بعد أن اقترب العالم من القضاء على شلل الأطفال سمحت الحرب في سوريا للمرض المعوق بأن يرسخ وجوده مرة أخرى مهدداً بقية المنطقة وكذلك خطط استئصاله عالمياً.
وكثيراً ما أعاقت الحرب والاضطرابات والفقر الصراع الطويل ضد شلل الأطفال لكن الخبراء يقولون إن هذه العقبات يمكن التغلب عليها حتى في سوريا حيث يستفيد الفيروس الشديد العدوى من تراجع معدلات التحصين بسبب القتال.
وظهور حالات إصابة بمرض شلل الأطفال في سوريا، وهو ما أكدته منظمة الصحة العالمية، بدا مماثلاً على نحو كئيب لحالات عودة المرض السابقة في بلدان مثل السودان وكولومبيا حيث استغل الفيروس الذي كان قد قضي عليه فرصة الحرب والفقر ليعود.
فيروس شديد العدوى
يسهل انتقال عدوى شلل الأطفال من شخص الى آخر. وتحذر منظمة الصحة العالمية من أنه ما دام هناك طفل واحد مصاب فالأطفال في كل مكان مهددون. وينتقل الفيروس عن طريق الطعام والمياه الملوثة، وهو يغزو الجهاز العصبي ويمكن ان يسبب شللاً لا شفاء منه خلال ساعات. ويمكن ان ينتشر الفيروس سريعاً بين الاطفال دون سن الخامسة خصوصاً في الظروف غير الصحية التي يعيش فيها المشردون في سوريا او في مخيمات اللاجئين المزدحمة في الدول المجاورة.
لكن برامج التطعيم المتكررة والوافية يمكن أن تقضي تماماً على المرض كما تبين في الحملة العالمية الناجحة للقضاء على شلل الأطفال التي خفضت عدد الحالات عالمياً بنسبة 99،9 بالمئة منذ عام 1985 من 350 ألف حالة إلى 223 ألف حالة العام الماضي.
وقالت جماعات صحية في نيسان (أبريل) إنه يمكن لخطة التطعيم والمراقبة وتبلغ ميزانيتها 5،5 مليار دولار، القضاء التام على شلل الأطفال بحلول عام 2018 لكن ظهور حالات إصابة جديدة في باكستان والصومال ومعاودة ظهور المرض في سوريا تهدد ذلك الجدول الزمني.
وتفيد منظمة الصحة العالمية بأنه لم تظهر حالات إصابة بشلل الأطفال في سوريا منذ عام 1999 لكن الحرب جلبت معها الفقر والعنف والتهجير لملايين السوريين. ولم يتأخر شلل الأطفال بدوره عن الظهور في القائمة.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد اعلنت إن مرض شلل الأطفال تفشى في شمال شرق سوريا بعدما ظهر على الارجح في باكستان وإنه يشكل تهديداً لملايين الاطفال في انحاء الشرق الاوسط. ويمكن للمرض أن ينتشر على نحو سريع وبصورة خاصة في سوريا حيث أدت الحرب الاهلية الى تراجع معدلات التطعيم.
وكان 22 طفلاً في مدينة دير الزور قد اصيبوا بالشلل الرخو الحاد في الشهر الفائت، وهو مرض قد يتسبب بامراض اخرى عدا عن مرض شلل الاطفال، ولكن المختبر التابع للمنظمة في تونس تمكن من عزل فيروس هذا المرض في نماذج اخذت من عشرة من المصابين.
وقال اوليفر روزنباور المتحدث باسم برنامج القضاء على مرض شلل الاطفال في منظمة الصحة العالمية في جنيف «من الحالات الـ 22 التي جرى التحقق منها، تأكدنا ان 10 اصيب اصحابها بشلل الاطفال من الصنف الأول». وقال: «إن معظم الضحايا تقل أعمارهم عن عامين ويعتقد انه لم يتم تطعيمهم على الإطلاق ضد المرض أو انهم حصلوا على جرعة واحدة من اللقاح الذي يعطى عن طريق الفم بدلاً من ثلاث جرعات تضمن الحماية من الاصابة بالمرض».
وقال روزنباور لـ «رويترز» في اشارة الى دير الزور «بدأ التطعيم في تلك المنطقة» وان «الخطوة التالية تلخص في فحص الفيروسات التي عزلت جينياً للتعرف على مصدرها».
وحذر من ان «شلل الاطفال مرض معد، ولذا فهناك خطر من انتشاره الى دول اخرى خصوصاً مع حركة اللاجئين السوريين الى الدول المجاورة».
مهمة غير مستحيلة
ويقول سيدهارت تشاترجي وهو متخصص في شلل الأطفال حارب المرض كثيراً من المرات في مناطق الصراعات: إن مفتاح النجاح هو إبعاد السياسة عن الصحة العامة والتركيز على إنقاذ حياة الأطفال. وحث تشاترجي – وهو ضابط سابق في القوات الخاصة الهندية أصيب وهو طفل بشلل الأطفال ونجا منه – مسؤولي الصحة العامة العالميين ومانحي المعونة لبذل جهود محاربة شلل الأطفال على ألا يصابوا باليأس رغم عودة ظهور المرض.
وقال لـ «رويترز»: «حتى في مكان مثل سوريا حيث نستطيع أن نرى ان الأوضاع صارت مهلكة، النجاح ليس مستحيلاً. فعلناها في دارفور وفعلناها في مناطق أخرى في السودان. لا شك في أن الحرب تجلب معها تحديات إضافية لكن التغلب عليها ليس مستحيلاً». ورأى إن التواصل مع العاملين في مجال الصحة والمتطوعين في المجتمعات المحلية على جانبي أي انقسام سياسي أو عرقي أو ديني ضروري للنجاح.
ويتفق بروس ايلوورد المدير العام المساعد بمنظمة الصحة العالمية لقسم شلل الأطفال والطوارىء والتعاون القطري مع الرأي الذي يرى أنه على الرغم من الانتكاسة فمن المرجح التغلب على عودة ظهور الفيروس في سوريا من خلال حملة للقضاء عليه تتسم بالعزيمة والتجهيز الجيد.
وتابع ايلوورد شارحاً: «جاء هذا الفيروس عبر الارض مما يعني ان الفيروس ليس في ذلك الركن فقط من سوريا وانما في منطقة أوسع».
ولفت عبر الهاتف من عمان «نعرف ان فيروساً لشلل الاطفال من باكستان عثر عليه في الصرف الصحي بالقاهرة في كانون الاول (ديسمبر). وعثر على الفيروس عينه في إسرائيل في نيسان (أبريل) وأيضاً في الضفة الغربية وغزة.
واضاف محذراً: «انه يضع الشرق الاوسط كله في خطر… بصراحة تامة».
مقاتلون اجانب حملوا الفيروس
والمرض يستوطن في ثلاث دول فقط هي: نيجيريا وباكستان وأفغانستان مما يثير الاحتمال بأن مقاتلين اجانب حملوا الفيروس معهم الى سوريا حيث يوجد مقاتلون اسلاميون ضمن الجماعات التي تقاتل لاطاحة الرئيس بشار الاسد.
ومن المتوقع معرفة التسلسل الجيني للفيروس الذي ظهر في سوريا خلال الايام المقبلة مما سيحدد المصدر الجغرافي لأول تفش لشلل الاطفال منذ عام 1999 في الدولة التي مزقتها الحرب.
وقال إيلوورد: «كل شيء يشير إلى أن هذا الفيروس سيكون مرتبطاً بالفيروس الذي ظهر في باكستان». وتابع قائلاً: «ننظر أساساً إلى تفشي العدوى في الشرق الأوسط، وسوريا نذير مبكر».
وقالت منظمة الصحة العالمية إن حملة تطعيم كانت مقررة من قبل بدأت في سوريا في يوم 24 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي لتطعيم 1،6 مليون طفل ضد شلل الأطفال والحصبة والغدة النكافية والحصبة الألمانية.
وقال انتوني ليك المدير التنفيذي لليونيسيف انه أجرى محادثات «عملية ومشجعة» مع وائل الحلقي رئيس الوزراء السوري وكبار المسؤولين في دمشق. ودعا إلى تطعيم 500 ألف طفل سوري ضد شلل الاطفال وأمراض أخرى. وفي أنحاء سوريا يوجد ثلاثة ملايين طفل تقل أعمارهم عن الخامسة.
وقال إيلوورد إنه بالإضافة إلى سوريا فإن ستة بلدان أخرى في الشرق الأوسط على الأقل هي: مصر والعراق وتركيا ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية، تعتزم بدء حملات للتطعيم ضد شلل الأطفال. وقال إن هذه الحملات «ستشمل أكثر من 20 مليون طفل في الأشهر الستة المقبلة».
وبدأت منظمة الصحة العالمية حملات التطعيم في تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري وهي ستستمر ما بين ستة أشهر وثمانية أشهر.
ويفر نحو 4000 لاجىء من الحرب الأهلية في سوريا يومياً ويتوجهون أساساً إلى لبنان والعراق والأردن وتركيا.
وقال روزنباور انه قبل الصراع الذي بدأ باحتجاجات سلمية في اذار (مارس) 2011 وتحول الى حرب أهلية، تم تطعيم 91 في المئة من الاطفال السوريين ضد الامراض ومن بينها شلل الاطفال لكن المعدل انخفض الى نحو 68 في المئة. وأضاف: «لذلك من المنطقي ان يصاب به الاطفال الصغار جداً».