صحة

حين تضطرب الشخصية ويتقلب المزاج!

نغضب، نفرح، نقلق، نشك، نندفع، نخاف، نكتئب… مشاعر مختلفة، متنوعة، غريبة – عجيبة، غير منسجمة، تتدفق في داخلنا وتجتاحنا مثل سيول جارفة! فما بالنا؟ ماذا يحصل معنا؟ هل نحن طبيعيون؟ هل نحن مرضى؟ هل هذه هي سمات الشخصية؟ هل هذه هي الشخصية المضطربة؟ وما الفارق بين السمات والمزاج؟ وهل علينا، في اختصار، أن نقلق؟

عشرات أطباء علم النفس، من لبنان والعالم، التقوا تحت قبة نقابة الأطباء في بيروت في مؤتمر نظمته الجمعية اللبنانية للطب النفسي بعنوان: «سمات الشخصية واضطراباتها». العنوان في حد ذاته يجذب. الناس، معظم الناس، يشعرون بمزاجية الآخرين. العالم بات يهذي. البشر باتوا يحتاجون الى ما يُشبه المصح الكبير. الوطن بات مصحاً. الكُل يتقلبون في أمزجتهم كما تتشقلب الدجاجة على سيخ الشواء، وغالباً ما يحرقون أنفسهم والآخرين بتقلباتهم!

الوطن يهذي!
يُقال من سماتهم تعرفونهم… فماذا عن سمات الشخصية؟ وكيف ننجح في التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ؟
نقيب الأطباء في لبنان البروفسور أنطوان بستاني شبّه شخصية لبنان، الوطن، بالهذيان! نعم الوطن أيضاً قد يهذي: حيث كل واحد فيه لا يعود يسمع إلا صوته ولا يرى إلا ما يريد أن يراه ولا يفهم إلا لغته ولا يسعى إلا الى فرض رأيه ولا يقبل إلا بمن يشبهه ويعتقد بأن لا أحد غيره يملك الحقيقة ولا يرى في خطاب الآخر إلا كذباً وتضليلاً!
ما دمنا في وطن يهذي فما حالنا؟ هل نهذي؟ هل سماتنا الشخصية مضطربة؟
رئيس قسم الطب النفسي في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي البروفسور ايلي كرم ورئيس قسم الطب النفسي في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور منير خاني تحدثا عن: الطباع التي هي سمات عاطفية تؤثر بقوة على ردود فعل الأفراد على أحداث خارجية، وعن ضرورة رصد إستقرار الطباع لمعرفة ما إذا كانت نتيجة سمات أو حالات… فكيف نرصد الطباع؟ كيف نعرف بالتالي أن ما نراه هو نتيجة طبع مستحكم أو حالة عرضية؟
لكل إنسان شخصية ولكل شخصية سمات تحدد درجة الإدراك وهذه السمات لها علاقة وطيدة في شكل رؤيتنا لذواتنا ولمن حولنا، ولهذا يُقال في علم النفس أن للسمات الشخصية إنعكاساً على الأبعاد الإجتماعية والنفسية للإنسان. فإذا كانت سماتنا تمنعنا من التكيف مع المجتمع قد تتسبب باضطرابات، وتتحمل بالتالي مسؤولية هذه الإضطرابات السمات التي تجعلنا نكذب أو نخجل أو نغضب أو نعزل أنفسنا أو نُصاب بالوسواس أو نشعر بالإضطهاد أو الكبرياء أو النرجسية والغرور… وبعضنا قد ينجح في التخلص من هذه السمات أما من يفشل فيسقط في اضطراب الشخصية.

ما هي شخصيتنا؟
لا يمكن تحديد الشخصية إلا بعد عمر المراهقة، أي بعد عمر العشرين غالباً، فالفرد يكبر وتنمو معه شخصيته عبر توجيهات المجتمع وتعليمات الأسرة والقيم التي يتدرب عليها لكن هل هذا وحده يعكس ما قد تؤول إليه شخصية الإنسان لاحقاً؟ وإذا كانت الحال هكذا فلماذا نرى شقيقين مختلفين تماماً؟!
يبدو أن درجة إستعداد الإنسان للمضي في هذا الإتجاه أو ذاك هي التي تُحدد طبيعة شخصيته لاحقاً، فالإنسان يولد ولديه اتجاهات عدة يتحكم بها مزاجه ومدى تفاعله مع المحيط. وهناك النرجسية، وتنتج عن شعور زائد بالذات، وكثيراً ما نجدها عند الأطفال الذين يشعرون بأنهم العالم والعالم هم وأن الأم هي كائن مسخر لخدمتهم ممنوع أن يتقاسمها معهم أحد. وتدريجياً، في مرحلة النضوج، تتطور، أو يفترض أن تتطور، هذه النرجسية الى حب التميز والسعي من أجل تحقيق المثل العليا، أما إذا استمرت نرجسية فتُصنف الشخصية مضطربة!
اضطراب الشخصية يظهر حين يعجز الإنسان عن التكيف مع الآخرين، وحتى مع نفسه، مع مسؤولياته، ومع الضغوطات اليومية التي تسيطر عليه. ولأن الشخصية تُصبح جزءاً من الشخص يعتاد عليها ولا يعود قادراً على الإنتباه الى أخطائه! فيظن أنه على حق وما عداه على خطأ! هناك مثلاً الشخصية الإعتمادية التي تحتاج دائماً الى رعاية الآخرين ولا يكون قادراً  صاحب هكذا شخصية على المبادرة ويميل الى التردد ويخاف من الفشل.

حال المزاج
نسمع عن مزاج سيىء ومزاج جيد ومزاج مكتئب ومزاج ايجابي… ماذا يعني كل هذا؟ وهل يميل اللبنانيون الى الإيجابية أم هم أكثر سلبية؟
البروفسور ايلي كرم تناول دراسة حددت معدل المزاج المكتئب عند اللبنانيين بنسبة 7،6 في المئة أما المزاج المتقلب فيبلغ 5،9 في المئة، المزاج المندفع يرتفع من جهته الى 12،5 في المئة أما المزاج القلق فيبلغ 6،6 في المئة.
إلام تدل هذه الدراسة؟
تشير الى أن اللبنانيين مندفعون، والرقم فاقع في هذه الدلالة، كما تشير الى أن المزاج عموماً لا يتغير مع العمر لكن التقلبات تخف، وتتفاعل الشخصية عادة بين المزاج والطبع والذكاء وطبيعة الحياة. وهناك خمسة تصنيفات لمزاج الأفراد: المزاج المندفع، المزاج المكتئب، المزاج المتقلب، المزاج العصبي والمزاج القلق. واللافت أن المزاج المندفع يحمي الأشخاص من الاضطرابات النفسية التي قد تزيد عند الأشخاص القلقين.
أبو الطب أيبوقراط حدد أربعة أمزجة للبشر وفق سوائل الجسم: سائل الدم ويشير الى الشغف والشجاعة والتفاؤل وحب المغامرة، سائل الصفراء الذي يفرزه الكبد ويشير الى الغضب، وسائل المرارة ويشير الى المزاج الحزين وسائل البلغم وهو دلالة الى الإنسان اللاعاطفي وغير المبالي.
الاضطرابات الشخصية في لبنان لا تزيد عن ستة في المئة، وهي أقل من نسبتها في الولايات المتحدة الأميركية، وتوازي تقريباً المعدل في بريطانيا. وهذا يعني أننا، على الرغم من كل النق، ما زلنا ضمن الحدود الطبيعية لاضطرابات الشخصية. وتنقسم الإضطرابات الشخصية الى عشر حالات: النرجسية، الهستيرية، الحدية، الإعتمادية، العدائية، البانويا، الوسواسية، الإنعزالية، الفصامية والتجنبية.

الاكثر عرضة
هل هناك أشخاص أكثر عرضة للإصابة بالإضطرابات الشخصية؟
الدكتور سامي ريشا يتحدث عن ارتفاع النسبة لدى مدمني الكحول، لا سيما منهم ذوو الشخصيتين الحدية والعدائية، لكن حتى هذه اللحظة لم تتمكن الدراسات من كشف ما إذا كانت هذه الإضطرابات سابقة للإدمان أم ناتجة عنه.
ما زلتم تسألون: ممَّ تتكون شخصية الإنسان؟
إنها تشتمل على الدوافع والعادات والميول أو الإهتمامات وعلى العقل والعواطف والآراء والإتجاهات والإستعدادات والقدرات والمشاعر والأحاسيس والسمات. وتكون هذه المكونات إما موروثة أو منقولة عبر الجينات أو مكتسبة.
ثمة شخصية نُصنفها بالهستيرية، ونُطلقها عادة على من يتصرفون بانفعالية قصوى، وأصحاب هذه الشخصية يعيشون حالة المرح والنشوة والحماس القوي التي لا تلبس أن تنقلب الى حالة من الإكتئاب والإنطواء والبكاء، وهذا ما قد ينعكس سلباً على أجواء كل الأسرة. والشاب الذي قد يُغرم بهكذا فتاة عليه أن يعرف أنها قد تتخيل أموراً ليست أبداً صحيحة! وهنا لا بدّ أن نشير الى أن الرجال ينجذبون غالباً الى الشخصية الهستيرية لحيويتها وانفعالاتها القوية وقدرتها على التعبير عن عواطفها بسهولة.
ليس سهلاً أبداً الخوض في مسائل السمات والشخصية… والسؤال يظل يتكرر: ما هي الصفات التي تميز الشخصيات؟ وهل هناك من مكيال يسمح لنا بتحديد كل شخصية على حدة؟
لأن القاعدة العامة تقول: هونها تهون… حاول أطباء علم النفس تسهيل أمر البحث أكثر بتقسيم الشخصية الى خمس مجموعات: المجموعة الأولى ويتم من خلالها تحديد مدى تأقلم الفرد الإجتماعي أي هل يكون بين الناس مبتهجاً، حزيناً،  حذراً، صامتاً، مرناً، جامداً، قلقاً… المجموعة الثانية تتمثل بالسيطرة العاطفية ويتحدد الفرد فيها وفق سمات محددة فهل هو سريع الغضب؟ قلق؟ سريع التأثر بالعبارات العاطفية؟ يعتمد على نفسه؟ يعتمد على الآخرين؟ أما المجموعة الثالثة فتتناول مدى إلتزام الفرد فهل هو جاد؟ هزلي؟ أناني؟ موضع ثقة؟ متعاون؟ مقدرة الإستيضاح تحددها المجموعة الرابعة من السمات وهي: هل المرء واسع الإهتمامات؟ هل هو ذو عقلية منفتحة؟ هل هو خيالي؟ ونصل الى المجموعة الخامسة المتمثلة بالثقة في التعبير والبحث فيها يكون من خلال معايير عدة والبحث إذا كان الشخص مستسلماً؟ صريحاً؟ متحفظاً؟ متحدثاً؟ يهتم بالجنس الآخر؟
الغوص في سمات الشخصية واضطراباتها يحتاج الى كتب! في كل حال، كل شخص يخال أن الله خلقه وكسر القالب لكن حين نغوص في الشخصيات نعرف أن كلنا، تقريباً كلنا، نعيش في شرنقة الشخصية التي ورثناها أو اكتسبناها. وحين نعرف أنفسنا ونعرف الآخرين تسهل الحياة وبداية الإكتشاف تكون بالتحديق كثيراً في الوجوه ألا يقال: من وجوهكم نعرف سماتكم؟.

نوال نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق