هل تخلت سويسرا عن السرية المصرفية؟
هل تخلت سويسرا عن سريتها المصرفية التي التصقت باسمها منذ عقود من الزمن؟ هذا السؤال مطروح بدهشة اليوم في كل الاوساط المالية العالمية، واندية المستثمرين، ولا سيما بعد توقيع سويسرا على معاهدة «المساعدة الضريبية» التي وضعتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ومجموعة العشرين.
لم تر سويسرا، التي طالما تشبثت بسريتها المصرفية، بداً من توقيع المعاهدة المتعددة الجوانب حول الدعم المتبادل في الشأن الضريبي، ويقول باسكال سانت – امون، المدير الضريبي في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية: «ان هذه المرحلة مهمة» في الصراع ضد التهرب الضريبي، وهي تؤشر الى «نهاية السرية المصرفية في سويسرا. فهل هذا يعني ان سويسرا تخلت عن ممارسة ينص عليها القانون منذ العام 1934؟ لكن هناك اسباباً تدعو الى التصديق واخرى تدعو الى الشك.
اسباب التخلي
منذ العام 2008 احدثت الازمة المالية بلبلة في الماليات العامة العالمية، ما وضع نظام السرية المصرفية امام مأزق. ولم تتوان قمم مجموعة العشرين المتتالية عن ادانة التهرب الضريبي والتصميم على اجتثاثه. وبحسب منظمة «تاكس جوستيس نتوورك» فان الناتج المحلي الاجمالي في الولايات المتحدة يفوق ناتج اليابان بما بين 16344 و25000 مليار يورو، كما يفوق ناتج فرنسا عشر مرات، وقد اصبح الناتج الاميركي في منأى عن الضريبة، بحيث بات يخسر ما بين 148 و218 مليار يورو من العائدات الضريبية سنوياً. وقد دلت قضيتا بنك «يو. بي. اس» السويسري، و«اتش اس بي سي» البريطاني على مدى استفادة البنوك السويسرية من التهرب الضريبي.
وصادف ان الولايات المتحدة في صدد تطبيق قانونها الجديد العابر للاراضي، والذي يطلق عليه اسم “Fatca”، اي قانون الامتثال الضريبي، الذي يلزم الدول الاجنبية باعطاء المعلومات المصرفية بصورة منتظمة عن المواطنين الاميركيين. وقد استطاعت الولايات المتحدة ان تفرض هذا القانون على سويسرا التي يفترض ان تطبقه ابتداء من العام 2014.
ولم يتأخر الاتحاد الاوروبي عن ممارسة الضغوط على سويسرا للحصول على الحقوق نفسها التي حصلت عليها الولايات المتحدة، اذ عمد الى الطلب من سويسرا تبادل المعلومات المصرفية الآلي مع مختلف اعضاء الاتحاد، في حين انها اكتفت بعقد اتفاقات ثنائية بشأن فرض رسوم على الاصول تحافظ على سرية المودعين، مثل اتفاق “Rubik” مع المانيا. ويقول احد الخبراء المصرفيين: «ان مركز جنيف المالي لم يعد ابداً بحاجة الى السرية المصرفية، بحكم خبرته المالية للمحافظة على تنافسيته».
وتقول محامية سويسرية متخصصة في شؤون الضرائب: «ان الاموال المنتظمة ستبقى في سويسرا، لانها تحظى بادارة جيدة».
اسباب الشك
المعاهدة الضريبية التي وضعتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تدعم التعاون بين الادارات في الدول الموقعة، التي تلتزم تبادل المعلومات في حال طلب المساعدة. ومع سويسرا وقعت ثماني وخمسون دولة على المعاهدة، من بينها مجموع دول مجموعة العشرين، حتى الصين انضمت اخيراً. وهناك 10 مقاطعات بريطانية ما وراء البحار توصف بالجنات الضريبية تعهدت هذا الصيف بتوقيع المعاهدة. وكان ذلك بمثابة بادرة حسن نية من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي استقبلت بلاده هذه السنة مجموعة العشرين. لكن هذه المعاهدة لم يصادق عليها حتى الآن سوى 29 دولة من مجموع الدول الموقعة.
ومن ناحية اخرى، حتى ولو كانت المعاهدة تشكل عبوراً الى «التبادل الآلي للمعلومات الضريبية»، فانها لا تتبناه الا كخيار ممكن، وتشترطه بعقد اتفاق جديد بين الاطراف المعنية. «ويمكن للتبادل الآلي للمعلومات ان يتم من خلال اتفاق اداري معقود بين السلطات المعنية». كما يقول باسكال سانت – امون.
والحقيقة ان التبادل الآلي للمعلومات يعتبر النظام الاكثر فعالية للتخلص من السرية المصرفية. وابتداء من العام الحالي، رأت مجموعة العشرين في هذا النظام معياراً جديداً للتعاون الضريبي. واذا كان هذا الخيار لا يطبق، فان معاهدة منظمة التنمية والتعاون تعتبر اتفاقاً رئيسياً للتعاون وفق الطلب، وليس التزاماً موقعاً بالافصاح عن الحسابات الاجنبية.
لحظة التخلي
يتضح من الصراع الطويل بين سويسرا و«الضاغطين» عليها ان سويسرا نفسها تريد ان تنتهي من سمعتها كجنة ضريبية. وهذا ما اكدته افلين ويدمر – شلمبف وزيرة المالية السويسرية في اكثر من مناسبة بقولها: «سويسرا لم تعد راغبة في الاموال الاجنبية غير المعلنة». لكن خيارها بتوقيع معاهدة منظمة التعاون والتنمية وقبول التبادل الآلي للمعلومات فوراً يمكن ان ينظر اليه كفرصة لكسب الوقت، من اجل المحافظة على سمعة سويسرا كمركز مالي. وقالت: «من الافضل ان نشارك من ان نتلقى الضغوط». فسويسرا اعلنت انها لن تنضم الى نظام التبادل الآلي للمعلومات الا اذا اصبح معياراً عالمياً.
سويسرا اقرت «فاتكا»
تبنى المجلس الوطني في البرلمان السويسري اتفاق «فاتكا» الاميركي، الذي يرفع السرية المصرفية بين سويسرا والولايات المتحدة في اطار محاربة التهرب الضريبي، ولا يكتمل رفع تلك السرية الا بعد موافقة البرلمان السويسري بكل مستوياته. وبهذا الاتفاق تضع سويسرا حداً للازمة الضريبية التي تضعها في مواجهة الولايات المتحدة حول فرض رسوم مستقبلية على الحسابات الاميركية. واعلنت واشنطن ان القواعد الجديدة لن تطبق قبل شهر تموز (يوليو) 2014. ومن اجل اسدال الستار على الماضي يجب على بعض المصارف انتظار كلمة القضاء الاميركي، وعلى البعض الآخر التوجه نحو البرنامج الاميركي المعد مع غرامات شديدة ونقل المعلومات الى ادارة الضرائب الاميركية.