رئيسي

«الارامل السوداوات» يضربن من جديد في روسيا

عادت الارامل «السوداوات»، المعروفات باسم «شاخيكدا»، الانتحاريات، الى العمل في روسيا، يلقين بظلالهن، على العاب الشتاء الاولمبية، المقرر ان تجري في شباط (فبراير) في سوتشي، التي هدد زعيم الارهاب الاصولي الشيشاني، دوكو اوماروف، باغراقها بالدم.

في الاسبوع الماضي، انفجرت قنبلة على متن احدى حافلات الباص المزدحمة بالركاب، اكثريتهم من الطلاب، في فولغوغراد، (ستالينغراد السابقة) على ابواب القوقاز، فقتلت 7 اشخاص، وجرحت حوالي 30، عدد منهم في حالة خطرة، وبعد ساعات قليلة، وجهت السلطات الروسية اصابع الاتهام، الى امرأة انتحارية، استناداً الى اوراق الهوية التي يقولون انها تحملها، مع المتفجرة.
ونسبت وكالة انترفاكس الى مصادر امنية في داغستان، ان المرأة اسمها، هايدا، متزوجة من ابن موسكو، ديمتري سوكولوف، انتقل معها بعد الزواج الى داغستان.
موقع قافقاز سنتر كوم، الناطق باسم المقاتلين من اجل انشاء امارة اسلامية في القوقاز، اكتفى بنقل الخبر الذي اذاعته وسائل الاعلام الروسية، «الكافيرية»، ولم تدع، حتى كتابة هذه السطور، اية مسؤولية، ولكن زعيم من بقي من الجهاديين في القوقاز، دوكو اوماروف، كان ظهر في الصيف الماضي، في فيلم «الرقصة الجهنمية على جثث اجدادنا»، وستستقبل سوتشي، الاحتفالات الرسمية، تاركة مباريات التزلج الى كراسنايا بوليانا، التي تبعد عنها، مسافة ساعة بالسيارة، بين جبال القوقاز.

  استئناف الحرب 
فهل ان متفجرة فولغوغراد، تعني استئناف الحرب التي يقودها، منذ سنوات، من اطلق على نفسه، لقب امير القوقاز، على الشعب الروسي، لينقل، كما قال، فظاعة الحرب الى بيوت الناس العاديين؟ ويعود آخر اعتداء من هذا النوع الى ما قبل سنتين نفذ بعملية صارخة ضد المدنيين، في مطار دومود يدوفو، في موسكو، اوقعت 37 قتيلاً و180 جريحاً.
ولكن اوماروف  اعلن هدنة كاملة من جهة واحدة، عندما بدأت التظاهرات الشارعية ضد فلاديمير بوتين «في انتظار تطورات الاحداث الروسية».
ويتهمون اوماروف، على ضوء ما حدث، بانه قرر استئناف المجازر مع اقتراب موعد الالعاب الاولمبية في القوقاز، جارة الشيشان وداغستان وانغوشيا وناغورني كاراباخ الجمهوريات الاسلامية «الواقعة تحت سلطان» امارته.
وجاءت الانتحارية الاخيرة، من داغستان، زوجة الروسي الذي انتقل الى صفوف الارهابيين، الذين دعمهم بخبراته في دنيا المتفجرات، ويقال انه هو الذي تولى اعداد عدد كبير من الزنانير المتفجرة، التي نفذت في تلك الجمهوريات، ليس ضد مدنيين فقط، وانما ضد قادة قوى امن موالين لموسكو.
ونقلت احدى وكالات الاعلام القوقازية، القريبة من المخابرات الروسية، ان اسم أسيبالوفا، ظهر منذ مدة على مواقع انترنيتية مرتبطة بالمتطرفين الاسلاميين، وجرى جمع تبرعات لمعالجتها من سرطان في العظام، اضحى في مراحله الاخيرة القاضية، ثم غابت اخبارها، حتى كان اعتداء الاسبوع الماضي.
وكانت المتفجرة قوية نسبياً، وذيولها مدمرة، في محيط مغلق، مثل الاوتوبيس، ولم تترك اية فرصة نجاة للذين كانوا يجلسون قرب الانتحارية.
ولكن الجديد، هو ان هايدا، لم تكن من «الارامل»، وهي من مدينة ماخاشكالا، التي يعيش فيها فريق من عائلة منفذي عمليتي الاعتداء على ماراتون بوسطن، مما يفرض بعض التعاون بين روسيا والولايات المتحدة، في اكثر من مجال امني وسياسي.

العملية الاخيرة
وكانت الاعتداءات على سيارات الباص، غابت عن روسيا، منذ سنوات. فالعملية الاخيرة من هذا النوع، تعود الى تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، عندما صعدت امرأة انتحارية اخرى، الى سيارة نقل مارشوروتكا، وفجرت نفسها في محطة احدى اسواق فلاديكافكاز، عاصمة اوسيزيا الشمالية، فقتلت 12 شخصاً وجرحت 41. وكان 8 قتلوا و56 جرحوا، قبل ذلك بسنة، بانفجار قنبلة على متن احدى حافلات النقل، من دون ان يعرف المسؤول عن العملية.
وانتشرت على الانترنت، صور لسيارة الباص تعبر منطقة غير مأهولة. ثم غارقة في غيمة من النار والدخان. وكذلك صور للمتهمة بتنفيذ العملية، واحدة مكشوفة الوجه، واخرى بالحجاب، انها هايدا آسيالوفا، ابنة مدينة يويناكس، في داغستان، في شمال القوقاز الروسي، التي بلغت الواحدة والثلاثين من العمر في 25 تشرين الاول (اكتوبر) الحالي.
وتقول صحيفة قافقاز برس ان آسيالوفا، كانت زوجة ديمتري سوكولوف ، المولود في سنة 1992، والمقيم سابقاً في مدينة دولغوبرودني في منطقة موسكو، في الشرق الروسي. وتردف الرواية ان الرجل اعتنق الاسلام وهاجر الى داغستان، حيث انضم الى جماعة سرية. لقبوه بالزرافة، قبل ان يعتمد اسم عبد الجبار، وكان سوكولوف تعرّف الى هايدا على مقاعد الجامعة في موسكو، وتنسب اليه قافقاز برس، مسؤولية اعداد 8 نسوة انتحاريات للموت، من بينهن مادينا الييفا، التي ماتت في عملية انتحارية في 25  ايار (مايو) الماضي في ماخاشكالا.
ووقع انفجار يوم الاثنين 20 تشرين الاول (اكتوبر) الماضي بعد ان صعدت الارهابية، متحجبة الى الباص رقم 29 في فولغوغراد، حسب شهادات نسبتها «لجنة التحقيق» الى ركاب نجوا من الانفجار الذي قتل 8 اشخاص (من بينهم المرأة الانتحارية) وجرح 33 شخصاً، ادخل 28 منهم المستشفيات ونقل 8 منهم الى موسكو.

 افتراضات
وعلى هامش اعتداء الاسبوع الماضي على سيارة الباص، يطرح المراقبون عدداً من الافتراضات، منها، مستوى الامن الذي يحوط بالالعاب الاولمبية، التي تبدأ في 7 شباط (فبراير)، في منتجع سوتشي في القوقاز الروسي، وامكانية ان تقوم الجماعات الارهابية، الناشطة في القوقاز، بتنفيذ اعمال تزعزع الاستقرار، عشية الالعاب، او على هامشها.
وفي فولغوغراد، التي تبعد 600 كلم عن القوقاز، ناشدت وزارة الداخلية الناس، على الاسراع الى الحذر، لدى تواجدهم في اية اماكن عامة، والى ابلاغ السلطات الامنية مباشرة، عن اي شخص ام شيء مشبوه.
وظهر في حوار تلفزيوني، اجرته قناة تلفزيون «دوجه» ان عبارة «المقاتل القوقازي ديمتري سوكولوف، غير أليفة على الاذان الروسية. سواء بين التيارات الاسلامية المتطرفة ام الآتية من شمال القوقاز، ام بين الروس المثقفين ام الغرباء. وكان اهل سوكولوف، شاركوا في برنامج تلفزيوني للبحث عن الاشخاص الضائعين، سعياً وراء معرفة شيء عن ابنهم بعد ان فقدوا اي اتصال به.
ووجد المحققون، تحت الباص الذي فجرّته هايدا اسيالوفا، في فولغوغراد، قنبلة يدوية، لم تنفجر.
وفي اطار هذه العملية، يلاحظ المراقبون ان آسيا لم تكن تنتمي الى جماعة «الارامل السوداوات»، اللواتي كن ينفذن عمليات انتحارية، انتقاماً لمقتل احد اقاربهن، برصاص العسكر الروسي.
والقاعدة تغيرت مع عملية الاوتوبوس، لان هايدا كانت تعرفت الى «مرشدها» على مقاعد الجامعة في موسكو، وكانت هي التي ادخلته الى الاسلام، وجندته ارهابياً. بينما تقول امها العكس.
ولا يعرف  شيء عن مسار ديمتري، قبل ان يتعلم العربية، في احد جوامع موسكو، واعتماده اسم عبد الجبار، وملاحقته من قبل الشرطة لاشتراكه في عمليتي تفجير.
والمعروف، ان روسيا، تعتمد يداً حديدية في التعاطي مع سعي المجموعات الراديكالية، الى تأسيس دولة اسلامية في القوقاز، فالمواجهات تدوم منذ سنة 1994، ويشكل ظهور اسماء اشخاص مثل هايدا، سبباً لمخاوف اكبر للروسي العادي. بينما اشارت ارقام بثها تلفزيون «ر. ت» ان عدد الذين ماتوا في اعتداءات على وسائط النقل العام في روسيا، زاد عن 300 خلال العقد الاخير.
ويذكر ان هجوماً ارهابياً على سيارة نقل عام في سنة 2007، في مدينة تولياتي، قتل ثمانية ركاب، واذا كانت عمليات «الارامل السوداوات» غير جديدة في شمال القوقاز، فان موسكو، تتذكر في صورة خاصة، عملية وقعت في اذار (مارس) 2010 فكانت عملية انتحارية، على حافلتين من قطار الاعماق في موسكو، قتلت 40 شخصاً، تاركة صورة وحشية في اذهان الروس، على
يد فتاة في السابعة عشرة، اسمها جانيت عبد الرحمنوف، واخرى في العشرين، اسمها ماريا اوستارخانوفا.

 جيش حقيقي
والمعروف ان الاصوليين الاسلاميين في الشيشان، وسائر جمهوريات القوقاز، يعتمدون نسوة في تنفيذ عملياتهم الارهابية، منذ سنة 2000.
وتعتبر خافا باراييغا، اول «ارملة سوداء» منذ ان انتحرت في تلك السنة، مفجرة نفسها بر فقة جنديين روسيين، انتقاماً لاعتدائهما جنسياً على شقيقتها، والذي تخافه موسكو، هو وجود جيش من مئات الارامل السوداوات جرى تجنيدهن في اوساط عائلات اسلاميين في القوقاز، مات رجالهن في ميادين القتال، وكان القائد السلفي الشيشاني، مولادي اودوغوف ، هو الذي اطلق هذا التوجه، ساعياً الى تجنيد جيش من 500 يائسة، من اجل الانتقام بعمليات انتحارية.
ولا يمكن ان نفهم نجاحه في مسعاه، من دون الاثر الذي يتركه في تلك المجتمعات التقليدية، مقتل احد اعضاء العائلة، فكانت فكرته، رداً على استعراض القوى المدمر، الذي اطلقه رئيس حكومة روسية جديدة اسمه فلاديمير بوتين، في حرب الشيشان الثانية، في سنة 1991، فقتلت او اجلت عن المنطقة كل من كان في سن القتال.
واعتماد النسوة في عمليات انتحارية، له فوائد تكتيكية، لانهن يثرن شكوكاً حولهن، اقل من الرجال، وفي استطاعتهن اخفاء المتفجرات، في شكل اسهل، اضافة الى ان من شأن تنفيذ العمليات الارهابية بواسطتهن، ان يترك تأثيراً اكبر على الروس، وخصوصاً في صفوف الجهاديين، مما يسهل تجنيد متطوعين جدد، اما الصدى الخارجي لعملياتهن فلا حدود له.
والتأثير اكبر، عندما تكون الانتحارية آتية من داغستان، وتمكنت من تجنيد رجل سلفي، من موسكو، اسمه  ديمتري، وانذار بان التطرف الاسلامي في روسيا، يمكن ان يعادل التطرف المماثل الذي سجل في لندن، ويطاول هنا، كما هناك، اوساطاً مثقفة وجامعية.

الحقد الاعمى
والحقد الاعمى الجديد، الذي يغذيه تطرف  ديني، اضحى موجهاً، بلا تمييز الى العسكر والمدنيين والسلطات، التي ترد بعنف وحقد على المجموعات الراديكالية، مثلما ظهر في الهجوم الذي شنته مجموعات راديكالية على مسرح دوفروفكا، في  موسكو في سنة 2002، وشاركت فيه «ارامل سوداوات».
ودل تخطيط الاعتداء على مسرح موسكو، وتطوراته على ان المهمة كانت انتحارية، صرفة، قادها موسار باراييف احد اقارب «الارملة السوداء» الاولى.
وتحولت «الارامل السوداوات»، الى علاقة فارقة عالمية، عندما شاهدهن العالم، جثثاً ممددة على خشبة المسرح، موشحات بالسواد، وقد وضعت ايديهن على افواههن، في محاولة للحماية من الغازات التي امطرها رجال الامن الروس، عليهن فاصابت سائر من كان في المسرح، بينما كانت اجساد «الارامل» مدججة بالمتفجرات.
وتولت الارامل، خطف  طائرة، في آب (اغسطس) 2004، ونفذن عملية ضد محطة الاعماق في موسكو، وضد جمهور حفل لموسيقى الروك، في احد مطارات موسكو، في سنة 2005.
اكثر من ذلك، غطى صدى، عملياتهن على ما قام به رجالهن، فاستحققن لقب «جهيكداس» و«خطيبات الله» واكثريتهن في سنة مبكرة من العمر.
بينما يعتقد بحاثة انه يجري تدريب هؤلاء النسوة على العمليات التي تتولاها بل ويجري دفعهن للقيام بها، وحتى حقنهن بالمخدرات.
واما العملية الاخيرة، التي نفذت بواسطة داغستانية، سمراء اللون، سوداء العينين، ومحجبة، فمن شأنها ان تعطي الروس، وغيرهم، سبباً جديداً للخوف والشك.
فالروس خائفون، ويعرفون ان دماء جديدة ستسيل على ارضهم.

جوزف صفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق