أبرز الأخبارملف

الايجارات في لبنان فوق الريح… واسألوا عن النزوح السوري!

هم حتماً لم يقرروا مصير نزوحهم  ولم يفكروا يوماً بأنهم سيقفون على باب صديق أو سمسار للتفاوض على سعر سقف آمن يأويهم وعائلاتهم. لم يخططوا لهذا اليوم ولم يقرروا ما اذا كان البيت قبل «التخشيبة» أو ربما ينقضي الأمر بالإقامة في خيمة! هم كما كل شعب دخل دوامة الحرب ليصيروا على لائحة النازحين، أو المهجرين، يعني لا بيت لا دفء ولا حتى خصوصية حرمات الجدران الأربعة. وفي وقت كان يفترض أن يكون الكلام عن قانون إيجارات جديد ينصف المالك كما المستأجر اللبناني، اذا بأصوات المالكين تخفت لتعلو صرخة المستأجر اللبناني على واقعة ارتفاع معدل الإيجارات، خصوصاً في الأحياء الشعبية. هي مسألة عرض وطلب؟ انها كل القصة. ومتى علمنا أن الطلب مركز من فئة النازحين السوريين، تصبح المعادلة أقرب الى الحزورة. فالمالك اللبناني يستفيد للمرة الأولى منذ تاريخ بداية الحرب اللبنانية، والنازح السوري يستفيد من «جشع بعض المالكين» ويدخل البيت أو المحل مع عشرة أفراد أو أكثر. نسيتم المستأجر اللبناني؟ قد يكون التالي على لائحة النازحين في الداخل اللبناني!

كان يفترض أن يكونوا هناك، في دمشق وحلب ودرعا ودير الزور ومخيم اليرموك وريف دمشق و… لكنهم هنا في لبنان، كل لبنان. مليون و200 ألف نازح سوري. وإذا سلمنا أن نصف العدد يسكن في منازل شرعية، والآخر في الخيم او العراء أو تحت بيت الدرج، فهذا يعني أن ما يقارب 300 ألف نازح سوري يقيمون بالإيجار في لبنان. وقد يكون أكثر عملياً، لأن العقد الذي يوقع بإسم رب عائلة واحدة يتحول مع الأيام إلى 3 أو 4 عائلات. ويصار إلى اقتسام مجموع الإيجار على الأفراد يعني على ما لا يقل عن 15 شخصاً. وبذلك لا يتجاوز مجموع المبلغ المفروض على كل نازح مقيم 34 دولاراً.
بالنسبة إلى المستأجر اللبناني المعادلة تختلف. فرب البيت واحد وقد يكون عاملاً أو موظفاً. وإذا «نقشت» معه يكون هناك فرد واحد أو إثنان على أبعد تقدير يساعدانه في تحصيل مصروف العائلة. إذاً الفرق واضح. كل هذا فتح شهية بعض المالكين الذين بدأوا ينتقمون لقانون الإيجارات القديم. فاستغلوا موجة النزوح وعمدوا إلى رفع معدل إيجار الشقق وحتى المحال التجارية وصولاً إلى التخشيبات!

اعلانات على الحدود
الوضع على الحدود اللبنانية – السورية لا يزال على حاله لجهة أعداد النازحين وتغير بورصة الأرقام بحسب حدة المعارك في الداخل السوري. لكن شيئاً ما بدأ يتظهر على هذه الحدود ويؤشر الى امتداد الأزمة. ومن هنا تبدأ القصة.
مجرد اجتيازهم المعابر وتحديداً نقطة الأمن العام يستوقف النازحين مشهد بعض الأشخاص الذين يحملون منشورات ورقية تتضمن إعلاناً عن شقق مفروشة واخرى فارغة جاهزة للسكن. الشقق موزعة في المبدأ بين مناطق البقاع وبحمدون وبيروت. لكن العاصمة تقع في آخر المنشور وقد لا يرد إسمها في بعض الأوراق لأن السمسار يتكل على حنكة النازح وعلاقاته الإجتماعية و…الأمنية.
وإذا وضعنا تصنيفاً طبقياً لهذه الأعداد، يتبين أن الحرب في سوريا هجرت الأثرياء ومتوسطي الدخل والفقراء نحو لبنان، حيث بات المشهد مختلفاً عما كان عليه قبل اندلاع الحرب، خصوصاً أن الأثرياء منهم والطبقة الوسطى كانوا يشكلون النسبة الأكبر من السياح السوريين. اليوم  باتوا من الملاكين في ارقى الأحياء البيروتية. أما العمال السوريون الذين كانوا يدخلون بصورة دورية فباتوا من ملاكي الخيم والتخشيبات. ندخل في التفاصيل.

 

 

بحمدون وبيروت للاثرياء
بحمدون وبيروت الإدارية أصبحتا مقر إقامة أثرياء سوريا. الغالبية تستأجر قبل مجيئها إلى لبنان من خلال وسطاء أو سماسرة عقاريين. أما كلفة الإيجار فتدفع سلفاً أو على مرحلتين لكن من دون مساومة على السعر الذي يراوح بين 15 و19 ألف دولار سنوياً. ولأن شقق بيروت المطلة على الواجهة البحرية او تلك الواقعة بين الروشة وعين المريسة تشبه إلى حد ما بيوت دمشق العريقة،  فضلت بعض العائلات شراءها على رغم سعرها الذي لا يقل عن المليوني دولار كحد ادنى! المهم ضمان سلامتهم وسلامة أولادهم.
متوسطو الدخل من النازحين السوريين يقيمون اليوم في مناطق أقرب إلى الحزام المحيط ببيروت، أو ضمن المدن الساحلية الممتدة من طرابلس إلى صور، أما قيمة الإيجار فتراوح بين 500 و1000 دولار شهرياً. وقد أدّى هذا الطلب على الشقق إلى ارتفاع كلفة الإيجار السكني بصورة كبيرة ليصبح باهظاً، إذ ازداد بمعدل نقطتين مئويتين أي من نسبة 4 في المئة من سعر الشقة إلى 6 في المئة كحد أدنى.
انحسار موجة دخول العائلات السورية إلى لبنان، لا يعني توقف البحث عن شقق سكنية. فالأجواء توحي بأنها مستمرة ولن تنتهي قريباً، مما يتطلب تأمين المسكن البديل على الأقل ليكون جاهزاً عندما تدق ساعة الصفر. إلا أن ذلك دونه عقبات وعراقيل، وأكلاف مالية. نازح سوري اكد انه دفع بدل إيجار سنوي لشقة في منطقة الأشرفية، مبلغ 75 ألف دولار. وهي كناية عن غرفة نوم ومطبخ وحمام وغرفة استقبال.

فنادق البقاع المسكن الموقت
أما عند الطبقتين الفقيرة والمتوسطة من الوافدين، فتتعاظم مأساة النزوح. فمنهم من لم يجد مكاناً أفضل من افتراش أراضي المساجد، أو الأديرة بعدما أجبر على مغادرة المدارس والنزوح منها مع انطلاق السنة الدراسية. ويفيد أحد السماسرة في منطقة البقاع أن غالبية العائلات السورية النازحة إلى منطقة زحلة تنتمي إلى الطائفة الكاثوليكية. ويتوزع أفراد العائلات النازحة إلى المدينة بين الفنادق والشقق المفروشة، إضافة إلى المجمعات الدينية – الاجتماعية، التي تتبع المطرانيات في زحلة، عدا عن استقطاب عدد من العائلات الزحلية لأقاربهم.
اما الفنادق في منطقة شتورة والتي كانت ملاذاً للنازحين السوريين حيث وصلت نسبة الإشغال فيها إلى 80 في المئة بعد تفجير دمشق لتعود وترسو على نسبة تراوح بين 40 و50 في المئة، فخفضت أسعار الغرف إلى حدود الـ 35 في المئة، عما هي عليه في الفترة الحالية من السنة.  لكن الثابت أنها تحولت إلى مسكن مؤقت للعائلة النازحة التي تجهد في سبيل البحث عن منزل تستأجره. أما ما تبقى من شقق ومساكن للإيجار في قرى البقاع، فقد تضاعف سعرها مرة أو مرتين، كما يقول عدد من النازحين السوريين، الذين وجدوا أن إقامتهم في بعض الفنادق أوفر من كلفة إيجار شقة سكنية.

مساومات على «هوى» المنطقة
في بيروت والضواحي المسألة تختلف، أقله لجهة المساومة. لكن حتى على المساومة هناك شروط بحسب البقعة الجغرافية. السمسار العقاري إيلي واكيم  نفى أن يكون هناك ارتفاع في معدلات الإيجار لا سيما في المناطق المتوسطة والراقية. «على العكس هناك مساومات تحصل على بدلات الإيجار. فإذا طالب المالك بقيمة 12 ألف دولار كبدل إيجار سنوي في إحدى مناطق بيروت يدفع النازح السوري 8000 دولار وإذا طالبه بمبلغ 25 ألف دولار يدفع له 18 ألفاً. الكحل أفضل من العمى ولكن…
ولفت إلى ان عملية استقطاب النازحين تتوقف على «هوى» المنطقة الشعبي والسياسي. ففي المناطق «المنفتحة» على السوريين تحصل المساومات ويرضى المالك بالتنازل عن جزء من المبلغ الذي يفرضه على العائلات السورية النازحة. أما في المناطق المنغلقة على نفسها او الرافضة لمبدأ إدخال النازحين السوريين إلى منطقتها فلا مساومة على السعر. وعلى العكس قد يطلب المالك سعراً خيالياً بهدف تطفيشه.
ندخل في عمق الأحياء الشعبية وتحديداً الى برج حمود والنبعة وسن الفيل… فبدلات الإيجار ارتفعت بحسب مساحة الشقة، واللبناني الذي كان يتكبر على النعمة التي يقدمها له المالك من خلال تأجيره مسكناً من غرفة نوم وحمام ومطبخ بقيمة 300 دولار، بات يتندر على شقة بهذا السعر، ويبحث عن مثيل لها بالسراج والفتيل. أما المالك فلعبها بشكل ذكي.
فالشقة التي كان يؤجرها للبناني بـ 300 دولار صارت بـ 600 دولار. لكن المستأجر ليس مجرد عائلة سورية نازحة  إنما 3 عائلات وربما أربع. واللافت أنه في بعض الشقق المفتوحة على بعضها، يعمد النازحون إلى فصل الغرف بسواتر من قماش أو بالخشب للإحتفاظ بخصوصية البيت والغرفة!  وتساءل واكيم عن دور قسم الصحة في البلديات ومسؤولياته في مراقبة ما يحصل داخل الشقق الواقعة ضمن صلاحيات بلديتها، خاتماً أن معدل الإيجارات في المناطق الشعبية ارتفع بنسبة 30 في المئة بسبب ارتفاع الطلب عليها، فيما نرى ان أسعار العقارات لا تزال على سقفها، وأكد أن هذه «الفوضى» مرحلية، وتنتهي مع عودة النازحين السوريين إلى بلدهم.

بحمدون: تدابير وقانون
معاناة المالكين مع المستأجر السوري لا تتوقف على المساومة على الأسعار. رئيس بلدية بحمدون أسطا ابو رجيلي أكد ان إيجارات الشقق المفروشة في بحمدون تراوح بين الألف و1500 دولار. ومع ذلك يكتشف المالك أنه واقع في خسارة نهاية الشهر لأن كلفة الكهرباء والموتور والماء تقع على صاحب الملك. ومما يزيد من كلفة الإستهلاك وجود أكثر من عائلة في الشقة هذا من دون احتساب كلفة المازوت للتدفئة في فصل الشتاء.
بعض النازحين السوريين وتحديداً سكان دمشق وريفها عمدوا إلى استئجار شقق على رغم عودتهم إلى سوريا. لكنهم على الأقل حجزوا المفتاح في حال اضطروا إلى النزوح فجأة من بيوتهم. وتقتصر الزيارة في الأيام العادية على الأعياد وعطلة نهاية الأسبوع. أما كلفة إيجار الشقة فلا تقل عن 1500 دولار شهرياً.
وتفادياً للوقوع في خسارة أو تحميل بلدية بحمدون المسؤولية لاحقاً عن الخسائر التي تترتب على المالك، عمدت البلدية بشخص رئيسها إلى فرض قانون يمنع فيه تأجير أكثر من عائلة مؤلفة من 6 أشخاص في شقة تتألف من غرفتي نوم وحمام ومطبخ وتوابعها. معادلة منطقية لكن ماذا لو لم يلتزم بها المستأجر وكذلك المالك إذا تمت التسوية على أساس «قرشين بالزايد»؟ يجيب أبو رجيلي فليتحمل عندها كامل الخسائر والرسوم التي سيتكبدها بعدما حددت البلدية رسم 100 دولار عن كل شخص إضافي عن المعدل المطلوب بحسب مساحة الشقة.


استفسار حول انتماءات المستأجرين
من بحمدون نعود إلى بيروت وتحديداً إلى المناطق التي تحولت شققها ومحالها التجارية إلى مساكن مكدسة بالأجساد البشرية. واللافت أن التوزيع يتم حسب هوية النازحين. فمن ينتمي إلى النظام يختار البقعة التي يشعر انه غير مهدد فيها وكذلك الحال بالنسبة الى النازحين المعارضين للنظام. لكن عندما تدق الساعة يصبح الكل على مسافة واحدة. من هنا قد نجد في البيت الواحد عائلة موالية للنظام واخرى معارضة. وهذا ما ادى الى حصول خلافات داخل البيت الواحد كما يقال، مما استدعى أصحاب الملك الى الإستفسار عن هوية وانتماء كل مستأجر سوري لضمان سلامته  وسلامة المحيط.
قانوناً لا يمكن محاسبة اي صاحب ملك على الرقم الذي يضعه. فقانون الإيجارات الصادر في العام 1982 والذي قضى في تحرير الايجارات يسمح في تأجير المالك مسكنه لمدة سنة على أن تمدد لفترة 3 سنوات بعدها يصار إلى تعديل قيمة الايجار او الابقاء على القيمة بحسب رغبة المالك. ويقول المحامي موريس حمصي أن الإيجابية الوحيدة تتمثل في التعويضات التي هبطت على المالكين بعدما كانوا يئنون من ظلامة قانون الإيجارات اللبناني. لكن ماذا عن المستأجر اللبناني الذي يدفع بدوره الثمن مضاعفاً؟ يجيب المحامي حمصي: «لا أعتقد أن اللبناني تأثر لأنه يملك هامشاً من الخيارات. المهم ان هناك فئة من المالكين تستفيد. وهذه فرصة مرحلية. فإما ان يتريث حتى تتوضح الصورة في سوريا أو يضحي قليلاً. في النهاية هناك دائماً ضريبة سيدفعها طرف ما. المهم في القصة أن الطرف الآخر يربح».

مسؤولية البلديات
البلديات غير مسؤولة عن عملية تأجير النازحين السوريين وهي لم تتدخل يوماً في هذه المسألة لأنها خارج نطاق صلاحياتها. لكن لماذا يمنع على اللبناني أن يسكن معه إبنه أو أحد أفراد عائلته، ويسمح في المقابل للنازح السوري بأن يتقاسم الشقة التي استأجرها مع عائلتين أو ثلاث. القصة إنسانية بحت؟
سنسلم بهذا الأمر. لكن المخاطر التي تترتب على ارتفاع عدد سكان الشقة الواحدة باتت تطرح أكثر من علامة استفهام مما يحتم تدخل البلديات اولاً لجهة فرض رسوم إضافية على كل مستأجر أو «من يستأجر الشقة» لأن هناك استهلاكاً إضافياً لشبكات الصرف صحي وتزايد كميات النفايات ونظافة الشوارع. نصل إلى السلامة العامة لا سيما في المباني التي تتضمن مصاعد كهربائية ولا تستوعب حمولتها اكثر من اربعة أشخاص. وهنا يكمن الخطر في حال حصول عطل ما بسبب زيادة الحمولة وكثرة الإستعمال إضافة الى المخاطر التي يمكن ان تنتج في حال حصول حريق في المبنى لا سمح الله، فنسبة الخسائر في الأرواح ستكون مضاعفة طبعاً والمطافىء المجهزة لن تفي بالمطلوب مع اتساع رقعة السكن ووصولها إلى المحال التجارية وغرفة الناطور او المستودع أو حتى المواقف السفلى!
في دراسة ميدانية وضعها عدد من السماسرة تبين ان هناك عدداً كبيراً من السوريين من الطائفة الآشورية يعمدون إلى شراء عقارات في مناطق عنجر. ويتركز الطلب على اراضٍ زراعية بهدف استثمارها في المستقبل. ويؤكد السماسرة أن العائلات التي استأجرت شققاً في مناطق راقية من دون أن تسكنها هي في غالبيتها من الطائفة المسيحية وتحديداً من الطائفة السريانية، والغالبية قدمت طلبات هجرة إلى كل من السويد والمانيا وتنتظر التأشيرة لتوضيب الحقائب والرحيل عن هذا الشرق الذي غالباً ما يدفع ثمنه المسيحيون وحدهم.
فهمتم القصة على الطريقة اللبنانية؟.

جومانا نصر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق