سياسة عربية

العراق: قانون الانتخاب الجديد يفجر ازمة سياسية خانقة

كما كل امر او تطور في العراق، تحول قانون الانتخاب العراقي الجديد الى ازمة سياسية جديدة، اضافة الى لائحة الازمات الشائكة ذات الطابع السياسي والامني التي توشك على الخروج من نطاق الحصر والعد!

منذ اكثر من خمسة اشهر، يخفق البرلمان العراقي في اقرار هذا القانون المنتظر المفترض ان يكون قاعدة للانتخابات التي لا يفصل العراق زمنياً عنها اكثر من سنة ونصف السنة. فمن تأجيل الى تأجيل، يبقى القانون من دون اقرار وتبقى اصوات ممثلي جميع الكتل والاطراف السياسية تؤيد هذا الارجاء من باب ان القانون يحتاج الى توافق سياسي وان هذا التوافق يلزمه ليتم وقت اطول.
واللافت ان الخلافات بين الكتل والاطراف لا تشمل جوهر القانون فقط، بل وحتى شكله. والسؤال المطروح: لماذا يستعصي على العراقيين اقرار قانون انتخاب جديد ينظم العملية الديموقراطية في بلادهم، وهم الذين سبق لهم ومنذ سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، نزلوا 3 مرات الى مراكز الاقتراع التي نصبت في طول البلاد وعرضها، وادلوا بأصواتهم وانتجوا  3 برلمانات متتالية بإشراف دولي وبشهادات اكدت نزاهة معقولة لهذه الانتخابات، مما دفع العراقيين الى الاستبشار بأنهم ولجوا عتبة المسار الديموقراطي الصحيح بعدما حرموا عقوداً من التعبير صراحة عن ارائهم وانتخاب ممثليهم وممارسة اللعبة الديموقراطية وتداول السلطات بكل مواصفاتها وموجباتها.

صراع على المستقبل
الواضح ان الصراع الدائر حول قانون الانتخابات الجديد، هو في جوهره صراع على مستقبل الوضع في العراق، واستطراداً صراع حاد على هوية العراق وعلى من يقبض على زمام الامور في هذا البلد الذي وعده الاميركيون، ووعد نفسه بعهد من الامان والاستقرار والحرية السياسية وانفتاح الديموقراطية على كل آفاقها، فخابت آمالهم وغرقوا في واقع آخر مختلف عنوانه العريض انقسام حاد وصراع حاد، وانفلات امني وفساد سلطوي وانهيار للادارة ولمنظومة القيم الاجتماعية وتصدع في النسيج الوطني للبلاد، فصارت اكبر دولة في المشرق العربي مساحة وعدداً، واغناها بالثروات والطاقات، وزاخرة بالوعود، دولة ضاربة في الفساد، ونموذجاً من النماذج السيئة للحكم والادارة، فضلاً عن التردي الامني حيث ضربت الرقم القياسي في عدد السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية في يوم واحد.
وبناء عليه، كان من الطبيعي ان تدور خلافات بهذه الحدة حول وضع قانون انتخاب جديد، فهو بشكل او بآخر يعكس صراعاً بين مجموعة تريد ابقاء الوضع في العراق وتوازنات القوى ومعادلات السلطة على النحو الذي انتجته انتخابات عام 2001 الاخيرة، ومجموعة اخرى تريد ان تحدث تحولات في هذه التوازنات والمعادلات عبر قانون انتخابي جديد.
لذا، لم يكن غريباً على الاطلاق ان تتقاطع الاوساط السياسية والاعلامية العراقية على اختلاف توجهاتها حول مسألة واحدة، وهي ان الخلاف ليس حول بند او بندين او فصل او فصلين، بل حول كل البنود والفصول، لدرجة ان البعض قال امام حماوة المشهد وحدة الخلافات، وكأن النخبة السياسية العراقية هي لتوها في طور التأسيس لنظام سياسي وديموقراطي وانتخابي جديد تماماً.

حلان اساسيان
وحيال ذلك الانقسام والخلاف، ثمة من طرح حلين اساسيين:
الاول: وهو من اقتراح ائتلاف دولة القانون، وينطوي على فكرة العودة الى قانون عام 2010، وهو الذي على اساسه جرت آخر انتخابات عامة في العراق.
الثاني: تأجيل موعد الانتخابات الى اجل غير محدد في انتظار انضاج تفاهمات.
وحسب المعطيات والوقائع، فإن فكرة العودة الى القانون عام  2010، تواجه باعتراض الكتلة الكردية التي تبدي شراسة في هذا المجال، فيما باقي الكتل بدت في وضع الراضي به اذا ما سدت السبل امام ايجاد قانون جديد او ادخال تعديلات جديدة.
اما بالنسبة الى موضوع تأجيل موعد الانتخابات، فالواضح ان هناك من يرفض حتى مجرد مناقشة الفكرة من اساسها، انطلاقاً من مبدأ ان موعد هذا الاستحقاق لا يمكن تغييره مهما كانت الظروف، ويأتي ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي في مقدم المتبنين لهذه الفكرة.
واللافت ايضاً ان الخلاف حول القانون المطروح للتصويت عليه في البرلمان منذ اشهر عدة، وصل الى عمق الائتلاف العراقي الوطني الذي يضم كل القوى والاحزاب والتيارات الشيعية على الساحة العراقية، وهو الائتلاف الذي يشكل الحاضنة السياسية للمالكي وحكومته ويقيه من الهجمات والصدمات العديدة التي تعرض ويتعرض لها منذ اعتلائه للمرة الثانية سدة المنصب السياسي الاهم في هرم السلطة في بغداد.
فالواضح ان التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر يريد ضمانة اساسية لا يكتمها اطلاقاً وهي الحيلولة دون توافر ظروف ومعطيات للمالكي للعودة الى منصبه الحالي للمرة الثالثة على التوالي، اضافة الى مطالب اخرى عبر عنها الصدر مراراً من خلال تمايزه في سلوكه السياسي عن نهج المالكي، وانحيازه الدائم الى كل مشاريع المعارضة لرئيس الحكومة العراقية.

تصرف المالكي
وعموماً، فإن المالكي ومن يسير في ركبه يتصرف على اساس ان اقرار القانون الموعود خلال مهلة زمنية تمتد الى آخر الشهر الحالي، هو بمثابة انتصار آخر سجله على خصومه السياسيين الذين يتصرفون من جهتهم على اساس ان الحيلولة دون اقرار القانون بصيغته المعروضة على البرلمان واجبار المالكي على الدخول في بازار المساومات والتعديلات والاضافات هو بمثابة ليّ ذراع المالكي.
ولم يعد خافياً ان خصوم المالكي في بغداد، يتكلون في عملية عرقلة اقرار القانون على اعتراض الكتلة الكردية دون سواها، انطلاقاً من مقولة ان ليس بالامكان تمرير القانون داخل البرلمان العراقي اذا ظلت الكتلة الكردية على معارضتها، او اذا هي انسحبت من جلسة اقرار القانون.
ومن جهته، فإن المالكي وفريقه السياسي لا يعتقدان ان الطرف الكردي سيمضي قدماً حتى النهاية في معارضته للقانون، انما هو يصعد في مكان ليحصل على مكاسب سياسية في مكان آخر، كدأبه دوماً في المحطات المصيرية في مسيرة العملية السياسية الطويلة والمعقدة في العراق.
وعليه، فإن ثمة رهانات ضمنية لدى فريق المالكي، بأن الطرف الكردي لن يغامر في الذهاب الى حد القطيعة معه، ومع ما يمثله من قوى واطراف.
ففي الاعوام الاربعة الاخيرة، برزت خلافات وتباينات حادة حول العديد من القضايا والملفات بين الطرف الكردي وتحديداً الفريق الاقوى، اي فريق رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني مسعود البرزاني، وبلغت احياناً مستويات غير مسبوقة، وخصوصاً عندما دخل البرزاني كرأس حربة في الجبهة السياسية العريضة التي تشكلت وسعت بكل جهدها الى سحب الثقة من المالكي، تمهيداً لاخراجه من الحياة السياسية، لكن الامور لا تلبث ان تعود الى سيرتها الاولى من الانسجام والتوافق والتفاهم على ما هو مختلف عليه.

اختبار للوضع السياسي
وسواء صحت هذه الرهانات ام انها خابت، الا ان الثابت ان معركة اقرار قانون الانتخاب الجديد في البرلمان العراقي هي منذ فترة بمثابة اختبار جديد للوضع السياسي العراقي وتحد جديد امام القوى والاطراف السياسية في العراق، اذ لم يعد خافياً ان عدم امرار القانون في مجلس النواب في موعده المعقول والمنطقي، سيشكل ولا ريب في نظر العراقيين وفي نظر العالم اجمع ضربة جديدة للنخبة السياسية العراقية المشاركة في الحكم وفي القرار، او تلك التي تضع نفسها في خانة المعارضة والرفض التام للواقع السياسي الحالي.
وسيشكل ايضاً تحدياً جديداً لهذه النخبة، وخصوصاً انها وعلى مدى الاعوام الاربعة الماضية، اخفقت هذه النخبة في ادارة لعبة الحكم والسياسة في البلاد، رغم انه اتى حين من الدهر ودخلت كل القوى والائتلافات والكتل السياسية العراقية، بما فيها «القائمة العراقية» بزعامة اياد علاوي في حكومة واحدة، مما شكل بالنسبة الى الكثيرين علامة الرضا والقبول بلعبة المحاصصة الطائفية من جهة، وبالاقتناع ولو على مضض بحقيقة ان نتائج الانتخابات الاخيرة، لا تحدد هي اسم رئيس الحكومة.
ورغم ذلك سرعان ما اصيبت هذه التجربة بالصدمات والخيبات، اذ ما لبث ان اوشك الائتلاف الحاكم على الانفراط وظل المالكي وحلفاؤه وحدهم في المواجهة، فعجزت المعارضة عن اسقاط المالكي كما عجزت في السابق عن سد الابواب امام عودته ثانية الى رئاسة الحكومة.

ازمة جديدة
والى جانب هذا التضعضع السياسي، والهشاشة في الادارة والحكم، أضيفت ازمة جديدة ثقيلة الوطأة على الساحة العراقية، تجلت في تأثر الساحة العراقية باللهيب المتأتي من الساحة السورية المجاورة، اذ بدا جلياً وكأن العراق صار في قلب اللعبة وفي عين العاصفة، فعاد الهم الامني ليفرض نفسه واقعاً اليماً على كل العراق، اذ عادت السيارات المفخخة بالجملة لتنفجر بالعشرات يومياً، وعادت مناخات الاحتراب الاهلي ومظاهره لتتكرر هنا وهناك، مما اعاد الى الاذهان صورة المشهد العراقي المحتدم والمضطرب الى اقصى الحدود بين عامي 2006 و2008.
مهما يكن من امر، فإن الصراع على قانون الانتخاب يستبطن صراعاً على مستقبل الوضع في العراق تحت وطأة موجات العنف والدمار والقتل.. والخوف كل الخوف ان يستمر هذا المشهد الدامي ويصير هو سمة الوضع العراقي.

ابرهيم بيرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق