صحة

«أجيال سليمة» تنمو بلا سمنة!

«أوف أوف أوف… تبولة صنع بلادي أكلة أهلي وأجدادي رح منكمل هالعادي وعن أكلا مش رح نتأخر.. أوف أوف أوف… حرك جسمك يا بنيي لازم تركض يوميي رح تعرق زيد الميي بدك ليترين وأكتر»… هو مقطع قصير من زجلٍ جميل قدمه أطفال شاركوا في برنامج «أجيال سليمة»، والأجيال السليمة تعني غذاء سليماً وسلوكاً حسناً ورؤى واضحة نحو مستقبل زاه زاهر… فماذا بعد الأوف؟

ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها كل من يعنون بالأطفال وبثقافتهم وصحتهم وتطورهم الفكري في لقاء واحد، جامع، هادف. فقبل 2013 طُبق برنامج «أجيال سليمة» في لبنان على مدى ثلاثة أعوام جامعاً أيضاً كل من يفقه أن أمام الطفولة مستقبلاً، والمستقبل بلا أجيال سليمة: صفر!
التقت وزارة التربية والجامعة الأميركية في بيروت و«نستله» لإعلان نتائج عام مضى والتأسيس لسنة دراسية جديدة… فإلام تمخض البرنامج؟ ماذا حقق في عام أفل؟ ماذا حقق في ثلاثة أعوام أفلت؟ وماذا يُفترض أن يحقق بعد وبعد؟

العادات الغذائية تحسنت
أكثر من أربعة آلاف طالب في المدارس الرسمية والخاصة استفادوا من برنامج «أجيال سليمة» الذي أطلقته الجامعة الأميركية في بيروت و«نستله» بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي. ولأن كل ما هو جيد يفترض أن يُعمم، تمدد البرنامج الى دول شرق أوسطية وصولاً الى الإمارات العربية المتحدة وهذا، في حد ذاته، يبعث على المزيد من التفاؤل.
ماذا حقق لبنان وحثّ الدول المجاورة على المشاركة في البرنامج؟
الدراسات كلها أتت ايجابية ودلت على أن العادات الغذائية تحسنت ومعرفة الأطفال الذين شاركوا في البرنامج زادت نحو ثلاثة أضعاف عن الآخرين. وفي المعلومات أن تناول رقائق الشيبس انخفض عند هؤلاء نحو ستين في المئة وانخفض معدل شراء المشروبات الغازية نحو 35 في المئة، وتدنى معدل استهلاك المشروبات المحلاة بنسبة 56 في المئة. وارتفعت معدلات استهلاك هؤلاء الأطفال من الفاكهة والخضار الى حصتين يومياً، أكثر بمرتين من التلاميذ غير المشاركين.
عميدة كلية الزراعة والعلوم الغذائية في الجامعة الأميركية الدكتورة نهلا حولا شاركت والى جانبها جلست اختصاصية التغذية كارلا مراد وممثلة وزارة التربية
والتعليم العالي صونيا خوري ومديرة برنامج نستله أجيال سليمة في الشرق الأوسط كارين أنطونيادس، وبدأن بإعلان ما تأتى عنه البرنامج من أرقام ونتائج والأسباب التي دفعت الى هكذا برنامج… فماذا بداية عن الأسباب؟


في مواجهة السمنة
أظهرت الدراسات العالمية ان ثلاثين في المئة من الأطفال المصابين بالسمنة قبل سن المدرسة، وأربعين في المئة من المصابين بها في سن المدرسة، وثمانين في المئة من المراهقين الذين يعانون من السمنة يبقون سمينين حين يصبحون راشدين. وما يُقلق أكثر هو أن معدلات السمنة في لبنان ارتفعت خلال الأعوام الإثني عشر الماضية لدى الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين ست سنوات و19 سنة من 10،2 في المئة الى 15،5 في المئة لدى الصبيان ومن 5،4 في المئة الى 6،9 في المئة لدى الفتيات. السمنة إذاً بين الصغار الى إرتفاع وإن كانت الفتيات أكثر حرصاً على التمتع بجسم سليم جميل اكثر من الفتيان.
لماذا إذاً أجيال سليمة؟
تجيب نهلا حولا: قمنا بمسح للسمنة في لبنان فوجدناها مرتفعة واكتشفنا أن الإستعداد للسمنة عند فئة المراهقين يكبر في دول الشرق المتوسط، وكلنا نعلم، تضيف، أن من يعاني من السمنة ترتفع لديه إمكانيات الإصابة بالسرطان والقلب والروماتيزم، وكل الأبحاث تشير الى أنه إذا تدخلنا في عمر المراهقة الذي تحدث فيه تغيرات جمة، مرنة، نخفف من الإصابة بالسمنة في عمر النضوج ومن الأمراض المزمنة في المرحلة العمرية المتقدمة.
ماذا فعل برنامج «أجيال سليمة»؟ كيف تصرف؟ وأي خطة ينتهج للخروج من الوضع السلوكي الغذائي السيىء؟
يتدخل البرنامج في المدارس، من خلال إعطاء الفئة العمرية بين 9 و11 سنة المفاهيم الحديثة لنشاط بدني جيد والتدخل لدى حوانيت المدارس من أجل الإمتناع عن بيع رقائق البطاطا المقلية والمشروبات الغازية بهدف دفع الطلاب الى تغيير عاداتهم تدريجياً. البرنامج نجح في الأعوام الثلاثة الأولى، بين 2010 و2012، وها قد انطلق خلال ثلاث سنوات جديدة تنتهي في 2015. وهو يُطبق في بعض المدارس لا في كل المدارس وهناك مدارس مقارنة لا يجري فيها البرنامج لكنها تُشارك في تحديد مدى فهم الأطفال في المدارس التطبيقية لمفهوم الغذاء السليم. ويبدو انه حين تمت المقارنة بين من خضعوا الى البرنامج والآخرين ظهرت النتائج حسنة، وفي هذا الإطار تشرح اختصاصية التغذية كارلا مراد: «إذا لم يكن الطفل يعرف ان عليه ان يتناول خمس حصص فاكهة وخضار يومياً فلن يأكل! لا يمكننا بكلام آخر أن نترك الخيار الى الطفل ان يعرف وحده هذا وينتهجه وحده. المعلومات الغذائية ضرورية والحث من أجل تطبيقها أيضاً ضروري». وتشرح مراد: «بحثنا عن الكفاءة الذاتية عند الأطفال لنرى مدى استعدادهم للمشاركة والاستيعاب والتطبيق، وقوينا مهاراتهم لتكون لديهم القدرة على التغيير، وبالفعل تدنى استهلاك الشيبس في المدارس نحو ستين في المئة. وزادت نسبة تناول الخضار والفاكهة مرتين في النهار».
دخل البرنامج الغذائي إذاً لأطفال المدارس بين سن التاسعة والحادية عشرة مرحلة جديدة، ستتشكل من 12 دورة تعليمية موزعة بين ثلاثة وأربعة أشهر، في مئة مدرسة تقريباً، خاصة وعامة، وذلك خلال ثلاث سنوات. وتشمل هذه الدورات التعلم التفاعلي وأنشطة التدريب العملي المتعلقة بالتغذية والأكل الصحي والنشاط الجسدي.

 

ارقام مذهلة
ما رأي وزارة التربية والتعليم العالي؟
يبدو أن الوزارة اندفعت في دعم هذا البرنامج بعد أن حصلت على أرقام مذهلة عن حجم السمنة وما قد تتسبب به من أمراض متكلة على إحصاءات تفيد بأن الأمراض غير المعدية قد تصيب 69 في المئة من السكان في البلدان النامية مع حلول سنة 2020، وقد ارتفعت هذه النسبة من 47 في المئة عام 1990 الى 56 في المئة عام 2000. ويبدو، أكثر من كل هذا، أن متلازمة الأمراض الأيضية، وهي مجموعة من عوامل الخطر القلبية الوعائية بما فيها السمنة وارتفاع ضغط الدم والكوليستيرول في الدم، تسود حالياً في لبنان لدى 47 في المئة من الأطفال و33 في المئة من البالغين!
من هو الطفل السمين؟
الطفل السمين هو من يزن طبعاً أكثر من عشرين في المئة من الوزن المثالي بالنسبة الى الطول والسن وجنس الطفل، علماً بأن زيادة الوزن السريعة لطفل ينمو، خصوصاً قبل وأثناء البلوغ، يجب ألا تدعو الى القلق الكبير مع وجوب المراقبة طبعاً.
ختاماً، هل بات في استطاعة أطفالنا التمييز بين سعرات الشوكولا الحلو وفوائد الفاكهة الطازجة؟ وماذا لو قدمنا لصغارنا قنينة لبن بلا دسم بدل قنينة مشروبات غازية؟ وهل حان الوقت كي نقول لفلذات أكبادنا: إذا أتيتم بعلامة مدرسية مميزة سنقصد النادي الرياضي ونلعب كلنا بدل أن نقول، ما اعتدنا عليه سنوات وسنوات: سنقصد كلنا متجر الطعام السريع ونأكل ما نشاء؟
الأطفال الذين شاركوا في البرنامج حسموا كل الإجابات كما بدأوا… زجلاً:
«أوف أوف أوف… مشاكلنا بدنا نحل نتعاون دوماً والكل الأكل الصحي شو بيفيد شو منعمل حتى نكبر…
أوف أوف أوف… بالدكانة يا محبوب شيبس وبيبسي مش مرغوب الأكل الصحي شو مطلوب لبنة ومنقوشة بزعتر…».

نوال نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق