صحة

الحَوَل… قبل أن تحجبوا نظركم عنه!

مشكلة في اثنتين أو مشكلتان في واحدة: تجميلية وعضوية يتسبب بهما انحرافٌ في النظرِ الى الداخل أو الخارج أو ربما الى أعلى أو أسفل مؤدياً الى حَوَل! حَوَل العينين، ذاك العيب البصري المزعج، من الألف الى الياء…

 في كلِ مرة نسأل فيها عن حولِ الكبار يُعيدنا الحديث، من دون أن نشعر، الى حَوَلِ الصغار، لكن هل يُشبه النوعان بعضهما البعض؟ هل حول الكبار كما حول الصغار؟
ينظرُ طبيب العائلة الى الطفل، ابن السنتين، الذي بدأ يعاني منذ نحو شهر من حولٍ مؤقت ويطلب من الأبوين أن يذهبا به مباشرة، بلا تأخير، الى طبيبٍ اختصاصي في العيون. ذهبا به وانهمرا هناك بسيلٍ من الاسئلة عن طفلهما البكر الذي يرون الدنيا في عينيه! ماذا به؟ ماذا أصابه؟ كان مثل طربون الحبق وعيناه تتقدان جمالاً وذكاء فمن عبث بهما؟ قدرٌ؟ لكنه وُلدَ سليماً! مرضٌ؟ وهل هناك مرض ما يتسبب بالحول؟ أسئلة أسئلة والحالة: حول! فما هو الحول؟ من يصيب؟ ما هي أشكاله؟ وهل له علاج؟

احياناً بالوراثة
خلق الرب الإنسان بعينين متوازنتين، غير متباعدتين، لكن قد يحصل الحول لأمر ما متسبباً بعدم التوافق الحركي بين العينين في أي اتجاه. وتظهر هذه الحالة غالباً عند الأطفال. أربعة في المئة من أطفال العالم مثلاً يعانون من أحد أشكال الحول. ونسبة إصابة الذكور تعادل نسبة إصابة الإناث. وينتقل الحول أحياناً، بالوراثة، من أحد الأبوين الى أحد الأطفال. هذا في الإحصاءات البعيدة فماذا عن الحالات الواقعية الملموسة؟
تشير عينا الإنسان السليم الى الإتجاه عينه، الى النقطة ذاتها، ويعمل المخ على دمج الصورتين، عبر العينين، في شكل صورة واحدة، لكن حين تنحرف إحدى العينين يتم إرسال صورتين مختلفتين الى المخ الذي يُحاول إعادة تجليس الإنحراف وتصحيح الخطأ، لكن حين تطول الحالة يعتاد المخ على الخطأ فيتجاهله ما يجعل الحول المؤقت دائماً. أما عند البالغين فيتسبب الحول المتأخر بازدواجية الرؤية، فيرى المرء من يقف أمامه مثلاً مرتين، في صورتين، وهذا ما يتسبب له بتعب يحاول الخلاص منه بإقفال إحدى العينين منعاً لهذه الإزدواجية!
 


الحول أنواع
يكون الحول عند الأطفال، بنسبة كبيرة، الى الداخل، أي تكون العينان متقاربتين، بينما يكون عند الكبار الى الخارج، يعني تكون العينان متباعدتين. في كل حال الحول أنواع، فمنه ما يظهر في السنة العمرية الأولى، وهناك حول يظهر في السنة الثانية أو الثالثة، أما الحول الذي يظهر ما بعد سن الرابعة فيدخل في خانة حوَل الكبار. وثمة ثلاثة أعصاب، تخرج من المخ، تُحرك العضل الثالث والرابع والسادس المرتبطة بالعينين، فإذا تعطل عصب حصل الخلل، لهذا يفترض البحث أولاً عن العصب للتأكد ما إذا كان س
ليماً أم لا، وإذا كان سليماً صحيحاً يُبحث عن السبب في قلب العين. أما بالنسبة الى الأطفال الذين يصابون بالحول في سنتهم الأولى، في إحدى العينين أو في واحدة منهما فقط، فأول ما قد يخطر في بال الطبيب أن يكون السبب طول النظر الذي يتسبب بدخول العين الى الداخل. وهنا توصف نظارة لإصلاح طول النظر، على أن يُصار الى متابعة المريض الصغير بدقة، بانتظار النتيجة التي قد تأتي في ثلاثة أشكال:
أولاً: إذا ارتدى الطفل النظارات وبقي الحول كما هو فهذا معناه وجوب البحث عن سبب آخر. ويفترض، في ظل هذه النتيجة، ألا نترك النظارة على عيني الطفل ثلاثة أشهر أو أربعة للتأكد، بل يكفي مرور شهر واحد، فإذا لم تؤد النظارات الى إصلاح العيب، عندها يكون التدخل الجراحي حلاً.
ثانياً: قد يختفي في أحيان كثيرة الحَوَل، وفي هذه الحالة يفترض متابعة الطفل كمريض يعاني من طول النظر لا من حوَل، وتذكروا أن طول النظر عند الأطفال يتلاشى تدريجياً في عمر الاثني عشر عاماً.
ثالثاً
: قد يعتدل النظر بسبب النظارات جزئياً لا كلياً، ويحتاج بالتالي الجزء الآخر الى عمل جراحي تصحيحي.
كيف يُصار الى التشخيص الصحيح؟ ومتى؟
طبيعي جداً أن تنحرف عند المواليد الجدد احدى العينين من وقت الى آخر، خصوصاً في حالات النعاس الشديد، لكن إذا لاحظتم وجود حول دائم في إحدى عيني الطفل بعد شهره الثالث فلا بد من استشارة اختصاصي العيون. وقد تكون العينان مصابتين بالكسل ويحتاج الإنسان في هكذا حال، لا سيما الطفل، الى نظارات طبية لتصحيح عيوب الرؤية وتقوية العضل، على أن تُغطى العين الطبيعية لإجبار العين الضعيفة على العمل، ما يجعل خلايا الشبكية تنمو والعين تستعيد قوتها. ويُسمي عادة الحول الناتج عن ضعف في إحدى العضلات بالشللي وتكون حركة العين، كما قلنا، محدودة لجهة العضلة المشلولة. وتتسبب غالباً بهذا النوع من الحول الشللي أمراض فيروسية أو وجود أورام داخل الدماغ ويمكن لارتفاع ضغط الدم أو حتى لمرض السكري التسبب بهكذا إصابة.
 أما الحول الآخر غير الشللي فتكون فيه حركة العينين حرة، تدور في أي اتجاه، بسبب خلل في الإنكسار مثل مد البصر أو حسر البصر، ويؤدي هذا الى ما يُسمى بالحول الأنسي حين تنحرف العين الى الداخل، أو الحول الوحشي عندما تنحرف الى الخارج!

 حول كاذب
تعددت الأنواع إذاً والنتيجة، في مفهومها العام، واحدة: الحول!
التشخيص الصحيح هو البداية، لذا يفترض أن تقصدوا منذ البداية، إذا لاحظتم أي تغيير أو تبدل في النظرة، اختصاصياً في طب العيون، والفحوصات قادرة على أن تحدد ما إذا كان الحول حقيقياً أو هو حول كاذب، وفي الحالة الأخيرة، أي في الحول الكاذب، قد يوحي شكل العينين الى وجود الحول، غير أن الفحوصات التي يجريها الطبيب قد تكشف مدى صحة هذا، فإذا أظهرت أن العينين سليمتان وأن المريض يرى بالعينين في شكل متوازن، لا ازدواجية فيه، رُدّ الحول الى كبر فتحة العين أو صغرها وبالتالي اعتبر حولاً كاذباً! وحالات الحول الكاذب غالباً ما تختفي تلقائياً لدى الأطفال بعيد سن السابعة وقد تبقى في بعض الحالات النادرة مدى الحياة لكنها لا تتطلب أي علاج ولا ينفع معها أي تدخل.
تحتاج بعض حالات الحول الى عمليات جراحية، بعد استنفاد كل العلاجات الأولية طبعاً. وتجري عمليات الحول، مهما كان نوعها، تحت التخدير العام، وتتركز على عضلات العين الخارجية حيث يجري، عبر التدخل الجراحي، إضعاف العضل أو إرخاء العضل، حسب حالة المريض.
قبل الوصول الى «المقصلة»، أي الى العمل الجراحي، يفترض أن يخضع المصاب، حسب حالته، الى علاجات متنوعة بينها: استخدام النظارات الطبية، تغطية العين السليمة، حقن عضلات العين المنحرفة كي تسترخي أو استخدام أنواع من القطرات. وهنا يلوح سؤال: إذا استنفدنا العلاجات البديلة ولجأنا الى العمل الجراحي فهل نتائجه تكون محسومة؟ هل تتأتى بالتالي عن الجراحة مضاعفات؟

 


مضاعفات الجراحة
جراحة الحول مثلها مثل أي عمل جراحي آخر قد تتأتى عنها في أي لحظة مضاعفات بينها زيادة التصحيح، ما يجعل الحول يتحول الى الإتجاه المعاكس، فإذا كان الى الداخل مثلاً قد ينحرف بعض الشيء، أثناء التصحيح، الى الخارج! وقد يأتي التصحيح ناقصاً، بنسبة قليلة جداً، فتبقى العين منحرفة قليلاً. ويمكن أيضاً حدوث انزلاق أو فقدان للعضلة خلال العمل الجراحي أو حتى بعده. وقد يحدث نزيف خلف كرة العين وربما يشعر المريض بوجود جسم غريب في العين بسبب المواد المستخدمة خلال العمل الجراحي.
عيونكم «وحشية»؟ «أنسية»؟ كسولة؟ انه الحول الذي يجعلنا نُحوّل أنظارنا عن المصاب بسرعة، بعفوية، من دون أن نعرف لماذا تصرفنا هكذا! صعب على الإنسان، في اختصار، أن يكون أحول أو ينظر في عيني إنسان أحول، لأن إحساساً ما، إحساساً غريباً، قد يختلج في المشاعر ويجعلنا نحجب نظرنا عن عينيه! مشكلة الحول إذاً اجتماعية قبل أن تكون مرضية وجمالية أكثر منها عضوية، لذا يفترض ألا نغض عنها الطرف علاجياً، كما نفعل نظرياً، لأن العلاج هنا أيضاً، مثل كل العلاجات الأخرى، إذا استهلينا به باكراً نجونا!

نوال نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق