صحة

ضغط الدم قاتل ماكر صامت!

معظمنا يعيش «تحت الضغط» وكلنا نظن أن «دمنا خفيف» لكن غالبيتنا تدير «الأذن الطرشاء» حين تجتمع الكلمتان في حالة واحدة: ضغط الدم! ضغط الدم الذي سمعنا به مراراً يزيد. انه يتمدد. انه يدنو منا. انه يأتي بلا أعراض أو بمجرد صداع خفيف. انه صامت. والصمت فنّ ماكر غالباً!

قبل أيام، بينما كان الناس يسرحون في متجر اعترضتهم وحدة الأبحاث في قسم أمراض القلب في مستشفى أوتيل ديو ومختبرات سانوفي بسؤال: ضغطكم كيف؟ كثيرون ابتسموا. كثيرون ابتعدوا. وقلة أجابوا: لا ندري! والسؤال تبعته أسئلة استطلاعية حول المرض لحث الناس على الوعي والتنبه لأعراض ومضاعفات ارتفاع ضغط الدم.
انتهت الحملة الاستطلاعية ماذا عن واقع ضغط الدم؟ هل نحن في دائرة الخطر؟ مدير وحدة الأبحاث في قسم أمراض القلب في أوتيل ديو الدكتور ربيع عازار قال: أن ارتفاع ضغط الدم من الأمراض الخطيرة التي يصح وصفها بالقاتلة الصامتة، بمعنى أننا قد نُصاب بضغط الدم طوال أعوام من دون أي أعراض، ما يؤدي الى مضاعفات جمة خطيرة ترفع إمكانية الإصابة بالنوبات القلبية والجلطات الدموية.

 

الحل؟
أن لا نمل من التوعية والتكرار علّ من لم يسمع بعد بالقاتل الصامت… يسمع!
قياس ضغط الدم هو أسهل طريقة لمعرفة حال ضغط الدم وبالتالي تبدأ العناية بسلسلة إجراءات: قياس الضغط باستمرار، تناول أدوية الضغط في انتظام إذا ثبتت إصابتكم به حتى لو شعرتم بأن ضغط الدم عاد الى المستوى الطبيعي، فقدان بعض الوزن إذا كنتم تعانون من السمنة، خفض نسبة الملح في الطعام، تجنب الكحول، التوقف عن التدخين وممارسة الرياضة والحد من التوتر والاسترخاء.
عدنا إذاً الى بيت القصيد: الغضب. ضغوطات الحياة. التوترات… كلها عوامل حين تتفاقم، مع عوامل أخرى، قد تتسبب بضغط الدم!
يعاني مليار إنسان في العالم من ارتفاع الضغط! الرقم كبير. انه مخيف، خصوصاً إذا ثار ولم يجد عناية ودواء! وارتفاع الضغط في عمر مبكر، في سن الأربعين مثلاً، يؤدي إذا لم يُضبط الى الإصابة حتماً بالسكتة الدماغية وبأمراض القلب وبالفشلين القلبي والكلوي والعمى. ويقتل هذا المرض سنوياً ثمانية ملايين إنسان، أي ما يساوي 13 في المئة من مجموع الوفيات!
ألم تعن لكم شيئاً هذه الأرقام؟ ألم تهزكم؟ من يمت بالذبحة القلبية أو الدماغية لا ينفجر قلبه أو دماغه فجأة. لا يموت الإنسان دائماً قضاءً وقدراً بل قد يُصبح في خبر كان جراء اللامبالاة والاستسلام أيضاً. وضغط الدم إذا لم نبال به يقتل.
يُشكل الملح قنبلة موقوتة في أجسام مرضى ضغط الدم… فكيف يفعل؟ وماذا يفعل؟
يتكون الملح من الصوديوم وهذا العنصر، كما تعلمون، يحب المياه وهو قابل لامتصاصه حتى من الأجواء، وكل ذرة ملح قابلة للاحتفاظ بأربع ذرات مياه ولكم أن تتصوروا ماذا قد يحصل في أجسامكم إذا تناولتم قطعة من المخللات المشبعة بالملح مثلاً! وحين تزيد كمية المياه في الجسم ترتفع كمية الدماء وتزيد مقاومة الخلايا لمرور الدم في آن واحد ما يؤدي الى ارتفاع ضغط الدم وتورم القدمين وانتفاخ الجسم.
أحدهم، وهو شاب في الخامسة والأربعين، يعاني من ارتفاع في ضغط الدم منذ خمس سنوات ومن البدانة المفرطة ويأخذ، أو يُفترض أنه يأخذ دواء ضغط، عانى طوال الأسبوع الماضي من تورم مخيف في القدمين ولم يعد حذاؤه يتسع لقدميه وحين سأله طبيبه: هل تأخذ دواء الضغط أومأ ايجاباً وحين كرر عليه السؤال اعترف: «يوم إي ويوم لأ»! دواء الضغط لا يؤخذ يوماً ويوقف يوماً! دواء الضغط يفترض أن يؤخذ كل يوم حتى ولو أصبح ضغط المريض طبيعياً. مفهوم اللعب في الدواء خاطىء. أدوية الضغط يفترض أن تؤخذ كل العمر فهي ليست «أنتيبيوتيك» ولا «بنادول»! وتذكروا دائماً أن ضغط الدم صامت، أنه يأتي بثو
ب نعاج، وأعراضه لا تظهر إلا بعد أن تكون مضاعفاته قد بدأت تضرب مختلف أعضاء الجسم.
يفيد جداً أن نراقب الضغط بأنفسنا دورياً. وهي عملية جد سهلة ولا تحتاج لا الى شهادة استثنائية ولا الى كفاءة جسدية غير اعتيادية!

وهناك، لمن يهمه الأمر، نوعان من الضغط: الانقباضي والانبساطي. والضغط الانقباضي، وهو الأول، يُقاس عندما ينقبض القلب أثناء عملية الضخ، أما الضغط الانبساطي، وهو الثاني، فيقاس عند استرخاء القلب لاستقبال الدم الآتي من الجسم. فإذا أظهر قياس الدم مثلاً رقم 12 على 8 (وهو المعدل المثالي) يكون رقم 12 هو الانقباضي ورقم 8 هو الانبساطي.
ارتفاع ضغط الدم أعلى من 14 على 9 معناه أن القلب بدأ يقاوم من أجل ضخ الدم الى شرايين الجسم، وهذه الحالة إذا تكررت وطالت تؤدي الى حدوث فشل في القلب أو الى تصلب في الشرايين وربما الى انسداد الأوعية الدموية في المخ وصولاً الى الوفاة. ضغط الدم ليس مجرد ضغط دم ونقطة على السطر بل هو مرض صامت مفتوح على شتى الاحتمالات!
تُصنف جمعية القلب الأميركية ضغط الدم الطبيعي أقل من 12 على 8، ويكون الإنسان في مرحلة ما قبل المرض حين يكون ضغط دمه 13 على 9، ويعد الضغط مرتفعاً إذا تجاوز 14 على 9، أما في حال أخذنا ضغط دم أحدهم وبدا 18 على 11 مثلاً فيكون الإنسان الذي أمامنا يعاني من نوبة فرط ضغط مطلوب لمواجهتها الانتقال فوراً الى قسم الطوارىء! لا تستهينوا إذاً بضغط الدم وراقبوه.
كلما زاد معدل العمر زاد احتمال الإصابة بارتفاع ضغط الدم. والذكور أكثر عرضة للإصابة من الإناث، كما يلعب عامل الوراثة دوراً في انتقال المرض من جد الى اب الى ابن، لذلك نجده منتشراً في عائلات وفي عائلات أخرى لا، كما أن الأشخاص ذوي السحنات السمراء قد يعانون من ضغط الدم أكثر من ذوي البشرات البيضاء.

لبنانيون؟
7،7 في المئة من اللبنانيين في الفئة العمرية بين 35 و44 سنة يعانون من ارتفاع ضغط الدم. وترتفع هذه النسبة عند الفئة العمرية بين 55 و64 سنة الى 41،6 في المئة. ولو أتيح ربما لوزارة الصحة إجراء مسح وطني شامل لارتفعت هذه النسب أكثر! هذا المرض إذاً يزيد بدليل أنه بعدما كانت نسبة ارتفاع ضغط الدم في العالم عشرة في المئة في منتصف القرن الماضي، ها هو يناهز اليوم 37 في المئة عند السكان كافة، ليرتفع عند البالغين، ما فوق الثمانين، الى ثمانين في المئة!

مصابون أنتم بضغط الدم؟
إذا أسأتم التعامل مع المرض فأنتم في عين المضاعفات وبينها: ضرر الأوردة وفشل عضلة القلب وضيق الأوعية الدموية في الكلى وفي العين وانسداد الأوعية الدموية في المخ.
المرض قد يُشكل أحياناً قدراً، مثل الخبيث، لكنه قد ينتج أحياناً عن قلة دراية ووقاية. في كل حال فلنسلم جدلاً بأن مرض ضغط الدم الذي أصابكم كان قدراً، وراثة، فماذا عليكم من الآن وصاعداً اعتماده في نمط حياتكم؟
قياس الضغط دورياً بند أول يتبعه الحفاظ على وزن مثالي والإكثار من تناول الخضار والفاكهة والإبتعاد كلياً عن الأغذية الجاهزة والمعلبات والنقانق واختيار المأكولات الغنية بالبوتاسيوم مثل البرتقال والموز والزبيب واللبن والفاصولياء والحبوب… تليها الإرشادات التي سبق وذكرناها وبينها طبعاً الاسترخاء! استرخاء؟ ماذا يعني الاسترخاء؟ نعرف أنكم ترددون هذا في زمن بتنا فيه كلنا على نار! نركض وبالكاد نلحق الوقت. اننا نتسابق معه. اننا نعيش القلق. لكن إذا فكرنا، للحظات يومياً، أن خيبات النهار قد تؤدي بنا الى أمراض مهلكة قد نحاول، على الأقل نحاول، أن نتعامل مع توتراتنا اليومية في شكل آخر مختلف.
سيطروا على نمط حياتكم تسيطروا على ارتفاع ضغط الدم. سيطروا على ارتفاع ضغط الدم تسيطروا على أمراض شتى وتنعموا بحياة يتدفق فيها الدم النظيف في أجسادكم مفعماً بأوكسيجين الحياة!

نوال نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق