سياسة عربية

الجزائر: فضائح نفطية امتداداتها في لبنان وسوريا والامارات

الجزائر تقف على مفترق طرق بعد اسابيع من عودة الرئيس بوتفليقة الى ممارسة اعماله، بعد العلاج الذي خضع له في فرنسا، وقبل اشهر من الانتخابات الرئاسية المقررة في السنة المقبلة، رهاناتها كبيرة الاهمية، جعلت الرئيس يتحرك في سرعة، وفي قوة فعمد الى اجراء تغييرات في القيادات العسكرية، وتعديل الحكومة، في اشارات تضمنت رسائل اطلقها شخصياً ومع محيطه، ليقول اولاً، انه تعافى وعاد الى ممارسة المسؤولية وانه اقوى، سياسياً من اي وقت مضى، في مواجهة من استغل غيابه الطويل، ليحاول الاستيلاء على السلطة.

 في الحكومة، غيّر بوتفليقة اسماء، وابقى على اصحاب الوزارات السيادية في مكانهم. ولكنه اجرى تعديلات اساسية في قيادات المخابرات العسكرية، التي دعمها على حساب قيادات الجيش، بعد ان سعى بعضهم الى استغلال غيابه وانهاء رئاسته، بمشاركة عسكر وقيادات في حزب جبهة التحرير الحاكم.
وتبقى علامات الاستفهام حول حلول المستقبل بعد السؤال عما اذا كان في استطاعته ان يجدد ولاية رئاسية كاملة ام يجدد لمدة محددة، يراها البعض لسنتين ام يعمل لايصال واحد من المجموعة التي تحوط به ودافعت عنه خلال غيابه المرضي؟!
وكانت الحملات الضاغطة على الرئيس بوتفليقة، بدأت مع تفجر الفضائح التي عرفت بفضيحة سوناطراك. في سنة 2010، واصابت شظاياها اقوى الاجنحة المقربة من الرئيس بدءاً بشقيقه.

مذكرة اعتقال
وكانت المفاجأة الكبرى، اصدار في شهر آب (اغسطس) الماضي مدعي العام الجزائري بلقاسم زرماتي، مذكرة اعتقال دولية ضد شكيب خليل وزير النفط الجزائري، على مدى عشر سنوات، والمقرب جداً من بوتفليقة وفي حق زوجته وولديه، وفريد البدياوي (الملاحق بمذكرة مماثلة من القضاء الايطالي)، وضد رضا حمشه، رجل شكيب خليل، ومدير مكتب رئيس سوناطراك، شركة النفط الوطنية الجزائرية، الاسبق، وضد ثلاثة اشخاص، كانوا يتعاطون الوساطة في صفقات بترولية.
التهم الموجهة اليهم، خطيرة: فساد، استغلال نفوذ، وتبييض اموال والمشاركة في جمعية اجرامية دولية الابعاد، يبلغ مجموعها 20 شخصاً من المقربين من الرئاسة.
واشار المدعي العام الجزائري، الى ان التحقيقات سمحت بالتوصل الى اثار الاموال المهربة في دول من آسيا، واوروبا والامارات العربية المتحدة والشرق الادنى والولايات المتحدة، حيث لجأ شكيب خليل مع عائلته. وهناك متهمون كبار آخرون، يقيمون في الخارج، ويحملون جنسيات اجنبية، تعقد عملية استرجاعهم، وربما تجعلها مستحيلة.
وفي فضيحة العمولات العملاقة (198 مليون يورو) التي دفعتها في الجزائر، شركة سايبم، احد اكبر فروع مؤسسة النفط الوطنية الايطالية ايني، برزت فجأة علاقة سورية ولبنانية.
القصة انطلقت من التحقيق الذي يقوم به قضاة ميلانو، حول نشاطات سايبم في العالم، حيث تبني منشآت لاستخراج الغاز والبترول ونقلهما.
التحقيق الاساسي، الذي قاد حتى الآن الى ثلاث مذكرات اعتقال دولية، يتناول قضايا افساد سياسيين وموظفين جزائريين كبار، بدأت في سنة 2007، حتى سنة 2010 على الاقل، للحصول على مناقصات قيمتها 8 مليارات يورو، ضمنت للشركة الايطالية، ارباحاً اضافية، زادت على مليار يورو.
ولكن التحقيق قاد الى ظهور مستوى ثان من العمولات واموال الفساد، تتناول شركات اجنبية نفذت مشاريع لسايبم في الجزائر، ابرزها شركتان سوريتان، قبضتا ملياراً ونصف مليار يورو. وتسعى الشرطة المالية في ايطاليا، الآن، الى معرفة الذين يملكون حقيقة هذه الشركات، وكشف حقيقة ما دار مثلاً في المحادثات التي جرت في احد فنادق ميلانو، بين اداريين في مؤسسة النفط الايطالية وموفدين سوريين، ادت الى «نفخ الاسعار» على حساب ايني، مقابل تقاسم عمولات (3 في المئة).

 ملاحقة متهمين
وقاد التحقيق الاساسي، الذي اكدته محكمة الطعن الى اعتقال، مدير سايبم السابق، بيتيرو فار
وته في 28 تموز (يوليو) الماضي، تكملة للاعترافات الاولى، حول الفساد في الجزائر بينما تسعى شرطة انتربول، وراء فريد البدياوي، صاحب شركة الاوف شور، التي قبضت عمولة 198 مليون يورو، من المجموعة الايطالية، باسم اعمال استشارات وهمية، جرى تحويل قسم منها، لحساب وزير النفط الجزائري السابق، شكيب خليل. وفي لائحة الاسماء التي يتناولها التحقيق، مع سائر كبار اداريي سايبم الذين اجبروا على الاستقالة، في سنة 2012، باولو سكاروني، رئيس مجموعة ايني، الذي ينفي كل التهم، اهمها خمسة لقاءات كانت له، بين باريس وفيينا، مع الوزير الجزائري الاسبق، خليل، و«امين صندوقه» السري البدياوي.
وجاء التحقيق الثاني، حول الالتزامات «الذهبية» نتيجة اعترافات، ممثل سايبم الاسبق في الجزائر، توليو اورسي، الذي سعى رؤساؤه الى تقديمه «كبش محرقة وحيداً». ولكن الرجل رفض هذا الدور، وكشف تلقائياً، امام المحققين، كل ما يعرف، ومنها انه شارك في «لقاءات سرية» عقدت في فندق بلغاري في ميلانو، بين مدير سايبم العام الاسبق المعتقل، واحياناً مع سواه من المسؤولين في الشركة الايطالية. مع «امين الصندوق» بدياوي، وممثلين عن شركتي التعهدات الثانوية السوريتين، «ليد» و«عويس». وافاد ان مديره فارونه امره بعد الاجتماعات بـ «زيادة 3 في المئة على قيمة العقد»، «المنفوخة» اساساً، لضمان «الفائض» اللازم، لـ «مكافأة من يلزم».
وتشير دائرة المحققين في ميلانو، الى ان شركة ليد، «مجموعة سورية حصلت على تعهدات من شركة سايبم في الجزائر وقيمتها 850 مليون يورو»، اما «عويس»، التي كانت حتى سنة  2006 «شركة سورية عائلية لاعمال البناء، تصل قيمة الاشغال التي كانت تقوم بها الى20 مليوناً في السنة»، فانها اعتمدت بعد 2007 – 2008، اسم «اوجيك» موزعة مكاتبها بين بيروت ودبي» قبضت من سايبم وحدها 623 مليوناً في الجزائر».

شركة سورية
ويملك مؤسسا الشركة الشقيقان السوريان: بسام وغسان عويس، نصف رأسمال اوجيك، بينما 48 في المئة من الرأسمال، كانت باسم «امين الصندوق» البدياوي، الذي كان يعمل في طبيعة الحال، دائماً لحساب غيره، وكان واحد في المئة من الرأسمال مسجلاً باسم «المديرة المالية» لشركة اوجيك، التي كانت موظفة ايطالية سابقة في شركة سايبم.
وكشفت التحقيقات حول الحسابات الخارجية ان الشركتين السوريتين اودعتا ملايين اليورو، «مباشرة في حسابات البدياوي» امين صندوق عمولات النفط الجزائري.
وفي اطار الاسعار المنفوخة، والفساد والعمولات المليونية، يفترض القضاة الطليان ان «نظام التعهدات الثانوية، كان يساعد على اعادة ادخال العمولات الى ايطاليا، واعترف اورسي وفارونه، ان كل واحد منهما قبض خمسة ملايين يورو، من الفرنسي – الجزائري البدياوي، بينما كشف اورسي، ان مديره فارونه، ارسله في سنة 2012، وبعد انكشاف الفضيحة الى دبي لاغلاق شركة «اوجيك» كما لو ان الشركة السورية «صندوق بريدي» سري، يشرف عليه الطليان.
ومن الامارات العربية المتحدة، حيث يقيم في دبي سعى فريد البدياوي، الى الاتصال باي مسؤول في الجزائر، لـ «التفاوض على مخرج «شخصي». ولما لم يتلق اي جواب مشجع هدد بانه لن يدفع الثمن لوحده.
فاذا وافقت السلطات الاماراتية على اعادته، لا بد من انتظار فضائح على مستوى اكبر واعلى، تشمل شخصيات. لم تظهر بعد اسماؤها ولكن احداً لا يتوقع ان تعيده الامارات الى الجزائر.
كل ذلك في انتظار ان نرى ذيول عودة بوتفليقة الى ممارسة سلطاته.

ج. ص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق