صحة

الكورتيزون العلاج… الخبيث!

نأخذه؟ لن نأخذه. يفترض ان نأخذه… لا، لن نفعل. بلى أخذناه! الكورتيزون، القادر على قمع الالتهابات في مهدها، عاجز عن جعلنا نتقبل وصفته برحابة صدر. فماذا لو حبس المياه في أجسامنا وجعلنا نستدير مثل البرميل؟ وماذا لو ضرب العظم وأتلف الجلد وخرب الكليتين؟ وماذا لو جعل وجوهنا تستدير ورقابنا تصبح بثنيتين وعيوننا تجحظ؟ وماذا لو أثر على الكبد والطحال والرئتين؟ الكورتيزون علاجٌ لا بد منه أحياناً… فكيف نحمي حالنا من ارتداداته؟

نخاف عادةً مما نجهل، ونجهل عادةً ما نخاف. فأي شيء نخشى منه نبتعد عنه وأي شيء لا نسأل عنه سنسمع عنه أشياء كثيرة، ومن يُخبر عادةً الأشياء والأحداث قد يزيد عليها بعض الفلفل والبهار فتأتي مجبولة بالتوقعات! فهل التوقعات مجدية في الطب؟ وماذا لو أتت التوقعات على شكل أوهام؟
كل ما نُقدم عليه في هذه الحياة له وجه آخر، إمكانية ثانية، إنعكاس ما… فماذا في حقيقة علاج الكورتيزون؟ ماذا في انعكاساته الطبية؟ وماذا يمكن أن يفعل، بلا ملح وبهار، في أجسامنا؟

مسكن ام علاج؟
الكورتيزون هو من فئة الأدوية الستيرويدية، القادرة على تخفيف الالتهاب وتسكين الألم، ويعطى عادةً عبر الفم، على شكل حبوب، أو عبر التنشق، كما في حالات الربو، أو بشكل مراهم موضعية أو حقن في الوريد.
يتردد دائماً أن الكورتيزون يُخفف الالتهاب ويُسكّن الآلام… ترى ماذا عن العلاج؟ ألا يُعالج الداء؟ أليس فيه شفاء؟ وهل هو علاج مكمل؟
حين يُقال يُخفف الألم معناه أنه يقلل الالتهاب، فالألم يخف حين يقل الالتهاب، لكن الالتهاب إذا لم يُعالج بدواءٍ مناسب آخر أو بوقايةٍ ما قد يعود ويتكرر، كما في حالات أمراض التهاب المفاصل، غير أن الكورتيزون قد يكون فعالاً جداً في علاج بعض أشكال التهاب الجلد والأنسجة والأوتار ومفاصل الركبة والكتفين… وكم من البشر خضعوا الى مثل هذه الحقن في المفصل في عيادات الأطباء واستراحوا على الفور. نتيجة الكورتيزون إذاً، في هكذا حالات، تكون فورية وارتداداتها الايجابية قد تتجاوز المفصل المريض الى كل المفاصل في كل أنحاء الجسم لأن الحقنة تسري في الدورة الدموية.
الكورتيزون يزيد السكر في الدم، وفي حال غفل الطبيب أن يسأل مريضه عما إذا كان مصاباً بالسكري، فمن واجب المريض أن يُخبره هذا من تلقاء نفسه، تحسباً من أي انعكاسات قد تطرأ! ويفترض في هذه الحال أن يعرف المريض أن من يأخذ جرعات محددة لمدة محددة غير من يأخذ جرعات متكررة، طوال سنوات، فيُصبح أكثر عرضة لانعكاسات الكورتيزون الخطيرة والتي قد تبدأ بزيادة لافتة في الوزن وانتفاخ في الوجه وارتفاع في ضغط الدم وقد تتسبب بإعتام عدسة العين وهشاشة العظام وبسهولة حدوث الكدمات. كما أن الكورتيزون قد يؤثر على نمو الطفل ومفعوله لا ينتهي فور انتهاء العلاج بل يصمد في الجسم أشهراً طويلة بعد توقفه.

بحذر شديد
هل ارتدادات كل أنواع الكورتيزون هي نفسها؟ هل من يتناول حبوب الكورتيزون كمن يستخدم كريمات مشبعة بالكورتيزون أو يتنشق الكورتيزون؟
يتفق العاملون في القطاع الطبي على أن أي علاج يُساء استخدامه يؤدي الى مضاعفات، فكيف إذا استخدم بلا مبرر؟! ثمة أطباء، وهذا ليس سراً، يكثرون من وصف أنواع الأدوية، أو  يصفون أدوية تتضارب مع بعضها فتضر بدل أن تنفع أو تُصبح، كما شربة المياه اليتيمة، بلا منفعة. يفترض إذاً أن توزن الأدوية، خصوصاً الكورتيزون، كما الذهب، بإنتباه شديد. خبرة الطبيب ضرورية ووعيه ايضاً في التعامل مع هذا النوع من العلاج، كما المد والجزر، بنسب تتبدل وفق الحاجة، يقي المريض من مضاعفات العلاج ويحميه على المدى البعيد. في كل حال ليست تأثيرات كل أنواع الكورتيزون هي نفسها، فالبخاخات التي تُستعمل في علاج حساسية الأنف أو القصبة الهوائية لا تمتصها الدورة الدموية ما يجعل تأثيرها موضعياً لا تترتب عليه أي مضاعفات حتى لو استخدمت فترات متكررة.
لا يؤدي تناول أقراص الكورتيزون فترات متقطعة، اربع الى خمس مرات في السنة، مدة أسبوع في كل مرة، الى أذى. في المقابل، إذا لم يأخذ المريض العلاج في بعض الحالات، في حالات الأنفلونزا الشديدة مثلاً أو الزلال وبعض أمراض الروماتيزم، قد تتطور إصابته في شكل سيئ أكثر مما قد يحصل معه في حال تناول الكورتيزون. هذا النوع من العلاج إذاً لا بد منه وليس وصفة عرضية أو ذئباً كاسراً.


 مضاعفات
الكورتيزون موجود أساساً في الجسم وضروري في عملية تنظيم نسب الأملاح والسوائل وضغط الدم ولون البشرة وتنظيم إفرازات البروتيين وانزيمات الجسم. انه هورمون تفرزه الغدة الكظرية الموجودة فوق الكلية وأي اضطراب فيه يؤدي الى هبوط درجة مقاومة الجسم للصدمات والالتهابات. ثمة هورمون آخر تفرزه الغدة النخامية الواقعة في قاع الجمجمة يعمل على تنظيم الكورتيزون الطبيعي في الجسم. ثمة إذاً علاقة وثيقة بين الغدتين الكظرية والنخامية في عملية تنظيم إفراز الكورتيزون وعند حصول أي خلل يطلب الجسد، عبر إشارات، النجدة.
لن نغوص كثيراً في طبيعة الكورتيزون الطبيعي لأن القلق الأول الذي يجتاح الناس هو: ماذا لو وضع الطبيب في «وصفته» علاج الكورتيزون؟ ماذا آكل؟ ماذا أتجنب؟ وماذا لو قال: سيرافقك الكورتيزون مدى الحياة؟   
تبدأ المضاعفات الحقيقية حين يُعطى الكورتيزون مدة تتجاوز السنة، بجرعات متوسطة، وكلما طالت الفترة الزمنية زاد الاحتمال. إفرازات الغدة الكظرية الطبيعية أيضاً تتعطل عند تناول الكورتيزون فترة طويلة. ويكون المريض في مشكلة فيصبح في اثنتين وثلاث. هو قدره؟ المرض قد يكون في بعض الأحيان قدراً لكن سببه في كثير من الأحيان قلة وعي وإهمال ولامبالاة! في كل حال، في ما خص تناول الكورتيزون قد يفيد الوعي في تقليص نسبة الارتدادات السلبية والمضاعفات وعدم اتساع المشاكل ودورانها مثل كرة الثلج.  
أول ما قد يشعر به من يتناول الكورتيزون مدة طويلة، من دون أن يحمي نفسه عبر اتباع نظام حياة مختلف، هو زيادة في الشهية وتبدل سريع في المزاج، فيكتئب المريض حيناً ويعيش سروراً غير مبرر حيناً آخر! الأرق عارض أيضاً ومثله آلام العظام والعضلات. الجلد يبدأ في التشقق. العظام تُصاب بالهشاشة. يرتفع الضغط والسكر وقد يتأثر الكبد، وتضعف قدرة الجسم على مقاومة الأمراض الالتهابية.

الوقاية
يتحدث الجميع عن الوقاية… ماذا عنها هنا؟ كيف نقي أنفسنا من مضاعفات الكورتيزون الحادة؟
الملح ثم الملح ثم الملح إياكم منه! فالكورتيزون يتسبب في احتباس السوائل في الجسم ويُحفز تجمع الدهون في منطقة البطن والوجه والعنق، وهذا ما يتطلب اتباع نظام غذائي فائق الدقة، لا عبث فيه، فقليل من الملح قد ينتج كثيراً من المشاكل! الابتعاد عن الوجبات السريعة أمر وعدم الإكثار من الأطعمة المشبعة بالدهون واجب والإكثار من الخضار والفاكهة أساسي ولا ضير أبداً من تذكير الطبيب بجدوى أن يتزامن علاج الكورتيزون الطويل مع وصفة كالسيوم وفيتامين د. وينصح، لا بل يجب، أن يجري من يتناول العلاج مدة تزيد عن ثلاثة أشهر فحوصات دم معينة لمراقبة تأثير الكورتيزون على الكليتين وأنزيم الكبد.   
استخدام مراهم الكورتيزون نادراً ما تؤدي الى مضاعفات، مثلها مثل البخاخات، وهنا نشير الى أن كثيراً من الأمراض الجلدية يتم علاجها بالكورتيزون الموضعي، فهو يقضي على الحكة ويخفف الحساسية ويعالج البهاق ويزيل بعض طبقات الجلد غير المرغوب فيها، لكنه قد يؤدي، في المقابل، إذا استخدم طويلاً الى اسمرار طبقة الجلد المعالجة أو ظهور خطوط حمراء وبيضاء في المكان.
ليست المراهم إذاً المشكلة ولا البخاخات ولا الوصفة المرحلية المدروسة. مشكلة المرضى مع الكورتيزون تبدأ حين يصبح لازمة حياة… ومن يعش معه سنوات يُصبح العيش بدونه مستحيلاً، فهو خبيث يعبث إذا شاء، لهذا يحتاج أن يُمسك بدفتيه اثنان لا واحد: الطبيب والمريض فإذا أخل أحدهما غرق المريض!.

نوال نصر

الكورتيزون… متى؟
– يعالج الحساسية الشديدة والأزمات الصدرية الحادة.
– يعالج التهاب المفاصل والروماتيزم.
– يساعد في تخفيض مستوى الهورمونات الذكرية ويساعد في إحداث  الإباضة.
– هوعلاج اساسي يستخدم في زراعة الأعضاء لأنه يقلل مناعة الجسم لرفض العضو المزروع.
– يعالج كثيراً من الأمراض الجلدية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق