دولياترئيسي

ماذا سيفعل صاحب امازون بـ «واشنطن بوست»؟

شهد العالم، في الأيام الماضية احداثاً لافتة، بعيدة عن السياسة، ولكن طالما كانت مرتبطة بها، وابرزها: فصل جديد من التحول الكبير الذي يشهده عالم وسائط الاعلام الاميركية، الذي فجرته الثورة الرقمية، التي ضغطت على تمويل الصحافة المكتوبة وانتشارها.

الصدمة الأولى كانت تنازل نيويورك تايمز، منذ ايام عن احدى اشهر منشوراتها «بوسطن غلوب»، الى رجل الأعمال في الرياضة، جون هنري، مقابل 70 مليون دولار، وكانت اشترتها قبل حوالي 20 سنة بمليار ومئة مليون دولار، الرقم القياسي.
وكانت سبقتها عملية التخلي عن اسبوعية نيوزويك بدولار رمزي، بعد قيامها بثمانين سنة. لأنها لم تفهم كيف تعيد بناء ذاتها في القرن الواحد والعشرين، في زمن الانحسار الاقتصادي في العالم، فإن قصة نيوزويك احد اشهر العناوين الصحافية، غنية بالمفاجآت والدروس. لأن تلك التي كانت قبل 10 سنوات اسبوعية توزع 4 ملايين نسخة في كل أنحاء العالم، زالت من الوجود في 31 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عندما تحولت الى جزء من موقع The Daily Beast الالكتروني. ولكن هذا العلاج الدراماتيكي، لم يكف بعد سنوات من الأخطاء المالية والصحافية. فمنذ ايام اعلنوا ان ما تبقى من المجلة التي تأسست في سنة 1933، ومن الجهاز التحريري المهشم المعنويات بيع الى «اي بي تي ميديا»، دار النشر شبه المجهولة، التي ابرز منشوراتها «انترناشونال بوزينس تايمز». ولم يكشف عن قيمة الصفقة. كما هو مجهول المصير الذي ينتظر نيوزويك. ويقال ان وراء المؤسسة الشارية، المبشّر الإنجيلي الاسيوي، دايفيد يانغ، الذي يطرح نفسه مجسداً للمسيح. وقد تنتهي المجلة مثل وكالة «يونايتد برس» المؤسسة في 1907، وانتهت شبه مسحوقة منذ ان اشتراها الداعية الإنجيلي الآسيوي الاخر، سان مايونغ مون.

بيع واشنطن بوست
كانت الهزة الثالثة، خبر بيع اشهر الصحف اليومية الاميركية «واشنطن بوست»، الى احد ملوك الاقتصاد الجديد، جيف بيزوس، مؤسس عملاق التجارة الالكترونية «امازون»، واما سعر الجريدة التي جمعت اعداد من جوائز بوليتزر الصحافية، والسباقات الصحافية ساهمت في ايقاظ ضمير امة مثل الامة الاميركية، من فضيحة ووتر غايت الي اطاحت رئاسة ريتشارد نيكسون الى اوراق فيتنام، ومؤخراً الى فضيحة المراقبة التي تقوم بها الاستخبارات على كل شيء. اما السعر فـهو 250 مليون دولار، عداً ونقداً، يشمل ثمن المنشورات الملحقة.
 وتضع العملية، التي فاجأت الجميع على موقع الجريدة الانترنيتي، نهاية لاحدى اطول السلالات الصحافية في الولايات المتحدة: عائلة غراهام، التي امتدت على 4 اجيال و 80 سنة. وتؤسس لسلالة جديدة، يطلقها بيزوس (49 سنة)، لأنه اشترى الجريدة، شخصياً، ولا دخل لمؤسسة أمازون فيها. وأكد ان الجريدة ستستمر في خدمة القراء وليس اصحابها.
مهمة بيزوس الاساسية ستكون وسط جهله الكامل للعمل الصحافي، السعي الى ادخال جريدة العاصمة الاميركية في عصر الانترنت مع الوعد بألا يمس طاقم الجريدة، وقوامه 2000 شخص وبأنه سيترك السيطرة على الجريدة، الى اعضاء الادارة الحالية، بمن فيهم مدير الجريدة مارتين بارون.
وماذا سيفعل الان جيف بيزوس، الذي يدير استثماره 5 ملايين دولار في موقع «بوزينس اينسايدر»، للمعلومات المتخصص في التكنولوجيا الذي وصل عدد زواره الى 24 مليوناً. وفتح مواقع في اوستراليا، في انتظار الوصول الى الهند، عبر جريدة «تايمز روف انديا»؟

مداخيل بيزوس
مداخيل جيف بيزوس بلغت 93،3 مليون دولار، بين حزيران (يونيو) و29 تموز (يوليو)، بما فيها ايام السبت والاحد والعيد الوطني الاميركي، في 4 تموز (يوليو)، مما يعني ان في استطاعته ان يشتري ثلاثة ايام جريدة مثل «واشنطن بوست» مع توابعها من منشورات وان يبقى غنياً.
ولكن واشنطن بوست، تسمح له بإجراء تجارب جديدة من الاندماج العمودي في بوزينس الاعلام، واستغلال شبكات امازون للبيع على الشبكة من دون ان ننسى انه يسيطر على النظام الرقمي لتوزيع محتويات المقالات الافتتاحية، الذي اسمه: كيندل وقد يراود شيء من هذا رؤوس اسياد غوغل وسائر عمالقة الاقتصاد الرقمي، الساعين في استمرار الى تجديد نشاطهم وفتح آفاق وطرقات جديدة.
ويبقى انه مع بيع «وول ستريت جورنال»، و«لوس انجلس تايمز»، و«نيوزويك»، و«واشنطن بوست»، تخرج من المسرح سلالات صنعت تاريخ الصحافة في الولايات المتحدة، بإستثناء عائلة سولزبرغر، السلالة التي ما تزال تتمسك بـ«نيويورك تايمز».
شخص آخر يبتسم نتيجة عملية واشنطن بوست، انه وورن بوفيت، الذي اثبت ان حدسه المالي، ناجح كذلك في دنيا الاعلام والنشر المكتوب والرقمي.
فاشترى اولاً 63 جريدة يومية من مجموعة جنرال ميديا، مقابل 142 مليون دولار. ثم رأى قيمة اسهمه في الشركة المالكة واشنطن بوست (27،9 في المئة) ترتفع أكثر من مليار دولار، بعد ان اشترى جيف بيزوف جريدة واشنطن بوست، الذي يبقى تحت سقفه موقعا slate.com وthe root.com وغيرهما من المواقع الرقمية، ومجلة «فوراين بوليسي»، وسلسلة من محطات التلفزيونات المحلية، ومبنى الجريدة.

جوزف صفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق