رئيسيسياسة عربية

اطنان المتفجرات موثقة اميركياً بالداتا والتنصت

يتعامل المسؤولون اللبنانيون، بقلق وحذر، مع ما يردهم من تقارير استخبارية غربية عن احتمال حدوث تفجيرات ارهابية يقف خلفها تنظيم «القاعدة»، حتى لو اتت على شاكلة تفجيرات انتحارية فردية، بمعنى ان لا ارتباط تنظيمياً لها.

اثار اعلان وزارة الخارجية الاميركية، في الثاني من آب (اغسطس)، اقفال عدد من سفاراتها يوم الاحد في الرابع من آب (اغسطس) في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وشرق آسيا، ومن ثم تمديد هذا الاجراء في اكثر من عاصمة، الكثير من التأويلات والتفسيرات بين المراقبين، حيث وصل بهم الامر الى توقع احداث خطرة في احدى الدول العربية.
واكتفت الخارجية بالقول ان هذا اجراء احترازي من دون الكشف عن طبيعة التهديد الذي ادى الى قرار الاقفال، مشيرة الى احتمال بقاء بعض هذه السفارات مقفلة لوقت اطول، بالاعتماد على نتائج التحليلات الامنية.
واعلنت السفارات الاميركية في ما لا يقل عن 14 بلداً، اقفال ابوابها يوم الاحد في الرابع من آب (اغسطس) وهي: البحرين ومصر والعراق واسرائيل والاردن والكويت وليبيا وقطر والسعودية والامارات واليمن وافغانستان وبنغلادش.
وافادت تقارير اعلامية ان وراء اقفال السفارات مخططاً ارهابياً مرتبطاً بتنظيم «القاعدة».
وقالت محطة «سي. بي. اس. نيوز» الاميركية نقلاً عن مراسلها ان الاستخبارات الاميركية التقطت علامات تدل على وجود مخطط ارهابي لتنظيم القاعدة لاستهداف مراكز ديبلوماسية اميركية في الشرق الاوسط وفي البلدان الاسلامية الاخرى. ولم تحدد الاستخبارات مكاناً محدداً مما اضطر الى اقفال السفارات والقنصليات التي تعمل عادة يوم الاحد. واشارت المحطة الى ان المسؤولين اخذوا هذه التهديدات على محمل الجد على انها مؤامرة حقيقية وليست مجرد ثرثرة عادية بين الارهابيين الذين يتحدثون عن هجمات يرغبون في القيام بها، على رغم ان هذه المعلومات ما زالت تفتقد الى مقومات اساسية كي تصير حقائق استخبارية».

لبنان
تلفت المراقبين حقيقةُ ان لبنان لم يكن، هذه المرة، من ضمن تحذيرات وزارة الخارجية ووكالات حفظ الامن الاميركية، اذ ان اي بيان لم يصدر عن السفارة في بيروت، اضافة الى ان يوم الاحد هو يوم عطلة رسمية بالنسبة اليها. لكن هؤلاء لا يسقطون احتمال ان يطاول التهديد المصالح الغربية في لبنان، انطلاقاً من التقارير الثلاثة التي وضعتها وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية، والتي سبق ان وصلت الى مسؤولين لبنانيين سياسيين وامنيين، وفيها تحذير من وجود مخطط لتنظيم «القاعدة» يشمل تنفيذ اعتداءات بسيارات مفخخة ومتفجرات.
– في التقرير الاول، أن مجموعة مرتبطة بتنظيم القاعدة جهّزت عبوتين ناسفتين ضخمتين، يصل وزن كل واحدة منهما إلى 7 أطنان من المتفجرات، وأعدتهما للتفجير بواسطة انتحاريين بعد وضعهما في شاحنتين كبيرتين، على ان تستهدفا مباني في الضاحية الجنوبية لبيروت.
– في التقرير الثاني، أن مجموعة مرتبطة بـ «القاعدة» أدخلت إلى لبنان نحو 2000 كيلوغرام من المتفجرات، لاستخدامها في هجمات ضد الجيش اللبناني وحزب الله وسفراء خليجيين في بيروت، إضافة إلى دبلوماسيين روس وصينيين.
– في التقرير الثالث، معلومات تفصيلية عن المسؤول عن قصف الصواريخ من داخل الأراضي السورية نحو منطقة بعلبك.

تأكيد
ويؤكد مصدر وزاري رفيع ان لبنان «تلقى فعلاً ورسمياً التحذير الاميركي عبر محطة الاستخبارات المركزية في بيروت، وجاءت المعلومات المسربة خطرة ومقنعة ومخيفة في آن، لانها تضمنت تفاصيل دقيقة محددة للغاية. وتضمنت الأدلة اعتراض مكالمات هاتفية (تنصت) ومعلومات مفصلة جداً عن عدد من الخلايا العاملة على طول الحدود اللبنانية مع سوريا، وكذلك داخل بيروت نفسها.  كما تضمنت نسخاً من المكالمات التي تمت بين اعضاء من «القاعدة» في لبنان ونظرائهم في دول عربية، ومعلومات مفصلة عن الهجمات المخطط لها وعن كمية المتفجرات التي تم تهريبها إلى لبنان».
ويشير المصدر الى ان «اعتقالات حصلت في اكثر من منطقة لبنانية، بقاعية على وجه التحديد، على خلفية التقرير الاستخباري الاميركي، لا سيما ان هذا التقرير سبقه رصد الاجهزة الامنية اللبنانية سلسلة من المكالمات الهاتفية بين متشددين، لكن لم يكن في مستطاعها الاستماع بدقة إلى محتوى هذه المكالمات لانه تم تشفيرها، بعكس وكالات حفظ الامن الاميركية، وخصوصاً وكالة الاستخبارات المركزية CIA ووكالة الامن القومي NSA التي استطاعت تفكيك التشفير والاستماع إلى مضمون المكالمات الهاتفية».
ويرجح المصدر الوزاري الرفيع «تواصل الخلايا الارهابية مع بعضها من خلال استخدام برنامج الصوت عبر الإنترنت VOIP، لعلمها بأن الاجهزة الامنية اللبنانية تفتقر الى القدرة على مراقبة واعتراض هذا النوع من التخابر الصوتي وتنقصها المعدات القادرة على فك التشفير، اي انها تنقصها الخبرة والتكنولوجيا في آن معاً. لكن ما حصل ان وكالة الامن القومي الاميركية اعترضت تلقائياً التخابر الصوتي عبر الانترنت بين اعضاء الخلايا، بمجرد ان حصل الاتصال الصوتي عبر الانترنت بين لبنان ودول عربية محددة، لواشنطن فيها قدرات امنية واستخبارية وتقنية وتنصتية كبيرة».
ويشير المصدر الوزاري الى ان بعثات ديبلوماسية عدة عاملة في بيروت تلقت تحذيرات مماثلة من أجهزة الاستخبارات العائدة الى دولها، وكذلك من مسؤولين لبنانيين.

مخاوف
وتقاطعت التقارير الاميركية مع تقارير أمنية محلية واوروبية، حول «وجود مخاوف جدية من ردة فعل هي الأقوى على المستوى الامني الداخلي، على خلفية مشاركة «حزب الله» في المعارك السورية، كما على خلفية مناخات الشحن المذهبي القائم بين الجماعتين السنية والشيعية، مما يفاقم المخاوف بعد ارتفاع منسوب التعبئة ليصل الى معدلات قاتلة للمرة الاولى منذ اندلاع الحرب السورية، ويتهدد بخروق امنية خطرة وكبيرة تستهدف الاستقرار اللبناني».
وسبق لجهاز امني ان حذّر من امكان بلوغ الأوضاع في لبنان، في أي لحظة او توقيت، مرحلة «القيام بعمل إرهابي غير منظم على أيدي افراد متطرفين بعد تكاثر الحديث عن انخراط «حزب الله» في سوريا، علماً ان لا خوف من دعوات الجهاد والتنظيمات المتطرفة المضبوطة الى حد ما، بقدر الخوف من التفلت الفردي، والذي قد يكون على شاكلة تفجيرات انتحارية فردية، بمعنى ان لا ارتباط تنظيمياً لها، لكن في الوقت نفسه يتأثر القائمون عليها او منفذوها بمناخات الشحن الطائفي وبأفكار «القاعدة» الذي بات مسلكاً اكثر منه تنظيماً بهيكلية قرار واضحة او معلنة او مباشرة».
ويعتقد الجهاز الامني ان «لبنان يعيش أدق صراع استراتيجي لتحديد موقعه ومحوره، بين محور المقاومة والممانعة ومحور الإعتدال العربي ذي الامتداد الغربي. اما شد الحبال فتجلى في العودة الخليجية كلاعب اساس في لبنان، وخروج موسكو من وكرها البارد الى المناخ المعتدل لتعاين بنفسها الارض عبر الناشط على خط الدبلوماسية الروسية والممثل الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين، ميخائيل بوغدانوف».

تقاطع
في تقدير مراقبين سياسيين ان «تقاطع المصالح العربية والروسية، يشكل للبنان عامل حصانة من اي هزة عميقة تضرب استقراره ويجعل المخاوف العسكرية تتراجع امام الخوف من خروق أمنية متفرقة. كما ان لا مصلحة لسوريا بنقل معاركها الى لبنان الذي تعتبره الآن شريانها الحيوي الوحيد على كل الأصعدة، ولا سيما عبر الطرق البرية والمنافذ الخارجية. فمطار بيروت اصبح المعبر الاساسي لحركة السوريين الى الخارج، وإذا انفجر الوضع في لبنان فإن سوريا ستزيد حصارها على نفسها. لذلك تريد لبنان الحديقة الخلفية الهادئة لها والخاصرة القوية لأمنها التي لا تريد قطعاً الولادة منها».
ويعتبرون أن ما يحصل في سوريا سيؤثر في المستقبل في الوضع اللبناني، لكن على رغم كل ذلك لن يكون للأزمة السورية انعكاس على لبنان مما يؤدي الى حرب اهلية جديدة يكثر التحذير منها، إنما سيقتصر الأمر على توتر سياسي مستمر لأن هناك توازناً للقوى داخل لبنان، وهذا التوازن يشكل حاجزاً أمام إمكان تحول التوتر الى حرب.
ويرون أن فقدان التوازن في القدرات العسكرية بين فريقي الازمة في لبنان يمنع الفتنة، غير ان وجود توازن سياسي بينهما يتهدد بخطر الفراغ. ويحض هؤلاء على الاستثمار الأقصى للعوامل التي تحول دون عودة الحرب، محددين منها خمسة:
أ- «القوة العسكرية الأقوى والأضخم والقادرة، أي حزب لله، لا تريد الانجرار الى الحرب.
ب- امراء الحرب الاهلية، لن يفرطوا في نجاحهم في تبييض سجلهم، تماماً كما لن يفرطوا في ما راكموه من مكاسب خاصة وخدماتية وحزبية وشخصية من خيرات الدولة. وتالياً لا مصلحة لهم في العودة الى زمن الحرب الاهلية.
ج- تماسك الجيش اللبناني ووحدته والتفاف اللبنانيين حوله، وهو بات قادراً على التدخل لحسم أي بؤرة أمنية من الانفجار والحؤول دون الانزلاق الى الحرب، كما حصل في عبرا.
د- عدم تأثر لبنان، حتى اللحظة، بالأحداث العربية، اضافة الى انه ليس من ضمن اولويات عواصم القرار العربي، الا في ما خص حفاظه على الحد الادنى من الاستقرار وسط منطقة لاهبة بالاحداث والتطورات.
هـ – الأميركيون والأوروبيون تشغلهم ازمات داخلية، ويقاربون ملف لبنان من زاوية الحفاظ على الستاتيكو الراهن، حتى تنجلي مشهدية المنطقة المحيطة به».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق