سياسة عربية

شرق اوسط جديد مناقض لكل التوقعات

مصر هي قلب الشرق وليس سواها، والأوضاع فيها هي التي تؤدي الى قلب التحالفات ورسم السياسات. ففي الامس، قامت طائرات اسرائيلية بضرب ترسانات صواريخ روسية الصنع، من طراز «ياحونت»، المضادة للسفن في سوريا، وان لم تكن دمرتها كلها، كما قيل لاحقاً ولكن «صانداي تايمز» قالت: ان هذه الطائرات، انطلقت من احدى القواعد التركية. وقد يعني ان ابتعاد تركيا عن سوريا، هو اقوى من المواجهة التي قامت بين تركيا واسرائيل، والتي كان اردوغان جعل منها بيرقاً وعنواناً.

تركيا ترفض هكذا استنتاج واسرائيل لا تعلّق كالعادة. ولكن هذه الردود لا تبدل الشعور بأن شرقاً اوسط جديداً ومناقضاً لكل التوقعات هو قيد التكوين. فخريطة اليوم، تظهر لنا شرقاً اوسط، قوامه منتصرون وخاسرون جدد، ليس للإنقسام الذي يسعون الى تسعيره بين السنة والشيعة البعد الذي يريدون فيه.
واللعبة تبدأ من جديد، فالرئيس المصري المخلوع، محمد مرسي، كان سعى وراء اقامة تحالف غير معتاد مع ايران، وزار طهران في آب (اغسطس) من العام 2012، ورد احمدي نجاد الزيارة في شباط (فبراير) من العام الحالي. فكانت المبادرة الأولى من نوعها منذ عام 19
79، سنة السلام المصري مع اسرائيل، والثورة الاسلامية الايرانية. ولكن المغامرة الكبيرة انتهت في سرعة، عندما ادانت طهران اخراج محمد مرسي من سدة الرئاسة و اوحت بأنه عمل «اياد اجنبية». فردت مصر الجديدة بالإعلان عن شعور بـ «خيبة كبيرة، تدل على عدم معرفة دقيقة» بما حصل. وتلقت تركيا ردود فعل مماثلة لموقفها من النظام الجديد، فإنتهت مساع لقيام تحالفات اخرى في المنطقة، بعد ان عمد الطيب اردوغان الى اعطاء نظام الاخوان المسلمين دعماً مفتوحاً. ثم اسرع يتخذ تدابير دستورية، يعتقد انها تحول دون تحرك الجيش التركي ضد حكمه.

تحرك خليجي
وتحركت دول الخليج، بقيادة المملكة العربية السعودية، لتعيد تحريك «الجبهة البراغماتية» العملية وتشكيل الجبهة الموحدة في مواجهة ايران الفارسية، فأغرقت النظام المصري الجديد، بالمساعدات المالية التي شكلت الحاجز العملي في وجه تهديدات من افرقاء اميركيين، بينما كانت قطر، قدمت الدعم لنظام الاخوان بما فيه خدمات شبكة تلفزيون الجزيرة، التي تعمد الى تجميل حكم الاخوان في مصر (سابقاً) وفي تونس، وقدمت مليارات الدولارات الى حكام غزة الذين يرفضون ذيول وصول النظام الجديد، الذي قام في القاهرة والذي سدّ بوابات تهريب الاسلحة والرجال والبضائع، مما جعل البعض يقول ان حكم غزة، هو احد اجنحة الاخوان المسلمين، في العالم العربي. وحالة حزب الله معروفة على الجبهة اللبنانية، حيث تتجدد صداقات قديمة، بين سنة ومسيحيين ومواقع شيعية مناوئة لحزب الله.
وكانت التطورات التي توالت على المسرح المصري، ادت الى حشر البيت الابيض، في مواقع دفاعية، وتجسد المأزق الاميركي، في مواقف متناقضة في الظاهر، انعكس هذا الوضع يوماً في انتقادات قاسية للعنف الذي اعتمده الحكم الجديد، في مواجهة تحركات الاخوان الشارعية. واشار البيت الابيض الى انه سيعتبر الحكومة المصرية الجديدة المدعومة من الجيش مسؤولة معنوياُ وقانونياً عن اعمالها. ولكنه اردف ان ليس في نيته وقف المساعدات (1،5 مليار دولار في السنة) التي يقدمها للقوات المسلحة المصرية، في استثناء تجديد تأجيل تسليمها 4 طائرات مقاتلة من طراز ف – 16.
ويفسر مراقبون، تلك الديبلوماسية الاميركية، باهدافها الساعية الى دفع السلطات المصرية مدنية وعسكرية، بالعودة الى الديمقراطية، وتفادي القمع والعنف. ولكن بدون انقسامات، تضر النفوذ الذي لواشنطن على القيادات العسكرية المصرية، ام ترمي الى التشكيك بالعلاقات والتحالفات القائمة على صعيد الأمن مع القاهرة، ويشكل سبباً آخر لإستعمال قفازات من المخمل استئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين واسرائيل، التي من شأن استقرار الاوضاع في مصر ضبط التيارات الاسلامية المتطرفة.

اتصالات اميركية
وطالما فضلت الديبلوماسية الاميركية المساعي من وراء الستار، لممارسة ضغوطها بينما اشارت نيويورك تايمز، الى ان وزير الدفاع في ادارة اوباما، الجمهوري السابق تشاك هاغل، اجرى اتصالات كثيرة مع الفريق عبد الفتاح السيسي، وقام باتصالات مماثلة وزير الخارجية جون كيري، والسفيرة الاميركية في القاهرة، آن باترسون.
مجلة تايم، كانت عنونت عدد 10 كانون الاول (ديسمبر) من العام 2012، تحت صورة محمد مرسي، على كامل غلافها: «الرجل الأكثر اهمية في الشرق الأوسط»، وكانت وساطة قام بها مرسي ادت الى امتناع اسرائيل عن غزو قطاع غزة مرة جديدة، بينما كانت مواسم الربيع العربي، متواصلة. وبدا محمد مرسي وكأنه يشكل الأمل غير المعلن منذ احداث 11 ايلول (سبتمبر)، وبدت انظمة الاخوان وكأن في استطاعتها ان تجسد وجه حكم اسلامي سياسي معتدل، كما كان حال احزاب الديموقراطية المسيحية، في المانيا وايطاليا وفرنسا، بعد هزيمة النازية.
وكانت المجلة نزلت الى الأسواق، عندما فاجأ محمد مرسي الجميع، بسلسلة مراسيم رئاسية عادلت سلطته بسلطة حسني مبارك، من دون ان يتصور انه كان يكتب نهايته بيده. ففي الولايات المتحدة ليست الحكومات التي تستعمل الصحف كما نتصور ولكن الصحف هي التي تؤثر على الحكومات. وكانت تايم تشير الى التوجه الذي تميزت به سياسة الادارة الاميركية مدة طويلة، وعلى الاقل حتى الليلة التي سعت خلالها السفيرة باترسون الى القبول بالواقع والرضوخ للحركة التي قام بها العسكر باسم الحراك الشعبي في الشارع. فرفض محمد مرسي وخرج من ارادات، الادارة الاميركية ومعه كل الاخوان.

تعقيدات
وراحت اللعبة السياسية تزداد تعقيداً بعد ان قادت لعبة عض الاصابع مع الجنرالات الى سقوط اكثر من 80 قتيلاً في صفوف الاخوان وانصارهم ولم تكن اوساط في الادارة، متأكدة من ان رأس الهرم المصري الجديد، على استعداد للإستماع الى الدعوات الاميركية ، بعد ان بقيت الضغوط من اجل اطلاق سراح محمد مرسي من دون نتيجة.
ولكن اشارات اخرى، نحو التحول بدأت تظهر عندما طلب الفريق السيسي مزيداً من الدعم الاميركي بينما كان الجيش المصري يضاعف دورياته في سيناء، بمباركة اميركية واسرائيلية. ولكن اللعبة الاميركية مع مصر كانت ما تزال مفتوحة ولم يكن يبدو ان باراك اوباما، وجد الجواب الفعال، لحل الازمة الجديدة والخطرة التي تواجهها سياسته الخارجية.
وبقيت هذه النافذة مفتوحة حتى رأى جميع المراقبين 4 طائرات من طراز ف – 16 تحلق على ارتفاع منخفض فوق ساحة التحرير، تدشن عهد العلاقة الجديدة.
وتحققت اعجوبة المسار الجديد الواقعي، فإن عهد محمد مرسي الذي استحق غلاف مجلة «تايم» شأن باراك اوباما ونلسون مانديلا «لم يكن حكماً ديمقراطياً». هذا القول جاء على لسان جين بساكي، الناطقة باسم وزارة الخارجية الاميركية، التي ترسلها لإستكشاف مواقع غامضة، واردفت بساكي: «اريد ان اقول اننا سمعنا 22 مليون شخص، نزلوا الى الشارع للقول ان الديمقراطية ليست فقط في الفوز في الانتخابات».
كان من شأن الاخوان ان يشكلوا استثماراً للمستقبل لا يقدر لو انه نجح، ولكنه بقيت علامات استفهام في انجازاته. كان الاخوان فازوا في الانتخابات وتسلموا السلطة الاسمية، ولكن ليست الدولة و ليست القوات المسلحة، والمخابرات، والشرطة، والبيروقراطية، والاعلام، ومؤسسات الدولة وشركاتها الاقتصادية، وجمعيات رجال الاعمال الخاصة بينما كان النظام القديم على استعداد لاستغلال اية فرصة.

العسكر هم الضمانة
وبقي العسكر يشكلون ضمانة اكيدة منذ 1973 في مواجهة هواية الاخوان، اي منذ ان تخلى انور السادات عن الاتحاد السوفياتي، للتحالف مع الولايات المتحدة. فإنهم يضمنون النظام والاستقرار في البلاد، وكذلك قناة السويس وصفقات اكيدة مع المجمع العسكري – فيه الصناعي في اميركا، ويحبهم سائر حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي. وفي عهد تتطلع الى بعض الانكفاء تحتاج الولايات المتحدة الى ان تترك «حدود الامبراطورية» بين ايد امينة وجيدة التسليح. وتبقى التحركات العسكرية تعتمد على مبررات واخلاقية خصوصاً لمواجهة ممارسة الهواية في الحكم.
وبدأت الولايات المتحدة، في تطبيع علاقتها مع النظام الجديد في مصر خلال الاسبوع الماضي، مع زيارة اول ديبلوماسي الى القاهرة الجديدة، التي قامت بعد 3 تموز (يوليو)، مساعد وزير الخارجية ويليام بيرنز، وليست المصاعب سوى انعكاس لتعقيدات الوضع القائم.
البيت الأبيض تجنب الاشارة الى اعتبار اسقاط محمد مرسي اول رئيس منتخب كانقلاب حتى بلسان جون كيري واعتبر الاخوان المسلمون، هذه الاقوال خيانة للقيم الديموقراطية التي تدعي الولايات المتحدة الدفاع عنها.
واتهم خالد فهمي، الاستاذ في الجامعة الاميركية في القاهرة السفيرة باترسون «بالسعي الى منع حصول الانقلاب، ولكنها لم تنجح لمعرفتها بذيوله. فالجيش المصري راهن وربح بان اثبت انه الافضل والأكثر ركونية من الهواة في السياسة ولم تقطع الولايات المتحدة المساعدات العسكرية ولم توافق على اية عقوبات مما يعني ان الجيش المصري، اجرى حساباته جيداً وربح»، في انتظار ان نرى كيف ستنتهي هواية اخوان تونس، الذين يظهرون بعض الضعف في انتظار ان نعرف البديل.
ولم تتردد جريدة الوطن الجزائرية في التساؤل عما اذا كانت الاحزاب الاسلامية التي وصلت الى الحكم بعد ثورات 2011، غير مرغوب فيها؟.

ج. ص


بين مواجهة واخرى تخفيض معدل الفائدة في مصر
اعلن البنك المركزي في مصر، تخفيض معدلات الفائدة الاساسية خمسين نقطة وهذه هي المرة الاولى التي يعتمد فيها البنك المركزي المصري مثل هذا التدبير منذ 4 سنوات، فتكون محاولة لتحريك الاقتصاد بعض الشيء ورسالة استقرار في زجاجة تركت عائمة في قلب العاصفة.
وشدد نائب الرئيس المصري المؤقت للشؤون الخارجية محمد البرادعي في حديث الى واشنطن بوست، على ضرورة انهاء المواجهة التي تجمد الاقتصاد والحياة العامة في مصر منذ شهر حزيران (يونيو). وقال: «لسنا في حاجة الى قرض صندوق النقد الدولي (حوالي 5 مليارات دولار، جمدت المفاوضات في شأنها) لدينا المال الاتي من دول الخليج. لكننا في حاجة الى الصندوق الدولي ليعطينا شهادة بأن اقتصادنا سليم وذلك لاستدراج الاستثمارات الاجنبية». فإن «فتح مصر امام العالم، بما فيها من مجالات السياحة ضرورة ماسة حالما تعود الى الاستقرار».
وفي انتظار الاستقرار يبقى النشاط الاقتصادي الاكبر في مصر المراهنة على متى سيحرر العسكر الميادين التي يحتلها الاخوان وجماعتهم: قبل انتهاء شهر رمضان ام بعده، قبل الاعياد ام بعدها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق