رئيسيسياسة عربية

لبنان… ثلاثي الجيش اولاً!

يضع المجتمع الدولي ثقة في الجيش اللبناني باعتباره المؤسسة القادرة على حفظ الحد الادنى من الاستقرار، في وقت يشهد لبنان وفق التقويم الدولي، تحللاً غير مسبوق في بنيته السياسية والمؤسساتية. ويبرز في هذا السياق الثلاثي الاميركي – البريطاني – الفرنسي الذي بات يبدي دعماً بلا تحفظ للجيش، قافزاً فوق اعتبارات كثيرة، منها اسرائيلية، لكن ابرزها التخوف من ان تقع اي مساعدات للمؤسسة العسكرية بين يدي «حزب الله».

يظهر هذا الثلاثي حرصاً غير مسبوق على ان يؤدي الجيش كامل مهامه في امرين حددهما بدقة تقرير ديبلوماسي: «تأمين الحدود مع سوريا ومكافحة الارهاب المرتبط بتنظيم «القاعدة» واندماج مجموعات مقاتلة سورية في التربة اللبنانية والذوبان فيها».
في الثامن عشر من تموز (يوليو)، تلقى رئيس الجمهورية ميشال سليمان اتصالاً من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ابدى فيه «استعداد بلاده لمواصلة دعمها لبنان ودعم الجيش ومساعدته، ولا سيما مده بالصواريخ الخاصة بالطوافات التي تم توقيع اتفاق في شأنها بين الجانبين خلال زيارة الرئيس سليمان الى لفرنسا».
وكان سفير بريطانيا توم فليتشر قد اعلن أن بلاده «في إطار دعمها لبنان ستقدّم مساعدة جديدة تبلغ قيمتها 15 مليون دولار أميركي لتجهيز الجيش اللبناني لحماية حدود لبنان. سنضاعف تمويلنا لخطة الجيش اللبناني الخمسية إلى ثلاثة أضعاف، فالجيش بحاجة الى الدعم الذي يوازي شجاعته».
وفي الثالث عشر من تموز (يوليو)، تسلم الجيش اللبناني 38 شاحنة عسكرية اميركية وصلت الى مرفأ بيروت البحري، في حضور عدد من ضباط الجيش اللبناني ومكتب التعاون الدفاعي الأميركي في بيروت. وتأتي هذه الدفعة ضمن اطار برنامج المساعدات الأميركية المقررة للمؤسسة العسكرية والالتزامات والاتفاقات الموقعة بين الجانبين.
ويرى مراقبون ان استمرار الارادة الدولية، وخصوصاً، الادارة الاميركية، في دعم الجيش اللبناني، ولو من باب الحد الادنى من المساعدات اللوجستية لا الهجومية، يؤشر الى انها لا تزال تعتبر المؤسسة العسكرية ضامنة للاستقرار في لبنان. ويشيرون الى ان الموقف الأميركي الداعم للجيش ولرئيس الجمهورية، يؤكد أنّ الإرادة الدولية ترفض تعريض الاستقرار اللبناني والسلم الأهلي للخطر، مما يعني أنّ كل محاولات إشعال فتنة داخلية ذات طابع مذهبي غير قابلة للتحقق.
ويرون ان الدعم الأميركي واضح للمؤسسات الشرعية اللبنانية ولأهمية قيامها بدورها عبر الإسراع في تشكيل حكومة جديدة وعدم حصول أي فراغ مؤسساتي، وسط تكرار ثابتة إجراء الاستحقاقات تحت سقف الاستقرار.

اهتمام بالجيش
ويشير المراقبون الى ان ارتفاع منسوب الإهتمام الدولي بلبنان، والاميركي على وجه الخصوص، يعود إلى سببين: الخوف من الفراغ الحكومي، ودعم الجيش اللبناني في مكافحة الإرهاب.
وتظهّر الدعم الاميركي للبنان في محطات عدة، احداها الاتصال الذي تلقاه قبل اسابيع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من وزير الخارجية الاميركي جون كيري حيث عزّاه بشهداء الجيش اللبناني الذين سقطوا في عبرا، مؤكداً استمرار بلاده في دعم الجيش الذي أثبت أنه الضامن الوحيد للاستقرار والسلم الأهلي ومكافحة البؤر الإرهابية، ومثنياً على السياسة التي يتبعها رئيس الجمهورية والدولة اللبنانية للحفاظ على الاستقرار الداخلي. واذ أكد كيري دعم حكومة بلاده للبنان في شتى المجالات، أشار إلى أهمية المساعدة الخاصة في موضوع النازحين من سوريا في ضوء الارتفاع اليومي لعددهم بفعل الوضع القائم والعبء الذي بات يشكله أمنياً وديموغرافياً واجتماعياً.
وسبق لرئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي، ان كشف أنّه أوصى بتدعيم القوى الأمنية اللبنانية التي تكافح آثار امتداد الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، بإرسال مدربين عسكريين والتعجيل في مبيعات الأسلحة.
ويلفت المراقبون الى ان الاهتمام الاميركي بلبنان واستمرار دعم الجيش اللبناني يؤكدان على أن «المجتمع الدولي، وإن كان يناهض «حزب الله» وسلاحه، لكنه لا يعتبر أنّ خلق بؤر إرهابية وأمنية هو الطريق الأفضل لمواجهة الحزب. من هذه الزاوية يأتي تأييد المجتمع الدولي للجيش اللبناني في مكافحة الإرهاب، اذ في اعتقاده أن خلق تنظيمات قريبة لفكر تنظيم «القاعدة» وممارساته ليس الطريق الأفضل لمواجهة «حزب الله»، لذا كان الرهان على الجيش اللبناني لمواصلة مكافحة كل المظاهر الشاذة والبؤر الإرهابية».

بريطانيا ومكافحة الارهاب
في موازاة ذلك، يشير تقرير ديبلوماسي اوروبي الى ان المجتمع الدولي مستمر في بعث رسائل الدعم للجيش اللبناني. ويتحدث عن «ثلاث دول على وجه الخصوص، هي في الوقت نفسه متدخلة جداً في المسألة السورية، وتشعر بقلق بالغ إزاء خطر فيضان الحرب السورية إلى لبنان، وهذه الدول هي: الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وفرنسا».
ويؤكد التقرير ان هذه الدول الثلاث «تعطي الأولوية لتأمين الحدود السورية – اللبنانية، وهو برنامج يدعمه في الاساس البريطانيون»، مع الاشارة الى ان قائد أركان الدفاع في الجيش البريطاني الجنرال السير ديفيد ريتشاردز سبق ان زار لبنان في الرابع والخامس من تموز (يوليو) مباشرة قبل تقاعده وتسلم الجنرال السير Nick Houghton المنصب.
ويكشف التقرير ان ريتشاردز ابرز في لقائه بالمسؤولين اللبنانيين «اهمية مكافحة الارهاب والتهديدات المرتبطة وذات الصلة المباشرة بإندماج مجموعات مقاتلة سورية في التربة اللبنانية والذوبان فيها. وجاءت زيارة ريتشاردز بعد زيارة رئيس القيادة المركزية الأميركية الجنرال لويد أوستن الثالث لبنان في ايار (مايو) 2013 ومن ثم قائد القوات الخاصة الاميركية الأدميرال كيري ميتز في حزيران (يونيو) عشية الحوادث في صيدا بين الجيش والمجموعة الإرهابية بقيادة الشيخ أحمد الاسير. وقد أثمرت هذه الزيارات برامج عاجلة لمصلحة الجيش اللبناني».
وسبق للجنرال ريتشاردز ان اثنى على الاحتراف الذي أبداه الجيش اللبناني في رده على أحداث العنف الأخيرة (عبرا)، ودوره في تأمين حدود لبنان. وكرر التزام المملكة المتحدة القوي باستقرار لبنان وسيادته و ديمقراطيته.
وفي البيان الرسمي البريطاني لزيارة المسؤول العسكري ان ريتشاردز بحث وقائد الجيش العماد جان قهوجي سبل التعاون والمساعدة العسكرية بين لبنان والمملكة المتحدة، بما في ذلك بناء قدرات الجيش اللبناني من خلال حزمة جديدة من التدريب والمعدات بحسب خطة بناء القدرات للجيش اللبناني.
وصرح ريتشاردز في ختام زيارته: «اكنّ احتراماً كبيراً للروح المهنية ولقيادة الجيش اللبناني. يقوم الجيش بلعب دور محوري في الحفاظ على السلام في لبنان في وجه التحديات المترتبة من النزاع في سوريا. ومنذ العام 2010، زادت المملكة المتحدة المساعدات للجيش اللبناني الى اكثر من الضعف. ونحن الآن نتطلع الى زيادتها. ويسعدني ان تكون قد سنحت لي الفرصة لاناقش شخصياً مع الجنرال قهوجي تفاصيل تلك المساعدات وسبل مساندة الجيش اللبناني في مهمته في الدفاع عن سيادة واستقرار لبنان».
وسبق للعماد قهوجي ان زار لندن رسمياً، في24 و25 ايلول (سبتمبر) 2012، بدعوة من الجنرال ريتشاردز، التقى خلالها المسؤولين الكبار في وزارة الدفاع، ووزارة الخارجية البريطانية، ومجلس الأمن القومي. وتركزت المحادثات بحسب المعلومات الرسمية البريطانية على «المساعدة التي تقدمها المملكة المتحدة للجيش اللبناني وللاستقرار في المنطقة».
وإذ لفتت المعلومات الرسمية البريطانية الى أن «هذه الزيارة لقهوجي هي الأولى»، أشارت الى أنها «أتت لتؤكد قوة العلاقة العسكرية للمملكة المتحدة مع لبنان». وأضافت: «ناقش الجنرال السير ديفيد ريتشاردز مع قهوجي سبل زيادة المملكة المتحدة من مساعداتها للجيش اللبناني، وذلك تقديراً للدور المهم الذي يضطلع به في حماية الاستقرار والاستقلال والسيادة اللبنانية».
وبحسب المعلومات الرسمية، «أكد مسؤولون في الحكومة البريطانية مجدداً لقائد الجيش أهمية لبنان كحليف في المنطقة، داعين المجتمع الدولي الى القيام بكل ما في وسعه لمساعدة الجيش اللبناني للحد من خطر عدم الاستقرار في سوريا منعاً لتقويض الأمن الوطني اللبناني».

لا تردد
ويوضح التقرير الديبلوماسي الاوروبي ان فرنسا، التي كانت مترددة في تسليم الأسلحة الهجومية الى الجيش اللبناني، لمجموعة متنوعة من الأسباب بما في ذلك أسباب مالية بحتة، عادت ورفعت الحظر عن برنامج منح لبنان صواريخ Hot لتجهيز المروحيات اللبنانية من نوع «غازيل».
ويستنتج ان «هناك إرادة دولية حقيقية لمساعدة الجيش اللبناني لتعزيز سيطرته على الحدود مع سوريا، ولكن أيضاً، وقبل كل شيء، الرغبة في منح القوات المسلحة اللبنانية ما يساعدها على احتواء تزايد انعدام الأمن في البلاد، على خلفية الحرب في سوريا وآثارها المباشرة والفورية على لبنان، من الفتنة الطائفية الى الخطر المتزايد من الإرهاب».
ويشير التقرير الى ان «الدول الثلاث وضعت بين قوسين مسألة «حزب الله» (التخوف الدولي من ان يضع الحزب يده على الاسلحة التي تخصص لمساعدة الجيش) مع أبعادها الداخلية والاسرائيلية والتي قد تبطئ تسليم الأسلحة إلى الجيش، لا بل قررت واشنطن ولندن وباريس ان تجدد بوضوح وصراحة دعمها الدولة اللبنانية المهددة بالانهيار، وقواتها المسلحة الموزعة بين جبهات عدة. اما القضايا الداخلية اللبنانية، كالانتقادات الموجهة لقيادة المؤسسة العسكرية انطلاقاً من خلفيات سياسية ودينية، فلا يبدو أنها تؤثر في عزم المجتمع الدولي على استمرار دعمه هذه المؤسسة».
ويخلص التقرير الديبلوماسي الاوروبي الى ان «الجيش الذي يملك اهتمامات واولويات فورية، بدأ بتعزيز السيطرة على المناطق الحدودية مع سوريا، وتكريس الاستقرار في الجنوب من الليطاني مع القوة الدولية المعززة (اليونيفيل)، مروراً بتهدئة مناطق التوترات الطائفية في طرابلس وصيدا وعرسال وبيروت وغيرها… كما ان تدفق الآلاف من المقاتلين السوريين الى لبنان، وتفاقم المسألة الفلسطينية مع وصول عشرات الآلاف من اللاجئين من مخيم اليرموك السوري، يسهمان في تأجيج المخاطر الأمنية وفرض ضغط اشد وطأة على الجيش اللبناني. وفي هذا السياق، يمكن مقاربة الضغط السياسي الداخلي اللبناني على الجيش».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق