أبرز الأخبارلبنان

عزلة خارجية لـ «حزب الله»… فماذا عن الداخل؟

على طريقة «سباق البدَل»، أزمة تسلّم أزمة… هكذا هو حال لبنان الذي تحوّل «كتلة أزمات» تتداخل تعقيداتها الداخلية مع المشهد اللاهب في منطقة تضجّ بتحولات تاريخية تنذر بتغيير وجه الاقليم… من مصر التي «تغلي»، مروراً بسوريا المتفجّرة، وايران الموعودة بـ «روح جديدة» مع رئيسها المنتخب حسن روحاني، وصولاً الى المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية المرشحة لـ «اختراق» اميركي بعد طول جمود.

على «رقعة الشطرنج» هذه يتحرّك الوضع اللبناني خطوة الى الامام خطوتين الى الوراء، في ظل انسداد الأفق السياسي الداخلي وتعاظُم المخاطر الامنية ربطاً بـ «سوء الانقشاع» الذي يطبع المشهد الاقليمي وتحوّلاته الغامضة، وهو ما يجعل لبنان يقبع في غرفة الانتظار فوق «برميل بارود» قابل للانفجار مع اي «فتيل» داخلي او خارجي.
ولبنان الذي كانت عيونه شاخصة على المأزق الحكومي والدعوات المتجددة لمعاودة الحوار، سرعان ما وجد نفسه أمام معطى دولي من خارج الحسبان بعدما توصل الاتحاد الاوروبي في أعقاب تردّد طويل الى إجماع على إدراج «حزب الله» على لائحة المنظمات الارهابية، في تطوّرٍ حجب صخبه كل الضجيج الداخلي حول العناوين السياسية وحتى الامنية، وعكس حجم التداخل بين المحلي والاقليمي والدولي في المشهد اللبناني.
وقد تلقّى لبنان الرسمي بقلق كبير قرار الاتحاد الاوروبي ادراج الجناح العسكري لـ «حزب الله» على القائمة السوداء للمنظمات الارهابية، في خطوة غير مسبوقة استندت «حيثياتها» الى تفجيرات بلغاريا التي نفذت العام الماضي واعتقال أحد عناصر الحزب في قبرص قيل انه دبّر العملية، كما الى مشاركة «حزب الله» في الحرب الدائرة في سوريا.
وفور اعلان خبر نجاح الاتحاد الاوروبي بالوصول الى قراره بعد اكثر من شهرين على مساعٍ
بريطانية حثيثة لإقناع دول الاتحاد بذلك، اعترت المخاوف بيروت في ضوء الخشية من تداعيات هذا القرار على الوضع الداخلي في لبنان وتعقيداته كما على وضعية قوة «اليونيفيل» العاملة في الجنوب وأمنها، ولا سيما ان وحداتها تتمركز في مناطق مرشحة لان تصبح بعد هذا القرار بيئة «غير صديقة»، علماً بأن كلاً من  النمسا وبلجيكا وكرواتيا وقبرص وفنلندا وفرنسا وألمانيا واليونان والمجر وإيرلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وسلوفانيا وأسبانيا تشارك في القوة الدولية البالغ عديدها 10820 جندياً.

صفعة للدبلوماسية اللبنانية
واذا كان اجتماع بروكسيل أثمر إقناع الدول الاربع التي كانت لا تزال متحفظة حول وضع «حزب الله» على لائحة الارهاب الاوروبية (مالطا، قبرص، ايرلندا وتشيكيا) ما اتاح صدور القرار بإجماع بلدان الاتحاد الـ 28، فان الانظار سرعان ما شخصت الى مرحلة ما بعد هذا الاجراء الذي يُعدّ الاقوى اوروبياً ازاء «حزب الله» والذي سبق ان ضغطت الولايات المتحدة واسرائيل طويلاً لحدوثه ويعبّر عن تحوّل كبير في سياسة اوروبا تجاه لبنان و«حزب الله».
وبدا واضحاً ان هذا القرار، الذي تجاوز معه الاتحاد الاوروبي المخاوف من إمكان زعزعة استقرار لبنان مع ما لذلك من تداعيات بالنسبة الى المنطقة المحيطة وأفراد «اليونيفيل»، شكل صفعة للديبلوماسية اللبنانية التي كانت وجّهت عبر وزارة الخارجية رسائل الى دول الاتحاد الاوروبي طالبت فيها بعدم إدراج الجناح العسكري لـ «حزب الله» على لائحة الارهاب، وذلك بناء
على توجيهات رئيس الجمهورية  ميشال سليمان بالاتفاق مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، «لان الحزب مكوّن أساسي من مكونات المجتمع اللبناني»، وايضاً نتيجة تخوّف بيروت من ان يؤدي القرار في حال اتخاذه الى التسبب بمزيد من الارباكات خصوصاً في عملية تأليف الحكومة، فضلاً عن مضاعفات على صعد مختلفة اخرى ولا سيما الامنية.
ومع
صدور القرار الذي يسمح لدول الاتحاد بفرض عقوبات بما فيها تجميد الأصول ومنابع التمويل ومنع السفر على أشخاص، وسط توقعات بان تشمل العقوبات قياديين في «حزب الله»، اوحت المعطيات الاولية الناشئة عن القرار بانه لن يتسبب بخربطة الستاتيكو الذي يسود لبنان وخصوصاً على صعيد الوضع في الجنوب وقوة «اليونيفيل» ولكن الخشية ذهبت نحو قياس تداعياته السياسية على الأزمة الداخلية.

ما بعد القرار
بدت مرحلة ما بعد القرار الاوروبي محكومة بقراءة معطيات اساسية ابرزها:
- ان القرار الاوروبي جاء كواحد من تداعيات انغماس «حزب الله» في الصراع السوري، وهو ما سهّل إقناع الدول المتحفظة على هذا الاجراء بالموافقة عليه، وهو الامر الذي جعل الحص
ار الخارجي الدولي والغربي والخليجي يكتمل على الحزب لاول مرة بهذه الشمولية.
– ترْك القرار الاو
روبي قناة الحوار السياسي مفتوحة مع «حزب الله»، معلناً دعم جهود رئيس الحكومة المكلف تمام سلام لتأليف الحكومة ومؤكداً العمل «مع الحكومة التي تمثل جميع الافرقاء وحتى لو كان حزب الله فريقاً فيها»، وموضحاً ان القرار الذي اتخذه يعاد درسه كل ستة اشهر، وهو ما شكّل محاولة للجم اي أضرار للخطوة الاوروبية على الوضع اللبناني وعلى علاقة الاتحاد بلبنان.
– ان «حزب الله» الذي وصف قرار الاتحاد الاوروبي بانه «عدواني ظالم لا يستند إلى أي مبررات أو أدلة وكُتب بأيد أميركية وح
بر صهيوني»، جزم بان ما حصل لن يغيّر في سلوكه ازاء الازمة السورية او حيال اسرائيل.
وتبعاً لذلك، بدت بيروت بعد قرار الاتحاد الاوروبي امام مشهد مختلف اوحى بأن ملعب الردّ على هذا القرار سيكون بتعقيد ملف تشكيل الحكومة والاندفاع الى مهاجمة الخصوم الداخليين عبر اتهامه
م بالتحريض على الخطوة الاوروبية.
ولم تتأخّر اوساط مراقبة في توقع ان تشتدّ المبارزة بين فريقي 8 و14 آذار بعد إدراج «حزب الله» على لائحة المنظمات الارهابية الاوروبية، لتتحوّل ذريعة اضافية لشلّ اي جهد محتمل لحلحلة الأزمة الحكومية والإبقاء على حكومة تصريف الاعمال، رغم ان الموقف «الفاتر» الذي اعلنه الرئيس نجيب ميقاتي من القرار الاوروبي ازعج فريق 8 آذار، من ناحية قول ميقاتي: «ان لبنان يلتزم الشرعية الدولية والحفاظ على أفضل العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي»، مشيراً إلى أنه سيتابع القرار عبر القنوات الديبلوماسية. علماً بأن الرئيس اللبناني ميشال سليمان كان استدعى رئيسة بعثة الاتحاد الاوروبي في لبنان انجلينا ايخهورست، بعيد صدور قرار الاتحاد واستوضحها حيثياته وخلفياته
، متمنياًً «ان يعيد الاتحاد النظر في قراره، من منطلق الحرص على صون الاستقرار في لبنان وتثبيت الخيارات الاساسية التي تبحث في اطار هيئة الحوار الوطني، وتتناول بشكل اساسي مندرجات اعلان بعبدا والتصور الرئاسي للاستراتيجية الوطنية للدفاع».

اشتباك حاد
وما عزّز الانطباع بان لبنان مقبل على اشتباك حاد هو ان فريق 8 آذار اصطف مع «حزب الله» بوجه القرار الاوروبي في الوقت الذي حمّلت 14 آذار وتحديداً كتلة «المستقبل» الحزب مسؤولية هذا القرار، راسمة امامه «خريطة طريق» للعودة  «الى التزام الثوابت الوطنية المتمثلة بالدولة وبمرجعيتها، واحترام مؤسساتها، وكذلك احترام قرارات الشرعية الدولية وحصرية السلاح واستعماله بالدولة اللبنانية، والتزام إعلان بعبدا»، داعية اياه الى «سحب كل
المقاتلين وفرق الميليشيا من سوريا، تسليم المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، من المحكمة الخاصة بلبنان الى العدالة الدولية، ووقف كل الاعمال والنشاطات والتورطات الامنية والعسكرية الخارجية».
 وجاءت هذه التطورات عقب دينامية سياسية مستجدة كانت تشي بامكان كسر المراوحة التي قبضت على المشهد اللبناني لاشهر طويلة. فإعلان رئيس الجمهورية عزمه على معاودة الدعوة الى الحوار، واطلالة الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بـ «اليد الممدودة»، ثم ذهاب رئيس البرلمان نبيه بري الى حدّ دعوة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري للعودة الى لبنان وترؤس الحكومة الجديدة… كلها مؤشرات اوحت بان شيئاً ما كان يلوح في الافق.
ولم يكن في الامكان قراءة ما كان يحدث في بيروت من حراك مستجد، من دون معرفة صداه في جدة السعودية التي كانت تستضيف مشاورات بالغة الاهمية في توقيتها بين الرئيس سعد الحريري واركان تياره (تيار المستقبل) من نواب وشخصيات ومستشارين والتي حددت السقف حيال الموقف من دعوة الرئيس سليمان لمعاودة الحوار، ومن مد نصرالله يده للتلاقي، اضافة الى ما اشيع عن رغبة «الثنائي الشيعي» بعودة الحريري لترؤس حكومة وحدة وطنية.
وترافق ذلك مع «تحريات» للاوساط السياسية حول «التشجيع المفاجىء» لـ «الثنائي الشيعي» لعودة زعيم «تيار المستقبل» من «منفاه الاضطراري»، بعدما قاد هذا الثنائي عينه عملية اقصاء الحريري عن السلطة العام 2011. ولم تستبعد ان يكون موقف «حزب الله» وحركة «امل» في سياق ملاقاة ادراج الاتحاد الاوروبي الجناح العسكري لـ «حزب الله» على لوائح الارهاب بإبداء قدر من الايجابية في الداخل لقطع الطر
يق على توظيف خصومه الموقف الاوروبي، مع الحرص على ابقاء الابواب مفتوحة امام تفاهم ايراني – سعودي ما حيال تحييد لبنان وعزله عما يجري في سوريا، خصوصاً ان الرئيس الايراني الجديد حسن روحاني كان ابدى رغبة بزيارة المملكة العربية السعودية والتفاهم معها.
ومن خلف هذه التحريات كان الحِراك المتصل بملف تشكيل الحكومة تكثّف وسط ارتسام تداخُل فعلي بين هذا العنوان وموضوع استئناف الحوار الوطني حول الاستراتيجية الدفاعية.

الحوار سلاح ضغط
بدا واضحاً تَحوُّل عنوان «الحوار سلاح ضغط» في الملف الحكومي وسط ملامح جدال جديد على طريقة «الدجاجة او البيضة» حول «ايهما اولاً»؟ ففي حين لفتت محاولات قوى 8 آذار رسم معادلة ان الحوار قد يصبح اولوية ما لم يتمّ تأليف الحكومة قريباً، بقيت مواقف قوى 14 آذار تراوح تحت سقفين: الاول يعتبر أن الصيغة الفضلى هي بتشكيل الحكومة واستئناف الحوار معاً، بحيث تتولّى حكومة من شخصيات غير نافرة معالجة شؤون الناس فيما تناقش طاولة الحوار المسائل المعقدة، والثاني يتمسّك بوجوب ان يسبق تشكيل الحكومة استئناف الحوار الذي تشير دوائر في 14 آذار الى ان هذه القوى تريده محدداً بجدول اعمال محصور ببند الاستراتيجية الدفاعية ومع ضمانات بتنفيذ ما يصدر عنه، مذكّرة بالمقررات التي تم الاتفاق عليها خلال جولات الحوار السابقة والمتعلقة خصوصاً بإعلان بعبدا (تحييد لبنان عن الصراعات الخارجية) الذي عاد «حزب الله» وتبرأ منه معلناً انه وافق عليه لـ «احتواء الاحتقان».
 وعبّرت كتلة «المستقبل» غداة قرار الاتحاد الاوروبي والاجتماعات مع الرئيس الحريري في جدة بوضوح عن موقفها من موضوع الحوار والحكومة حين اعلنت «الترحيب بالتوجه نحو الحوار الوطني، وذلك مع قيام الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس المكلف تمام سلام، باعتبار أن الحوار بالنسبة الى الكتلة كان ولا يزال وسيلة مفضلة للتعاطي والتواصل مع الشركاء في الوطن، وذلك من أجل البحث في قضية سلاح حزب الله والملفات المتفرعة منه»، مشددة على «أهمية الاستفادة من الدروس المستخلصة من جلسات الحوار السابقة، لجهة تأكيد أهمية تنفيذ مقرراتها»، ومؤكدة «أولوية العمل على تشكيل الحكومة الجديدة بشكل ملح وعاجل، لتتولى الاهتمام بشؤون المواطنين مع التمسك بقيام حكومة من غير الحزبيين».
وكان الرئيس نبيه بري باغت الوسط السياسي حين اطلق مبادرة دعا فيها الرئيس الحريري للعودة الى لبنان «وإذا أراد ان يترشح لرئاسة الحكومة، ندرس الأمر».
وطالب بري الحريري بالعودة «من أجل تسهيل الحوار وتفعيله حتى نتعاون على مواجهة التحديات الراهنة، وإذا كانت المخاوف الأمنية تمنعه، فأنا أعتقد بأن الإقام
ة في بيت الوسط آمنة، وإلا ما كانت قوى 14 آذار لتعقد اجتماعاتها فيه»، مذكراً بانه و«حزب الله» يتفاوضان مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام بمعزل عن حصة العماد ميشال عون «لأننا لم نعد فريقاً واحداً على مستوى القضايا الداخلية بسبب وجود تباينات موضوعية، وهذا أمر كان يفترض به ان يسهل التأليف، لأنه أنهى نظرية الثلث الضامن، لكن الرئيس المكلف لم يتلقفه كما يجب وأصرّ على صيغة 8-8-8 بما لا يفيد عملية تشكيل الحكومة».
 وفيما كان بري يوجّه دعوته للحريري، برز هجوم نائب الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم على تيار «المستقبل» متهماً اياه بانه يجرّ البلد الى «المشروع الاميركي – الصهيوني – التكفيري»، ومعتبراً «ان انقطاع العلاقة مع «المستقبل» هو من طرف واحد اي ان «المستقبل» هو من أسقطها، بينما نحن اسقطنا (حكومة) سعد الحريري (في كانون الثاني – يناير 2011) لانه أخلّ بالاتفاق بين سوريا والسعودية».

دعوة الراعي
وفي غمرة هذا التساجل، لفتت دعوة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي الى تشكيل «حكومة حيادية مكوّنة من شخصيات لبنانية معروفة بماضيها وحاضرها، وغير مرتبطة بهذا او ذاك من الأفرقاء والأحزاب المتنازعين وملتزمة بالحياد الذي توافق عليه اللبنانيون في اعلان بعبدا ما دام  يوجد افرقاء سياسيون غير ملتزمين بهذا الحياد وما دام الإنقسام الذي يشطر البلاد الى اثنين ما زال مستفحلاً».
واكتسبت مواقف الراعي في هذا السياق اهمية خاصة لانها ترافقت مع محض بكركي دعماً متجدداً للرئيس سليمان ودعوته الى الحوار وعكست منحى جديداً في مقاربة البطريركية المارونية الوضع الداخلي.
ولم تحجب مختلف هذه العناوين الساخنة الانظار عن ملف دار الفتوى الذي عاد الى الواجهة بقوة مع العريضة التي أعدّها خصوم مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني لعزله والتي وقّعها ما لا يقلّ عن 80 عضواً من أصل 106 اعضاء من الهيئة الناخبة (للمفتي)، وشكّلت الارضية للاتفاق على الخطوات اللاحقة لاعفاء قباني من مهماته تم التفاهم على ذلك خلال إفطار في دارة الرئيس عمر كرامي في طرابلس بحضور الرؤساء: نجيب ميقاتي وتمام سلام وفؤاد السنيورة.

ازمة دار الفتوى
ومع اعلان مفتي الجمهورية رداً على مسعى عزله «لن أخرج من دار الفتوى حتى لو عزلوني، وسأبقى فيها حتى تاريخ انتهاء ولايتي أو في حال وافتني المنية»، اتخذت أزمة دار الفتوى منحى غير مسبوق يشكل عملياً استكمالاً للانقسام الذي كانت كرّسته انتخابات المجلس الشرعي الاعلى التي أجراها قباني في نيسان (ابريل) الماضي ووضعت الطائفة السنية امام تشرذم غير عادي على صعيد مؤسساتها ووحدتها، وكل ذلك في لحظةٍ سياسيةٍ حساسة تشهد احتدام الصراع المستمرّ (منذ العام 2005) حول التوازنات في لبنان واشتداد الاستقطاب المذهبي «المتفرّع» منه على خلفية عناوين داخلية وانخراط «حزب الله» في الحرب السورية.
وبعد مرحلة «المجلسين الشرعييْن»، الاول الممدَّدة ولايته والذي لا يعترف قباني بشرعيته، والثاني الذي وُلد مبتوراً من انتخابات قاطعها معارضو مفتي الجمهورية، تعاظمت المخاوف من ان تكون الطائفة السنية على مشارف تعميق الانقسام المؤسساتي ذي «الجذور» الاجرائية – التنظيمية والاخرى السياسية التي بدأت بالتباين بين رأس الطائفة والطيف السياسي الأبرز فيها اي «تيار المستقبل» حول الموقف من الأزمة السورية (واستقبال قباني السفير السوري في بيروت صبيحة اقتحام الجيش السوري مدينة حماة صيف 2011) ولم تنته باستقبال قباني وفداً من «حزب الله» يوم نشر المحكمة الدولية أجزاء واسعة من القرار الاتهامي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي اتهم اربعة من الحزب بالجريمة.

وفي حين لم تستبعد دوائر مراقبة ان يلاقي المجلس الشرعي الممددة ولايته عريضة عزل المفتي بالدعوة الى انتخاب مفتٍ جديد (من قبل الهيئة الناخبة المؤلفة من 106 اعضاء)، جاء التئام المجلس الشرعي المحسوب على قباني استثنائياً وإصداره موقفاً متشدداً حيال عملية «الحصار المحكم» على مفتي الجمهورية، ليشي بان الطائفة السنية قد تجد نفسها امام سابقة وجود رأسين لها، علماً بأن دوائر قانونية قريبة من قباني اشارت الى انه حتى لو تم جمع توقيع اعضاء الهيئة الناخبة للمفتي الـ 106 فان العزل غير ممكن لأن الأمر بحاجة الى رئيس حكومة عامل، وهو غير موجود حالياً. كما يحتاج الى إجماع على «أن المفتي قد ارتكب جريمة أو أنه يعاني مرضاً لا يخوّله إكمال مهماته، وهو ما لم يحدث حتى الآن».

لن اخرج
سادت توقعات بان الخطوة الاخيرة في سياق عزل المفتي ستحصل بعد عيد الفطر لتتوّج «المعركة الطاحنة» التي تدور منذ أشهر تحت سقف المجلس الشرعي على خلفية عنوان «خفي» عبّر عنه خصوم قباني (تنتهي ولايته في ايلول – سبتمبر 2014) الذين اعلنوا انه يريد من خلال انتخابات «الشرعي الأعلى» ولوائح الشطب التي اعتمدها «ضمان» نتيجة تتيح ادخال تعديل على المرسوم الاشتراعي رقم 18 الذي أنشئت دار الفتوى بموجبه وذلك على قاعدة ان يُنتخب المفتي مدى الحياة (عوض سن التقاعد المحددة حالياً بـ 72 عاماً) في مقابل اعلان قريبين من قباني ان «المستقبل» لم يُرد هذه الانتخابات لانه يخشى مجيء مجلس شرعي لا يملك فيه الاكثرية المطلقة على غرار الحالي، ما يجعل من المتعذّر عليه التحكّم بانتخاب مفتٍ جديد عقب انتهاء ولاية قباني السنة المقبلة.
ويذكر ان المفتي قباني اعلن في معرض رفعه سقف التحدي بـ «لن أخرج من دار الفتوى حتى لو عزلوني»، أن «قيادات المستقبل تريد عزلي بتوقيع عريضة ذكروا فيها 5 أو 6 أسباب، لكنهم لم يذكروا السبب الرئيسي فيها وهو وقوفي في وجه تعديلات السنيورة»، الذي اشارت تقارير الى انه كان اكد قبل نحو عام (امام قباني) نيّته تعديل صلاحيات المفتي قائلاً: «إن المجلس (الشرعي) الحالي هو الذي سيعدّل المرسوم الاشتراعي رقم 18»، فجاء رد المفتي: «إن الدار عبارة عن مؤسسات لديها أنظمة، وحين تنتهي ولاية المجلس يرحل ويتم انتخاب مجلس جديد».

فؤاد اليوسف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق