أبرز الأخبارسياسة عربية

مصر: سيناء ميدان المواجهة بين السلطة والاسلاميي

صحت تخوفات وتكهنات الكثير من المراقبين العالمين ببواطن الشأن المصري، وتحولت صحراء سيناء المترامية الاطراف الى منصة تمارس من خلالها الجماعات الاصولية والسلفية ضغوطها العسكرية الشرسة على النظام المصري الجديد، الذي نهض بعد عزل الجيش المصري الرئيس المنتمي الى «الاخوان المسلمين» محمد مرسي.

تأكدت التوقعات التي كانت تشير دوماً الى الجزء الآسيوي من مصر على اساس انه قنبلة موقوتة في وجه النظام والسلطة في القاهرة، وانه بات عبارة عن ساحة مكتظة بمئات الخلايا الارهابية المسلحة والنائمة او غب الطلب، وتكمن بانتظار اشارة للقيام بدور معين ووظيفة اعدت لها.
والواضح ان القوات المصرية التي تسلمت الامرة في القاهرة بعد الاقصاء السريع والمفاجىء لحكم «الاخوان المسلمين»، شرعت في حشد قواها في سيناء استعداداً لوضع حد لسيطرة الجماعات والمجموعات الاصولية والسلفية.
المواجهة التي يتوقع لها ان تأخذ وقتاً ليس بالقصير قبل تطهير هذه المنطقة واعادتها بشكل كامل الى احضان السلطة المصرية، انفتحت ابوابها بعد ان فتحت هذه المجموعات عهد الهجمات على مراكز ودوريات وضباط الجيش المصري المنتشرين في سيناء.
ولقد اتصفت هذه الهجمات بالشراسة والوقاحة اعلاناً عن نيتها بجعل المواجهة مفتوحة ووفق بنك اهداف، لدرجة ان هذه المجموعات حاولت اغتيال قائد الجيش الثاني المصري المولج حماية الامن والاستقرار في سيناء، فضلاً عن مهاجمتها مراكز القوى الامنية في مدينة العريش، كبرى مدن الصحراء.

حملة الجيش
ووفق ما كان متوقعاً فإن ما اشارت اليه «الاسبوع العربي» في عددها الماضي ان عملية الجيش المصري بدأت طلائعها من خلال ردم الانفاق الممتدة منذ زمن بعيد بين اطراف صحراء سيناء وقطاع غزة، حتى ان ثمة معلومات يعمل الجيش المصري على نشرها، تشير الى انه تم ردم اكثر من 800 نفق.
ولا بد من القول ان خطوة ردم الانفاق من الجانب المصري هي اشارة جلية تتعمدها القاهرة للزعم بأن هذه الانفاق التي كانت شريان الحياة الاقتصادية في غزة المحاصرة، والتي ترفد الفلسطيني بالسلع والادوية والاطعمة قد صار لها دور معاكس وهو رفد المجموعات الاصولية المسلحة في سيناء بالسلاح والمقاتلين الآتين من القطاع الذي تبسط حركة «حماس» سيطرتها عليه بالكامل وتقيم فيه «جمهوريتها» بما لتلك الكلمة من معنى وبعد.
وليس هذا غريباً فحملة ردم الانفاق ترافقت مع حملة سياسية واعلامية شرسة شهدتها وسائل الاعلام المصرية غير «الاخوانية» ضد حركة «حماس» واتهامها بالتبعية والعمالة للنظام الاخواني في القاهرة وبدعم الحركات والمجموعات التخريبية في سيناء، مشيرة في هذا الاطار الى العثور على جثث مقاتلين فلسطينيين بين جثث عناصر المجموعات الاصولية.
وفي كل الاحوال، قرر الجيش المصري اخيراً اعادة بسط السيطرة والهيبة على صحراء سيناء، هذا الجزء المهم من مصر الذي صار عصياً على السلطة المصرية بفعل امرين اثنين:
الاول: الاتفاقات المعقودة منذ اكثرمن ثلاثة عقود بين مصر واسرائيل التي جعلت الوجود الامني الرسمي المصري والسلطوي وجوداً رمزياً لانه حدد عديد الجنود وقوى الامن المصري التي ينبغي ان تتواجد هناك.
الثاني: ان الحكومات المصرية المتعاقبة اهملت هذا الجزء من مصر وجعلته عرضة للتسيب والاهمال ولم تبادر الى انمائه وتنميته وتنظيم دورة الحياة فيه، فظل سكانه البدو الذين يتجاوز تعدادهم النصف مليون، «سلعة» للشراء والبيع وتحت امرة مشايخ القبائل وزعماء الافخاذ والعشائر، فجاء وقت اوشكت المنطقة بأسرها ان تسقط في قبضة المتمردين على النظام والتابعين للجماعات الاصولية والسلفية.

خلايا نائمة
والسؤال المطروح بإلحاح: هل فعلاً ظهرت الخلايا النائمة والمجموعات المتحفزة الكامنة في سيناء بهذا الشكل، وبدأت تشن ما يشبه حرب عصابات على الوجود الامني الرسمي المصري بهدف اخراج الرئيس المصري المخلوع مرسي من السجن، واعادته الى رأس هرم السلطة في القاهرة، وهو امر كشف عنه صراحة اكثر من رمز من رموز تنظيم «الاخوان المسلمين»؟
واستطراداً هل هذا يعني ان امرة المجموعات والخلايا المسلحة المنتشرة في صحراء سيناء باتت بيد تنظيم «الاخوان» يوجهها كيفما يشاء، وبالتالي صارت سيناء بما تمثل احد عناصر الضغط والقوة التي يمارسها الاخوان بشكل ميداني للرد على الضربة الكبرى التي وجهت اليهم وحرمتهم من حكم اكبر دولة عربية وهي مهد نشوئهم وانطلاقهم التاريخي منذ اكثر من ثمانية عقود؟
ثمة ما يحير فعلاً المراقبين العارفين بخفايا الشأن المصري، والسبب ان اول صدامات بين هذه المجموعات المسلحة المنتشرة في سيناء والسلطة المصرية كانت في بدايات حكم الرئيس الاخواني المخلوع مرسي، اذ لم يكن قد مر سوى اسابيع قليلة على تولي مرسي مقاليد الرئاسة والحكم في العاصمة المصرية حتى كانت احدى مناطق صحراء سيناء تشهد وقوع مجزرة ضد القوى الامنية المصرية ذهب ضحيتها يومذاك اكثر من 20 عنصراً مصرياً، وتوالت الهجمات وتوالت ايضاً جهود النظام المصري لردع هذه المجموعات والحد من تأثيراتها، خصوصاً بعد ان خطفت هذه المجموعات منذ فترة قصيرة عناصر امن مصرية.

وعليه، فإن السؤال المطروح هو: لماذا اعلنت هذه المجموعات فجأة مبايعة «الاخوان» وحملت لواء عودة رئيسهم المعزول حديثاً الى سدة الرئاسة، وصار “الاخوان” في المقابل يهولون بالعصا الغليظة لهؤلاء والمتمثلة بالمجموعات المسلحة في سيناء؟

فرصة ملائمة
بالطبع ثمة من يرى بأن المجموعات المسلحة التي تعشش في صحراء سيناء منذ اعوام وتلقى عناية ورعاية وتستغل وتُستغل، وجدت فرصتها للظهور وتأكيد السيطرة على ارضيتها الخصبة وبيئتها الحاضنة في الانقسام العمودي والافقي الذي برز في المجتمع المصري، وينذر بأن يكون حالة طويلة الاجل، وبالتالي بادرت الى رفع الشعار الذي تجده ملائماً للمرحلة من جهة ويخدم تماهيها مع حالة الاسلام السياسي من جهة اخرى، وهو شعار اعادة مرسي الى المنصب الذي عُزل منه ظلماً وبهتاناً، وبدأت تضغط ميدانياً لرفد الحالة الاخوانية المعتصمة في بعض ميادين القاهرة وساحاتها.
وثمة رأي اخر، يقول بأن المجموعات والخلايا التي كانت نائمة في صحراء سيناء كانت بمثابة بندقية للايجار، وبالتالي جاء من يبايعها لاهداف ومآرب معروفة.
ولا بد من الاشارة الى ان هناك رأياً ثالثاً يزعم بأن سيناء كانت وما زالت تحوي بين جنباتها المترامية الاطراف كل الوان طيف الاسلام السياسي بدءاً من تنظيم «القاعدة» وصولاً الى تنظيم «الاخوان المسلمين» مروراً بحركة «حماس».
وفي كل الحالات ومهما كانت هوية هذه المجموعات التي بدأت عملية مواجهة مفتوحة مع القوات المصرية بعدما فتحت الحرب على مراكزها ودورياتها وقوافلها في تلك المنطقة، فإن كل المؤشرات والوقائع تدل على ان ساحات سيناء وجبالها وكثبانها ستشهد على امتداد الايام المقبلة مواجهات بين القيادة المصرية الحالية من جهة، والمجموعات المسلحة الارهابية المجهولة والمعلومة الهوية من جهة اخرى.

معركة مصير
وحسب كل هذه المؤشرات والمعطيات، فإن كلا الطرفين يتصرفان على اساس انهما يخوضان معركة مصير ووجود. فالقيادة المصرية حشدت ما حشدته بعدما اخذت موافقة مسبقة من تل ابيب وفق بعض المعلومات حتى لا تبدو وكأنها تخالف مضامين مندرجات معاهدات السلام المعقودة ايام الرئيس الراحل انور السادات بين البلدين، وبدأت معركتها تحت شعار سد هذه الخاصرة الرخوة بالنسبة الى مصر نهائياً واعادتها الى احضان السلطة المصرية، وذلك انفاذاً لامرين اثنين.
الاول: ان النظام المصري الجديد الذي بدأ معركة لترويض جماعة «الاخوان المسلمين» وجعلهم يقبلون بالامر الواقع الذي ظهر بعد عزل مرسي من الرئاسة، لا يمكنه ان يحقق هذا المبتغى ويؤلف حكومة ويعيد الامور الى مجاريها، فيما سيناء توشك ان تخرج عن قبضته الامنية نهائياً.
الثاني: ان تنظيم «الاخوان» يبحث فعلاً عن اوراق قوة يوفرها في يديه في محاولة تبدو مستميتة ويائسة لاستعادة ما يعتقد جازماً انه فقده في غفلة من الزمن.
وانطلاقاً من ذلك كله، فالواضح ان المواجهات ستكون ضارية وستشهد رمال صحراء سيناء الحامية مواجهات كر وفر حامية الوطيس، لاعتقاد الطرفين بأن نتائج هذه المواجهات ستوظف كأوراق قوة في الصراع الحاصل حالياً على اشده في القاهرة، وخصوصاً ان ثمة اعتباراً اخر هو ان صحراء سيناء تعني قناة السويس، وتعني الحدود مع غزة وقطاعها وكلاهما له اهمية استراتيجية.

 

ا. ب

صحراء سيناء… الجغرافيا والانسان
– تلقب بأرض «الفيروز» وهي الجزء الآسيوي من مصر.
– تبلغ مساحتها نحو 60،088 كيلو متراً مربعاً.
– يقدر عدد سكانها بنحو 554 الف نسمة من البدو.
– ينتمي هؤلاء بغالبيتهم العظمى الى قبيلة الترابين وابرز افخاذها وعشائرها: السواركة، العزازمة والحويطات.
– اهم مدنها العريش، رفح (المصرية)، والشيخ زويد والباقي عبارة عن قرى وبلدات صغيرة.
– اهم معالمها: مركز الطور حيث الجبال العالية، جبل القديسة كاترين، واعلى جبال مصر ارتفاعه 2،638 متراً، وجبل موسى 2،285 متراً ودير سانت كاترين وهو عبارة عن كنيسة اثرية غنية بالمخطوطات بناها جوستنيان عام 527. واثار قديمة من العصر البرونزي وكتابات على الجبال، طريق مورس الحربي تل الخروبة واثار رومانية ويونانية.
– حدودها من الشرق: فالق الوادي المتصدع الممتد من كينيا عبر القرن الافريقي الى جبال طوروس في تركيا. من الشمال هناك البحر المتوسط وغرباً خليج السويس وقناة السويس وجنوباً البحر الاحمر وخليج العقبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق