العراق: انتهت قيود الفصل السابع الدولي فمن ينهي ازمات الداخل الضاغطة بشدة؟

بعد نحو 23 عاماً، اخرج مجلس الامن الدولي في الاسبوع الماضي، العراق من تحت وطأة الفصل السابع، بانجاز تاريخي احتفل به العراق واعتبره المسؤولون فيه بأنه الخطوة الاكثر اهمية التي تخرج البلاد من آثار عهد صدام حسين، ومن تحت تداعيات مغامراته والتي كان اكبر كبائرها غزوه جارته الكويت عسكرياً في عام 1990، مما استدعى تحالفاً دولياً قادته الولايات المتحدة لاخراجه من هذا البلد، ولتدخل بلاد الرافدين تحت قيود جديدة منعت عنه اجراء اتفاقيات التسلح وفرضت عليه مشروع النفط في مقابل الغذاء والدواء، فضلاً عن مترتبات وموجبات اخرى منها دفع تعويضات للكويت زادت في منسوب معاناة الشعب العراقي على مدى اكثر من 17 عاماً، ومهدت بالتالي لغزو العراق على نطاق واسع في ربيع العام 2003.
صحيح ان العراق تحرر منذ عام الغزو ذاك وبعد اطاحة نظام صدام، من الكثير من قرارات وضعت في نطاق الفصل السابع، الا ان ثمة اضراراً مادية ومعنوية ظلت تثقل الوضع العراقي بفعل استمرار سريان الفصل السابع عليه.
وعلى رغم هذا الانجاز المهم والمتأخر بالنسبة الى العراق والعراقيين، وعلى رغم ما يمكن ان يكون لذلك «الاخراج» من الفصل السابع من مكتسبات واعادة اعتبار للسيادة العراقية ولمستقبل علاقات بغداد مع المجتمع الدولي، الا ان ثمة من المتابعين للشأن العراقي من لا يزال يعتبر ان هذا الانجاز منقوص ويشوبه الكثير من السلبيات.
فعلى رغم ان وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري اعتبر ان القرار الجديد لمجلس الامن يحرر بلاده من العقوبات الدولية المفروضة عليها، الا ان مجلس الامن نفسه، لا يزال يعتبر ان التعويضات التي ما زالت في ذمة العراق للكويت البالغة نحو 11 بليون دولار ما برحت من اختصاص المجلس نفسه.
اضافة الى ذلك، فإن ثمة سيفاً اخر يسلطه المجلس على رقبة العراق، ويتمثل في ملفات عالقة منذ ايام حرب الخليج الثانية، مثل ملفات المفقودين الكويتيين والارشيف الوطني لدولة الكويت، وعدد اخر من الملفات ستظل بيد البعثة الدولية في بغداد.
تعويضات الكويت
امر التعويضات المالية المتبقية للكويت، تقلل حكومة بغداد من شأنها من خلال القول بأنها قادرة على تسديدها خصوصاً بعدما نجحت الكويت وبغداد في اعادة ترطيب العلاقات بينهما، وعملتا على ازالة الكثير من نقاط التعارض وبنود الاختلاف ونجحتا في الوقت عينه في تكريس ترتيبات وتفاهمات لتسوية ما بقي حاضراً من نقاط تعارض وتباين.
وسواء كانت بغداد محقة في احتفائها الكبير بالخطوة الاخيرة لمجلس الامن، وبالتالي وجب ان تتباهى بتحررها بعد نحو عقدين من العقوبات الدولية المجحفة والتي كانت غير مسبوقة في التاريخ المعاصر، ام انها كانت بالغة ومفرطة، فإن الثابت ان العراق لم يخرج بعد ولم يتعاف تماماً من وطأة العهد الصدامي وما خلفه عليه من تناقضات وتنازعات وانقسامات اوشكت ان تمزق نسيجه الوطني، فضلاً عن سوء ادارة وترهل على مستوى مؤسسات الحكم.
ولا يختلف اثنان على ان العاصمة العراقية ترث تركتين كبيرتين من السلبيات: الاولى من مخلفات العهد الصدامي الذي قبض بيد من حديد على زمام الوضع العراقي طوال اكثر من عشرين عاماً، وبالتحديد بعد اطاحة الرئيس العراقي السابق احمد حسن البكر. فالمعلوم ان تلك المرحلة اساءت الى العراق على المستويين الداخلي والخارجي، وجعلته كثمرة يانعة قابلة للسقوط الى ان حان الوقت في عام الغزو الاميركي. والثانية من اثار مرحلة ما بعد الغزو الاميركي لهذا البلد.
ففي المرحلة الاولى، وبالتحديد بعد الانسحاب العراقي من الكويت في العام 1991 وسريان نظام العقوبات الدولية ولا سيما مشروع النفط في مقابل الغذاء والدواء، تفشى الفساد الاداري والمالي بشكل تورط فيه حتى مسؤولون امميون كبار. وقد رسخ هذا المشروع ثقافة الفساد والرشاوى والسرقات وكرسها لدرجة انها صارت ظاهرة متأصلة لا يمكن الفكاك منها، وتعاملت معها حكومات ما بعد سقوط صدام حسين على انها امر واقع لا قدرة على دفعه واجتثاثه، خصوصاً في مجالات ادارة ملف توزيع البطاقة التموينية والمواد الغذائية على المواطنين وهو الذي ما زال سارياً حتى الان.
حتى ان اخر تقرير اذاعته منظمة الشفافية الدولية خلال الشهر الماضي، اظهر ان «العراق يقبع في مقر معدلات الفساد في العالم»، معتبرة ان «هذا الامر يؤدي الى اذكاء العنف والحاق الضرر ببناء الدولة، خصوصاً ان 23 في المئة من ابناء هذا البلد هم تحت مستوى الفقر».
فساد ورشاوى
وفي الاشهر القليلة الماضية، كان مدوياً الحدث الذي شاع عن الفساد والرشوى والعمولة التي واكبت صفقة الاسلحة التي ابرمها رئيس الوزراء نوري المالكي مع الجانب الروسي حتى ان هذه الصفقة جمدت وان مسؤولين كباراً قدموا استقالاتهم بفعل تداعيات هذه الصفقة التي غرقت في لجة الفساد على اعلى المستويات في العراق.
بالطبع، ثقافة الفساد المالي والاداري نشأت بأجلى صورها في عهد «الوصاية الاممية» على العراق، اي في عام 1991 لكن تركيبة المحاصصة المبنية على اسس طائفية ومذهبية والتي نهضت على اساسها دولة ما بعد صدام وما واكب ذلك من احتدام صراعات وانفجار غرائز واحقاد، وما رافق ذلك من تسيب وفلتان عززت ديمومة هذه الثقافة الى درجة «الشرعنة» او القضاء الذي لا راد له، الامر الذي اعاق خططاً تنموية واحبط مشاريع انماء واستثمار بدأت في عهد الادارة الاميركية للبلاد.
وتتحدث المصادر الطبية في بيروت ان المرضى العراقيين يشكلون الرقم الاعلى من الوافدين العرب والاجانب الذين يتلقون العلاج والاستشفاء في مستشفيات العاصمة اللبنانية، نظراً للانهيار المريع الذي لحق بالمنظومة الطبية العراقية، وافتقار العراق الى الكادر الطبي المحترف والقادر والى المستشفيات العصرية المزودة بأدوات وتجهيزات متطورة.
وعلى المستوى الابعد، فإن قطاع انتاج النفط الذي يعتبر الرافد الاساسي للاقتصاد العراقي، يعاني منذ زمن سوء ادارة وانتاج بغياب المستثمرين من جهة، ولتخلف ادوات الحفر والتنقيب والاستخراج، فضلاً عن الفساد المستشري في هذا القطاع الحيوي العراقي.
واذا كانت الحكومة العراقية تفصح عن سرورها بالانجاز الجديد الذي تحقق على المستوى الدولي، وحررها من قيود الفصل السابع التي كبلت العراق طويلاً، فإنه لا شك في ان العراقيين يتساءلون بحسرة منذ فترة: متى تحين لحظة التحرر من وطأة الصراعات الداخلية المتوالية فصولاً منذ اعوام والتي تصاعدت وبلغت ذروتها في الآونة الاخيرة، عندما نزل معارضون بالآلاف لحكومة نوري المالكي الى الشارع المتشبث بالكرسي واعتصموا وما زالوا في اطول عملية احتجاج لم تفتر منذ نحو 5 اشهر؟
ابرهيم بيرم