دولياترئيسي

«تقسيم» تدخل مرحلة المواجهة وتركيا على صفيح ساخن

يعتقد متابعون ان رئيس الوزراء التركي استخدم مهارته مع متظاهري ميدان «تقسيم»، وانه حاول القفز من طرف الى آخر، ومن فكرة الى اخرى من اجل اقناعهم بالتراجع عن مشروعهم الاحتجاجي، قبل ان يقرر اللجوء الى القوة لاخراج المعتصمين، وطردهم من الميدان، ومن خلال اصدار الاوامر للشرطة لاخلائهم باستخدام كل الوسائل المتاحة.

تراوحت «المراوغة» التي مارسها اردوغان بين التلويح باستخدام القوة، واللجوء الى القضاء للطعن بقرار تعليق العمل بالمشروع، واختيار اسلوب يظهر نوعاً من الديمقراطية، ويتمثل باللجوء الى اجراء استفتاء شعبي لسكان اسطنبول حول المشروع.
غير ان المدقق في ثنايا الخلاف يتوقف عند تعقيدات جذرية تطاول اساس الحكم التركي، وصولاً الى الدولة العثمانية، وحدودها العلمانية. فأردوغان واعضاء حكومته يرون ان الحراك الاحتجاجي يستند الى عامل علماني، يرفض المشروع الاسلامي من اساسه، ويحاول العودة الى النظرية العلمانية التي اطلقها واسسها كمال اتاتورك. بينما يرى المتظاهرون ان مشروع «تقسيم» يعزز الفرضية التي تقول بأن اردوغان ادخل البلاد في مشروع حكم غير محدد المعالم وان البلاد اصبحت تائهة بين النماذج التركية الاصلية، والاوروبية والاسلامية.
اردوغان الذي تدرج في تعاطيه مع المتظاهرين، بدءاً بالتلويح باستخدام القوة، ثم العودة الى القضاء، والتأكيد على تراجعه عن القوة واللجوء الى الاستفتاء الشعبي، عاد ليوجه انذاراً نهائياً باستخدام القوة. وامر اردوغان بفض الاعتصام فتدخلت الشرطة لتفريق المتظاهرين المتجمعين في ساحة تقسيم في وسط اسطنبول، وذلك بعد نحو ساعتين من الانذار الجديد الذي وجهه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان.

تدخل قوات الامن
وتدخلت قوات الامن مستخدمة خراطيم المياه ثم اطلقت عدداً من قنابل الغاز المسيل للدموع ما ادى الى اخلاء الساحة التي تعتبر مركز الحركة الاحتجاجية التي تهز تركيا منذ اسبوعين
وبلهجة لا تخلو من بعض مؤشرات الاستخفاف بالقضاء، وقال اردوغان في خطاب امام عشرات الآلاف من انصاره في ضاحية انقرة: «ان البقاء في الميدان لم يعد له اي معنى لان الملف بات بين يدي القضاء». لكنه استطرد بالقول: «لا اعلم ماذا سيكون قرار القضاء ولكن سواء قرر ابقاء الحديقة او لا فسيكون هناك تصويت شعبي في اسطنبول، وسنحترم نتيجة هذا التصويت. وبينما اصر على الرد باسلوب «استعراضي» مفاده انه لا احد يستطيع «ارهابنا» فرد المعتصمون بانهم لن يغادروا مواقعهم في تلك الحديقة».
فقد اكد المحتجون انهم لن يغادروا المنتزه الذي يعتصمون به في اسطنبول رغم أن رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان دعاهم الى فض اعتصامهم وتعهد لهم باجراء استفتاء على خطط اعادة بناء الموقع. وقال المئات من المحتجين المعتصمين في خيام منتزه غازي المجاور لميدان «تقسيم» وسط اسطنبول منذ أكثر من أسبوعين انهم سيواصلون احتجاجهم بعد تجاهل الحكومة مطالبهم ومن بينها اطلاق سراح المتظاهرين المعتقلين.
وأضافت الاجراءات الصارمة التي اتخذتها الشرطة ضد المتظاهرين السلميين في المنتزه قبل أسبوعين موجة اضافية غير مسبوقة من الاحتجاج على اردوغان وحزبه العدالة والتنمية جذبت اليها علمانيين وقوميين ومهنيين ونقابيين وطلاباً.
وذكر اتحاد الاطباء التركي أن الاضطرابات أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص واصابة نحو خمسة آلاف شخص بجروح واستخدمت فيها الشرطة الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه في مواجهة المتظاهرين الذين رشقوها بالحجارة في عدد من المدن من بينها اسطنبول وأنقرة.
وقالت جماعة التضامن مع «تقسيم» التي تضم جماعات المتظاهرين في بيان لها ان  الحكومة تجاهلت مطالب واضحة ومشروعة منذ بداية المقاومة، وحاولت شق صفنا واستفزازنا وتقويض شرعيتنا. وقالت الجماعة التي التقى ممثلوها مع اردوغان في مقر اقامته الرسمي بالعاصمة أنقرة انها لم تر أي بوادر حقيقية على احراز تقدم في محاسبة المسؤولين عن الاجراءات القمعية التي اتخذتها الشرطة أو التحقيق في مقتل الاربعة الذين سقطوا في الاضطرابات ومن بينهم رجل شرطة. وقال اردوغان للمحتجين انه سيعلق خطط اعادة بناء ثكنة عثمانية في منتزه غازي الى أن تبت فيها المحكمة ما يعكس موقفاً أكثر اعتدالاً بعد تحد استمر أسبوعين وصف فيه المتظاهرين بأنهم «رعاع». وانه سيمضي قدماً في خطط اعادة بناء المنتزه مهما يكن.
في المقابل تبنى الرئيس التركي عبدالله غول لهجة أكثر ميلاً للمصالحة من اردوغان، وشدد على ان من علامات النضج الديمقراطي أن تبقى قنوات التفاوض والحوار مفتوحة. في الوقت نفسه. وفي تصميم واضح على انهاء الاحتجاجات السياسية غير المسبوقة اكد اردوغان امام نواب حزبه، حزب العدالة والتنمية المنبثق عن التيار الاسلامي، ان حكومته لن تبدي اي تسامح  حيال المتظاهرين. وقال في كلمته: اتوجه الى اولئك الذين يريدون مواصلة هذه الاحداث، والذين يريدون الاستمرار في زرع الرعب، ان هذه المسألة انتهت الان، ولن نبدي بعد الان اي تسامح.

اخلاء الساحة
وبعد ذلك، وبناء على اوامر شخصية من اردوغان نفسه، تدخلت قوات الامن بجميع عتادها في ساحة «تقسيم» مركز حركة الاحتجاج وطردت مئات المحتجين الذين امضوا فيها ليلتهم، مستخدمة الغاز المسيل للدموع والرصاص البلاستيكي وخراطيم المياه.
وازيلت الحواجز التي كانت تمنع الوصول الى الساحة بسرعة بواسطة الجرافات كما نزعت الاعلام واللافتات المناهضة للحكومة. وطوال النهار وقعت صدامات بين الشرطة ومجموعات الشبان المتظاهرين المقنعين والمسلحين بالحجارة وقنابل المولوتوف.
وما ان وصلت الشرطة حتى استقبلتها مجموعات من المتظاهرين المجهزين باقنعة الغاز برشق الحجارة بقنابل المولوتوف. وفي نهاية النهار انسحبت الشرطة من الساحة لتتمركز قرب احد المباني المحيطة بالساحة فتدفق آلاف المتظاهرين اليها. لكن بعد ساعة عادت لتخلي مجدداً الساحة من المتظاهرين، ما اثار حركة ذعر وتسبب بسقوط العديد من الجرحى في صفوفهم. وقامت الشرطة باعتقال العشرات وبينهم 73 محامياً كانوا يحتجون على تدخل قوات الامن في حرم قصر العدل في اسطنبول بحسب جمعية المحامين المعاصرين. واضافت الجمعية، ان المحامين الموجودين في قصر العدل اكدوا انهم سيبقون في المكان حتى الافراج عن زملائهم. وشجب رئيس نقابة المحامين في تركيا متين فيضي اوغلو هذه التوقيفات، وطالب حزب السلام والديموقراطية – المؤيد للاكراد – في بيان بالافراج فوراً عن المحامين الموقوفين وبدء تحقيق بحق المسؤولين الذين استغلوا مهمتهم الرسمية من خلال اللجوء الى العنف. كما طلب من الحكومة التوقف عن استخدام لغة العنف.

اسطنبول – «الاسبوع العربي»

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق