رئيسيملف

«حزب الله» يأكل الحصرم ولبنان يضرس!

انتظروه على خلفية اتهام حزب الله في تفجير بورغاس في بلغاريا وفكروا في أن قرار مجلس التعاون الخليجي سيسبق قرار الاتحاد الأوروبي  في اعلان «حزب الله» منظمة ارهابية. ومن قرأ التهديد الصادر عن المجلس في اتخاذ اجراءات ضد مصالح الحزب، افترض أن خواتيم القصة ستنضج في اقل من أسبوع. فجأة بدا أن مجلس التعاون كما الاتحاد الأوروبي فضلا التريث للمزيد من الدراسة. لكن القصة لم تنته هنا. فتداعيات القرار الكلامي بدأت تتظهر على المستويين الاقتصادي والسياحي على الساح اللبنانية. أما ذروتها فتجلت على مستوى العمالة اللبنانية في الخليج. فالكل مهدد وليس في الكلام من مبالغة. أما على مستوى التبادل التجاري فحدّث ومن دون حرج عن الجمود الذي سيرضخ له الإقتصاد اللبناني لجهة حظر التبادل مع اية دولة تتعاون مع حزب الله.

القصة بدأت مع إتهام «حزب الله» بتفجير بورغاس في بلغاريا. لكن موقف المعارضة البلغارية التي اعلنت عدم وجود دلائل حسية على ضلوع حزب الله في عملية التفجير، جمد قرار الإتحاد الأوروبي في وضع الحزب على لائحة الإرهاب. وجاءت دعوة وزيرة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون لتقويم نتائج التحقيق بشكل جدي وقراءة الوضع بتأن لتضع حداً لفصول قرار جمدت فصوله قبل أن يولد. وكذلك اعلن مجلس التعاون الخليجي التريث في إدراج الحزب على لائحة المنظمات الإرهابية، علماً بأن البيان الصادر عن إجتماع المجلس تضمن إعلاناً صريحاً باعتباره منظمة إرهابية، خصوصاً بعد تدخله «السافر» (كما ورد في البيان) في معارك القصير في سوريا». لكن للخبر تداعياته على الوضع الداخلي في لبنان وإن لم يوقع اي من الإتحاد الأوروبي أو مجلس التعاون على القرار بالإجماع.

تحت الرقابة الاوروبية
ثمة من يقول إن التداعيات «سياسية» أو قد تكون مجرد جرس إنذار أو عملية تهويل للتهويل والتضييق على مخططات حزب الله، لكن في قراءة المحللين السياسيين فإن الوضع أكبر وابعد من ذلك. فالمخاطر التي تحوط بالبلاد على خلفية تطورات الأحداث في سوريا تجعل الابواب مفتوحة على كل الإحتمالات. وفي حال قرر الاتحاد الأوروبي أن يلحق بركاب الولايات المتحدة الأميركية لجهة تطبيق عقوبات على حزب الله، فهذا يعني أنه سيضع لبنان تحت مجهر تداعيات هذه العقوبات  أقلها لجهة إخضاع الحركة المالية والتجارية والنقدية مع الاتحاد لرقابة صارمة. وهذا ما كان ينقص، خصوصاً أن نتائج إدراج الحزب على لائحة الإرهاب الأميركية، أدى إلى إقفال مصرف، وتهديد مصارف أخرى باتخاذ اجراءات، وتراجع وتيرة التحويلات للمصارف، وكذلك الودائع التي تشكل العمود الفقري لاقتصاد لبنان. وفي حال اتخذت دول الاتحاد الأوروبي، الخطوة عينها فهذا سيؤدي حتماً إلى تصدع الثقة بالدولة اللبنانية والمنظومة السياسية والاقتصادية. ومعلوم أن فرنسا وإيطاليا تمثلان الشريك الاقتصادي الأبرز مع لبنان، حيث ترتفع الحركة الاقتصادية معهما بشكل كبير.
وربما لا يجدر بنا أن نفرح ونهلل لعدم إدراج الإتحاد الأوروبي حزب الله على لائحة الإرهاب، فالخطر ما زال على الابواب لأن المسألة ترتبط بالدلائل الحسية التي قد تظهر بين ليلة وضحاها وهي في كل الأحوال تخضع لترتيبات أجندة الدول العظمى، والحسابات العسكرية على الأرض.
والأمر نفسه ينسحب على مجلس التعاون الخليجي  الذي رفض إدراج حزب الله على لائحة الإرهاب وفضل التريث في انتظار تبلور مواقف الدول الأعضاء في المجلس، ودراسة السبل العملية لاتخاذ الخطوات العملية لتصنيف حزب الله منظمة إرهابية. فما هي دلالات الخطوة على المستويين السياسي والإقتصادي؟

عزل المقاومة
مرجع قانوني اعتبر أن القرار يشكل خطوة سياسية اولية في اتجاه حزب الله. ولا يمكن التساهل فيها حتى لو لم تكن قد أدرجت خطياً. وقد تبدأ في طرد اللبنانيين الشيعة العاملين في الخليج وصولاً إلى التضييق على المؤسسات المالية والإقتصادية التي يملكها الحزب في دول الخليج. ولفت إلى ان بيانات مجلس التعاون الخليجي الصادرة منذ العام ونصف العام تكاد لا تخلو من ذكر موضوع إيران للدلالة على خطورة دورها في  زعزعة الإستقرار على مستوى المنطقة.
أما على مستوى الحزب، فالواضح أن الأخير لا يخشى العقوبات الأميركية بقدر ما يخشى تهديد مجلس التعاون الخليجي لأنه يعني استنهاض الشارع السني بوجهه كما يضعه في عزلة، ما يؤدي إلى تعزيز الفتنة السنية – الشيعية وعزل دور الحزب كمشروع  مقاومة وتظهير مشروعه الفارسي في مواجهة المشروع العربي الذي يريد السيطرة على المنطقة.

وعلى مستوى الداخل اللبناني يؤكد المرجع القانوني أنه بات من الصعب على القوى السياسية اللبنانية القبول بـ «حزب الله» شريكاً في الحكومة المقبلة، لأن وجوده فيها سيعني مقاطعتها من قبل دول التعاون الخليجي وسائر التجمعات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي. ونظراً إلى النفوذ العسكري الذي يتمتع به الحزب، خصوصاً في لبنان، فهو قادر على تعطيل تشكيل الحكومة إلى أمد طويل إذا منعت مشاركته فيها. ومن غير المستبعد أن ينعكس ذلك لاحقاً على مجلس النواب الممددة ولايته، فلا يستطيع بالتالي انتخاب رئيس للجمهورية في صيف العام المقبل.
أما على المستوى الاقتصادي، فالواضح أن دول الخليج لن تتخذ إجراءات عقابية ضد لبنان، لأن في ذلك ضرراً كبيراً على اللبنانيين. واكتفى المجلس بتوجيه رسالة الى لبنان «المتورط» غصباً عن سلطاته والسواد الاعظم من شعبه بالحرب السورية، معلناً الحظر على رعاياه من السفر الى لبنان، خوفاً على سلامتهم وعلى امنهم بسبب تردي الأوضاع الأمنية، ما يعني ان لا سياح ولا مصطافين خليجيين ولا سواهم في  لبنان هذا الصيف وعلى غرار العام الماضي، مما يشكل خسارة فادحة للاقتصاد اللبناني المتهالك.

حصار سياسي
وبناء على ذلك، يؤكد محللون أن الأزمة بين «حزب الله» والمجتمعين العربي والدولي اتخذت أبعاداً جديدة. فالحزب ومن خلال تورطه في القتال السوري نزع عن نفسه كلياً صفة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي التي كانت تكسبه تعاطفاً عربياً وغضاً للنظر على المستوى الأوروبي. لكن دخوله على خط المعارك السورية سيرتب قواعد وأسساً جديدة في التعامل معه على المستوى الدولي، خصوصاً أن «حزب الله» اختار عندما جعل من نفسه طرفاً في الأزمة السورية أن يقاتل هناك نيابة عن إيران، ليفرض حجز مقعد لها في مؤتمر «جنيف – 2». إلا أن الحسابات قد تكون معكوسة وترتد سلباً على إيران وعلى الحزب نفسه، من خلال أي تسوية أميركية – روسية قد تودي بالحزب مع نظام بشار الأسد وحليفته إيران. وقد يضطر حزب الله إلى أن يدفع الثمن في لبنان في الدرجة الأولى من خلال إحكام الحصار السياسي عليه.
وواضح أن إصرار مملكة البحرين على وضع حزب الله على لائحة الإرهاب شكل سابقة، خصوصاً بعدما حظرت المنامة على جميع المجموعات السياسية البحرينية التعامل مع «حزب الله» الذي وصفته بالإرهابي. إلى ذلك اعتبرت هيئة مقربة من «جماعة العدل والإحسان» أن تدخل «حزب الله» في الشأن السوري يفتح بوابة الصراع الطائفي المقيت، وله تداعيات سلبية على مستوى الأمة الإسلامية كلها. اما  «الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة» فاعتبرت أن هذا التدخل يفتح بوابة عريضة للفتنة الطائفية. هذا عدا عن التداعيات السلبية على مستوى الأمة الإسلامية ككل.

صرف اللبنانيين
في اختصار، المسألة كارثية على لبنان. وكيفما توجهت البوصلة سواء نحو إقرار المشروع أو التريث، فالنتائج كلها تصب في إطار المواجهة المفتوحة بين دول الخليج والمشروع الإيراني. اما تداعياته على لبنان بحسب أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية المحامي الدكتور انطوان سعد «فهي محصورة بالقطاعين الإقتصادي والسياحي. إضافة إلى التأثير الكبير المباشر على اليد العاملة الشيعية في دول الخليج وكذلك على اليد المسيحية التي تنتمي الى تيار يؤمن غطاء سياسياً للحزب». ويذكر أن العديد من الشبان المسيحيين الذين دخلوا دول الخليج أعلنوا أنهم براء من التيار الموالي لحزب الله، لكن تصاريح البعض ومواقفهم المبطنة فضحتهم.
وتشير الارقام الى انه من أصل 50 طالب تأشيرة دخول إلى دول الخليج تمنح الموافقة لخمسة فقط. ظاهرة استحقت التوقف عندها، «لكن المسألة طبيعية في رأي الدكتور سعد وهي نابعة من التطورات الحاصلة في سوريا ودخول حزب الله على خط المواجهة مباشرة». ويضيف سعد أن التداعيات الأخطر تتمثل في مسألتي التبادل التجاري بين تجار من الطائفة الشيعية وآخرين خليجيين، إضافة إلى التأثيرات على قطاع السياحة. وقد رأينا الخطوة الأولى في منع أو تحذير حكومات دول الخليج رعاياها من المجيء إلى لبنان، خوفاً من حصول ردات فعل إنتقامية على خطوة طرد لبنانيين شيعة من الخليج. وبعدما كان اللبناني يسلّف هماً من عدم حصوله على تأشيرة دخول إلى إحدى الدول الأوروبية باتت الخشية من استحالة الحصول على تأشيرة الدخول إلى إحدى دول الخليج. ولفت سعد إلى ان الأردن انضم إلى منظمة العمل للتعاون الخليجي وعزز محور الممانعة ضد إيران وأي تحالف مرتبط بحزب الله، إضافة إلى تعزيز التعاون العسكري الخليجي . واعتبر أن الكلام عن مشروع الكونفدرالية الخليجية سيعزز فكرة التعاون العسكري، لا سيما على مستوى شيعة البحرين والكويت لأن الإنتخاب سيحصل على أساس الإنتماء الكونفدرالي.
كل هذا يحصل ولم يوقع مجلس التعاون الخليجي بعد على القرار. فماذا لو وقع واصبح ملزماً؟
يؤكد الدكتور سعد أن الخطوة الأولى ترجمت في تحذير السياح العرب من المجيء إلى لبنان. وتوسعت دائرة التحذيرات لتشمل دولاً عربية أخرى بعدما باتت الحرب مفتوحة، بدءاً من القصير وصولاً إلى ما لا يحمد عقباه. وتوقع أن تزداد الأمور تعقيداً في حال إعلان الكونفدرالية العسكرية بين دول الخليج «عندها ستأخذ المواجهة مداها البعيد، خصوصاً ان مواطن البحرين لن يعود مؤثراً في الإنتخابات وسينتخب على أساس الكونفدرالية».
وسواء تمت إدانة حزب الله من قبل مجلس التعاون الخليجي أو لم تتم، فإن الإقتصاد اللبناني على حافة الإنهيار. فهل يعي المسؤولون هذه الحقيقة وينقذون ما تبقى من رماد الأيام؟

 

 


الانهيار
يؤكد رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير أن البلد ذاهب إلى خراب وانهيار اقتصادي. واعتبر أن طرد اللبنانيين المقيمين في الخليج سيؤدي إلى تسريع عملية الإنهيار. مخاوف شقير تستند إلى الأرقام التي تشير إلى أن التحويلات الخليجية تصل نسبتها إلى 80 في المئة في حين لا تزيد نسبة تحويلات المغتربين في باقي دول اميركا واوروبا إلى 20 في المئة. وأي كلام مناقض لهذه الأرقام هو مجرد كذبة. وتمنى على المسؤولين أن يعوا حقيقة خطورة الوضع الإقتصادي «لأن الندم لن ينفع لاحقاً ولا أحد قادراً على أن يحكم شعباً يعاني من الجوع والإفلاس». وأضاف: «إنه في زمن الحرب لم يعش اللبنانيون هذه الأزمة الإقتصادية. والمصيبة أن لا أحد يدرك إلى أين نحن ذاهبون وما هو مصير هذا البلد؟! كل ما ندرك أن 40 في المئة من المتخرجين يهاجرون سنوياً بحسب آخر إحصاء للبنك الدولي». وختم متأسفاً على الشباب الذين يغادرون الوطن ليدخلوا في صراع لعبة الكبار «لكن اللعبة صارت أكبر من لبنان وسوريا. هي لعبة أمم. والضحية الكبرى هي شبابنا الذين يهاجرون إلى الخارج إما بهدف العمل أو للدخول في لعبة الحرب من دون أن يدركوا أنهم في ذلك سيكونون الضحية والجلاد في الوقت عينه».
ثمة من يقول بأن البيانات الصادرة عن الإتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي  لا تخرج عن كونها مجرد تهديدات وتندرج في إطار تسجيل المواقف. لكن التوقيع يخضع لسياسة الدول الكبرى والمساومات التي يمكن أن تتحقق في ظل الصفقات التي تجري على حساب دول وشعوب. فهل من يشكك بعد بأن لبنان لم يعد جزءاً من منظمومة دول الممانعة؟ وماذا لو وقع الإتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي على قرار إدراج حزب الله على لائحة الإرهاب؟ عندها قد تصح عبارة «سلام على الوطن» بامتياز.

جومانا نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق