ليبيا: «القاعدة» تستوطن الجنوب و«العزل السياسي» يضحي برئيس البرلمان

رغم تعدد الثغرات التي تهدد الثورة الليبية وتضع البلاد على اعتاب المجهول، ثمة سؤال يطرح بقوة حول ما اذا كانت الفرصة متاحة لبلوغ حالة الهدوء في ضوء اقرار قانون العزل السياسي الذي كان مطلباً عاماً، والذي اختصر الهنات كافة التي تعاني منها البلاد.
الدولة ما زالت هشة، ومؤسساتها غير واضحة المعالم، وشارعها مليء بالتناقضات، وهواجسها الامنية متشعبة الى الدرجة التي لا يمكن التنبؤ بما يمكن ان يحدث، وكيف يمكن ان تجري معالجتها.
فالمشهد بشكله الاجمالي، يؤشر الى كم من التناقضات والى فوضى عارمة محورها كم كبير من التنظيمات المتعددة الاشكال والاحجام والمرجعيات، وثغرات عديدة تستطيع اطراف مختلفة النفاذ منها الى الداخل، والخروج الى اي مكان بدون اية ضوابط الا من سيطرة هشة من قبل مجموعات قبلية بعضها مسلح بشكل جيد، والبعض الاخر يجمع ما بين التجارة والتهريب والنشاط المسلح.
في تلك الاثناء، يتوقف متابعون عند تعدد اهتمامات الدولة، واضطرار المرجعيات فيها الى مجاراة الشارع، والتفكير بمواضيع هامشية متعددة على حساب القضايا الاساسية. والقبول بمتطلبات يجري تمريرها على وقع الضغوطات الانفعالية للشارع، والتي يجمع المتابعون على انها غير محكومة بضوابط سياسية او امنية.
فقد شهدت الساحة الليبية مؤخراً كمّاً من التطورات، ابرزها شبهة الفراغ الدستوري التي تركتها استقالة رئيس المؤتمر الوطني الليبي (البرلمان) من رئاسة السلطة التي تجمع ما بين «التشريعية» ومؤسسة الرئاسة تنفيذاً لقانون العزل السياسي الذي اقر تحت ضغط من الشارع الليبي، خصوصاً التنظيمات المسلحة التي لا تعترف بأي من السلطات القائمة، وتبني تعاملاتها وفقاً لمعطيات شخصية ومصلحية اساسها قوة السلاح.
اشادة بالمقريف
فقد اشاد المؤتمر الوطني الليبي العام (البرلمان)، بالدكتور محمد المقريف، واعتبر استقالته من رئاسة المؤتمر، التي جاءت قبل ايام من موعد نفاذ قانون العزل السياسي، مثالاً للالتزام والاستجابة للعملية الديمقراطية الوليدة في البلاد. واستعرض المؤتمر في بيان اصدره بهذه المناسبة ابرز ملامح السيرة الشخصية والنضالية للمقريف، وصولاً الى اطاحة نظام القذافي، وخوض الانتخابات التي كرست التحول السلمي والديمقراطي في البلاد. لكن الغالبية العظمى من اعضاء المؤتمر الوطني لم يكونوا راضين عما حدث للمقريف، واعتبروا استقالته – رغم شجاعتها – خسارة للبلاد.
والمحوا في اكثر من مناسبة الى انهم يعارضون قانون العزل السياسي، وكانوا يسعون الى النص على استثناءات تتعلق ببعض الشخصيات التي سبق ان عارضت نظام القذافي، وتحولت الى النضال ضده، والتي اسهمت في بناء الدولة الحديثة من جديد.
وكانت استقالة المقريف قد اثارت جدلاً حول قانون العزل السياسي، الذي بدأ سريان مفعوله متأخراً بعض الشيء، بحكم النص الذي يجعله نافذاً في الخامس من حزيران (يونيو) الحالي. وينص قانون العزل السياسي في ليبيا على حرمان كل من تولى وظائف في عهد العقيد الليبي الراحل معمر القذافي من الترشح للانتخابات، أو تولي مناصب حكومية في البلاد. ويعد المقريف أول مسؤول ليبي بارز يغادر منصبه، قبل البدء في تفعيل قانون العزل السياسي الذي ينص على معاقبة كل من رفض الامتثال له بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
وقال المقريف أثناء تقديم استقالته: إن ممثلي الشعب أقروا قانون العزل السياسي، ويجب على الجميع احترامه. في تلك الاثناء، قال خبراء ومحللون، ان الجنوب الليبي الذي قدم منه مسلحون اسلاميون هاجموا ارليت واغاديز في النيجر، تحول في الاشهر الاخيرة الى احد معاقل تدريب خلايا القاعدة في المغرب الاسلامي بعد الهجوم الفرنسي في مالي. وفي هذه المناطق الصحراوية المترامية الاطراف الخارجة عن كل سيطرة، اصبح المسلحون المتطرفون يملكون قواعد جديدة يهددون منها بلدان المنطقة وخصوصاً الدول التي ايدت فرنسا في هجومها في مالي. ويشير المحللون الى ان الحدود بين النيجر وليبيا يصعب جداً مراقبتها ويصفونها بانها نافذة سهلة الاختراق، ولا يمكن لاي قوة عسكرية ان تدعي القدرة على السيطرة عليها مهما كانت الامكانات التي تملكها. ووفقاً للتقارير المتخصصة فإن الارهابيين يعرفون تماماً المنطقة ويمكنهم التسلل كما يحلو لهم بلا مشاكل وبما يبدو انهم على اطلاع جيد على الاوقات المناسبة للتسلل ويمكنهم التحرك بأي وقت.
ولا تسيطرالسلطات الليبية حالياً الا على طرابلس ونواحيها لا غير. بينما تغرق باقي مناطق ليبيا في حالة فوضى تذكر بوضع الصومال. وقد ابرمت بعض القبائل في الجنوب الليبي اتفاقات مع جهاديين على قاعدة «نسمح لكم بالمرور وتتركونا وشأننا» وهناك آخرون لا يملكون القوة لمواجهة عناصر القاعدة. وتتوفر في هذه المنطقة كل مستلزمات اعمال التهريب بما فيها مهابط طائرات غير منظمة. وفي المنطقة خليط من القبائل والعصابات وزعماء الحرب يتفاهمون في ما بينهم. واعتاد عناصر القاعدة من تجربتهم في الاحراج ان يتحركوا باستمرار وان يكتفوا بالقليل وان يقيموا حيث يلزم قواعد لوجستية مطورة في الرمال يمكنهم العثور عليها لاحقاً بتقنية جي. بي. اس. وهم لا يعيرون اهتماماً للحدود الرمزية في هذه الصحاري المترامية ويتمركزون لبضعة اسابيع حيث يعرفون انهم بأمان.
استرداد اموال
وفي موضوع آخر، طلبت ليبيا من حكومة جنوب افريقيا مساعدتها في استرداد اكثر من مليار دولار تقول ان العقيد معمر القذافي خبأها في هذا البلد وفي الدول المجاورة. واجرى موفدون ليبيون اتصالات مع حكومة جنوب افريقيا حول هذا الموضوع. واعلن جابولني سيكاكان المتحدث باسم وزير المالية الجنوب افريقي برافان غوردان ان عملية التحقق من طلب هذه المجموعة جارية. وتسلم وزيرا المالية والعدل في جنوب افريقيا، رسالة من نظيريهما في ليبيا حول هذا المضمون. وتطلب ليبيا فيها من جنوب افريقيا التعاون للعثور واستعادة كل الاموال والموجودات المحتجزة بصورة غير قانونية او المخبأة في جنوب افريقيا والدول المجاورة من قبل معمر القذافي وعائلته والمقربين منه. وتتحدث الرسالة عن مبالغ مالية كبيرة وموجودات مخبأة في جنوب افريقيا والدول المجاورة، وان المحققين الليبيين مقتنعون بامكانية استرداد اكثر من مليار دولار من الاموال النقدية والذهب والالماس المودعة كلها في اربعة مصارف وشركتي ايداع قيم جنوب افريقية.
وفي سياق آخر، وافق المؤتمر الوطني الليبي على رسالة التكليف المقدمة من رئيس الحكومة علي زيدان للمجلس لتكليف محمد خليفة الشيخ بمنصب وزير الداخلية. وكان وزير الداخلية عاشور شوايل قد تقدم باستقالته قبل فترة وعلى خلفية محاصرة مسلحين لبعض الوزارات واحتجاز مسؤولين في وزارات اخرى.
طرابلس – «الاسبوع العربي»