دولياترئيسي

ربيع الدم في افغانستان

احداث سوريا، قد تكون حجبت عن الانظار والاهتمامات، مأساة اخرى، تدمي بلاداً وتفني شعباً، منذ عقود. وفي هذه الاجواء، تستعد هذه البلاد التي اسمها افغانستان، لان تواجه مصيرها الجديد، ربما منذ شهر حزيران (يونيو) الحالي.

الرهان كبير، في هذا الربيع الدموي الذي تعيشه افغانستان، ربيع عمليات حربية، يشكل مقدمة لـ «الانسحاب الكبير»، الذي بدأ عملياً، بقوات التحالف الغربي، بتسارع اكبر مما كان معلناً. فمهمة القوة الدولية «ايزاف» على وشك الانتهاء، وما يزال النقاش، حول ما سيحصل بعد سنة 2014، حتى على هامش تصميم هذه القوة على «الاستمرار في مساعدة افغانستان»، كما يردد فعل الايمان الحليف، مع بقاء حوالي 20 الف جندي اجنبي، العدد الذي هو ادنى بكثير من العدد الحالي. بحيث ان من سيتولى، بعد اليوم، حماية السكان، ستكون القوات الوطنية، التي ينظر اليها المراقبون، بكثير من التشكيك، بعيداً عن التصريحات الرسمية.
وكان سبق، لهذا الجيش الوطني «الدمية» في سنة 1991، ان تولى السيطرة على كل افغانستان تقريباً، بصعوبة، مدعوماً على مدى 34 سنة، من الاتحاد السوفياتي، ولكنه انهار بعد سنة. واما اليوم فمن المفروض ان تتولى قوى الامن الافغانية، عمليات الامن، في كل الولايات التي تكوّن افغانستان وعددها 34.

المرحلة الاخيرة
انها فقط، المرحلة الاخيرة من مسار بدأ في اواخر سنة 2001، وحتى كتابة هذه السطور، تخلت قوات التحالف الدولي في الحلف الاطلسي، عملياً (ام سلمتها) عن 80 في المئة من قواعدها القتالية، الى العسكر الافغان، الذين لم تنته عملية اعدادهم، ولكنه مسار مفروض، سينتهي في سنة 2014 بانسحاب القوات العسكرية الدولية ولكنه من الصعب التفاؤل، على ضوء ما يجري على الارض. لانه يخشى ان يقود انسحاب المجموعات المقاتلة، من القوة الدولية، الى العنف الذي من شأنه ان يعيد افغانستان، في اسوأ السيناريوهات، الى سنوات الحرب الاهلية، المظلمة.
فالجيش الافغاني، لا يعتمد في طبيعة الحال التجهيز والوسائط الحربية، وتدريب الجيوش الغربية، وبدأ الانسحاب التدريجي الذي نفذه الحلفاء الغربيون. يترافق مع ارتفاع معدلات العمليات التي يقوم بها المتمردون، كما كان متوقعاً.
واذا كان قدوم الربيع في كل سنة، يسهل تحركات الطالبان، فانه جعل لعبة شد حبال تصبح اكثر عنفاً. كما اكدت موجة الاعتداءات التي قام بها الطالبان، منذ منتصف شهر ايار (مايو) الماضي.
ففي 13 ايار (مايو)، سقط 3 جنود من القوة الجورجية، في ولاية هلماند الجنوبية، المضطربة. وفي اليوم التالي، ادى انفجار قنبلة، في ولاية قندهار المضطربة الاخرى الى مقتل 4 جنود اميركيين. وفي اليوم عينه، تسبب انتحاري بمقتل 14 شخصاً، من بينهم رئيس المجلس الاقليمي النافذ، في ولاية باغلان، التي كانت تميزت حتى الآن، بانها كانت هادئة، وآمنة نسبياً.
وبعد يومين، فجّر انتحاري سيارته، بموكب للقوات الدولية، فقتل 15 شخصاً، بينهم 6 اميركيين (جنديين و4 متطوعين في شركات امنية خاصة) في العاصمة كابول التي تعتبر المدينة الاكثر امناً في البلاد.

ضعف الاجهزة المخابراتية
وفي الاسبوع الماضي اعتدى الطالبان على مجمع «يوم» في كابول، ثم فجروا لغمين على طريق مصفحة من طراز «لينشه»، كانت تتحرك مع قافلة عسكرية من مدينة فرح الى بالا بولوك.
واشارت جريدة «حشت وصبح» الافغانية، الى ان مجمّع «يوم» القيادي كان يتمتع بحراسة شديدة. واردفت ان هذه الاحداث «تثبت ان اجهزتنا المخابراتية والامنية لا تتمتع بعد بالاهلية اللازمة»، وكذلك: «فان المطلوب هو، زيادة المنتظر من القوات الافغانية. ويعرف الجميع، ان عمليات من هذا النوع تتطلب اشهراً من التخطيط والتنسيق».
وفي المقابل، تأخذ الخسائر، في صفوف القوات الافغانية، احجاماً مخيفة، فالمئات من العسكر ورجال  الشرطة، سقطوا بين اذار (مارس) وايار (مايو). ولكن عدد العسكر الاجانب الذين قتلوا ارتفع كثيراً بالنسبة الى سنة 2012، فبلغ 57. ويبدو ان نبع الطامحين الى الانتحار لا ينضب، في خدمة الطالبان، ولا تسمح طاقتهم على التسلل الى صفوف الجيش النظامي، وعلى ضرب اماكن تعتبر الاكثر امناً، بتصور مستقبل ذلك المسار الامني الذي تنتظره افغانستان، منذ سنة 1979.
ويلتقي الكثيرون، حول الصوت الذي اطلقته جريدة «حشت وصبح». ويوافق المراقبون الغربيون، الذين يتابعون ملف القضية الافغانية، على التحذيرات التي اطلقتها «حرفاً حرفاً وتوجه الجريدة شأن الكثيرين من المراقبين، اصابع الاتهام الى ما وراء الحدود الافغانية، وضبطاً الى باكستان، الارض التي ابصرت النور فيها، الحركة الطالبانية، حيث تواصل حملة تفجير قنابل في غاية القساوة، بعد ان ادمت عملياتها الارهابية، مسار المعركة الانتخابية، التي انتهت منذ ايام.
ويتخوف المراقبون من ان تكون هناك استراتيجية سياسية عميقة، يتولاها الطالبان، في باكستان وافغانستان، ترمي للاستيلاء على السلطة في اسلام اباد وكابول، حيث تتزايد الاصوات التي تتحدث عن اهتمام كبير للطالبان، في الانتخابات المقبلة، ويذهبون الى حد القول بأن في خططهم خوضها في شكل ما من المشاركة المباشرة. وهذا لا يعني كما رأينا، توقفهم عن القيام باعمال ارهابية.

نافذة الى القمة
فالطالبان، الذين يقومون منذ أمد بمحادثات سلام، في صورة سرية، ادركوا ان نافذة انفتحت امامهم لا بد من العبور منها. فالجلوس على طاولة مفاوضات، ام التطلع الى احتلال موقع في اهرام السلطة في كابول، لا يعنيان التوقف عن القيام باعمال ميدانية، تدل على هويتهم، في افغانستان، المدعوة لان تحتضن، لمدة طويلة، نوعاً من التعايش بين سلطتين: واحدة رسمية، في القصور واخرى سلطة ظل، على ارض البلد.
وفي افغانستان اليوم، مثال على ذلك، فأمير الحرب غلب الدين حكمتيار، يتزعم «حزب الاسلام» الشرعي، الذي له عدد من حكام الولايات، ومن المستشارين في محيط الرئيس كرزاي، بينما زعيمه هارب متوار عن الانظار، وعمد مؤخراً اعضاء في الجناح العسكري لـ «حزب الاسلام» الى اعلان مسؤوليتهم، عن عملية ارهابية، ادت الى مقتل 16 شخصاً.
مصادر مخابراتية، تعتقد ان الطالبان متحالفون، على الصعيد التكتيكي، على الاقل، مع شبكة حقاني، وتعتقد ان «اكثرية العمليات الارهابية التي تقع في كابول، ينفذها اشخاص، يعرفون انهم ذاهبون الى الموت، في اي حال». وقد يسعى الطالبان الى التنسيق مستقبلاً، بين المجموعات، التي تسعى الى الحصول على جزء من افغانستان الغد.
ويسعى الطالبان، في الانتظار خصوصاً، الى ضرب القوى المحلية، بهدف اثبات نقاط الضعف فيها، أولاً (فعدد القتلى ازداد ثلاثة اضعاف في صفوف العسكر والشرطة الافغان) وضرب معنوياتهم ثانية، وقد نجحوا في زيادة عدد الهاربين من صفوف الجهازين الامنيين. والمدنيون، هم الذين يدفعون الثمن، الاعلى، كما في كل مكان، الذين تشير تقارير نشرتها قوة التحالف الغربي الى ان 1500 منهم، سقطوا خلال الخمسة اشهر الاخيرة.

الامن الخاص
ولفتت المصادر، الى ان الطالبان، مع انطلاق موسم «هجوم الربيع» التقليدي، في 28 نيسان (ابريل)، اشاروا الى انهم سيضاعفون استعمال الانتحاريين والمندسين الى صفوف الجيش والشرطة، المسؤولين عن سقوط على الاقل 44 الى 66 قتيلاً في صفوف القوة الدولية.
بينما يقول البعض، ان «خميرة» اخرى قد تكون وراء الاعتداء الاخير على مقر القوات الدولية العام في كابول، وضبطاً، في صفوف الفريق الافغاني شبه العسكري، الذي انشأته الحكومة للحلول مكان شركات الامن الخاصة، لحماية المراكز التجارية، ومرافقة المواكب الرسمية.
فالامن الخاص لمرافقة المواكب يشكل في الواقع «بوزنينس» يقدر بمليارات الدولارات، في السنة، يتولاه في اكثر الاحيان «امراء الحرب»، الذين حولوا «جيوشهم» الخاصة الى شركات امنية، فعمدت الحكومة الى اعتماد هذه «المؤسسات» الوطنية» وجعلت القيادة الدولية تسحب الاجازات من الشركات الامنية الخاصة وتمنع افرادها من حمل السلاح، وتصادره. مما ادى الى حصول اعمال انتقامية واحقاد، مع العلم ان المئات من رجال الامن الخاص، الجيدي التدريب، اصبحوا عاطلين عن العمل بحيث يسهل على الطالبان والعصابات الخاصة، تجنيدهم، واستعمالهم، بينما تستعد القوات الاجنبية للتخلي عن مهام الامن المباشرة مع بداية هذا الصيف.

مقتل ولي الرحمن
وكانت اخر الاحداث الطالبانية، مقتل ولي الرحمن الرقم 2 في قيادة طالبان باكستان، مع ستة آخرين، في هجوم شنته طائرة اميركية من دون طيار، في شمال وزيرستان، (شمال شرق باكستان).
فكانت الغارة، اول عملية من هذا النوع، بعد انتخابات 11 ايار (مايو) في باكستان، التي كانت هذه الغارات احد ابرز مواضيعها، وهي اول عملية تشنها الطائرات الاميركية من دون طيار، بعد اعلان الرئيس الاميركي ادخال تعديلات على مهامها.
وكان ولي الرحمن المرشح الابرز، لخلافة حكيم الله محسود، زعيم طالبان باكستان.
وكانت طائرة اميركية من دون طيار قتلت في سنة 2009، قائد طالبان باكستان، بيت الله محسود.
وبهذه العملية، تكون سي. اي. ايه، صفت حساباً معلقاً، مع رجل تتهمه بتنظيم الاعتداء على قاعدة «تشابمان» المخابراتية في خوست، في 20 كانون الاول (ديسمبر) 2009، الذي ادى الى قتل 7 من رجالها، بمن فيهم رئيسة «المحطة» جنيفر ماتيوز.
وكانت العملية قصة جاسوسية، لان منفذها الانتحاري، كان «الطبيب» الاردني، همام البلوي، الذي تعاون لفترة مع المخابرات الاميركية، فساعدها على توجيه عمليات الطائرات من دون طيار. ولكنه انقلب عليها لاحقاً، وتحول الى مساعدة القاعدة، فهل كان الرجل عميلاً مزدوجاً، ام اكثر؟ لان الاخبار تقول انه غيّر رأيه اكثر من مرة الى ان نجح في دخول قاعدة غوست، مقابل وعد بالمساعدة على القاء القبض على ايمن الظواهري، فوقع الاميركيون في الفخ، وفتحوا امامه ابواب قاعدة المخابرات واعدت السيدة ماتيوز كعكة على شرفه. ولكن «الدكتور» ما كاد يجمع حوله قادة القاعدة المخابراتية، وكان بينهم ضابط اردني، حتى فجّر العبوة التي كان يحملها.
وردت المخابرات بسلسلة من عمليات التصفية، الى ان كان الختام في يوم الاربعاء 29 ايار (مايو) الماضي، من دون ان نعرف ما اذا كان جاء نتيجة عمل مخابراتي، ام بفضل الخمسة ملايين دولار، التي تعهدت المخابرات الاميركية بدفعها لمن يساعدها على الانتقام.

جوزف صفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق