صحة

سرطان الجلد يحوم فوق الرؤوس!

هو الصيف… هي الشمس، هو النور والسمرة والجاذبية، وهي الأشعة ما فوق البنفسجية وما تحت الحمراء وما بعد بعد الخبيث!! واذا كانت هناك أشياء لا تنسجم ولا تتلاقى، كالخطين المتوازيين، فان الجاذبية والخبيث قد يلتقيان، في استثناءٍ، تحت عين الشمس! كيف؟ لماذا؟ متى؟ في جلسة تثقيفية نظمتها «روش لبنان» كان حوار مختلف عنوانه: الميلانوما وسرطان الجلد، وتدبيره: الوقاية من أشعة الشمس، وعلاماته: الكتل والبقع والشامات، وضحاياه: قد نكون نحن!



قبل أن نتسمر تحت الشمس، ونتقلب يميناً ويساراً، على الظهر وعلى البطن، كما حال شواء الدجاج على سيخ النار، فلنمسك بورقة وقلم ولنبدأ في احتساب الساعات التي نُمضيها كل يوم تحت عين الشمس! ولنُسجل على ورقة أخرى ما هو صحّ وما هو خطأ في ما نفعل ونتصرف! واحد. اثنان. ثلاثة. فلننطلق…
ثلاثة أطباء أبدوا كل الاستعداد للإجابة عن كل الأسئلة. والأسئلة حين تكون عن الشمس والجاذبية تتطلب أجوبة حاسمة ودقيقة! فليس سهلاً أبداً على الأطباء، حتى ولو كانوا نخبة، أن يُقنعوا صبية بألا تكتسب سمرة تحت أي طائل ونتيجة! المحاولة إذاً غير سهلة لكنها ضرورية والتكرار لا بدّ أن يُعلّم!

الميلانوما… الاكثر خطورة
الأطباء الثلاثة، الذين خاضوا تجربة الإقناع الجديدة، هم: عميد كلية الطب في جامعة القديس يوسف البروفسور رولان طنب، رئيس الجمعية اللبنانية لطب الأورام البروفسور جورج شاهين ورئيس قسم الأورام وأمراض الدم في مستشفى جبل لبنان الدكتور فادي نصر. تُرى ماذا في جعبة ثلاثتهم من معلومات لم نسمع بها من قبل؟ وهل سيضعون لنا علامة خطأ على ما ظنناه لسنواتٍ، في تعاملنا مع الشمس، انه صحّ؟!
ايار (مايو) هو شهر التوعية العالمي حول سرطان الجلد فهل كنتم تعرفون؟ ليلى قليلات، مسؤولة العلاقات العامة في روش،
لا تنسى عادة أي تاريخ وتصرّ على أن تُذكر دائماً، في كلِ التواريخ، أن التثقيف الصحي يبقى المفتاح الأول. فهل يؤيد الأطباء هذه الإشارة؟ هل ينفع التثقيف دائماً؟ وهل اكتشاف السرطان الجلدي في بداياته مفتاح؟ وثمة سؤال آخر: هل سرطان الجلد هو نفسه الميلانوما؟
الميلانوما هو السرطان الأول، الأكثر خطورة، بين سرطانات الجلد. ويُقصد به سرطان الخلايا الصبغية. وهو يتطور داخل الخلايا المصنعة للميلانين، الذي يُكسب الجلد لونه. البروفسور رولان طنب يُعطي المزيد من التفاصيل: تتألف البشرة من ثلاث طبقات أساسية: البشرة وهي الطبقة العليا أو الخارجية، الأدمة وهي الطبقة السفلى أو الداخلية، والطبقة الدهنية الواقعة تحت البشرة. والخلايا الصبغية تقع عادة في الطبقة السفلى وهي مسؤولة عن إعطاء البشرة لونها الطبيعي وحمايتها من
الأشعة ما فوق البنفسجية الموجودة في اشعة الشمس. والتعرض الطبيعي لهذه الأشعة يدفع الخلايا الصبغية الى زيادة انتاج الميلانين، ما يجعل البشرة داكنة، أما الإفراط في التعرض لها فقد يتسبب بتغيرات في الخلايا الصبغية تتحول الى سرطان جلدي وربما الى ميلانوما.

بين الخطأ والصح
السولاريوم مضرّ؟ صحّ. حين نقرأ على مستحضر للحماية من الشمس 100 أس بي أف فهل هذا معناه أن الحماية أصبحت مؤمنة مئة في المئة؟ خطأ. هل يعطينا عصير الجزر اللون الجذاب؟ يضحك البروفسور طنب كثيراً مجيباً: خطأ! هل يُفترض أن يُثير فينا كل جرحٍ نافرٍ في الأذن أو الأنف أو في الرأس الشكوك؟ صحّ. هل الحماية من أشعة الشمس تقتصر فقط على فصل الصيف؟ خطأ… وتكرج الأجوبة بين صح وخطأ وبين خطأ شائع وحقيقة ملتوية.
ما رأي الدكتور جورج شاهين بما نسمع؟ وهل تكون قابلية الشفاء من سرطان الجلد عالية إذا اكتُشف في مرحلة مبكرة؟
رئيس الجمعية اللبنانية للأورام السرطانية يؤيد هذه المعادلة ويزيد: ان الحاجة الطبية ما زالت ماسة الى توافر العلاجات الفعالة، خصوصاً بالنسبة الى مرضى الميلانوما في مرحلة تفشي المرض، خصوصاً أنه في الأعوام الثلاثين الأخيرة، حتى العام 2010، لم تطرأ تطورات جمة على علاج سرطان الجلد المنتشر من نوع الميلانوما. هذا ليس كل شيء، فنسبة المرضى الذين يتجاوبون للعلاج القياسي لا تزيد عن عشرين في المئة!
لا يسعنا والحال هكذا إلا أن نقول: الله يحمي الجميع من سرطان الجلد… والله يبعد عن الجميع، حتى الأعداء، سرطان الميلانوما. والسؤال البديهي: ماذا عن عدد الإصابات في لبنان؟ كم حالة ميلانوما تستجد؟ وكم حالة سرطان جلدي تُكتشف؟
يبدو ان عدد حالات الميلانوما الجديدة المشخصة سنوياً في لبنان هي 44، اما حالات السرطان الجلدي فحددت العام الماضي بستمئة وحالتين جديدتين.
رئيس قسم الأورام وأمراض الدم في مستشفى جبل لبنان الدكتور فادي نصر دخل أكثر في النسب معلناً: أن المريض الذي يعاني من سرطان الجلد المنتشر من نوع الميلانوما يكون معدل بقائه على قيد الحياة قصيراً. انه يموت بسرعة. وفي التوقعات يعيش واحد من كل أربعة أشخاص مصابين بسرطان الجلد من نوع الميلانوما المنتشر، مدة سنة واحدة فقط، بدءاً من تاريخ التشخيص. المرض إذاً مدمر.

السولاريوم خطير
نعود الى موضة العصر الى السولاريوم لنسأل: وكيف تقولون لنا السولاريوم مضرّ وهم، مروجو السولاريوم، يتحدثون ويسهبون عن منافع الفيتامينات المركزة التي يكتسبها الجلد من جلسة سولاريوم واحدة؟ من نُصدق؟
السولاريوم خطير، نعم خطير، هو الجواب الصحيح. ويفترض أن يُمنع، خصوصاً على من هم دون سن العشرين، لكنه للأسف يُسوّق على أنه سليم! بينما في الخارج، وقبل أن نقتحم غرفة
السولاريوم، نقرأ تنبيهاً واضحاً: على مسؤوليتكم! خطر الإصابة بالميلانوما يكبر إذاً لدى استخدام السولاريوم. وفي هذا الإطار يشرح طنب: نكتسب جراء هذا الاستخدام، في جلسة واحدة، خلال وقت قصير جداً، الأشعة المكثفة، من خمس مرات الى 15 مرة زيادة عما نكتسبه من الشمس، وهذه الأشعة وحدها لا تسمح للجسم بفبركة ما يحتاج اليه من فيتامينات. نحتاج إذاً الى أشعة الشمس ليتمكن الجلد من صناعة الفيتامينات الملائمة.
تنبيه آخر خرجنا به: الانبهار بمستحضرات الوقاية من الشمس الجذابة خطأ فادح. علينا، عند
مدخل هذا الصيف، أن نعلم جيداً أن لا مستحضر يقي مئة في المئة حتى ولو كُتب عليه «أس بي أف» 100. هناك جلدة تتحمل أكثر من غيرها. وهناك ضرورة ماسة لتكرار وضع مستحضرات العناية مرة كل نصف ساعة. وعلينا ألا ننسى أبداً، ونحن نُخرج أمتعة البحر من الحقائب، أن حروق الشمس التي قد يتعرض لها الأشخاص خلال فترات الطفولة هي التي تؤدي الى الميلانوما لاحقاً. حساسية جلد الأطفال عالية جداً. هذا لا يعني طبعاً ألا نذهب الى البحر بتاتاً أو أن نردد: كل عمرنا نذهب الى البحر ولم يصبنا أذى فلماذا يُصاب أطفالنا؟! علينا إذاً، في المختصر المفيد، ألا نُكثر من التحليلات والاستنتاجات في موضوع الشمس لأن الحقيقة الدامغة أن لا عدالة مع تلك الأشعة التي قد تضرّ بعض البشر في شكل فادح جداً وقد لا تؤثر على بشرٍ بتاتاً.
من هو الإنسان المعرض أكثر من سواه لخطر الإصابة؟
كلنا معرضون لكن قد ترتفع النسبة عند وجود الميلانوما في تاريخ العائلة، وترتفع هذه النسبة مرتين أكثر إذا كان القريب المصاب من الدرجة الأولى أي اذا كان أباً أو أماً أو أخاً أو أختاً. ذوو البشرة الحساسة المعرضة للإحتراق، ومن يملكون كثير من الشامات أكثر عرضة أيضاً أكثر من سواهم.
ثمة مناطق أكثر عرضة لتشكل الميلانوما عند الرجال وعند النساء. حالات إصابة الرأس والعنق عند الذكور مثلاً تصل الى 22 في المئة بينما لا تتجاوز هذه النسبة عند الإناث 14 في المئة. وقد تتعرض النساء الى هذا السرطان الشرس عند الساق بنسبة 42 في المئة بينما لا تتعدى هذه الإصابة عند الذكور 15 في المئة.
لديكم شامة؟ تسمعون أن الميلانوما تظهر على شكل شامة؟
صحيح قد تظهر على شكل بقعة داكنة أو شامة ويصعب عادة، بالعين المجردة، التمييز بين ما هو عادي وما هو ميلانوما، لكن ثمة خمس خصائص قد يفيد التحقق منها عند الشك: عدم تماثل الشكل. عدم تساوي الحواف. تغير اللون. تغير القطر. تطور في الحجم والشكل واللون والارتفاع. فإذا لاحظتم مثل هذه التغيرات راجعوا الطبيب ويُفضل ألا يكون، بحسب الدكتور شاهين، طبيب عائلة. لأن هذا الطبيب، الذي تربطه صداقة عادة مع العائلة قد يحاول، كما أي فرد في الأسرة، استبعاد الشك على قاعدة: اسماالله عليك ما بيك شي! وهذه القاعدة قد تُدمر لاحقا في حالات الميلانوما.
ماذا عن العلاج؟
الدكتور جورج شاهين يتحدث عن العلاج الموضعي، أي الجراحي، حيث يُفترض ازالة سنتمترين حول البقعة او الشامة، وإذا تبين عمقها يُفترض إجراء فحوصات على الغدد اللمفاوية للتأكد مما إذا كانت ملتهبة أم لا واستئصال ما هو ملتهب منها.
من قال أن الشمس تؤذي؟ ثلاثة أطباء قالوا.
من قال أن السمرة جميلة؟ كُلُنا نقول.
والعمل؟ لن نكون مثاليين ونقول: لا تتعرضوا للشمس. لا تذهبوا الى البحر. لا تكتسبوا اللون البرونزي الجذاب. سنكون واقعيين ونقول: قليل من الشمس يفيد…

نوال نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق