رئيسيسياسة عربية

لبنان او الديموغرافيا المتحولة

باتت ازمة اللاجئين السوريين في لبنان او النازحين اليه عبئاً على الديمغرافيا اللبنانية، لا على الاقتصاد فحسب، مع وجود اكثر من مليون لاجىء يتوقع ان يتضاعفوا فور الانخراط جدياً في معركة دمشق.

يقول تقرير مجموعة الازمات الدولية بعنوان «لا عزاء في القرب: السوريون في لبنان»: يستمر الصراع في سوريا في جر البلدان المجاورة إليه وبشكل يبلغ أقصى درجات خطره في لبنان. سياسة بيروت المعلنة في «النأي بالنفس» – أي السعي، من خلال الإحجام عن الوقوف إلى جانب أي من الطرفين، إلى المحافظة على مسافة بينها وبين الحرب الدائرة هناك – سياسة صحيحة نظرياً لكن يعتريها الكثير من الشكوك من الناحية العملية. إن الحدود القابلة للاختراق، وتهريب الأسلحة، وتنامي انخراط الإسلاميين المناهضين للنظام السوري من جهة وحزب الله المؤيد للنظام من جهة أخرى، والمناوشات التي تجري عبر الحدود، إضافة إلى تدفق أعداد هائلة من اللاجئين، عوامل تؤدي مجتمعة إلى انغماس لبنان بشكل أكثر عمقاً من أي وقت مضى في الصراع الدائر في البلد المجاور. قد لا يكون من الواقعي توقّع تراجع اللاعبين اللبنانيين،. إذ يشعرون بأن مصير سوريا هو مصيرهم، وأن الرهانات مرتفعة إلى درجة يصعب معها الوقوف موقف المتفرج. لكن ينبغي ألا يكون من غير الواقعي توقّع أن يتبنوا – مع شركائهم الدوليين – مقاربة أكثر تطلعاً إلى الأمام حيال أزمة لاجئين تخاطر بتمزيق النسيج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لبلدهم، وإشعال صراع داخلي جديد لا تستطيع دولة لبنانية ضعيفة ومنطقة شديدة التقلب تحمّله.

ربع اللبنانيين
يضيف التقرير: هذه حكاية تشكل الأرقام أفصح راوٍ لها، فهناك أكثر من مليون سوري في لبنان، لاجئون مسجلون وغير مسجلين، إضافة إلى العمال المهاجرين وغيرهم. هذا الرقم الذي يشكل أكثر من ربع سكان لبنان الذين يقدر عددهم بنحو أربعة ملايين نسمة هو في ارتفاع مستمر ومن المرجّح أن يحلّق إلى ارتفاعات أكبر إذا تم الانخراط في معركة دمشق، أو عندما يحدث هذا الانخراط، بشكل كامل. هذا رقم ضخم في أي مكان، لكنه مخيف فعلاً بالنظر إلى الهشاشة المؤسساتية للدولة، ومواردها الشحيحة، وربما الأكثر من ذلك، التوازن الطائفي بالغ الحساسية. من غير المفاجىء أن الحكومة، التي تعاني من الانقسام والاستقطاب حول هذه القضية كما حول معظم القضايا الأخرى، تتصرف ببطء وعدم فاعلية. إن الأثر الذي يحدثه ذلك على مجريات الحياة اليومية هو أثر ملموس. يمكن رؤية التغيرات الديموغرافية في كل نواحي الحياة تقريباً، من سماع اللهجة السورية في كل مكان، إلى تفاقم الاختناقات المرورية، إلى ارتفاع أسعار المنازل وزيادة معدلات الجنوح. إلاّ أن اللاجئين لا يشكلون مشكلة إنسانية فقط، فقد دفع وجودهم إلى استقطاب سياسي عميق، إذ إن غالبية هؤلاء هم من السنة الذين يدعمون الانتفاضة. ومعظم اللبنانيين ينظرون إلى الصراع من منظور مذهبي، وبالتالي فإن موقفهم حيال اللاجئين تأثر منذ البداية بالاعتبارات المذهبية، وكذلك بالآثار الأمنية المحتملة وتداعيات ذلك على السياسات الداخلية المستقبلية.

الصبر ينفد
يتابع: لقد توجه اللاجئون إلى المناطق ذات الأغلبية السنية التي رحبت بهم. لكن حتى هناك، فإن الصبر بدأ بالنفاد. تبقى الكراهية للنظام السوري حادة وتفوق ما عداها من المشاعر. على رغم ذلك، هناك غضب متزايد حيال حقيقة أنهم يتعرضون للنيران السورية بسبب تقديمهم الملاذ والغطاء للمتمردين على النظام السوري. إضافة إلى ذلك، ثمة تاريخ من الأشكال النمطية المتفاعلة، إذ إن السوريين، وكما يراهم العديد من اللبنانيين، يقعون في تصنيفين واسعين: عمال مياومين ومجرمين غير متعلمين وذوي دخول متدنية أو جنود وعناصر أمن يمارسون الانتهاكات. تساق الشكاوى في كلا الاتجاهين: من اللبنانيين الذين يحمّلون ضيوفهم مسؤولية إحداث درجة أكبر من انعدام الأمن، إلى السوريين الذين يتهمون اللبنانيين بعدم احترامهم، أو استغلالهم أو حتى الاعتداء عليهم. وثمة نزعة متصاعدة من الحوادث الإجرامية والشجار في الشوارع. يمكن تلمّس درجة أكبر من العداء والشكوك في أوساط الشيعة والمسيحيين. في المناطق ذات الغالبية الشيعية التي تشهد الآن وصول أعداد من اللاجئين، يعبّر العديد من السكان المحليين عن مخاوفهم من أن هذه الأعداد يمكن أن ترتفع، في حين يخشى حزب الله من أن تشكّل مشاعر اللاجئين المعادية للنظام مقدمة لحراك ضد الحزب نفسه. العديد من المسيحيين باتوا يشعرون بأنهم أكثر هشاشة ويشعرون بالرعب حيال التوازن الديموغرافي الذي يزداد رجحاناً ضدهم. تعيدهم الموجة البشرية الراهنة إلى تجربتهم مع اللاجئين الفلسطينيين الذين تحوّل استقرارهم «قصير الأجل» نظرياً إلى وجود عسكري كبير، وطويل الأمد، وسني على الأغلب. كما يغذي هذا اعتقاداً عاماً بأن الطائفة السنية في لبنان، خصوصاً الإسلاميين فيها، يحظون بمزيد من التمكين، ويركبون مداًّ إقليمياً تصعب مقاومته.

الديمغرافيا السياسية
ويرى التقرير ان قضية اللاجئين وجه واحد فقط من تحدٍ أوسع يواجهه لبنان نتيجة الصراع السوري. إن الديموغرافيا السياسية للمنطقة التي تضم البلدين تشهد تحوّلاً مع زيادة قابلية الحدود للاختراق. المنظمات الإسلامية اللبنانية التي تشكلت لمساعدة السوريين تشكّل أيضاً أداة للتعبئة الاجتماعية، حيث تهدد بإنتاج جيل راديكالي من السوريين، وذلك بزرع أفكار متشددة ومعادية للشيعة والعلويين في أوساطهم. يقوم المتشددون الإسلاميون في لبنان بتهريب الأسلحة والانضمام إلى صراع اخوتهم السوريين، والذي أصبح المقصد المفضل للجهاديين. وهناك دائماً مخاطر نشوء مسار عكسي، فحالما ينتهي عمل هؤلاء في سوريا، قد يتوجهون بأنظارهم مرة أخرى إلى وطنهم. أما انخراط حزب الله فهو أكثر حدّة. ما بدأ بوصفه مساعدة متواضعة نسبياً للنظام تنامى واتسع مع مرور الوقت إلى ما يبدو أنه أصبح راهناً دعماً عسكرياً مباشراً، وشاملاً، وكاملاً وغير مخفي على نحو متزايد. الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة (غير المؤكدة رسمياً) ضد أهداف في سوريا – والتي يقال إنها استهدفت شحنات أسلحة إيرانية موجهة إلى الحزب الشيعي – والخطاب التصعيدي لحزب الله، تعكس احتمالات متزايدة لتشابكات إقليمية يكون لبنان طرفاً فيها. عموماً، حتى مع تمسك بيروت بسياسة النأي بالنفس، فإن اللاعبين خارج أجهزة الدولة بالكاد يشعرون بأن ذلك يقيّدهم. لقد تم تجاهل آمال لبنان بأن يكون منيعاً على الصراع، من قبل أطراف داخلية تعتبر حصيلة هذا الصراع بالنسبة إليها ذات أهمية شبه وجودية.
ويشير التقرير الى انه تاريخياً، ارتبط مصير لبنان دائماً، وأكثر بكثير من مصير أي جار آخر، وبعمق، بمصير سوريا التي مع توجهها وبشكل أكثر ثباتاً نحو الكارثة، فإن هناك كل ما يبرر شعور اللبنانيين، على اختلاف مشاربهم، بالقلق على بلدهم، وضرورة أن يفعلوا شيئاً حيال ذلك. يا للأسف، قد يكون الأوان فات على إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء والعودة إلى سياسة عدم التدخل في الحرب السورية. لكن إذا كانت القوى السياسية المختلفة في البلاد لا تستطيع الاتفاق على ما ينبغي القيام به في سوريا، فإن في وسعها على الأقل الاتفاق على مقاربة عقلانية حيال مأساة اللاجئين. إن تدفق هذا العدد الهائل من الناس سيشكل مشكلة جسيمة في أي مكان من العالم. أما في لبنان- بمؤسساته وبنيته التحتية الهشة؛ وتوازناته السياسية والمذهبية الدقيقة؛ ونسيجه الاجتماعي المتوتر؛ واقتصاده المتراجع؛ وهي عوامل أدت أزمة اللاجئين إلى مفاقمتها جميعاً – فإن هذه المشكلة تصبح كابوساً.

التوصيات
وخلص تقرير مجموعة الازمات الدولية الى التوصيات الآتية:
إلى الحكومة اللبنانية المقبلة (الجديدة):
1-  التركيز على أزمة اللاجئين وذلك من خلال:
أ- جعلها أولوية للبرنامج الوزاري المقبل.
ب- السعي للحصول على تمويل غربي وعربي إضافي.
2- القيام فوراً بتخصيص أي موارد مالية أو بشرية متاحة لمعالجة تدفق اللاجئين، حتى مع انتظار وصول مثل تلك المساعدة.
3- التأكيد على التزام سياسة لبنان الترحيب باللاجئين.
4- وضع خطة طوارىء للتعامل مع تدفق جديد للاجئين، خصوصاً من دمشق، وذلك من خلال:
أ- التخطيط مع كل الأحزاب السياسية لإقامة مخيمات لاجئين صغيرة.
ب – تخصيص مناطق بعيدة عن الحدود يمكن أن تقام مثل تلك المخيمات عليها.
ج- استكشاف وسائل ضمان سلامة المخيمات مع السلطات الأمنية والعسكرية من دون فرض إجراءات مفرطة في التدخل بشؤونهم.
د- التنسيق مع السلطات المحلية والمجتمعات المحلية المضيفة بشأن إقامة هذه المخيمات وتخصيص الأموال اللازمة لتحسين البنية التحتية في المدن والبلدات المعنية.
إلى حلفاء النظام السوري:
5- الامتناع عن إطلاق التصريحات السياسية المعادية للاجئين.
6- الموافقة من حيث المبدأ على إقامة مخيمات للاجئين.
إلى حلفاء المعارضة السورية:
7- الموافقة على معالجة التداعيات الأمنية المحتملة لمخيمات اللاجئين.
إلى مجتمع المانحين:
8- تزويد لبنان، ووكالات الأمم المتحدة وشركائها بنحو مليار دولار أميركي، وهو المبلغ الذي قدرت هذه الجهات بأنه ضروري لمعالجة أزمة اللاجئين حتى كانون الأول (ديسمبر) 2013.
إلى بلدان الخليج، والولايات المتحدة والدول الأوروبية:    
9- تسهيل إجراءات منح تأشيرات الدخول للسوريين الهاربين من الصراع من أجل تخفيف الضغوط على البلدان المجاورة، وخصوصاً لبنان.
إلى وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية:
10- منح المساعدات الإنسانية للأسر اللبنانية الأكثر حرماناً في مناطق الوجود المكثف للاجئين والأسر التي تستضيف اللاجئين، من أجل منع المزيد من التدهور في العلاقات بين اللاجئين والمجتمعات التي تستضيفهم.
11- إشراك المجتمعات المحلية اللبنانية في دعم اللاجئين السوريين وذلك بتنظيم برامج الإغاثة التطوعية.

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق