رئيسيسياسة عربية

مصر: خطف الجنود عقدة مرسي الكبرى

اعادت مسألة خطف مجموعة من المتشددين الاسلاميين سبعة جنود مصريين في صحراء سيناء، وما تلا ذلك من مفاوضات واحداث دراماتيكية، ملف الوضع البالغ التعقيد والمتشابك في هذه المنطقة الحساسة الى واجهة الضوء والحدث مجدداً، وبالتالي وضع النظام في مصر الغارق حتى قمة رأسه في المشاكل والازمات الداخلية امام تحد جديد، واستطراداً امام اختبار قوة اخر مع المجموعات المتشددة.

قد تنتهي بعد وقت مسألة اختطاف هؤلاء الجنود السبعة، خصوصاً ان المعلومات تشير الى مفاوضات تجري مع الخاطفين بعيداً عن الانظار، لا سيما ان هؤلاء لهم مطالب تتعلق باطلاق محتجزين في اعمال عنف جرت في عام 2011. لكن الثابت ان الحدث الجديد، فرض على القاهرة عقدة كبرى ومسألة شائكة ذكر البعض بأنها ارجأت التعامل معها لفترة، في ما ذكر البعض الاخر ان السلطات المصرية كانت ظنت نفسها انها اجتثت القوة الاساسية للمتشددين عندما وجهت اليهم ضربات في السابق.
اذاً، ليست المرة الاولى التي تكون فيها شبه جزيرة سيناء مسرحاً لاحداث وتطورات امنية وسياسية لها ابعاد استراتيجية. فالاضواء سلطت على هذه المنطقة في آب (اغسطس) من العام الماضي، عندما قتل مسلحون 17 جندياً مصرياً في احد مواقعهم في الجزء المصري من مدينة رفح، وهو ما عرف لاحقاً باسم «مجزرة رفح»، التي تسببت في ذلك الحين باطاحة رئيس المجلس العسكري السابق المشير حسين طنطاوي ونائبه الفريق سامي عنان، في حين ان ثمة من رأى ان الرئيس المصري الجديد يومذاك محمد مرسي، استغل الحادثة لتوجيه «ضربة» سياسية الى نفوذ المؤسسة العسكرية المصرية القوية وابعادها عن واجهة السلطة والفصل فيها.

هجوم مسلح
وقبلها اي في عام 2011، اسفر هجوم شنه مسلحون على مركز للشرطة المصرية في مدينة رفح ايضاً عن مقتل 6 من افراد المركز.
اثر هذين الحدثين اللذين انعكسا على سمعة ووضع النظام المصري الاسلامي الصاعد لتوه يومذاك الى رأس هرم السلطة، فبادر الى جملة تدابير واجراءات ميدانية لاعادة الوضع الى طبيعته والقضاء على مظاهر الفلتان والتمرد وتوجيه ضربة الى المجموعات والخلايا المتشددة والظهور بمظهر الممسك بزمام الاوضاع والقادر على قهر اعدائه.
لكن التطورات المتسارعة كشفت للنظام المصري الاسلامي وللمراقبين ان تعقيدات الاوضاع في صحراء سيناء هي اكبر من ان تعالج بهجوم محدود في المكان والزمان ضد الذين اطلقوا النار على المراكز الامنية المصرية، اذ ما لبثت القاهرة ان تيقنت من الوقائع والمعطيات السلبية الاتية:
– ان غياب النظام المصري السابق عن الاهتمام بأوضاع هذه المنطقة النائية البالغة مساحتها نحو ثلاثين الف كيلومتر مربع، صير سيناء القصية حاضنة لمجموعات متشددة اقامت تحالفاً ضمنياً مع سكان هذه الصحراء، ولا سيما البدو الضاربين في بياديها. وهذه المجموعات اما على صلة بتنظيم «القاعدة» وهي في حال انتظار الأوامر بالتحرك، واما عبارة عن مجموعات امتهنت اعمال التهريب على انواعها.
– ان غياب القبضة الامنية المصرية عن المنطقة بفعل اتفاقية سيناء المعقودة في اواخر السبعينيات بين مصر واسرائيل، والاتفاقية التي حدت التواجد الامني المصري في هذه البقعة، وجعلته تواجداً امنياً شبه صوري، فتح صحراء سيناء على مصراعيها امام انواع مختلفة، بل ومتناقضة من المجموعات والقوى، وهي بفعل الوقت جذرت وجودها هناك وصارت حالة عصية.
ولم يعد
خافياً ان بعض هذه المجموعات والقوى ارتبط خصوصاً بالتنظيمات والفصائل الفلسطينية و«حزب الله» وايران فضلاً عن قوى اصولية اخرى.
– مع م
رور الوقت نجحت هذه المجموعات في تزويد غزة وقطاعها بالاسلحة وبمواد اخرى اما عبر الانفاق او عبر البحر او اي اشكال اخرى من التهريب.
– ان وجود سيناء محوراً مفتوحاً في قلب مناطق ودول شاسعة مثل مصر
واسرائيل وغزة واليمن والبحر الاحمر والبحر المتوسط، امتداداً حتى السودان وعمق القرن الافريقي وباب المندب، جعلها قبلة قوى وتيارات متناقضة الاهداف والمقاصد، وبالتالي جعلها عصية على الانضباط، واستطراداً مأوى وملاذاً لكل الهاربين والشاردين والمغامرين المتشددين.
– ان غياب السلطة المصرية عن الاهتمام بسكان سيناء ورعايتهم وانماء المنطقة اقتصادياً واجتماعياً، جعل سكانها في حالة اغتراب عن دولتهم الام، وساعد في تعزيز ميلهم الفطري الى التمرد على كل اشكال السلطات وانماط الانظمة، ولا سيما وانهم وقعوا تحت نفوذ الاحتلال الاسرائيلي على مدى عقدين من الزمن مما صيرهم بطبعهم عصاة، وضائعي الولاء.

تعاط امني
– ومما زاد في «اغتراب» هؤلاء عن دولتهم وسلطاتها واجهزتها ان هذه الدولة تعاطت معهم دوماً بأساليب واشكال امنية.
كما ان النظام المصري السابق والحالي، لم يجر يوماً عملية مصالحة مع هؤلاء السكان تعيدهم الى حضن دولتهم وتقنعهم بالانصياع لها واعلان الولاء والطاعة لاجهزتها وممثليها وهي على سبيل المثال لا الحصر، لم تستجب للمناشدات التي رفعها مشايخ القبائل البدوية في سيناء الى السلطات المصرية المعنية لانهاء ملف الاحكام الغيابية الصادرة ضد متهمين يعدون بالآلاف من ابناء قبائل سيناء.
وفي كل الاحوال، فإنه يبدو ان آثار ونتائج عرض القوة الذي مارسته السلطات المصرية في اعقاب مجزرة رفح في آب (اغسطس) الماضي، والتي اطلق عليها اسم «عملية نسر»، تلاشت وعادت المجموعات المتشددة الى ساحة سيناء في هجوم مضاد من خلال خطف الجنود المصريين السبعة، ومن خلال المطالبة بالافراج عن 14 معتقلاً كشرط لاطلاق هؤلاء الجنود.
وواقع الامر الصعب الناجم عن هذه الواقعة والذي وجدت السلطات المصرية نفسها امامه، سيفرض عليها بطبيعة الحال جملة وقائع جديدة ابرزها:
– ان الحكومة المصرية صارت مضطرة ان عاجلاً ام اجلاً الى الرد على التحدي بمثله على نحو يعيد فرض هيبتها وحضورها في هذا الجزء من اراضيها، وهذا بالطبع سيفرض عليها اما التنازل امام الخاطفين ومن يقف وراءهم من مجموعات متشددة، وهذا ان حصل سيجعل هذه المجموعات بمثابة قوى امر واقع، وسيقبل النظام المصري ساعتها بأن يجعلها شريكة فاعلة في شبه جزيرة سيناء او مناطق معينة منها، او على الاقل ان يقبل بشروطها حاضراً ومستقبلاً.

المواجهة
اما اذا اختارت السلطة المصرية طريق المواجهة مع هذه المجموعات والموجودة بقوة في المنطقة، فمعناه ان عليها ان تستعد لدفع الثمن الكبير عسكرياً خصوصاً ان ثمة معلومات تشير الى ان المجموعات المتشددة خطفت الجنود المصريين السبعة لاستدراج هذه السلطة الى «حرب استنزاف» طويلة الامد، خصوصاً ان السلطة المصرية في هذه الحالة مضطرة الى ان تضاعف حضورها الامني والعسكري في صحراء سيناء بدل وجودها الرمزي الحالي، وهذا ان حصل انما يفرض عليها اعباء جديدة على كل المستويات، خصوصاً ان امر الافراج عن المخطوفين واعتقال الخاطفين لا يبدو قريب المنال، ان لم يحصل على المفاوضات والاتصالات مع بدو سيناء ومشايخ القبائل المنتشرة هناك.
الى جانب ذلك، فإن حادثة خطف الجنود المصريين السبعة ستعيد مجدداً فتح موضوع الانفاق القائمة بكثرة بين صحراء سيناء وغزة وقطاعها، وهو موضوع بالغ الحساسية والدقة وله جذور ومقدمات، واستطراداً سيعيد فتح موضوع العلاقة الشائكة والمعقدة بين غزة وحركة «حماس» التي تبسط سيطرتها على هذه المدينة المكتظة بنحو مليوني نسمة، وصحراء سيناء.
فالمعلوم انه بعد مضي اقل من 36 ساعة على خطف هؤلاء الجنود السبعة بادرت عناصر الامن المصرية الى اقفال معبر رفح الذي يربط بين غزة وصحراء سيناء، مما فرض ازمة انسانية تجلت بمنع عبور الفلسطينيين الى خارج القطاع ومنع وصول السلع والادوية اللازمة الى القطاع، وعلى الاثر بادرت حركة «حماس» الى مناشدة السلطات المصرية اعادة الاوضاع الى سابق عهدها وفتح المعبر.

اتهام غزة
ان اقفال المعبر المذكور من جانب المصريين هو بشكل او بآخر اتهام غير مباشر من الجانب المصري الى غزة وسلطتها وقاطنيها، بأنهم يتحملون معاً مسؤولية ما حدث، واما بأن الخاطفين اتوا من جهة غزة وقطاعها.
«التهمة» عملياً ليست جديدة، فإثر «مجزرة» رفح التي ذهب ضحيتها عدد من عناصر الامن المصري، وجه الجانب المصري على الفور اصابع الاتهام الى الجانب الفلسطيني باعتباره مسؤولاً عما حصل، وهو ما بادرت حركة «حماس» يومها الى نفيه نفياً قاطعاً.
وليس جديداً الاشارة الى ان الجانب المصري بادر قبل اسابيع عدة الى ردم عدد من الانفاق بين سيناء وغزة، وهو ما اثار في حينها ازمة مكتومة في العلاقة بين حركة «حماس» والمسؤولين المصريين، علماً بأنهما يحرصان كل الحرص على تعزيز العلاقة بينهما نظراً للروابط العقائدية والفكرية التاريخية بين «حماس» وتنظيم «الاخوان المسلمين» الذي بات عملياً الحزب الحاكم في القاهرة.
ولم يكن قد مر وقت طويل على الاجتماع الذي رعته القاهرة بين وفدين من حركة «حماس» وحركة «فتح» وذلك بغية استكمال خطوات المصالحة بين الطرفين وهو الاجتماع الذي اقر مبدأ الدعوة الى حكومة وحدة وطنية للسلطة وانتخابات عامة في وقت واحد، وذلك خلال ثلاثة اشهر.
وفي كل الاحوال، لا بد من ان يكون ما حصل اخيراً على معبر رفح، مقدمة من الجانب المصري لكي يفكر مستقبلاً في قطع التواصل الحاصل بين غزة وسيناء، لا سيما ان السلطات المصرية لن يكون بمقدورها بعد ما حصل اخيراً ان تترك حبل الامور على غاربه في هذه الصحراء القصية، اذ انها باتت امام تحد جديد يفرض عليها ملاقاته بتحد من نوع آخر.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق