أبرز الأخبارملف

لبنان… الاول في الخدمات السياحية

في الأرقام يمكن القول اننا من أكثر الدول تراجعاً على مستوى الإشغال الفندقي، وقد يصح فينا القول اننا من رواد الفرص الضائعة في اطاحة القطاع السياحي. لكننا بشهادة السياح العرب والأجانب وتصنيفات المنظمات السياحية الدولية، «أوائل» في الخدمات السياحية. وهذه الشهادة تنطبق على كل الخدمات، بدءاً بالمطبخ اللبناني مروراً بالنظافة وحسن الضيافة وخدمات الغرف وصولاً الى تنوع الهويات السياحية: دينية، ثقافية، بيئية وطبيعية. لكن التسليم بهذه الشهادة لا يكفي لطمأنة السائح الأجنبي الذي يفكر في الحجز قبل شهرين. والثابت أن لا حجوزات بأسماء أجنبية حتى الساعة. أما العربي والخليجي الذي بات ملماً بزوايا السياسة والأمن في لبنان، فيبدو أنه صار يعد للعشرة للمرة الأولى قبل زيارة ربوعنا، ونحن أيضاً سنعد للعشرة لكن الى الوراء، لنؤكد على الشعار «لبنان سويسرا الشرق» لا بديل له، وسيعود…

لبنان بلد سياحي بامتياز. ما نقرأه ليس مجرد شعار ولن يكون، فمن عايش الواقع السياحي في لبنان وقرأ في الأرقام معدل الإشغال حتى العام 2010 يدرك أن تصنيفه على لائحة أفضل الدول السياحية ليس مجرد جائزة ترضية. فلبنان الذي عاش عقوداً من الحروب والنزاعات بقي وجهة السياح العرب والأجانب على السواء، اضافة الى المغتربين اللبنانيين المنتشرين في كل ارجاء العالم لأسباب تتعلق أولاً بطبيعته الخلابة ومناخه المعتدل وتنوع الحضارات السياحية والخدماتية وثقافة شعبه وحسن ضيافته، وصولاً إلى ميزة انفتاحه على العالم وتعدد الثقافات واللغات. أما على المستوى الطبيعي فليس جزافاً أن نسمع سائحاً عربياً أو حتى أجنبياً يتغنى بما يسمونه بقرب المسافة بين الجبل والعاصمة، مما يساعد الزائر على التنقل بين المناطق في يوم واحد ومن دون إرهاق.
كل هذا ما كان ليحفر في الذاكرة لو لم يقترن بتقارير «ذهبية» نستذكرها من العام 2009 أولها ما صدر عن منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة وفيه أن لبنان سجل أعلى نسبة دخول سياح إليه، فيما صنف لبنان في المرتبة الأولى من بين 15 دولة سجلت نمواً كبيراً في عدد السياح. وعلى الارض، سجلت دائرة الإحصاء في المديرية العامة للطيران المدني في لبنان يومذاك 2،708،962 سائحاً دخلوا مطار بيروت الدولي. تتحسرون على هذه الفترة؟ ربما يستحق الأمر. لكن ماذا نقول عندما نقرأ أيضاً وأيضاً، أن عدد السياح ناهز في العام نفسه، المليون ونصف المليون سائح، يومها أدرجت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية لبنان على رأس قائمة أهم دول الإستجمام لقضاء فترات العطلة الصيفية. وختمت المقال في التأكيد بأن لبنان «يتأهب لاستعادة لقبه كباريس الشرق الأوسط».

من ذهب الماضي… الى الواقع
من سويسرا الشرق إلى باريس الشرق الأوسط إلى… الواقع الذي يتخبط فيه القطاع السياحي منذ نحو العامين بسبب الأزمات الحاصلة في المنطقة والتي انعكست مباشرة على القطاع السياحي فيه. فنسبة الإشغال راوحت في هذين العامين بين 40 و60 في المئة لتحط هذه السنة على معدل لا يتجاوز الـ40 في المئة مما دفع القيمين على القطاع الفندقي إلى إعادة النظر في اسعار الغرف ومنهم من اعتمد سياسة العروضات في أسعار الغرف حتى في الفنادق المصنفة 5 نجوم.
لكن ليس النق هو المحور، ولا حتى الغرق في أحلام ونجاحات الماضي. من هنا كان لا بد من التوقف أمام مقومات هذا الإزدهار الذي عاشه القطاع السياحي في لبنان على رغم كل المعوقات الأمنية والسياسية. إقتصادياً تشكل حجوزات الفنادق المؤشر الأول للإقبال السياحي على لبنان. والثابت أن أرباح القطاع الفندقي في لبنان نمت بنسبة 80 في المئة في العام 2009، ما يدل على أن البلد يشكل وجهة سياحية عالمية وثقة متزايدة بشهادة زواره. وفي أوقات كثيرة، وصلت الحجوزات في الفنادق إلى نسبة 100 في المئة، وما يدل على جودة خدمات القطاع الفندقي في لبنان أنه حتى خلال الفترات التي كانت تشهد توتراً سياسياً كانت السياحة تعيش حالاً من الإزدهار لأن السائح العربي والخليجي يدرك وبامتياز أن لا موطئ قدم لراحته إلا في لبنان. والأرقام خير دليل على ذلك.
ففي العام 2008 مثلاً استقطب لبنان مليوناً و200 ألف سائح ومغترب، وانتخبت
بيروت ثاني مدينة عربية من حيث حسن الضيافة، وحل لبنان في المركز العاشر على اللائحة الدولية التي ضمت 170 دولة في تقريرها الذي يتحدث عن تدفق الإستثمارات. ومنذ العام 2006 أي بعد انتهاء حرب تموز (يوليو) تم افتتاح 300 مؤسسة سياحية (مطاعم، ملاه ليلية، مقاه)، من بينها 40 مؤسسة في شارع الحمراء، 40 مؤسسة في الجميزة، 7 مؤسسات في فردان، 10 مؤسسات في الأشرفية و30 مؤسسة على طريق عام أنطلياس – ضبيه. ماذا بقي منها؟

اسياد تفويت الفرص
طبعاً ليس الحق على تدني مستوى الخدمات الفندقية والسياحية عموماً، فهي لا تزال مصنفة كأفضل خدمات في المنطقة. لكن تداعيات ثورات الربيع العربي انعكست على القطاع السياحي وكان يمكن استغلالها إيجاباً «لكننا كما العادة أسياد في تفويت الفرص واقتناص الضائعة منها» على ما يقول أمين عام إتحاد النقابات السياحية في لبنان جان بيروتي. لكنه يصر على أن يبدأ كلامه من الإمتياز الذي على أساسه لا يزال لبنان قبلة أنظار السياح العرب. ويقول: «ترتكز الخدمات في القطاع الفندقي على العنصر البشري حيث تتقاطع بين حسن الضيافة والإنفتاح الثقافي على كل الشعوب والحضارات وهذا يتمثل في تنوع المطبخ اللبناني وتعدد اللغات». والأهم يضيف بيروتي أن السائح مصنف كزبون مميز بشخصه وليس مجرد عابر سبيل. لكن…
هنا يتقاطع كلام بيروتي بين الإرادة الإيجابية التي يتمسك بها القيمون على القطاع السياحي لاستقطاب السياح من جديد ولاظهار الوجه الإيجابي لعودة الحياة تقريباً إلى طبيعتها تزامناً مع التغيير الحكومي الذي أثمر ردود فعل إيجابية على المستوى الإقليمي وانعكس سلباً على القطاع السياحي، والواقع الإجتماعي والإقتصادي الذي فرضه ربيع الثورات العربية. أما في الداخل فبرز عامل الأمن المتمثل بعمليات خطف مقابل فدية مما أدى إلى تراجع حركة السياح العرب على رغم رفع حكومات دولهم الغطاء عن قرار المنع الذي صدر في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وما تأمله أصحاب القطاع من تغيير ما، مع تسمية الرئيس تمام سلام لتشكيل الحكومة بقي مشتتاً في ادراج الريح. أما الحركة الأوروبية التي كانت تنشط في هذا الموسم كما العادة، فهي شبه معدومة.
نصل إلى السياح الإيرانيين، خصوصاً ممن كانوا يقضون عيد النيروز في لبنان حيث سجلت الحركة تراجعاً تخطت نسبته الـ 60 في المئة، بعدما تراجعت 30 في المئة في العام الماضي مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2011. ولفت جان بيروتي إلى أن الأعباء السياسية والتراجع في العمل السياحي والدورة الإقتصادية يؤديان بدورهما إلى تراجع التجهيزات «علماً بأننا نسعى إلى الحفاظ عليها بلحمنا الحي». واعتبر أن العام 2012 كان الأسوأ سياحياً على لبنان، ويبدو أن سنة 2013 لن تخالفها سوءاً لأننا لا نزال الأوائل في تفويت الفرص على رغم كل المقومات الموجودة عندنا والتي تخولنا لنكون في طليعة الإشغال الفندقي. وهذا ما يؤكد أننا ننتمي إلى دول وليس إلى وطن».

المطلوب طمأنة الخليجي
إمتيازات القطاع السياحي لا تتوقف على الخدمات إنما أيضاً على أسعار الغرف. فلبنان من أرخص الدول مقارنة مع المحيط بشهادة بيروتي: «سعر الغرفة في فندق 5 نجوم في بلد عربي أو أوروبي لا يقل عن 300 دولار وقد يصل إلى 400 دولار في فترات الذروة. في حين لا يتخطى السعر في لبنان الـ 250 دولاراً». ولفت إلى ان الأسعار انخفضت في هذه الفترة «لأن المسألة تتوقف على العرض والطلب. وطالما أن نسبة الإشغال لا تتخطى الـ 40 في المئة فمن الطبيعي أن يصار إلى تخفيض الأسعار بنسبة تراوح بين 40 و60 في المئة وتقديم عروضات كمثل ليلة بالمجان مقابل ليلتي إشغال.
ويذكر أن نسبة الإشغال كانت تصل إلى 70 في المئة في مثل هذه الفترة من السنة. لكن هل تكون الخدمات أساساً في جذب السائح العربي في ظل كل المعوقات السياسية والأمنية في البلد؟ يجيب بيروتي بحسم: «ولا مرة كانت الخدمات أولوية، إنما المنتوج السياحي، أي السهر والشوبينغ والإستجمام. لكن كل هذا لا يعوض عن غياب عنصري الأمن والإستقرار، فصحيح ان حكومة ميقاتي استقالت وتمت تسمية الرئيس تمام سلام كرئيس حكومة يحظى برضى حكومات الخليج وعلى رأسها السعودية، لكن هذا لا يطمئن الخليجي. من هنا طالبت في إصدار فتوى بتحريم الخطف والإقتتال في لبنان». وختم قائلاً: «الإستقرار هو نتيجة جو عام. فحتى لو حصلت حوادث أمنية وكانت هناك دولة قادرة على ضبط المجرمين يكون هناك استقرار أما إذا كان البلد يعيش في ظل فوضى وفراغ فكيف ننعم بالإستقرار؟! مع ذلك نحن متفائلون برغبة ونية إخواننا العرب في تحويل صيف لبنان إلى سويسرا الشرق من جديد».

انتعاش ظرفي آني
وإذا كانت رحلات الطيران المتوجهة إلى لبنان سجلت حجوزات كاملة عشية عيد الفصح، إلا أن ذلك لا يعني انتعاشاً في النشاط السياحي، بحسب رئيس نقابة أصحاب مكاتب السفر والسياحة جان عبود «فصحيح أن هناك زيادة في قطع التذاكر بنسبة نمو تبلغ حوالي 12 في المئة، لكن هذا الوضع ظرفي وآني بسبب السوقين السورية والعراقية، ولا يمكن الاتكال عليه في المشهد السياحي. ومعظم حجوزات الطيران عشية عيد الفصح، كانت لمغتربين لبنانيين، ولم نلحظ حجوزات خليجية وأوروبية يمكن البناء عليها». نقيب الفنادق بيار الأشقر أكد أن نسبة الإشغال تراوح بين 35 و42 في المئة في بيروت، مقارنة مع حوالي 70 في المئة من العام الماضي. لكن المشكلة أنه كلما ارتفعت نسبة الاشغال تتدنى الأسعار بسبب المضاربات بين الفنادق. ولا يبتعد بيروتي عن النسب التي ذكرها الأشقر، موضحاً أن «معدل الاشغال في المؤسسات السياحية البحرية خارج العاصمة، لا يتعدى 40 في المئة» لافتاً إلى أن الكارثة تتمثل في حركة الإشغال خارج العاصمة، إذ تتراوح بين 5 و7 في المئة خصوصاً في مناطق الاصطياف وهذا مؤشر خطير يجب تداركه».
نعود إلى واقع السياحة، أو إلى حيث يفترض أن تكون عليه بوعي السياسيين . ففي العام 2009 سجلت نسبة إشغال فنادق بيروت من فئة 5 و4 نجوم كمعدل وسطي ما بين 55 و100 في المئة. يومها أكد معنيون في القطاع السياحي ان الحركة السياحية لم تكن تقتصر على موسم الاصطياف او فترة الاعياد إنما كانت تمتد على مدى اشهر السنة، حتى إن  نسبة اشغال الفنادق لم تكن تنخفض تحت 75 في المئة في بيروت تحديداً.
كل هذا حصل بفضل الاستقرار الامني الحاصل آنذاك. مما يؤكد أنه العامل الاساسي لنشاط الحركة السياحية. أما الفنادق الواقعة خارج نطاق بيروت الكبرى فكانت تعتمد على موسم الاصطياف نظراً إلى تغيرات الطقس. وساهم نشاط الهيئات الاقتصادية والشركات المتمثل بعقد المؤتمرات والدورات التدريبية الى حد بعيد في رفع نسبة اشغال فنادق بيروت اضافة الى مساهمة الوفود السياسية الرسمية في تنشيط هذه الحركة.

اليوم ثمة من يقول إن اعتماد السوريين بيروت وجهة لهم، فيه مؤشر ايجابي على السوق السياحية، لكن هذا لا يعني أن السوريين يقيمون جميعاً في الفنادق. وباستثناء اللقاءات والنشاطات التي يقيمونها في الفنادق تبدو حركة الإشغال معدومة، فضلاً عن أن غالبية رجال الأعمال السوريين الذين يضطرون الى السفر عبر مطار بيروت، يقيمون ليلة أو ليلتين في فنادق العاصمة.
يؤكد خبراء الإقتصاد  ان القطاع السياحي عموماً، والفندقي خصوصاً ساهم في العامين 2008 و2009 في تعويض بعض الخسائر التي مني بها في الاعوام السابقة بسبب التوترات الامنية. يومها لم يكن السائح العربي يكترث للتوترات السياسية وكان قادراً على التكيف معها. اليوم الوضع مختلف لأن الأولوية تكمن في الأمن. فإذا توافرت هذه الأجواء نبدأ في العد: مليون، مليون ونصف المليون، مليونين؟ إنه الواقع السياحي المفترض في لبنان.

جومانا نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق