رئيسيسياسة عربية

ما هي اهداف اسرائيل البعيدة من اثارة مسألة تبادل الاراضي؟

لم يكن امراً مستغرباً ان تبادر كل الفصائل الفلسطينية الى رفض عرض تقدم به وفد لجنة المتابعة العربية برئاسة رئيس الوزراء القطري، والقائم في جوهره على تبادل اراض بين الفلسطينيين والاسرائيليين بغية التوصل الى اتفاق سلام، فهي تدرك ان ذلك دونه عقبات وعراقيل ويثير جدلاً واسعاً وينطوي على الكثير من المخاطر والمحاذير، بل كان المستغرب والمفاجىء هو توقيت الطرح وخلفياته، وما يمكن ان يمهد له حاضراً ويؤسس له مستقبلاً.

مسألة التبادل ليست جديدة على قاموس المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية، فهي مصطلح موجود لدى المفاوض الاسرائيلي على وجه التحديد، وهو بشكل او بآخر يعني ان تظل اسرائيل تحتفظ بقسم من اراضي الضفة الغربية التي يطلق عليها اراضي عام 1967، وهي التي تضم بؤراً وكتلاً استيطانية ضخمة لا سيما في القدس ومحيطها، في مقابل ان تتخلى اسرائيل للفلسطينيين عن مساحات من الاراضي المعروفة بأراضي العام 1948.
هذا المصطلح طرحه المفاوض الاسرائيلي منذ ان بدأت جلسات التفاوض بين الطرفين منذ مطلع عقد التسعينيات، ولم يكن المفاوض الفلسطيني رافضاً له بالمطلق، بل كان يعلن دوماً انه مؤجل الى المفاوضات النهائية، ومؤكداً وجوب الا يشمل القدس والحدود مع الاردن.
وفي موازاة ذلك، لم تكن الفصائل الفلسطينية الاخرى متحمسة لهذا الامر، بل كانت تراه تنازلاً مجانياً لاسرائيل ينطوي على «افخاخ» وألغام عدة يخبئها الكيان الاسرائيلي الذي لم يعط او يتنازل في يوم من الايام بشكل مجاني او من اجل الحرص على اتمام عملية السلام ووصولها الى المحطة النهائية.

الدوافع والدواعي
بناء عليه، فإن السؤال المطروح بإلحاح: ما هي الدوافع والدواعي التي حدت بلجنة المتابعة العربية والمنبثقة عن القمة العربية الاخيرة في الدوحة الى وضع هذه المسألة في الضوء، واثارة هذه المساحة الواسعة من السجال والجدال حولها، مع العلم بأن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي كان من ضمن وفد اللجنة.
وحسب المصادر الفلسطينية ليست اللجنة من يقف وراء استدعاء هذه المسألة ووضعها في الواجهة، اذ ان وزير الخارجية الاميركية جون كيري حمل في جولته الاخيرة على عدد من عواصم المنطقة، وبطلب من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو هذا الطلب الى المسؤولين العرب الذين التقاهم.
اذاً الامر حركته اسرائيل وحملته واشنطن وروجت له لجنة المتابعة العربية.
وهذا الامر اتى في لحظة عربية – فلسطينية – اسرائيلية مثقلة بالتعقيدات ومحفوفة بالتناقضات والتباينات.
فعلى المستوى العام، ان مسألة المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية معطلة منذ اكثر من عامين، والكل يعلم انها توقفت بسبب التعنت الاسرائيلي، واصرار تل ابيب على الاستمرار في سياسة زرع المزيد من المستوطنات والكتل الاستيطانية في اراضي الضفة الغربية (اراضي 1967).
وعلى مستوى الادارة الاميركية، بدا واضحاً ان واشنطن مع بداية الولاية الثانية لرئيسها باراك اوباما، تريد ان تظهر لمن يعنيهم الامر، وخصوصاً للعواصم العربية ان حماستها لانجاز شيء ما على مستوى المسألة الفلسطينية لم يتغير بعد، وانها عازمة على استئناف ما كانت بدأته قبل فترة طويلة ولا سيما اثر الوعود بالجملة التي كان اطلقها الرئيس اوباما في بداية ولايته الرئاسية الاولى.
فأنظمة «الربيع العربي» تحتاج الى هذه المسألة بشكل ملح، وخصوصاً القاهرة التي تولت في تشرين الثاني  (نوفمبر) المنصرم دوراً مهماً في ايقاف الحرب الاسرائيلية على غزة وفي الوساطة بين حركة «حماس» وتل ابيب.
وثمة عواصم اخرى تحتاج الى هذا الامر بغية حرف الانظار عن امور اخرى. ولكن لولوج هذا الموضوع الحساس من باب الموافقة على تعديل مبادرة السلام العربية التي تم الاتفاق عليها في قمة بيروت العربية في عام 2002 محاذير جمة.

مؤتمر قمة
فعلى المستوى العربي، المبادرة العربية اقرت في مؤتمر قمة وادخال تعديلات، مهما كان حجمها عليها، لا يتم الا في مؤتمر قمة مماثلة.
وعلى المستوى الفلسطيني، تبدو المحاذير اكبر لدرجة انها قد تصل الى مستوى المخاطر.
فطرح هذه المسألة وبهذا الشكل وفي هذا التوقيت بالذات من شأنه ان يترك انعكاسات سلبية على مسألة المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية التي ما زالت في بداياتها، وتحتاج الى عناية خاصة ومركزة بغية دفعها قدماً الى الامام وايصالها الى محطتها النهائية الطبيعية.
كما ان طرح موضوع بهذا التعقيد والدقة، وبمثل هذه الخفة اثار فوراً تناقضات وخلافات داخل الساحة الفلسطينية، فحركة «حماس» وحركة «الجهاد الاسلامي» والتنظيمات والفصائل الاخرى ذات التوجه الجذري والراديكالي سرعان ما اطلقت ردة فعل غاضبة وحادة، في مقابل عدم اكتراث او برودة من جانب حركة «فتح»، فبدا وكأن الموضوع اثار «جرح» الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني مجدداً الى درجة ان رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة ونائب رئيس المكتب السياسي في حركة «حماس» اسماعيل هنية، سارع الى وصف المبادرة العربية لمبادلة اراض مع اسرائيل، بأنه «تنازل رسمي وعربي»، محذراً مما اسماه مخاطر هذه المبادرة.
وخلال الايام التي تلت الاعلان عن المبادرة، نجحت حركة «حماس» في تنظيم حملة اعتراض شرسة عليها، مجددة التأكيد على ان «الارض الفلسطينية لا تقبل المساومة ولا التفريط»، وانه «لا يمكن لاي دولة ان تحرم شعبنا من حقه في العودة الى دياره التي هجر منها».
وحيال ذلك، بدت حركة «فتح» مضطرة الى مجاراة حركة «حماس» في رفض «المبادرة» العربية الجديدة.

ماذا حققت اسرائيل؟
وبناء على كل هذه المناخات والتباينات التي ظهرت على المستوى الفلسطيني بفعل  طرح هذه «المبادرة»، بدا لبعض المراقبين ان تل ابيب نجحت في تحقيق جملة نقاط من خلال دفع واشنطن الى «تسويق» هذه المبادرة في هذه المرحلة بالذات على عدد من العواصم العربية.
فهي اولاً نجحت في ان تفرض على واشنطن تبني مضامين هذه المبادرة، لمنعها في المستقبل من ان تتبنى اي وجهة نظر اخرى حيال الموضوع، خصوصاً اذا اتت من الجانب الفلسطيني، ففرضت بذلك ما يسمى «الامر الواقع» الذي تريده.
اضافة الى ذلك، اوجدت تبايناً في الرؤى بين الجانب الاميركي والجانب الفلسطيني والعربي عموماً، علماً بأن الامور ما زالت في بداياتها.
والى جانب هذا كله، بدا الجانب الفلسطيني وكأنه في موقع رد الفعل، وليس في موقع المبادر او القادر على المبادرة لاحقاً.كما اظهرته بمظهر انه غير موحد الرأي والنظرة حيال مستقبل مفاوضات السلام، اذ بدا منقسماً ازاء هذا الموضوع.
وهكذا فإن اسرائيل نجحت في بداية التحرك الاميركي الرامي الى اعادة فتح الابواب الموصدة على مستوى مفاوضات السلام الفلسطينية – الاسرائيلية، في اسر التوجهات والشروط الاسرائيلية سلفاً.
اضافة الى ذلك كله، فإن تل ابيب اضافت تعقيداً جديداً يناسب شروطها وتشددها في مسألة المفاوضات، عندما اعلن نتانياهو انه يؤيد تشريع قانون اساسي ينص على طرح اي اتفاق للسلام تتوصل اليه الحكومة الاسرائيلية على استفتاء عام لاقراره.

ضربة كبرى
ومهما يكن من امر، فالواضح ان موضوع المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية تلقى ضربة كبرى على يد اسرائيل، وهو لم يبدأ بعد، مما يعطي انطباعاً للمراقبين بأن هذا الأمر ما زال يدور في الحلقة المفرغة، فاسرائيل في مقابل كل تنازل او تسهيل عربي، تذهب في رحلة تشدد وتعقيد، لا بل انها تخلق اجواء حرب او تهويل بالحرب على غرار ما فعلته في الايام القليلة الماضية في غزة وقطاعها، لدرجة ان اصواتاً ارتفعت محذرة من ان تكون اسرائيل تعتزم تكرار تجربة الحرب الاخيرة على غزة والتي وقعت في الخريف الماضي، واستمرت نحو اسبوع.
وفي الضفة الغربية، كانت لاسرائيل جولة اخرى من «المواجهات» وممارسات القمع مع الفلسطينيين هناك، مما اعتبره البعض بأنه رسالة مزدوجة الى كل من السلطة الفلسطينية التي تشرف على ادارة الامور في الضفة والى حركة «حماس» في آن معاً، وذلك في خطوة وقائية صارت اسرائيل تعتبرها ضرورية بين فترة واخرى حتى تظل الحركة الاسلامية تشعر بأنها تحت العين الاسرائيلية الراصدة.
ومهما يكن من امر، فإن الحكومة الاسرائيلية نجحت مسبقاً في اغراق الرغبة الاميركية الظاهرة في اعادة احياء مفاوضات السلام الفلسطينية – الاسرائيلية في مزيد من الارباك والتعقيدات، وفي اثارة مشادات كلامية وسجال حتى داخل الساحة الفلسطينية المثقلة اصلاً بالتناقضات والخلافات.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق