رئيسيسياسة عربية

ليبيا: الفوضى تعم البلاد والجيش ينتشر بوجه الميليشيات المسلحة

تطورات مثيرة تكشف عن مدى هشاشة الدولة الليبية، تشهدها مختلف انحاء البلاد. فبعد فترة من الهدوء النسبي تجددت اعمال العنف بشكل مكثف في مختلف انحاء ليبيا، ما يكشف من جديد عن عجز الدولة عن اعادة النظام الى البلاد بعد اكثر من 18 شهراً من سقوط نظام معمر القذافي.

الواقع هناك يؤشر على انعدام تام لهيبة الدولة، وسيطرة كاملة للميليشيات المسلحة التي تنتشر في العديد من الاماكن، وتتعدد تشكيلاتها، ومرجعياتها، وبشكل يصعب معه تحديد أي طرف يمكن ان يتم التعاطي معه. في الوقت نفسه بدا واضحاً ان كل الامور يجري حسمها من خلال القوة، وخصوصاً قوة تلك الميليشات التي لم تعد تراعي اية مؤسسة او سلطة من سلطات الدولة. ولم تأخذ في الاعتبار حرمة اية مؤسسة او وزارة، الامر الذي يرشح البلاد لثورة جديدة، ولكن دون ثوابت ثورية، ومرجعيات سياسية او امنية او عسكرية.
وفي المقابل، هناك تدابير احتياطية يجري اتخاذها لمواجهة أي مشروع من هذا القبيل، اياً كان مصدره. حيث بدأ الجيش الليبي بالانتشار في العاصمة على امل استرداد جزء من النظام العام الذي بات مفقوداً بالكامل.
في هذا الصدد، حاصر مسلحون مبنى وزارة الخارجية، ورفعوا مطالب بعزل المتعاونين مع النظام السابق. وقامت حوالى ثلاثين سيارة بيك -اب يحمل بعضها مضادات جوية اضافة الى عشرات الرجال المسلحين بمحاصرة مبنى الوزارة الكائن قرب وسط مدينة طرابلس. وعلقت على مداخل المبنى لافتات كتبت عليها عبارات تطالب بتبني قانون العزل السياسي. وكان رئيس الوزراء الليبي علي زيدان اعرب عن اسفه لمحاصرة مبنى وزارة الخارجية وندد باعمال تخريب استهدفت وزارة الداخلية والتلفزيون الوطني في طرابلس. ودعا زيدان السكان الى دعم الحكومة في مواجهة المجموعات المسلحة التي وصفها بانها تريد زعزعة استقرار البلد، موضحاً ان حكومته لا تريد الدخول في مواجهة مع احد. وبالتزامن، اقتحم ضباط غاضبون من الشرطة مقر وزارة الداخلية للمطالبة بزيادات الاجور والعلاوات حيث دخل عشرات الضباط الى المبنى الواقع على طريق المطار على بعد عشرة كيلومترات من وسط طرابلس وهم يطلقون النار في الهواء. وقال مصدر من اجهزة الامن ان الوضع هدأ لاحقاً، وان الضباط يريدون فقط اسماع صوتهم لتحقيق مطالبهم.

تصعيد العنف
وتؤشر هذه الاحداث الى تصعيد للعنف منذ ايام عدة في طرابلس حيث استهدف هجوم بسيارة مفخخة في 23 نيسان (ابريل) سفارة فرنسا مما اسفر عن سقوط جريحين في صفوف عناصر الدرك الفرنسيين فضلاً عن اضرار مادية كبيرة.
كما استهدفت هجمات مجدداً الاجهزة الامنية في شرق البلاد حيث وقع اعتداء على مركز للشرطة بعد هدوء نسبي. وتعرض احد ألوية وزارة الدفاع ايضاً لهجوم مسلحين خلال عطلة نهاية الاسبوع ما ادى الى مقتل احد الجنود. ويتزامن تصعيد العنف مع حملة اطلقتها الحكومة لمحاربة ميليشيات خارجة عن القانون ترى نفوذها ومصالحها مهددة من قبل الحكومة الجديدة برئاسة علي زيدان الذي تسلم مهامه في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012.
وفي خطوة تكشف عن محاولة لتوسيع اطار الحراك الاحتجاجي، طوق مسلحون  يطالبون بطرد المتعاملين مع النظام الليبي السابق مقر وزارة العدل الليبية في العاصمة طرابلس.  وصرح وليد بن رابحة رئيس مكتب الاعلام في الوزارة بأن العديد من المسلحين يركبون سيارات مجهزة بمدافع مضادات جوية طوقوا وزارة العدل. وطلبوا من الوزير والموظفين مغادرة المكاتب واغلقوا الوزارة. ويطالب المسلحون بان يصوت المؤتمر الوطني العام على مشروع قانون العزل السياسي للذين عملوا مع النظام السابق ما قد يؤدي الى استبعاد الكثيرين من كبار المسؤولين. وسبق ان اقدم المسلحون على محاصرة اعضاء في المؤتمر الوطني العام لساعات عدة من قبل متظاهرين يرفعون المطلب عينه. وبعد رفع الحصار تعرض موكب رئيس المؤتمر محمد المقريف الى اطلاق نار دون حدوث اصابات.
من جهة ثانية، دمر اعتداء بالمتفجرات مركز شرطة في بنغازي بدون ان يتسبب في سقوط ضحايا. وصرح مصدر امني ان «عبوة متفجرة القيت على مركز شرطة البركة في بنغازي دمرت ما تبقى من المبنى الذي استهدفه اعتداء قبل اسبوع دون سقوط ضحايا، واقتصرت الاضرار على حدوث تصدع في قسم كبير من المركز».

انتشار الجيش
امام هذا الوضع، انتشرت وحدات من الجيش الليبي في محيط المنشآت الاستراتيجية وعند مداخل طرابلس لمواجهة الهجمات التي تشنها ميليشيات مسلحة. كما انتشرت مدرعات وشاحنات بيك – آب مجهزة برشاشات او مضادات ارضية في ساحة الشهداء في قلب طرابلس حيث أقيمت تظاهرة ضد الميليشيات. وبحسب مدير المركز الاعلامي لرئاسة الاركان فإن الاجراءات ترمي الى ضمان امن مداخل طرابلس ومؤسسات الدولة والمنشآت الاستراتيجية مثل شركة الكهرباء والمصارف… كما ترمي التدابير ايضاً الى طمأنة السكان. وبالتوازي، سارع المؤتمر الوطني العام الليبي – البرلمان – الى وضع قانون العزل السياسي على اجندته. وبحسب مصادر برلمانية فقد باشر مناقشة مشروع القانون الذي يوصف بانه مثير للجدل، ويتعلق بعزل المتعاملين مع النظام السابق لمعمر القذافي تحت ضغط ميليشيات مسلحة تطالب بالمصادقة على هذا النص. وافتتح المؤتمر العام الواسع الصلاحيات، جلسته – بعد تعليق نشاطاته استمر اياماً عدة – في حين ما زال مسلحون يطوقون مقري وزارتي الخارجية والعدل في طرابلس ويهددون بتوسيع نطاق عملياتهم الى مؤسسات اخرى اذا لم تصادق الجمعية سريعاً على مشروع القانون. ويثير مشروع القانون انقساماً في الطبقة السياسية لانه قد يقصي العديد من كبار المسؤولين الحاليين. ويقترح المشروع الاقصاء من العمل السياسي لمدة خمس سنوات لكل الاشخاص الذين تولوا مناصب مسؤولية منذ الاول من ايلول (سبتمبر) 1969، تاريخ الانقلاب الذي تولى به معمر القذافي الحكم وحتى سقوط نظامه في تشرين الاول (اكتوبر) 2011. ولم يتم التوصل الى اجماع حول هذا النص الذي كان موضع نقاش مراراً في المؤتمر الوطني العام، وهو اعلى هيئة سياسية وتضم مئتي عضو، لان تحالف القوى الوطنية الليبرالي الذي فاز بالانتخابات التشريعية في تموز (يوليو) 2012 اعتبر انه اعد خصيصاً للتخلص من زعيمه محمود جبريل.
وكان جبريل يشغل موقع رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي في عهد القذافي، كما ان قانون العزل قد يقصي ايضاً رئيس الوزراء علي زيدان ورئيس المؤتمر العام محمد المقريف اللذين كان كلاهما دبلوماسياً في النظام السابق قبل الانضمام الى المعارضة في المنفى.

طرابلس- «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق