رئيسيسياسة عربية

القاهرة: تفاهم مرحلي على حل العقدة بين مرسي والقضاء

هل هي صحوة ما قبل الانفجار؟ ام انها مشروع اصلاحي وجدت جماعة الاخوان نفسها مرغمة على التعاطي معه؟ وفي الجانب الاخر، هل هذا المشروع الاصلاحي يعتبر كافياً لحل ازمات متراكمة اوجدها الرئيس مرسي واركان نظامه، وساد اعتقاد بأن الوضع اصبح معه اكثر تعقيداً الى الدرجة التي بدأ الشارع اكثر ميلاً للجيش، وللحقبة العسكرية بدءاً بحقبة مبارك الذي قامت الثورة ضده، وقبلها حقبة عبد الناصر العدو التاريخي لجماعة الاخوان المسلمين، والى درجة مناداة البعض للعسكريين من اجل قلب نظام الحكم، وانهاء حقبة مرسي وجماعته «الاخوان»؟

اللافت في كل ذلك تفاصيل المشروع الاصلاحي – ان كان الطرح كذلك، حيث تنكر الرئيس المصري محمد مرسي للحظة الى ثوابت جماعته – جماعة الاخوان المسلمين – واعلن عن تبني مشروعه الخاص بالصناعات الاستراتيجية، وبعد ذلك التخلي عن خصخصة المصانع الكبرى.
وفي الشق الآخر من المشروع بدا واضحاً ان مرسي، ورغم غيابه عن اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر العدالة فقد تم التوافق المبدئي على بعض الاشياء التي من شأنها التأسيس لتفاهمات تنهي الازمة مع القضاء. فعلى الرغم من غياب الرئيس مرسي عن الجلسة التحضيرية لمؤتمر العدالة، التي انعقدت في مقر الرئاسة المصرية، اشارت التقارير الى انها اسفرت عن توافقات قد تخفف من حدة الأزمة بين الحكم والقضاء ولو بشكل مرحلي.
الرئيس مرسي الذي كان غيابه عن الجلسة والاكتفاء بارسال من ينوب عنه في الرعاية،  محل نقد شديد في بداية الامر، كسب جولة امام القضاء الذي خرج ممثلوه متفائلون بقرب التوصل الى حلول تنهي مشاكلهم المعلقة مع «الجماعة». واعربوا عن سعادتهم بنتائج اخرى حققها غيابه، وتمثلت بانقلاب على بعض ثوابت الجماعة والاشادة بالرئيس الاسبق جمال عبد الناصر وبنهجه، والتأكيد على توجه بتبني واحد من مشاريعه الاساسية في المجال الاقتصادي.

مؤتمر العدالة
ففي ما يخص مؤتمر العدالة الذي يبني عليه القضاة آمالاً كبيرة من اجل انهاء ازمة طالما تجذرت وتعمقت لتؤسس حالة غير مسبوقة من الشد، حيث خلص الاجتماع التأسيسي الذي شارك فيه ممثلون للرئاسة وللهيئات القضائية إلى تشكيل لجنة مصغرة تعكف على الإعداد للمؤتمر، الذي اتفق على عقده في دار القضاء العالي، استجابة لطلب القضاء، وتراجعاً عن مشروع رئاسي، وبحيث يعقد بحضور ممثلي القضاء ورجال القانون. كما اتفق على عرض ما يتم التوصل إليه في اجتماع آخر تمهيداً لوضع الصيغة النهائية لاجندة المؤتمر. وبدا ان تغيير مكان عقد المؤتمر استجابة لدعوة القضاة من اجل عقده في مقر دار القضاء العالي في قلب العاصمة، بدل اللقاء في مقر الرئاسة، بمثابة رسالة هدفها تصفية الأجواء التي أشعلها سعي الإخوان المسلمين إلى تمرير تعديلات على قانون السلطة القضائية يعتقد انها ستطيح آلاف القضاة.
وتأكيداً على ان تغيير مكان المؤتمر رسالة رئاسية، فقد أوضحت الرئاسة في بيان اصدرته: إن «مؤتمر العدالة سيعقد في دار القضاء العالي بحضور ممثلي جميع الهيئات القضائية وممثلي أندية القضاة وأساتذة القانون والمحامين ونواب البرلمان والشخصيات العامة».
وكان مرسي قد غاب عن الجلسة التحضيرية لمؤتمر العدالة من اجل زيارة مصنع الحديد والصلب في مدينة حلوان، واستقبال رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، قبل أن يلتقي ممثلين عن العمال في القصر الرئاسي، ويكرم مجموعة منهم لمناسبة احتفال عيد العمال. واللافت في كل ذلك، اشادة مرسي بتجربة التصنيع في عهد الرئيس السابق جمال عبد الناصر. ففي كلمة وجهها من مجمع الحديد والصلب في حلوان لمناسبة عيد العمال، تعهد مرسي بعدم العودة إلى سياسات خصخصة القطاع العام، في ما بدا انه محاولة لمغازلة العمال الذين طالما خرجوا في تظاهرات احتجاجية على سياسات حكومته. ووعد مرسي من داخل المجمع الصناعي الذي كان أنشأه عبد الناصر في ستينيات القرن الماضي بوقف برنامج التخصيص، مؤكداً أن الحكومة لن تبيع شركات أخرى من القطاع العام. وأشاد للمرة الأولى بحقبة الستينيات، متعهداً باستكمال ما بدأه عبد الناصر ورئيس الوزراء السابق عزيز صدقي و«النخبة التي حملت على عاتقها تأسيس صناعة وطنية استراتيجية». وعاهد مرسي العمال بتوفير الامان لهم، وبعدم «تشريد» أي عامل في عهده.
خطاب مرسي، واشادته بعبد الناصر، حمل تغيراً كبيراً في اللغة السياسية للخط الذي يمثله الرئيس.  فالاشادة بعبد الناصر الذى يوصف تاريخياً بأنه أشد أعداء جماعة الإخوان، ووصفه أهم منظريها سيد قطب بـ «الطاغوت الأكبر»، يعد انقلاباً على ثوابت جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي. كما يعد تراجعاً عن هجوم سبق ان شنه مرسي على حقبة الرئيس جمال عبد الناصر. ففي اول خطاب له القاه في ميدان التحرير، صب مرسي هجومه على عبد الناصر وعهده من خلال جملته الشهيرة «الستينيات وما أدراكم ما الستينيات»، في إشارة منه لعمليات القمع السياسي خلال فترة الرئيس عبد الناصر، وأيضاً تدهور أوضاع البلاد اقتصادياً.

العدو الاول
ورغم أن جماعة الإخوان اختلفت سياسياً مع الرئيسين المصريين السابقين أنور السادات وحسني مبارك، إلا أن عبد الناصر كان له نصيب الأسد في حالة العداء من الإخوان. ولذلك جاءت إشادة الرئيس مرسي به وبانجازاته، بعد 43 عاماً من رحيله، لتثير تساؤلاً: هل الرئيس مرسي يعصي أمر جماعته، أم أنه يسعى لكسب شعبية في أوساط أخرى من غير الإسلاميين التي تحب الرئيس عبد الناصر، خصوصاً العمال؟ وذلك بعد أن فشل خطابه الإخواني «المستند الى عقيدتهم» في حشد الجماهير ففضل اللجوء لشعبية «ناصر».
فلم يكن عبد الناصر مجرد عدو فقط للإخوان، أو شخصية مختلف عليها سياسياً، بل هو الشخصية المحورية التي بنت جماعة الإخوان المسلمين عليه تاريخها السياسي، واستطاعت أن تكسب تعاطفاً معها نتيجة ما أدعته الجماعة من تعرضها لتعذيب وقمع في سجون عبد الناصر، وكان عبد الناصر الهدف الأول للجماعة، واتهم الإخوان بمحاولة اغتياله مرات عدة كان أشهرها عام 1954، واخرى في عام 1965 والتي أدت الى اعدام سيد قطب.
ليست حالة التودد في خطاب الرئيس مرسي لأيام عبد الناصر «الستينيات» هي فقط مصدر الحيرة، بل إن مرسي تعهد في خطابه بأنه سوف يوقف سياسات خصخصة القطاع العام الذي بناه عبد الناصر، ولكنه في الوقت نفسه يسعى حثيثاً من أجل الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 4،8 مليار دولار.

القاهرة – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق