سياسة عربية

تونس: مواجهات مسلحة بين الامن وجهاديين يتحصنون في جبل الشعانبي

ما هو شكل النظام الذي يريده التونسيون؟ سؤال تجاوز حدود الجدل، وامتد على طول البلاد وعرضها، ولمرحلة بلغت مدتها عامين تقريباً. السؤال الذي شغل التونسيين خلال تلك الفترة اصبح على مشارف الاجابة، وفقاً لاعلان زعيم الحركة الاسلامية في البلاد راشد الغنوشي، الذي اكد ان المفاوضات حول شكل النظام الجديد خرجت من المأزق بعد ان تخلت حركته عن مطالباتها بان يكون النظام الجديد في البلاد برلمانياً محضاً.

قال الزعيم الاسلامي التونسي راشد الغنوشي في تصريحات صحافية ان الحركة خرجت من المأزق، و«اننا نتجه الى نظام مختلط» حيث لن يكون لا لرئيس الحكومة ولا لرئيس الدولة اليد الطولى على السلطة التنفيذية. الا ان الغنوشي لم يقدم تفاصيل حول مسألة توزيع الصلاحيات مكتفياً بالقول انه سيكون لكل من الرئيس ورئيس الحكومة صلاحياته. وكانت حركة النهضة تطالب باقامة نظام برلماني محض في تونس في حين ان غالبية الطبقة السياسية ومن بينها الاحزاب العلمانية المتحالفة مع الاسلاميين تطالب بأن تكون لرئيس الدولة صلاحيات كبيرة.
وادى ذلك الجدل الى تأخر العمل في صياغة الدستور، في حين ان غالبية القوى السياسية الاساسية كانت تعهدت بالتوصل الى اتفاق حول الدستور الذي يتضمن شكل النظام في تشرين الاول (اكتوبر) 2012. وكانت اخر مهلة اعلنت للانتهاء من مشروع الدستور حددت في السابع والعشرين من نيسان (ابريل)، ولم يتم تقديم اي موعد جديد بعد ذلك. واعلن عن اخر مسودة للدستور في اواخر نيسان (ابريل) الماضي لكنها تعرضت لانتقادات شديدة من قانونيين ومعارضين، حيث جاءت النصوص المتعلقة بدور الدين وحقوق الانسان والمساواة بين الجنسين غامضة. وبالتزامن، واصلت المرجعيات المختصة النقاش حول قانون العزل السياسي المنوي اقراره، والذي يحرم من تولى مناصب قيادية في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي من المشاركة في الحكم. وفي هذا السياق التقى مكتب رئاسة المجلس التأسيسي التونسي لاجراء مناقشة ثانية للنص المعدّل لقانون العزل السياسي المثير للجدل. وطفت على السطح خلافات ادت الى عدم التوافق على موعد لجلسة عامة يفترض ان يتم التصويت خلالها على بعض البنود الخلافية. الا انه تم التوافق على منح فريق المكتب انفسهم مهلة اسبوعين لهذا الغرض. فيما حاول محتجون تونسيون اقتحام مقر المجلس، وردت وزارة الداخلية بتوجيه تعزيزات أمنية للتدخل ومنعهم من ذلك.

مواجهات مسلحة
الى ذلك، اندلعت مواجهات مسلحة بين قوات الامن التونسية ومجموعة جهادية متحصنة في جبل الشعانبي من ولاية القصرين (وسط غرب البلاد) الحدودية مع الجزائر، ما دفع بالجيش إلى إعلان الجبل منطقة عسكرية مغلقة. وقال مصدر أمني إن المجموعة تتكون من أكثر من خمسين شخصاً من الجهاديين، وأن بعضهم يحمل جنسيات اجنبية. ودفعت السلطات التونسية بتعزيزات كبيرة من قوات الجيش والأمن الى جبل الشعانبي للقبض على المجموعة. وقرر الجيش إعلان الجبل منطقة عسكرية مغلقة، بهدف تمشيطها من الجماعات المسلحة ونزع الألغام التي زرعها مسلحون ينتمون الى الجماعات السلفية الجهادية واعلنوا تحويلها الى منطقة تدريب مغلقة، وتكوين كتائب مقاتلة تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وفي تقارير لاحقة، اكدت مصادر امنية ان الجهات الأمنية والعسكرية اكتشفت خزانات للماء تحت الأرض ومخازن للسلاح والذخيرة والغذاء، ما يؤكد أن جبال ولاية القصرين كانت ستتحوّل الى مقر للجماعات المقاتلة تنطلق منها في اتجاه تحقيق أهداف إستراتيجية في تونس. الا ان المؤسسة العسكرية أوكلت الى نخبة قواتها المكلفة بمواجهة الإرهاب مهمة ملاحقة المسلحين باعتماد جميع الإمكانيات المتوافرة من طيران ومدفعية ووسائل كشف الألغام والمتفجرات. وواجهت هذه القوات النخبة مصاعب كبيرة في مجال طرد الميليشيات، وتطهير الارض من الالغام، حيث ادت عمليات التفجير الى اصابة ما يزيد عن عشرة جنود. من جهة ثانية، قال رئيس الحكومة التونسية علي العريض انه أقرّ سلسلة من الإجراءات لتطوير أداء الوحدات الأمنية والعسكرية ووسائلها لمجابهة الإرهاب. ولفت العريض إلى ضرورة الابتعاد عن نشر معلومات أو أشياء من شأنها أن تمس بالأمن العام، خصوصاً الأمنية والعسكرية. ودعا جميع الأطراف السياسية والاجتماعية والإعلام والمجتمع المدني والمواطنين إلى الاستمرار في بناء الدولة الديمقراطية، باعتبار أنّ ذلك احدى طرق إفشال كل من يخطط من داخل تونس أو من خارجها لعرقلة مسار الانتقال. كما أقر العريض  بوجود نقص في بعض التجهيزات، ووعد بتدارك الامر.
وسبق ان اعلن العريض عندما كان وزيراً للداخلية ان المجموعة التي تجري ملاحقتها، والتي اطلقت على نفسها اسم «كتيبة عقبة بن نافع» تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، وانها سعت الى اقامة «معسكر» في جبال القصرين القريبة من الحدود الجزائرية. وقال العريض ان غالبية عناصر المجموعة من ولاية القصرين وانه يشرف على تدريبهم ثلاثة جزائريين لهم علاقة مع امير القاعدة في المغرب الاسلامي عبد المصعب عبد الودود.
وكشف ان المجموعة سعت الى تكوين تنظيم في تونس تابع للقاعدة الغاية منه القيام باعمال تخريبية، تحت عنوان الجهاد او احياء الجهاد وفرض الشريعة الاسلامية، واستقطاب عناصر شبابية متبنية للفكر الديني المتشدد لتدريبهم عقائدياً وعسكرياً، وارسالهم للتدرب في معسكرات تابعة للقاعدة في ليبيا والجزائر. وتابع ان الامن التونسي اعتقل في القصرين ثمانية اشخاص كانوا يزودون المجموعة بالتموين وعناصر الاتصال وغيرها.

استخدام الالغام
في تلك الاثناء، يرى محللون ان المواجهات بين قوات الأمن التونسية والمجموعات الجهادية المتحصّنة قرب الحدود مع الجزائر، دخلت مرحلة جديدة، بعدما استعملت الالغام في حربها ضد الامن. وأكد خبراء عسكريون ان هذه أول مرة يتم فيها استهداف قوات الامن بألغام مضادة للافراد في تونس. وعثرت اجهزة الامن في مكان انفجار احد الالغام على متفجرات وقنابل يدوية وخرائط ووثائق فيها بيانات حول كيفية صنع الالغام الارضية وهواتف خليوية فيها ارقام هواتف من خارج تونس. وكشفت تقارير امنية النقاب عن ان المسلحين المتحصنين في المنطقة لديهم ايديولوجيا خطرة من شأنها ان تلحق الضرر بالبلاد. ومما يزيد من حدة الخطر ان المجموعات المعنية تحظى بتعاطف كبير من قبل مواطنين يمدونهم بسبل الدعم. وحرصاً على سلامة الجنود فقد عمدت قوات النخبة المكلفة بالعملية الى قصف المناطق المستهدفة، بالقذائف والذخيرة الحية لتفجير الالغام الارضية المزروعة فيها قبل البدء بتمشيطها ارضياً. وكشف المتحدث باسم وزارة الدفاع في تصريحات صحافية ان هذا النوع من العمليات العسكرية، التي تتم في مناطق جبلية، يتطلب فترة زمنية طويلة بحكم التضاريس الوعرة، مشيراً الى ان هذه المنطقة المستهدفة تمتد على مساحة 100 كيلومتر مربع، وتغطي الغابات منها حوالي 70 كيلومتراً مربعاً.

تونس – «الاسبوع العربي»
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق