اطباء لبنان… هل تتذكرون قسم ابقراط؟!
ليس الطبيب الا انساناً، مثلما الأستاذ ليس الا انساناً، حتى وان كان الأول قد حُمّل رسالة والثاني سُمي رسولاً! والانسان، من لحم ودم، يحتاجُ دائماً، حتى وان أقسم اليمين، الى عينٍ تسهر وصوتٍ يُطالب وكتفٍ يُمكن الركون اليها… فهل نقابة الأثواب البيضاء قادرة على أن تسهر وتطالب؟ وهل هي قادرة على أن تزجر بالطبيب، حين يجب وحيثُ يجب، مذكرة اياه بأنه أقسم ذات يوم «قسم ابقراط»؟ يوم كتب ابقراط «القسم الطبي» لم تكن هناك نقابات للأطباء… ويوم أصبح للأطباء نقابات هل بقي القسم قسماً؟
أقسمُ بالله: أن أراقب الله في مهنتي. أن أصون حياة الإنسان وأحفظ كرامته وأكتم سره وأستر عورته وألا أدع أي اعتبارات تتدخل بين تأدية واجبي ومريضي. وأن أكون على الدوام من وسائل الرحمة وأحافظ على الشرف والتقاليد النبيلة لمهنة الطب. وأن أثابر على طلب العلم وأسخره لنفع الناس. وأن وأن وأن… لا نعرف طبعاً إن كان ابقراط قد رحل بإرادة سماوية أو بخطأ طبي، لكننا قادرون على أن نجزم بأن ثلاثة أرباع حاملي الرسالة نسوا أن القسم يُفترض ألا يموت!
«غلطة الطبيب» بألف! لذا فان نقابته يُفترض أن تكون مختلفة. فالنقيب يُفترض ألا يكون باحثاً عن منصب ولقب بل عن أمان وحقوق ورسالة. والنقابة يُفترض أن تنظر بعينين اثنتين، عين الحقوق وعين الواجبات، لا بعينٍ واحدة لكن هل هذا ما تفعله نقابة الأطباء في لبنان؟
مرشحان وبرنامجان
في التاسع عشر من أيار (مايو) الجاري تتمّ انتخابات نقابة أطباء لبنان ويولي سُدتها طبيب ما من خمسة أو ستة باتوا، حتى هذه اللحظة، مرشحين الى منصب النقيب. المنصب في حد ذاته مغرٍ لكنه مُتعب أيضاً، أو يُفترض أن يكون متعباً، لأن الطب بدل ان يكون ملاذاً بات، في زماننا، هماً آخر! لن نغوص هنا في «أغلاط الأطباء» بل سنسأل: وماذا يحتاج الأطباء كي يُقلصوا من أغلاطهم؟ هل يحتاجون الى أن يعدوا على مهل الى العشرة؟ هل يحتاجون الى تثقيف أكثر ومحاضرات أكثر وقراءات أكثر؟ هل يحتاجون الى ضمان مستقبل؟
مرشحان لمركز نقيب أطباء لبنان بدأا جدياً تحضيراتهما المواكبة الى يوم 19 أيار (مايو) الجاري: اختصاصي الأمراض النفسية والعصبية ومعالجة الإدمان البروفسور أنطوان البستاني، واختصاصي جراحة الأعصاب الدكتور غسان سكاف. الحملة تتطلب ثوباً جذاباً ارتداه البروفسور البستاني بعبارة: أنا مرشح مستقل أعتمد على ثقة زملائي. في المقابل المادة الجذابة التي انطلق منها الدكتور سكاف كانت: أبوابنا ستكون مفتوحة للإعلام… وإذا كان الثوب هو الإنطباع الأول فالداخل، القلب، قد يُعيد التصويب… فماذا في برنامج الرجلين – الطبيبين؟
شعبية الطبيب الناجح كبيرة
زحمة مرضى صغار وكبار في عيادة الدكتور سكاف في الجامعة الأميركية في بيروت. والسؤال الأول الذي قد يزحف الى الدماغ أمام هكذا مشهد: ماذا يُضفي لقب نقيب الى طبيب ناجح؟ سؤال يتلوه علامة استفهام: تُرى هل اللقب أهم من المهنة بدليل أن عدداً من أطبائنا باتوا نواباً ووزراء؟ الدكتور سكاف يرد برقم: «صحيح 15 في المئة من أعضاء المجلس النيابي اللبناني أطباء». لماذا؟ لماذا تهافت الأطباء على المواقع؟ يجيب: ليس هم من يتهافتون على ما أظن بل معدّو اللوائح هم من يستعينون بهم لأنهم قادرون على التأثير شعبياً. شعبية الطبيب الناجح تكون كبيرة.
الأطباء ليسوا هم من يتهافتون! الفكرة لا تقنعنا كثيراً، لكننا ننتقل الى اللبّ الى البرنامج الذي قد يحمي الطبيب والمريض… فهل المرشح لحظ المريض في حملته؟ يجيب سكاف: «واجبات النقابة ألا تحمي الطبيب بل أن تعطي المريض حقه، كل حقه، وأن تحمي في آن حقوق الطبيب. فحصانة الطبيب خط أحمر يُفترض ان تُصان والطبيب إذا أخطأ يُحاسب قانونياً لا إعلامياً. وسنعمل من أجل دفع مشروع القانون الخاص بهذا الى الهيئة العامة».
البروفسور البستاني يقترب في موقفه حيال الأخطاء الطبية من موقف سكاف فهو: مع التحقيق بالأغلاط، عبر النقابة، قبل المحاكمة! والسؤال البديهي هنا: هل سمعتم مرة بطبيبٍ يقول عن طبيب: مخطىء؟! الأطباء يحمون بعضهم.
مرشح مستقل؟!
أنطوان البستاني عرّف عن نفسه في مؤتمر صحافي: «أنا مرشح مستقل…» فهل هو حقاً مستقل؟ أليس مرشح قوى الثامن من آذار وأطباء التيار الوطني الحر؟ يجيب هذه المرة من عيادته من مستشفى السان شارل: «الكل يقولون أنهم مستقلون لكن هل تعرفين أحداً في لبنان لا يتبع خياراً سياسياً؟ هل تعرفين إنساناً لا لون له ولا طعم؟ في كل حال، يضيف، الخيار السياسي ليس عيباً. المشكلة في الارتهان السياسي وأنا لست مرتهناً الى أحد».
ماذا عن الدكتور سكاف؟ يقولون أنه في المقلب السياسي الآخر للدكتور البستاني فهل هذا صحيح؟ يجيب بنفسه: «انا مدعوم من الجامعة الأميركية ومن كل أحزاب الرابع عشر من آذار وهناك إشارات دعم في اتجاهنا من حركة أمل. نحن سنكسر الجدار بين الثامن من آذار والرابع عشر منه». رائع ما يقوله سكاف لكن ما الذي يتميز به يا ترى ليتمكن من إحداث هذا الثقب؟ يجيب: «البرنامج الانتخابي والخبرة في النقابة، ومهماتي في اللجنة العلمية في نقابة اطباء لبنان وموقعي كعضو مجلس تأديبي لثلاثة أعوام مضت. لدينا في اختصار إلمام في كل الملفات ونعرف تماماً آلام الأطباء. وكل هذا يجعل الفرصة امامنا أكبر».
اطباء أدبوا
دخلنا اللبّ مع قول الطبيب – المرشح انه عضو في المجلس التأديبي منذ ثلاثة أعوام فهل له ان يخبرنا كم طبيب أدب خلال ثلاث سنوات لغلطٍ ارتكب؟ يجيب: «أخذنا أكثر من خمسين قراراً بعدد من الأطباء تراوحت بين التنبيه واللوم وأخذنا ثلاثة قرارات بالتوقيف عن العمل مدة شهر وثلاثة أشهر وستة أشهر»، ويضيف: «إذا حالفني الحظ وانتخبت نقيباً للأطباء سأشجع سياسة باب النقابة المفتوح أمام الإعلاميين وسأعمل على تنظيم ظهور الأطباء الإعلامي تحت مظلة اللجنة الإعلامية بهدف تثقيف المواطن طبياً. الطبيب يفترض أن يكون المرجع الصالح والوحيد القادر على إعطاء المعلومة الطبية الصحيحة الى المواطن، وسياسة الإنكفاء التي اعتمدت في الأشهر القليلة الماضية أثبتت أن الإنكفاء يولد الفراغ ويجعل المعتدين على الكار، باسم طب الأعشاب، يبرزون! اللجنة العلمية في النقابة هي التي ستحدد من له من الأطباء الكفاءة ليتكلم في موضوع معين وإذا أخطأ وخرق المعايير يُحاسب».
طبيب يُحاسب طبيباً!
تُشبه هذه المعادلة أغنية: يا دارة دوري فينا! فالطبيب هو المخول أن يُحدد ما إذا كان الطبيب، زميله، قد أخطأ. ومعلوم أنه في القاموس الطبي هناك دائماً هامش للمضاعفات الطبية التي قد تحصل، بحسب الأطباء، مع كل طبيب في العالم، لهذا يجري الطبيب عادة، على ما قال الدكتور سكاف، تأميناً سنوياً ضد الأخطاء الطبية ويشرح: «نحن تهمنا طبعاً صحة المواطن وتهمنا أيضاً حماية الطبيب من ردات الفعل العاطفية التي قد تجتاح أهل المريض عند حدوث أي مضاعفات، فحدوث الحرارة يبقى مرجحاً بعيد كل عمل جراحي، ومثله هبوط الضغط… فليست كل المضاعفات أخطاء! وواجب النقابة أن تحمي الطبيب والمريض. والطبيب يُفترض ألا يحاسب في الإعلام بل أمام المحامي. حصانة الطبيب خط أحمر وسنصونها، وحقوق المريض أيضاً خط أحمر».
تفريخ اطباء
يوجد في لبنان 11 ألفاً و800 طبيب، يعني طبيب لكل 322 شخصاً. الرقم طبعاً كبير لذا ستعمل النقابة، بحسب كلا المرشحين، على الحدّ من تفريخ الأطباء! وهذا يٌصار بإلزام الجامعات بتخريج عدد معين من الأطباء أو ربما بتوجيه من يطمح الى امتهان الطب الى اختصاصات معينة لا أطباء كفاية فيها مثل طب العمل والطب المدرسي.
المرشحون الى مركز نقيب اطباء لبنان انطلقوا في حملاتهم عبر ندوات ولقاءات يجرونها مع الأطباء في المستشفيات. حملات الأطباء الانتخابية تُشبه في جوانب كثيرة حملات السياسيين الانتخابية. والوعود تكون كثيرة. البروفسور البستاني وعد بأن يرفع معاش الطبيب التقاعدي الى مليون ومئتي ألف ليرة بعدما نجحت النقابة في السابق من رفعه من 600 ألف ليرة الى 900 ألف. ما رأي الدكتور سكاف في الأجر التقاعدي المطلوب؟ يجيب بتصحيح: «لم يحصل الطبيب المتقاعد حتى هذه اللحظة على معاش 900 ألف، فأجر الطبيب التقاعدي ما زال 600 ألف ليرة! في كل حال سيكون أحد أبرز أهدافنا العمل على زيادة ملاءة الصندوق التقاعدي وقد وضعنا خطة في هذا الإطار تقضي برفع الأجر خلال كل ثلاثة أشهر مئة ألف ليرة وصولاً الى رقم المليون ليرة في حزيران (يونيو) 2014. في كل حال يفترض بنا مقابل كل مئة ألف ليرة زيادة أن نؤمن مدخول مليار ليرة سنوياً ونرى أن من حقنا كنقابة أن نفرض اثنين في المئة على الفاتورة الاستشفائية، مثلما تفعل بقية النقابات من محامين ومهندسين، عبر إلصاق طوابع».
التنافس على مركز نقيب أطباء لبنان يشتدّ. الأحلام كثيرة. الوعود كثيرة، والتمنيات أكثر. الأطباء لديهم طبعاً حقوق سنناضل معهم ليحصلوا عليها لكن ماذا عن حقوق المرضى؟ المرضى، في حمأة انتخابات النقيب الجديد والوعود المنهمرة يسألون سؤالاً واحداً: تُرى هل يفترض بالطبيب أن يتلو سنوياً قسم ابقراط بصوتٍ عالٍ علّه يتذكره مع مرور كل مريض؟.
نوال نصر