رئيسيمهرجان

مهرجانات صيف لبنان الدولية انطلقت والخليجيون عادوا

تجري الانتخابات النيابية أو تتأجل لأسباب تقنية؟ حكومة تكنوقراط أم وحدة وطنية؟ هل تقر سلسلة الرتب والرواتب أم تبقى في أدراج مجلس النواب؟ أسئلة بدهية في وطن يعيش على قاعدة القلق الدائم وترقب رياح ثورات الربيع العربي. لكن كل هذا في سلة، ومهرجانات صيف لبنان الدولية في سلة أخرى. من جونية، الى جبيل والبترون وصولاً الى بيت الدين وبعلبك، أسماء لفنانين أجانب وعرب عالميين وضعت على برامج المهرجانات. هم تلقوا الدعوة ولبوها بضمانة واحدة: حب الحياة فوق كل اعتبار، لكن هل يكفي ذلك في وجه الاعتبارات الأمنية الأخرى؟ واي جمهور سيملأ المدرجات؟ قد يكون الرهان على اللبناني في محله، أما الأهم فهو الرهان على تكليف الرئيس تمام سلام الذي بدأ يترجم بوصول طلائع السياح العرب والخليجيين، ويبقى امام اللبنانيين وزوار لبنان الخيار الأجمل والأصعب: ميشال ساردو أو «ياني» أو أمسية على صوت ميكا؟ هنا السؤال!

 

 

هي حتماً ليست لعبة رهانات، نربح «الصيفية» أو نلعبها صولد؟ في لبنان كل شيء مباح ووارد حتى فكرة قضاء موسم صيف على وقع اقدام السياح الخليجيين. وفي وقت كانت الحسابات تدور حول كيفية تقطيع موسم سياحي من دون مشهد لسائح خليجي أو سعودي، إذا بخبر تكليف الرئيس تمام سلام تشكيل حكومة جديدة بعد استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي يكسر كل التوقعات، ومن راهن على أن قرار عدم مجيء السياح العرب مرتبط بالوضع الأمني وجد نفسه أمام واقع جديد يختصر بقرار سياسي بحت. فالخليجي مدمن على السياحة في لبنان ويدرك زواريب اللعبة التي اختبرها على مدى عقود، وبالتالي لا شيء يحول دون مجيئه إلى لبنان إلا في حال وجود قرار سياسي وهذا ما بدا في مرحلة تولي الرئيس نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة.

عودة الخليجيين
اليوم تبدلت المعايير ولو كنا لا نزال في بداية الحكاية. لكن لا بأس كنقطة انطلاق، والدليل ما ذكره السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري عن طائرات عدة مليئة بركاب من السعودية والخليج حطت في مطار بيروت خلال الأيام الماضية، فيما سجلت مصادر فندقية تحسناً ملحوظاً  في التدفق السياحي إلى لبنان خصوصاً على مستوى السياح العرب والخليجيين. وكشفت هذه المصادر التي دعمتها مصادر ملاحية عن أنه بعد اسبوع على تسمية الرئيس تمام سلام لتأليف الحكومة ارتفعت نسبة الإشغال في الفنادق اللبنانية إلى ما نسبته 90 في المئة، كما ارتفعت نسبة الحجوزات على الطائرات الآتية من الخليج العربي إلى 97 في المئة. وهي أرقام تحكي وتفسر حركة التأهب لدى المعنيين في القطاع السياحي وتحديداً لجان المهرجانات الدولية. وتأتي هذه النفحة بعد كساد شهده القطاع السياحي خلال العام الماضي نتيجة التشنجات السياسية والاحداث الامنية المتنقلة من منطقة الى اخرى في البلد، فضلاً عن غليان الاوضاع الامنية في عدد من العواصم العربية المحيطة بنا وابرزها سوريا. كلها امور ساهمت بشكل مباشر في تعطيل المردود الايجابي لهذه المهرجانات والحفلات في الربوع اللبنانية.
هذه السنة لا شيء تغير على الصعيد الأمني. فعمليات الخطف مقابل فدية لا تزال سارية المفعول ولو بنسبة أقل بعد الكشف عن بعض الرؤوس المخططة والمنفذة لسلسلة هذه العمليات. والشيخ أحمد الأسير لا يزال يهدد ويعتصم ويقفل طرقات بدءاً من الجنوب وصولاً إلى بيروت. وأهالي المخطوفين في أعزاز يقفلون تباعاً الطرق المؤدية إلى المصالح التركية، وجبهة طرابلس على «صوص ونقطة». ماذا بعد؟

موسم المهرجانات… من جونية
نعم، إنه موسم المهرجانات… صدقوا! ولجان المهرجانات الدولية في لبنان وقعت عقودها مع الفنانين اللبنانيين والعرب والاجانب الذين سيشاركون فيها. ومن الاسماء التي باتت مشاركتهم مؤكدة: راغب علامة وميكا وميشال ساردو في جونية و«ياني» في جبيل، والاعلان عن نجوم مهرجانات بعلبك وبيت الدين قريباً… وعلى الطريق.
الأسماء حتماً تغري حتى غير المتحمسين لكسر طوق القلق والأمن المهزوز في البلد، فكيف بالنسبة إلى السياح العرب الذين بدأت تظهر طلائعهم؟

برنامج مهرجانات جونية الدولية لصيف 2013 الذي أطلق من نادي اليخوت في الكسليك حمل الكثير من الأبعاد الفنية والسياحية والوطنية. فباكورة المهرجانات التي انطلقت في دورتها الأولى مع الفنانة اللبنانيَّة ماجدة الرومي، واستضاف في العام الماضي الفنان الفرنسي شارل أزنافور والفنان البريطاني كريس دو بيرغ، يتلون هذا الصيف بألف لون ولون في أمسيات ساحرة، يحييها ثلاثي فني متميز ومتنوع، من خلال إطلالة الفنان الفرنسي ميشال ساردو في 29 حزيران (يونيو)، والفنان اللبناني راغب علامة في 30 حزيران (يونيو)، والفنان اللبناني – البريطاني ميكا في 3 تموز (يوليو)، الذي أصر على إطلاق  ألبومه الثالث في هذا المهرجان، وذلك في مجمع فؤاد شهاب الرياضي.
أما على المستوى السياحي فالمهرجان نُظم بالتعاون مع جمعية اصدقاء المدينة وعلى رأسها رئيس جمعية الصناعيين نعمة افرام لإعطائه قيمة مضافة وبعداً دولياً. واللافت أن المعنيين وضعوا الإصبع على الجرح من خلال الإقرار بأن المهرجانات الصيفية تحل على الرغم من الشدائد التي تعصف في بعض دول منطقة الشرق الاوسط، إضافة إلى الصعوبات والتحديات والاستحقاقات التي يمر بها لبنان، لكنها ليست مبرراً لأي عذر في التراجع أو التباطؤ في العمل والتنفيذ، خصوصاً في ما يتعلق بالمشاريع الانمائية والسياحية والثقافية.

رهان وضمانات
المسؤول عن جهاز الإعلام في مهرجانات جونية جو بعينو أكد أن الرهان على القلق والوضع الأمني المهزوز ما عاد يفيد احداً: «نحن طلاب حياة ولا نقبل أن تهزمنا الظروف المتقلبة، من هنا وضع القيمون على المهرجان أسماء لكبار الفنانين تماماً كما في العام الماضي مع شارل أزنافور وكريس دي بيرغ. يومها وضع كثر يدهم على قلبهم وكانت هناك خشية كبيرة من الا تباع البطاقات أو يحصل طارىء أمني. لكن المفاجأة كانت عكسية». وهذا مبرر طبعاً بحسب بعينو، فـ «لبنان في أذهان كبار الفنانين العالميين يجسد صورة سويسرا الشرق وهو لم يتغير على رغم الحروب التي مرت عليه. وهذا الحنين هو الذي يشجع كبار الفنانين العالميين على تلبية دعوات رؤساء لجان المهرجانات الدولية. طبعاً إلى جانب الضمانات التي نقدمها لهم».
لكن عن أية ضمانات يمكن أن نتكلم طالما أنها غير مكفولة حتى في يد من يفترض أن يكفلوها؟
ينطلق بعينو من التحضيرات اللوجستية التي تفرضها حفلات كبار الفنانين إن على مستوى التقنيات أو الإضاءة أو الترتيبات، وهي كلها متوافرة. لكن ماذا عن الأمن «المهزوز»؟ يجيب بعينو: «هناك طبعاً تنسيق بين الفنان وسفارة بلاده وقد يستفسر من المعنيين فيها عن الأوضاع الأمنية. لكنه في مطلق الأحوال مدرك أنه آت إلى لبنان، هذا الوطن الذي حفر فيه الكثير من الذكريات والحنين. وهذا ما حصل مع أزنافور ودي بيرغ خلال العام الماضي. وهذه السنة مع الفنان العالمي ميشال ساردو والفنان اللبناني – البريطاني ميكا،اللذين وافقا على المجيء إلى لبنان من دون تردد».
وماذا لو خسر الجميع الرهان وحصلت خضة أمنية معينة؟
«الخسائر ستكون حتماً مادية لكننا على ثقة من أن الوضع سيكون أفضل». اما عن جمهور مهرجانات جونية، فيؤكد بعينو أنه منوع ويلبي جميع الشرائح العمرية. هذا على المستوى اللبناني. أما بالنسبة إلى السياح فالإتكال على المغتربين دون سواهم. ونأمل خيراً».
أجواء تفاؤلية، ليس في الكلام فقط. فمهرجانات جونية تمكنت خلال 3 سنوات من تحقيق قفزة نوعية حيث نجحت اللجنة القيمة في تكريسها على قائمة المهرجانات الدولية في لبنان، ان من حيث استقطابها الناجح لعشاق الفن، او من حيث الحرص على تأمين التنوع في البرنامج لمخاطبة جميع الاذواق والاعمار كما ثبتت دورها الثقافي والسياحي. لكن المطلوب أكثر. والمطلوب بحسب وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال فادي عبود «تكثيف الترويج الخارجي وتحديداً عند وجود فنانين عالميين في لبنان بحيث يتم استثمار الحدث  بطريقة ذكية عبر الترويج المباشر وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. فهذه الاحتفالات في حد ذاتها تسقط الصورة السلبية والمغلوطة عن الحالة الامنية في لبنان».

ليالي بيبلوس مع ياني
ومن جونية إلى جبيل، المدينة العريقة التي حصدت مؤخراً جائزة افضل مدينة سياحية عربية، وتزامن هذا الحدث مع إطلاق وتحضير برنامج مهرجانات بيبلوس الدولية. رئيسة اللجنة لطيفة اللقيس أكدت أن اصرار اللجنة على تحدي منطق الواقع الأمني والسياسي في البلد ينطلق من «إيماننا بدورنا من خلال هذه المهرجانات، ورغبتنا في الحفاظ على الوجه الحضاري للبنان على رغم العقبات والمشاكل التي تصدر إلى الخارج». ولم تستثن اللقيس دور الشباب اللبناني في إحياء وإنجاح ليالي مهرجانات بيبلوس «فهو محور اهتماماتنا ونحرص على أن نقدم له برنامجاً فنياً يرضي احلامه وذوقه، ويكون موازياً لمستوى المهرجانات التي تقدم في الخارج».
المردود الإقتصادي الذي تؤمنه المهرجانات يحسب له ألف حساب، فمهرجانات بيبلوس باتت من الثوابت الإنمائية إلى جانب دورها السياحي بحيث تساهم في إنعاش القطاع
الإقتصادي وتحرك عجلة السياحة والتجارة في المنطقة أثناء موعد عرضها. أما على المستوى الإجتماعي فهي من دون شك «عامل أساسي لإبعاد شبح القلق الذي نعيشه منذ 30 عاماً ولن نستسلم له».
هذه الأجواء الإيجابية التي تبثها لجان المهرجانات الدولية لا بد أن تنعكس على اختيار الفنانين العالميين وحركة شراء البطاقات. والظاهر أن التجربة ضربت في مكانها مع اختيار لجنة مهرجانات بيبلوس الفنان العالمي «ياني»، حيث بيع في اليومين الأولين ما يقارب الـ 800 بطاقة. اما الضمانات التي تعطى للفنان بحسب اللقيس فتشمل الوضع الأمني والسياسي: «نحن نشرح له حقيقة الوضع في لبنان والمنطقة ويمكنه التأكد من صحة المعلومات من خلال سفارة بلاده. لكن الثابت أنه يلبي الدعوة من دون تردد كما سواه من الفنانين الأجانب الذين أحيوا ليالي مهرجانات بيبلوس لأنه يعشق لبنان ومؤمن بعشق شعبه للحياة والفرح والموسيقى. والحمدلله أن جمهورنا الذي يعتمد على الشباب اولاً «ببيض الوجه» أما السائح العربي والأجنبي فيحلان في المرتبة الثانية والظاهر أننا على موعد معهم هذا الصيف من جديد، لكن اللبناني «مكفي وموفي» كما تؤكد اللقيس.

حجوزات تبشر بالخير
مع بداية السنة أطلق المجلس اللبناني خطة لجذب السياح، تقوم على حسومات بنسبة 50 في المئة على مدى 50 يوماً، وشملت أسعار تذاكر السفر والفنادق واستئجار السيارات الى جانب عروض خاصة في أسعار المطاعم والتسوق، بهدف الترويج للسياحة وجذب فئة جديدة من السياح المحتملين من أوروبيين وأميركيين وكذلك من الإغتراب اللبناني. الخطة أثمرت حركة بلا بركة لأن الإتكال كان على السائح العربي الذي كان لا يزال خاضعاً لتحذيرات حكوماته من المجيء إلى لبنان. اليوم تغير الوضع بعد استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، أقله على مستوى الحجوزات بحسب مستشار وزير السياحة ميشال حبيس وهذه الأجواء التي يؤكد عليها تأتي على خلفية قرار سياسي. أما على مستوى الضمانات فهي لا تدخل في إطار صلاحيات الوزارة. فـ «الفنان الأجنبي يتواصل مع سفارة دولته وإذا كانت لديه أية شكوك فإنه يثيرها مع ديبلوماسيي السفارة وليس مع لجنة المهرجان أو وزارة السياحة. لكن الثابت أن الكل مطمئن بدليل أن احداً من الفنانين لم يلغ الحجز».
الحجوزات التي بدأت على شبابيك التذاكر يغلب عليها الطابع اللبناني لكن هناك أيضاً حجوزات لسياح خليجيين وأجانب، بحسب حبيس، وهي تتم عبر مواقع التواصل الإجتماعي. ومع أنها لا تزال قليلة إلا أنها تبشر بالخير. ولفت حبيس ايضاً إلى مهرجانات القرى التي تستقطب عدداً كبيراً من المغتربين الذين يفضلون المجيء إلى قراهم والمشاركة في مهرجاناتها التراثية، بدلاً من السفر إلى إحدى الدول الأوروبية. أما على الخط السياحي فالواضح أن «السائح الخليجي لا يستبدل لبنان بأي بلد أوروبي أو عربي آخر. ومجرد تلقيه إشارة إيجابية على مستوى القرار السياسي فهو حتماً سيحجز على أول طائرة لأن سلة الخدمات السياحية التي يحصل عليها في لبنان لا يمكن أن تتوافر في اي بلد آخر».

تنسيق برنامج المهرجانات
الحملة الإعلانية التي أطلقتها وزارة السياحة بداية السنة ستستكمل مع بداية موسم الصيف بحملة إعلانية ضخمة. ولفت حبيس إلى أن الوزارة لا تتدخل مطلقاً في برنامج المهرجان، «إلا أنها تتمنى على اللجان التنسيق في ما بينها حتى لا يتزامن عرض فنانين عالميين مثلاً في الليلة عينها ويتسنى للجمهور المشاركة في كل الحفلات مع تمديد مدة السياحة والحركة الإقتصادية في البلد. لكن يحصل أحياناً أن يكون الفنان مرتبطاً بمواعيد أخرى مما يضطر اللجنة إلى الإخلال بهذا التعهد. وعلى المستوى المالي تقدم الوزارة مساهمة مالية للمهرجانات الدولية وهي كناية عن قيمة مالية معينة تتفاوت سنوياً بحسب الميزانية المرصودة من قبل الوزارة كما تمد يد العون في حال وجود أية عراقيل في معاملات دخول مجموعة من السياح العرب أو الأجانب وذلك عن طريق التدخل لدى الأمن العام ووزارة الخارجية لتخليص المعاملات بالسرعة المطلوبة وتأمين دخولهم إلى لبنان.

الى بعلبك وبيت الدين
الحركة في لجنتي مهرجانات بيت الدين وبعلبك مكوكية. والثابت أن الدعوات ستشمل أسماء فنانين عالميين لكن حتى الساعة لم يعلن عنها. المسؤولة في لجنة مهرجانات بعلبك مايا حلبي أكدت على  أن برنامج مهرجانات بعلبك الدولية سيعلن في مطلع شهر أيار (مايو) المقبل من دون الإعلان عن أسماء الفنانين المشاركين. وكذلك الحال مع مهرجانات بيت الدين حيث العمل يجري على وضع اللمسات الأخيرة للإعلان عن البرنامج في شكل رسمي أيضاً بداية شهر أيار (مايو) المقبل. وفي انتظار ساعة الصفر لا يبقى إلا أن نأمل بصيفية واعدة، إلا إذا حصل ما ليس في حسبان منظمي لجان المهرجانات، لكن الخطة البديلة موجودة، والإتكال سيكون على الجمهور اللبناني، فهل يبيض صفحة مهرجانات صيف لبنان الدولية؟.

جومانا نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق