دولياترئيسي

الفراديس الضرائبية… مشكلة الحكومات

200  دولار تكفي لتأسيس شركة في ديلاوير، ثاني اصغر ولاية في اميركا. ولكن صاحبها في حاجة الى ان يدفع 49 دولاراً اضافية في السنة، الى عميل معتمد لدى السلطات المحلية. انها الشروط الوحيدة المفروضة، لتأسيس شركة وهمية. وتشرح صفحة الولاية الانترنيتية، كيفية العمل، بتفصيل. ويصبح في استطاعتك ان تنشىء عبر هذه المؤسسة شركات اخرى، في اي واحد من 80 مكاناً في العالم، من دون ان تكشف عن هوية صاحب هذه المؤسسات الحقيقية.

تصنف ولاية ديلاوير الاميركية، منطقة «اوف شور» وهو الاسم الذي يطلق على الفراديس الضرائبية. واللافت ان النشاط في هذه الاماكن، راح يزداد، مع تعاظم الازمة الاقتصادية في العالم، بالرغم من الجهود التي بذلتها المنظمات الدولية، للحد منها، وكنا اشرنا، في عدد سابق الى دراسة قام بها التجمع الدولي لصحافيي التحقيقات، كشفت ان 130 الف سياسي ورجل اعمال، من كل انحاء العالم، يعتمدون الفراديس الضرائبية لممارسة اعمالهم التجارية واخفاء ودائعهم المالية. ويظهر في لائحة الفاعلين رئيس اذربيجان الهام عالييف.
مشكلة الفراديس الضرائبية، ليست جديدة وتبدو في كل مرة، اكثر تعقيداً واكثر صعوبة، لتبريرها من قبل الدول التي تمارسها لكن الاحتفاظ بودائع مالية خارج اراضي الوطن، لا يشكل جريمة، ويصبح الامر كذلك، عندما يكون الهدف، التهرب من الضرائب، وخصوصاً، اذا كان مصدرها غير شرعي. وفي هذا الوصف، غير الواضح كل الالتباس.

مأساة قبرص
وجاءت مأساة قبرص، التي انقذتها اوروبا، بعد محاولة جعل ودائع الصغار تدفع ثمن الاعيب المصارف، تكشف المشكلة التي تختبىء وراء هذه التشريعات الغامضة.
وتستمر قبرص فردوساً ضرائبياً، لدول اوروبية غربية، وتستقبل عاصمتها نيقوسيا، اموالاً روسية تقدر بثلاثين مليار دولار، تشكل نصف ودائعها المصرفية، التي تبلغ اربعة اضعاف، ناتجها المحلي الخام، وهو امر غير طبيعي. ففي اسبانيا، مثلاً، التي تعتمد قبرص فردوساً ضرائبياً، لا تشكل الودائع المصرفية اكثر من ضعف ناتجها المحلي الخام.
وليست قبرص، شأن ولاية ديلاوير، الاميركية ظاهرة فريدة. ففي جورج تاون، عاصمة جزر تيمان، بناية بيضاء اللون، ذات خمس طبقات. ودرابزينات حمراء، سكان المدينة يعرفون المبنى الذي يستقبل اكثر من 18500 شركة باسم «اوغلاند هاوس». وكان الرئيس باراك اوباما، اشار اليه في معركته 2008 الانتخابية بالقول: «اما انه اضخم مبنى في العالم، واما انه اضخم مؤسسة معروفة، لتبييض الاموال». وفي استطاعتك ان تجد مثل هذا الفردوس الضرائيبي، في دول مثل سويسرا، واللوكسمبورغ، والجزر البريطانية، وحتى «السيتي» اللندنية.
وطالما ساهمت الازمات وعمليات تهريب الرساميل والتدابير الضرائبية القاسية في تنشيط العمل في جزر الكنوز المخفية، ويجزم خوان فرنانديز فيغيراس واضع كتاب «الكازينو الذي يدير شؤون العالم»: «ان في استطاعتنا القول، بكل تأكيد، ان نشاط الودائع في الفراديس الضرائبية، ازداد».

زيادة الودائع
ففي سنة 2011، ازدادت الودائع الاجنبية في بلاد التشريعات الغامضة، اكثر من 2 في المئة حسب حسابات البنك الدولي للودائع، بالرغم من الصعوبات القائمة، في وجه الحصول على ارقام صادقة عن الاموال المتداولة، وتبقى الدراسة الاكثر تداولاً في هذا المجال، والاكثر شهرة، تلك التي وضعتها المنظمة التي تنشط من دون ان تسعى الى الربح المادي، «ضرائب وعدالة». وتقدر الوثيقة التي قدمتها في تموز (يوليو) من السنة الماضية، بين 21 و32 بليون دولار، الاموال التي جرى تهريبها الى الفراديس الضرائبية، في سنة 2010، وتقدر ان هذه المبالغ توازي ربع الثروة  العالمية. ويستنتج جيمس هنري المساهم الاكبر في الدراسة ان هذه الممارسة تجعل الفوارق بين الاغنياء والفقراء اكبر بكثير مما يعتقد، في معنى ان الفقراء يدفعون ضرائب اكثر، نتيجة الازمة الاقتصادية بينما يعمد الاغنياء الى تهريب ثرواتهم.
دراسة اخرى وضعتها منظومة «غلوبال فايننشال انتيغريتي، تقدر الاموال التي جرى تهريبها في سنة 2010 الى الفراديس الضرائبية، بـ 860 مليون دولار. وتعتقد سوزانا رويز، من مؤسسة اوكسهام: «ان قسماً كبيراً من هذه الاموال، يأتي من نشاطات مؤسسات، وان في ما يجري، قدراً قليلاً من الشفافية»، وتردف البحاثة: «واننا نعتقد ان قسماً كبيراً من الاموال المودعة في الفراديس الضرائبية، يأتي من نشاطات غير شرعية، مثل الارهاب، والمتاجرة بالمخدرات ام بيع الاسلحة. ولكن اكثر من نصف هذه الرساميل، يأتي من شركات كبيرة متعددة الجنسيات».
مثل عملي، يعطيه بلومبرغ: «ان شركة غوغل، خفضت فاتورتها الضرائبية الى الفي مليون دولار، في سنة 2011، بتحويل 9900 مليون دولار، الى شركة وهمية في جزر برمودا، اي ما يوازي ضعف السنوات الثلاث السابقة.
وتقضي الممارسة، بأن تنشىء الشركات المتعددة الجنسيات الكبرى، شركات وهمية من اجل ان تدفع ضرائب اقل. ويحصل هذا الامر، في مختلف انحاء العالم.
وتبرز المشكلة، عندما يصل الامر الى تحديد هوية الفردوس الضرائبي. فارقام الامم المتحدة تشير الى اوضاع غير شفافة في 74 دولة، بينما تشير دراسات اخرى الى وجود 89 حالة قانونية غير متعاونة.
المنظمة الاوروبية للتعاون الاقتصادي، وصفت في سنة 1998 الفراديس، في المناطق المنخفضة الضرائب وذات اللا-شفافية المالية المرتفعة، ثم نشرت لائحة بـ 35 بلداً ومنطقة اعتبرتها فراديس ضرائبية.

تبادل معلومات
وضعت المنظومة الاوروبية قواعد تنصح بها الدول التي ترغب بعقد اتفاقيات تبادل معلومات معها، من اجل حذفها من اللائحة السوداء. وكانت تلك القواعد تفرض على هذه الدول، توقيع 12 اتفاقية تبادل معلومات. بينما يشير خوسيه ماريا بيلاييز، من منظمة المفتشين الضرائبيين، من ان عدداً من الدول القليلة الشفافية تقيم اتفاقات مع فراديس ضرائبية اخرى.
وتشكل السرية المصرفية، جزءاً من مفتاح الفراديس. فعمدت النمسا، منذ ايام الى التبليغ عن انها ستحافظ على سريتها المصرفية، بالرغم من كل شيء، بينما اعلنت اللوكسمبورغ، انها ستعتمد ليونة في هذا المجال.
واذا كانت الولايات المتحدة تقوم بالضغط على هذه الدول، بما فيها سويسرا، من اجل ان تسهل لها الحصول على معلومات عن الحسابات المصرفية، من اجل الضغط على متهربين محتملين من الضرائب، فانه سيكون من الصعب عليها، ان تضغط، اذا عمد هؤلاء الى انشاء شركة وهمية في
ولاية ديلاوير، مثلاً.
ومن المؤكد، ان روبرت لويس ستيفنسون،. لم يكن يفكر، عندما كتب «جزيرة الكنز»، ان عنوان كتابه سيعتمد لوصف الفراديس الضرائبية، والا لما كان بطل قصته الشاب جيم هوكس، وضع كنز جون لونغ سيلفر، في تلك الجزيرة الصغيرة، من بحر الكاريبي البريطاني ولكان وفر على نفسه كمية كبيرة من الضرائب.
وعلى هامش كل ما سبق تمر العلاقات بين فرنسا وسويسرا، بحالة تشنج متزايد بسبب السرية المصرفية، والتهرب من الضرائب، مما يؤدي الى حرمان الخزينة الفرنسية، مما يتراوح بين 60 و80 مليار يورو في السنة. وتتزايد الضغوط السياسية والقضائية، التي تمارسها باريس على برن، مع توالي التسريبات والفضائح.

اتهامات
واشارت جريدة «لو موند» الى ان القضاء الفرنسي، اتهم ثلاثة من اداريي بنك اتحاد المصارف السويسرية (يو. بي. اس) بانهم اشرفوا على مدى سنوات على شبكة تجارية ناشطة، من اجل اجتذاب اثرياء مشهورين وعاديين، لايداع اموالهم في سويسرا. وفي هذا السبيل، وضع المحققون، لائحة بـ 353 مودعاً محتملاً وتعدت الودائع الحقيقية 850 مليون يورو.
وعمد القاضيان، غيوم داييف وسرج تورنير، بعد تفتيش مكاتب المصرف السويسري في عدد من المدن الفرنسية، في اطار التحقيق حول «تبييض اموال وتهرب من الضرائب»، الى اتهام لوزان لورنتز، مدير فرع المصرف السويسري في مدينة ستراسبورغ، وهرفيه دالوين، مدير فرع مدينة ليل، السابق، وباتريك دو فايه، المسؤول عن اتحاد المصارف السويسرية في فرنسا، وتشمل التحقيقات نشاطات البنك في فرنسا على مدى السنوات الثماني الاخيرة.
ولعل الحالة الاكثر اثارة هي الاتصال بالجزار، باسكال بران، بعد ان ربح 28 مليون يورو، في لعبة اللوتو، في سنة 2004، لاغرائه بايداعها في سويسرا.
وكانت هذه الناحية من العلاقات المالية بين البلدين، تفجرت، عندما رفضت سويسرا الكشف عن علاقة الوزير الفرنسي السابق، كاهوزاك، بالمصارف السويسرية وانفجار فضيحة مدوية في فرنسا.
وتطالب فرنسا، بتسليمها لائحة بزبائن فرنسيين، لحوالي 50 من عملاء اتحاد المصارف السويسرية، الذي في استطاعته الانصياع ام الاعتراف بمسؤوليته، فيتجنب ادانة قضائية، لا تعفيه من دفع عقوبة مالية، مرتفعة جداً.

اتهام ساركوزي
وكان احد الذيول الاخرى لفضيحة الوزير كاهوزاك.، دعوة كل الوزراء والنواب الى الاعلان عن ثرواتهم المنقولة وغير المنقولة، ومنع كل من يدينه القضاء، من تولي مهام المسؤولية في الحكومة والبرلمان.
وفي تطور آخر، في اطار «الشفافية» و«النظافة» فتح القضاء الفرنسي، تحقيقاً عدلياً لمعرفة ما اذا كان الرئيس السابق نيقولا ساركوزي، مول معركته الانتخابية باموال من القذافي كما اتهمه عميل الاسلحة اللبناني – الفرنسي، زياد تقي الدين، الذي كان اعتقل منذ سنوات في مطار شارل ديغول في باريس، وفي حقيبته مليون يورو. قال انها من القذافي لتمويل معركة ساركوزي الرئاسية الاولى.
بينما حض وزراء مالية «مجموعة العشرون» المجتمع الدولي، على الغاء السرية المصرفية، وجعل تبادل المعلومات الاوتوماتيكي، «قاعدة عامة» على النطاق العالمي.

ج. ص

الفراديس الضرائبية
اندور
جزر الانتيل الهولندية
اروبا
بروني
قبرص
جبل طارق
هونغ كونغ
جزر الانتيل
باربودا
باهامس
باربادوس
برمودا
جزر كايمان
جزر كوك
جمهورية الدومينيك
غرناطة
فيجي
جامايكا
مالطا
جزر المالوين
جزيرة مان
جزر ماريانا
جزر ماوريسيوس
ناورو
جزر سالومون
سان فينشنته وجزر غراناديناس
سانتا لوتشيا
ترينيداد
جزر توركس وكايكوس
فانواتو
جزر فيرجين البريطانية
جزر فيرجين الاميركية
ليبيريا
ليتشنشتاين
اللوكسمبورغ
ماكاو
موناكو
باناما
سان مارينو
جزر سايشل
سنغافورة
البحرين
الامارات العربية المتحدة
الاردن
لبنان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق