رئيسيسياسة عربية

العراق: المالكي يعود الى القبضة الحديدية واحكام الاعدام

بات من حق رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ان يباهي امام خصومه وحلفائه على حد سواء، بأنه اضاف الى رصيده من المكاسب والنقاط السياسية رصيداً اخر استراتيجياً جديداً. فهو نجح في اجراء الانتخابات المحلية، وهي الاولى التي تجري في غياب الاحتلال الاميركي عن بلاد الرافدين، والثانية من نوعها التي تجري في عهد ما بعد نظام صدام حسين.

بصرف النظر عن نتائج هذه الانتخابات وما شابها من ملابسات وسلبيات، فان الاكيد ان المالكي كسب الرهان الاكبر لانه بات من المعلوم ان هذه الانتخابات من ألفها الى يائها، جرت في ظروف واجواء محفوفة بالمصاعب والمخاطر، وجرت ايضاً وسط تحديات كبرى امنية وسياسية في آن معاً.
فمن المعلوم ان اعداء المالكي، تعمدوا تصعيد عملياتهم الارهابية عشية هذا الاستحقاق وابّانه. فعلى سبيل المثال، نجح هؤلاء في تفجير 20 سيارة مفخخة وعشرات العبوات في اوقات متزامنة قبل نحو 4 ايام من موعد توجه الناخبين البالغ عددهم 14 مليوناً الى صناديق الاقتراع، مما اوقع اكثر من 320 ضحية بين قتيل ومصاب. وطاولت هذه العمليات العاصمة بغداد ومعظم المناطق العراقية، فضلاً عن مطار بغداد نفسه وهو حدث نادر.
لقد كان هذا التصعيد الامني المخيف السمة العامة لاسبوع الانتخابات. الانفجارات والعمليات الارهابية ليست امراً جديداً على الساحة العراقية لكن المراقبين وجدوا في ثنايا ما حصل من تصعيد اخيراً، نوعاً من عود على بدء، اذ تذكروا عمليات التفجير الواسعة النطاق التي كانت تجري في مرحلة ما بعد سقوط نظام صدام حسين، عند كل استحقاق ديموقراطي او محطة انتخابية مفصلية حاسمة، تكرس عملية الانتقال السياسي من جهة، وتؤسس لواقع سياسي جديد ومختلف من جهة اخرى.

رسالة الخصوم
واذا كان اعداء المالكي يعلمون تمام العلم بأن هذا النوع من التصعيد لم يمنع استحقاقاً ديموقراطياً من التحقق، فالثابت ان هؤلاء ارادوا ان يوصلوا الى من يعنيهم الامر رسالة ذات مضامين وابعاد اخرى، فحواها ان هؤلاء الخصوم ما زالوا حاضرين وفاعلين بقوة، وانهم ما برحوا قادرين على الفعل والتأثير في المشهد السياسي والامني العراقي خلال المحطات المهمة.
وبمعنى اخر، كان واضحاً ان هذا الفريق المعادي للمالكي وللتركيبة السياسية التي يتربع هو على رأسها، شاء ان يكرس المعادلة الامنية – السياسية التي يعمل بوحي منها، منذ ان بدأ الاحتلال الاميركي للعراق يعمل على اشادة بنيان اسس التركيبة السياسية الحالية.
وقوام هذه المعادلة انه في مقابل تركيبة الحكم الحالية، ثمة تركيبة اخرى في امكانها التهديم والترهيب والاعتراض ساعة تشاء، وعندما ترى الظروف مناسبة ومؤاتية. والراصد لحركة هذا الفريق وفعله الميداني، بات يدرك تمام الادراك ان عملية التخريب الامني التي دأب على ممارستها صارت مرتبطة بمناسبة سياسية معينة وحدث سياسي مفصلي بحد ذاته.
وفي مقابل ذلك، فإن المالكي يمضي قدماً في خيار التحدي بمواجهة اعدائه، اذ بادر اخيراً الى تنفيذ حكم الاعدام بمجموعة اخرى (21 شخصاً) من المدانين بجرائم الارهاب، كاشفاً على لسان وزير العدل في حكومته حسن الشمري، وجود 1400 سجين صدرت بحقهم احكام بالاعدام.
وهذا يعني ان المالكي ماض في تجاهل الدعوات التي  وجهتها اليه سابقاً «القائمة العراقية» المعارضة بزعامة اياد علاوي، بتجميد تنفيذ كل احكام الاعدام، انطلاقاً من اعتبارين.
الاول: ان ثمة احكاماً تتعين اعادة النظر فيها.
الثاني: ان المعارضين للمالكي والذين نزلوا الى ساحات الاعتصام في العديد من المدن في المحافظات الوسطى، رفعوا في مقدم مطالبهم شعارات الدعوة الى وقف تنفيذ احكام الاعدام واطلاق سجينات وسجناء ووقف عمليات الاعتقال وما يتصل بذلك.
والمعلوم ان حكومة المالكي بادرت في سياق تجاوبها مع مطالب المحتجين والمعتصمين ولاسترضائهم، الى اطلاق آلاف السجناء والسجينات وسرعت من المحاكمات ولكنها عادت الى تنفيذ احكام الاعدام بعدما كانت اوقفتها لبعض الوقت.

تنفيذ احكام الاعدام
وفي كل الاحوال، بدا واضحاً ان عمليات تنفيذ احكام الاعدام بحق المدانين بجرائم ارهابية في العراق واعلان العزم على السير بها حتى تنفيذها بحق 1400 مدان، صارت مكوناً اساسياً من مكونات نهج حكومة المالكي لمواجهة هجمة اعدائه عليها، ولا سيما على المستوى الامني. فهذه الحكومة التي قصرت عن خفض منسوب العمليات الارهابية المتنقلة والتي تضرب ضربات موجعة في اكثر من منطقة، ورغم كل التهديدات والوعود التي اطلقتها سابقاً وبشكل متكرر لاجتثاث الارهاب من جذوره او تقليم اظافره على الاقل على نحو يحول دون استمراره في ضرباته القاتلة والموجعة، ورغم ان هذه الحكومة عمدت تكراراً الى رفع عديد القوى الامنية وزيادة عدد الاجهزة المولجة مكافحة العمليات والمجموعات الارهابية وضبط الاوضاع، فضلاً عن ان هذه الاجهزة والقوى تتخذ دوماً اجراءات وتدابير احترازية متشددة.
ولم يعد خافياً ان خصوم المالكي وحتى حلفاءه يأخذون على حكومته دوماً تقصيرها في حماية المواطنين والمنشآت وحتى في حماية مقرات القوى الامنية ومراكزها وحواجزها نفسها.
واللافت ان حكومة المالكي واجهزتها الامنية المعنية عادت في الآونة الاخيرة، الى التغطية على اخفاقاتها المتعددة واستعادة هيبتها وحضورها من خلال اللجوء الى امرين:
– الاعلان المتكرر عن القبض على امور عسكرية في «دولة العراق الاسلامية» وهو الاسم الذي يتخذه تنظيم «القاعدة» في العراق لنفسه.
وبصرف النظر عن دقة هذه المعلومات، فإن ذلك بحد ذاته يعد نقطة ضعف تسجل في خانة حكومة بغداد، التي سبق لها واعلنت مراراً وتكراراً انها وضعت حداً لوجود تنظيم «القاعدة» في العراق، على نحو حد كثيراً من حركتها ومن قدراتها على الفعل والتأثير.
– عودة حكومة المالكي الى الحديث عن دور لحزب البعث المنحل وعن انها مستمرة في ملاحقة قياداته وكوادره.
فقد اعلنت الاجهزة العسكرية والامنية لحكومة المالكي عن انها على قاب قوسين او ادنى من القبض على نائب الرئيس العراقي السابق والامين العام لحزب البعث العراقي المنحل عزت الدوري، وهو اخر قيادي بارز في النظام السابق بقي على قيد الحياة وخارج الاسر ونجح في التواري.
والمعروف ان هذا الرجل بات شبحاً، فأحياناً يقال انه مات واحياناً اخرى يقال انه ما زال على قيد الحياة يقود ما تبقى من تنظيمات حزب البعث الذي حكم العراق بيد من حديد من الفترة الممتدة من عام 1968 وحتى لحظة الاجتياح العسكري الاميركي لهذا البلد في نيسان (ابريل) 2003.

ابرهيم بيرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق